Tuesday, June 29, 2010

هوامش على رؤية سيد ياسين المستقبلية د.علياء رافع


ارتبطت العولمة عند الكثيرين  بمحاولة هيمنة قوة أمريكا على مقدرات العالم، وإن كان الواقع لا يؤكد ذلك بشكل حاسم،  ولكن أيا ما كان الأمر فإن هناك رفضا واضحا من الشعوب يتحدى إذابة الشخصيات القومية والثقافات المتميزة، وقد نشأ عن هذا الرفض تطرف في إتجاه مضاد لإتجاه الذوبان الذي تفرضه العولمة، ولكنه يتعدي في بعض الأحيان حدود آليات الحفاظ على الهويات القومية إلى التطرف في التحيز الثقافي والتفوقع على الذات وعزل الآخر واتخاذه عدوا بالضرورة، وهذا الاتجاه  يظهر في نزعات طائفية ومذهبية وانتماءات قومية قد تذهب في تطرفها إلى حد تبدو فيه الروح القبلية أكثر بروزا.  ناقش مقال السيد ياسين في الأهرام (24 يونيو) هذا الموضوع  تجت عنوان عصر التناقضات الكبرى.
ويهمني أن أؤكد إضافة إلى ما قاله السيد ياسين إن  ما يحدث في العالم من تفتت، ليس مجرد رد فعل  للعولمة،  ولكنه ظاهرة تتنافي مع منطق الأشياء، إذ يبدو أن المجتمع الدولي يسير في خطتين متناقضين، ليس من السهولة الربط بينهما. نجد أن التفتت الثقافي والتشرذم الفكري لا يسير بشكل منظم أو سهل التفسير، إذ نجد أن البلد الواحد الذي ينتمي إلى تراث تاريخي متراكم، يحدث به تفكك غير مفهوم، ويتواجد على نفس الأرض عدد من السلوكيات والأفكار والانتماءات المختلفة بل والمتضادة في كثير من الأحيان، ويكفينا أن ننظر إلى أرض الكنانة، لنجد أن الشخصية المصرية التي استطاعت بشهادة المنظرين والمفكرين والدارسين أن تبتلع وتهضم العديد من لثقافات الوافدة وتمصرها، فتثريها وتضيفها إلى تراثها، قد كسرت هذه القاعدة، وأصبح المجتمع المصري يذخر بثقافات غريبة عليه، ويصبح تابعا لها، مغتربا عن نفسه،  ويكفي أن ننظر حولنا لنرى تصاعد عدد المتنقبات في الشارع المصري، وفي نفس الوقت وعلى خط نقيض تغير العادات والتقاليد في إتجاه الغرب، إذ أصبح من الأمور الطبيعية مصادقة الفتى للفتاة والانقياد نحو تقليد الثقافات الغربية في تخطي الحدود المعقوله لهذه العلاقة. هنا يصعب كثيرا تحليل هذا النتاقض الصارخ. إذا كان النقاب رمزا يعلن عن مقاومة التغريب بشكل متطرف، فكيف يمكن أن نفسر الاتجاه المضاد، الذي يخلق مجتمعا متغربا، داخل المجتمع.  وهذه الأمثلة هي قليل من كثير، مما يدعو الدارسين للولوج بعمق في التغيرات التي تحدث في المجتمع المصري، والتي تهدد تماسكه. ومن المثير للإنتباه إن ما يحدث في مجتمعنا يحدث في المجتمعات الأخرى أيضا، فلا عجب أن نجد أن الأنثروبولوجيين الأمريكيين أيضا يدرسون التغيرات التي حدثت على الشخصية الآمريكية بعد أحداث 11 سبتمبر، وإنقسام المجتمع في توجهاته الفكرية وفي عدم القدرة على تحديد سمات للشخصية الأمريكية  (مثل ذلك البحث الذي قامت به تشريل ماتينجلي وآخرون  عن العلاقة بين ألأصول الإثنية والنوع الاجتماعي والشخصية الثقافية بعد حادث  الهجوم على المركز التجاري الأمريكي،  وذلك في المجلة الامريكية الأنثروبولوجية، الجزء 104، عدد 3.) 
