Tuesday, February 2, 2010

رسالة إلى الرئيس حسنى مبارك من : د. علياء رافع


أحب في في البداية أن أعبر لكم كمواطنة مصرية عن شكري وامتناني لما تبذلونه من جهد لحماية أمن مصر داخليا وخارجيا،  وقد اختلف في رؤيتي لبعض القضايا مع فخامتكم، ولكن ما يؤثرني حقا ويطمأنني لقيادتكم هو ذلك الإصرار على ألا تدخل مصر في صراعات وحروب لا ضرورة لها ولا فائدة ترجي منها، وثباتكم في مواقفكم الوطنية المشهودة، وتحكيم النفس عندما تكون هناك استفزازات تريد أن تزج بمصر في مستنقع العداء والصراع،  فتجيء قراراتكم  حاسمة قوية،  فلا يكون قراركم مبنيا على الفعل ورد الفعل، بل من أجل مصر والمصريين. وإنه ليسعدني أن أعبر لكم عن امتناني العميق لهذا الحس الوطني العالي الذي جعلني والمصريين نشعر بأننا بفضل الله ورعايته في أيد أمينة.
إن إطمئناني إلى وطنيتكم وصادق رغبتكم  في خير هذا الوطن، هو ما دفعني إلى الكتابة المفتوحة إليكم في قضية من أخطر القضايا التي تهدد أمننا الوطني، ألا وهي التشدد الديني والتطرف الفكري الذي يهدد وحدة هذا الوطن وأمنه.  
فخامة  الرئيس، لقد قرأت واستمعت إلى نقدكم  للخطاب الديني في الكلمة التي ألقيتموها بمناسبة الاحتفال بالعيد الثامن والخامسين للشرطة، وأسعدني  - كما أتصور أنه أسعد كل صاحب فكر حر - إبداءكم لهذه الملاحظة الفطنة. وقولكم بالحرف الواحد أننا في حاجة إلى:
«خطاب دينى، يدعمه النظام التعليمى والإعلام والمثقفون، يؤكد قيم المواطنة، وأن الدين لله والوطن للجميع، وينشر الوعى بأن الدين هو أمر بين الإنسان وربه، وأن المصريين بمسلميهم وأقباطهم شركاء وطن واحد، تواجههم ذات المشكلات، ويحدوهم ذات الطموح لمستقبل أفضل»
ولأننا اعتدنا أن نجدكم مستجيبين لمطالب الجماهير، ومعدلين لكثير من القرارات التي تضر بمصالحها، فإن تصريحكم بأن هناك حاجة إلى خطاب ديني يرفع التعصب بين عنصري الأمة قد شجعني على أن أتوجه إليكم على هذه الصفحة التي ترحب بقلمي وتتيح مساحة واسعة لحرية الرأي والموضوعية في النقد.
ولأنني أدين بدين الإسلام، فلن أتحدث عن الخطاب الديني المسيحي، فهذا ليس شأني، ولست مؤهلة للخوض فيه، ولكنني أريد أن أشير إلى الخطاب الديني  الإسلامي الذي يملأ قاعات الدرس في النظام التعليمي وما يذخر به من توجهات نحو ترسيخ التفرقة بين المسلمين وأصحاب الديانات الأخري،  إذ يتلقي أبناؤنا في فصول الدراسة ما يشحن مشاعرهم ضد غير المسلمين بإعتبارهم "كافرون" أو "غير موحدين".  ولأن مداد قلمي وأقلام غيري قد نضب من الكتابة في مقاومة هذا الاتجاه،  فإنني أتوجه إلى فخامتكم، لعلكم تتدخلون مباشرة في إنهاء هذه المهزلة، وحذف ما يساء تأويله من آيات القرآن الكريم التي يستخدمها الكثيرون لاستبعاد غير المسلمين من دائرة الإيمان، والحكم عليهم، مخالفين بذلك العديد من الآيات التي تؤكد أن "الحكم لله وحده"، وليس لبشر أن يحكم على آخر بالكفر والخروج عن الدين، بل إن آيات القرآن الكريم مليئة بالآيات التي تؤكد أنه من آمن بالله واليوم الآخر فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
 إن هذا الشحن الفكري يؤثر بلا أدني شك على العلاقات الإنسانية خارج قاعات الدرس والمحاضرات بين المسلمين والأقباط.  ويتناسى هؤلاء أن قلب مصر المؤمن لم يعرف التفرقة بين الأديان، ويحاولون أن يغيروا من هذه الطبيعة السمحاء التي سادت التاريخ المصري كله، وبرزت في ثورة 1919، كما برزت في نصر أكتوبر المجيد ، وفي أحداث كثيرة بطول تاريخنا العظيم وعرضه.
أتوجه إلي فخامتكم حتى ألا يكون هناك احتكار للخطاب الديني من المؤسسات الرسمية ومن يردد أفكارها دون تأمل وتدبر.  إنني لا أختلف ولا أتناقش فيما يخص "الفقه"، فهذا علم في حاجة إلى تخصص وإلمام بكثير من الجوانب التي لا تتاح لغير الدارسين، وإن كان لي أيضا ملاحظات في تطوير هذا الجناح الهام من الدراسة، ولكنني أتحدث هنا عن الإرهاب العام الذي يجعل المبدعين والمفكرين  والمثقفين في حذر عند حديثهم في أي أمر ديني.  ويحضرني هذا الجدل حول التنقب وكشف الوجه، فعلى الرغم من أن هذه القضية تبدو قضية فقهية للوهلة الأولى، إلا أنها في الواقع تشير إلى أبعاد في أسلوب التفكير يتعدي الاحتكام إلى النصوص وإلى التقاليد الإسلامية، ذلك أنها تفترض أن الشكل أهم من المضمون، وتتجاهل كثيرا من الآداب والقيم الإسلامية التي أعلت من قيم الإنسان في شقيه المذكر والمؤنث.  ذلك أن التنقب يتضمن إلغاء للهوية الذاتية للمرأة، ويلغي شخصيتها الاجتماعية، ويدعوها ضمنيا إلى الاحتجاب الكلي عن أداء دورها المهني والاجتماعي ومشاركتها السياسية العامة، ومن الواضح أن الإسلام لم يحجب المرأة بل شجعها على التعبير عن كياتها وذاتيتها سواء في الشأن الاقتصادي أو الاجتماعي أو المهنى أو الفكري أو العلمي.  والسؤال هو لماذا ينتشر مثل هذا الزي بين السيدات انتشار النار في الهشيم، في الوقت الذي تبذل فيه الدولة جهودا مضنيا لتشجيع المرأة على المشاركة  المجتمعية والسياسية، وقد بلغ الاهتمام بها وتشجيعها تخصيص عدد من المقاعد لها في البرلمان المصري؟   
إن القضاء على مثل هذه الظواهر وغيرها لا يتم فقط من خلال "تفسير معتدل للآيات والأحاديث" - على أهمية هذه الاجتهادات - ولكن اختفاء هذه الظواهر رهن بتحرير الفكر من الرؤية الأحادية التي  تجعل البعض يظن أنه يمتلك الحقيقة المطلقة، وتسلب من الجميع حق التفكير والاحتكام إلى الضمير ومحاسبة النفس،  والبعض الآخر يصدق أن هناك من يمتلك هذه الحقيقة فيسير وراءه دون تدبر أو تفكر، بل منقادا إلى مصير لا يدريه.  إن من تداعيات هذه الرؤية أنها تقيد الفكر وهو الهبة التي بها عرف الإنسان ربه، وطور معرفته وخلق الحضارة.  إن هذا الاتجاه يحول الإنسان إلى آلة تتحرك بلا روح، وينزع العلاقة بين التدين وأهمية المساهمة في تحسين الحياة الإنسانية، وتحصر الدين  في الأشكال والصور، فيصبح المتدين هو ذلك الإنسان الذي يحرص فقط على أداء فروضه شكليا، حتي لو كان متكاسلا في عمله، متجبرا في معاملاته، مسيئا لغيره. إن هذه النظرة ستعود بنا إلى القرون المظلمة، لأنها تعمل على نشر منهجية مغلقة في الفكر والتفكير، يتولد عنها بلادة ذهنية، لا تؤثر ففط في السلوكيات العامة، ولكن لها تداعياتها الأخرى المؤثرة في  تدهور القدرة الذهنية على استخدام منهج علمي في التفكير والتحليل، ومن ثم فإنها توقف القدرة على الإبداع  في العلوم والفنون،  وهذا بالتأكيد ما لا ترتضونه لبلدنا مصر.. مهد الحضارة الإنسانية، التي قامت حضارتها على المراقبة الذاتية، فعرفت الضمير، وبه أبدعت وأتقنت وقدمت للعالم آثارا مازالت شاهدة على كفاءة الإنسان المصري.
فخامة الرئيس: هناك ألم أشعر به في نفوس أبناء مصر من الأقباط،  أشعر به بما يحمله قلبي من تعاطف إنساني يدعمه ويقويه الإيمان بمباديء الدين الإسلامي متمثلة في رسوله الكريم صلوات الله وسلامه عليه، متأسية بمنهجه في الرحمة والمودة.  ينطلق الألم من يقيني أن أقباط مصر يشعرون بالاستبعاد، ويفتقدون الثقة في التعامل مع المواطنين المصريين من المسلمين، ويشعرون أن ما يبدو في الإعلام من تآزر بين رجال الدين المسيحي والمسلم، لا يدعمه سلوك يؤكد هذا التلاحم، ذلك أن الخطاب الديني الرسمي وغير الرسمي يفتقر إلى االتكامل والشمولية التي تميزت بها الدعوة الإسلامية. إن هذا الخطاب له جانبات متناقضان. ففي الوقت الذي يدعو فيه  إلى التعامل بالحسنة مع غير المسلمين والعيش معهم في سلام، فهو يحمل في مضامينه حكما عليهم بالإنحراف، طالما أنهم لم يتحولوا إلى الإسلام. وعندما ترتفع المواعظ في الجوامع لتؤكد هذه النزعة، يصبح الأمر جد خطير.  إن أقباط مصر يشعرون أن الدستور ينصفهم، والقانون لا يظلمهم، ولكن القائمين على تنفيذ القانون ضحايا لهذا الفكر المغلق والمتعصب لأنهم يتعرضون مثل غيرهم لخطاب غيرمستنير، ولذا فإنهم يتكاسلون ويهملون ويظلمون ولا يقتصون ممن يثيرون الفتن ويعتدون.
فخامة الرئيس ..
إنني أوكد لسيادتكم أن مناهج تدريس الدين الإسلامي في حاجة إلى تغيير شامل، وأن تدريسها في حاجة إلى تطوير، وإني على يقين أنكم تضعون هذا في أولويات اهتماماتكم، وأتمنى أن أشرف وغيري من مثقفي مصر ذي الفكر الحر المستنير في المساهمة، لو بالمراجعة وإعطاء الرأي في هذا التغيير.
وآمل أن يخرج مثقفو مصر من حذرهم إلى انطلاقة فكرية واسعة في رؤية ما يمكن أن تقدم لنا القيم الدينية الخالية من التعصب في بناء نهضة مصرية أصيلة، يدعمها الإيمان بالله والانتماء إلى مصر رسالة وحضارة ومستقبل. وفقكم الله إلى ما فيه خير الوطن.