وفي الوقت الذي تفتت فيه العالم، بل والبلد الواحد ثقافيا، تظهر المنظمات الاقتصادية الكبرى، والتكتلات الاقتصادية المختلفة، مع نمو متصاعد للشركات الكبرى العابرة للقوميات التي تتحرك بنظام خاص وينتشر نشاطها عنكبوتيا داخل العالم أجمع. وعلى صعيد ثالث نجد التكوينات الافتراضية أي التي تتحرك عن طريق الفضاء الإلكتروني تزداد عددا وقوة. وعلى سبيل المثال فإن تنظيم مثل تنظيم القاعدة، ليس له مركزية إدارية، ذلك أن تحريك خلايا هذا التنظيم لا يتم مركزيا،  ولكن يتميز بالمرونة التي تساعد عليها إستخدام الاتصالات الحديثة، والتي لا تستوجب أن يكون المخططون والمنفذون في نفس المكان، وبالتالي يصعب تحديد موقع ا التنظيم يمكن السيطرة عليه. وإذا أضفنا إلى هذا الزخم الافتراضي، عوالم المدونين الذين يكسبون أصدقاء ويكونون مجتمعات إفتراضية على مستوى العالم، يمكن أن تذهلنا هذه التغيرات غير المتوقع نتائجها أو اتجاهاتها. . 
إن هذا الإنفصال بين حركة رأس المال والبشر على النطاق العالمي، وبين  الفكر والأيديولوجيات، قد أوجد نوعا من الفوضى التي أصبحت ملمحا مميزا لما أصبح يطلق عليه ما بعد الحداثة. وقد تكون الطائفية التي تحدث عنها سيد ياسين هي بعض تجليات هذه الفوضى،  وهي حالة  لا تتوافق مع التوقعات التي صاحبت العولمة. ذلك أنه على المستوى النظري، فإن الاحتكاك الحضاري الناتج عن ثورة الاتصالات من ناحية، وتنقل المال والبشر  من ناحية أخرى  كان من المتوقع أن يحدث تقاربا فكريا وثقافيا بين أرجاء العالم.  وقد عبر سيد ياسين عن هذا بقوله في أحد كتبه التي نشرها في تسعينات القرن الماضي واقتبس منها في مقاله  "ستكون هناك محاولات للتوفيق بين الفردية والجماعية، وبين العلمانية والدين، ,‏ وبين عمومية مقولة الديمقراطية وخصوصية التطبيق في ضوء التاريخ الاجتماعي لكل قطر،  وبين الاستقلال الوطني والاعتماد المتبادل‏، وأهم من ذلك كله بين الأنا والآخر علي الصعيد الحضاري‏."  ولم يكن هذا حلما طوباويا، بقدر ما هو أمل ممكن التحقيق إذا توفرت بعض الشروط الأساسية التي لخصها المفكر الكبير في التالي: " التسامح الثقافي المبني علي مبدأ النسبية الثقافية في مواجهة العنصرية والمركزية الأوروبية‏,‏ والنسبية الفكرية بعد أن تنتصر علي الإطلاقية الإيديولوجية،‏ وإطلاق الطاقات الخلاقة للإنسان في سياقات ديمقراطية،‏ بعد الانتصار علي نظريات التشريط السيكولوجي والتي تقوم علي أساس محاولة صب الإنسان في قوالب جامدة باستخدام العلم والتكنولوجيا‏.‏ وإحياء المجتمع المدني في مواجهة الدولة التي غزت المجال العام‏،‏ ولم تترك إلا مساحة ضئيلة للمجال الخاص‏,‏ وأخيرا التوازن بين القيم المادية والقيم الروحية والإنسانية‏‏".
والواقع أن الأمل والطريق إلى تحقيقه واضح وجلي في فكر السيد ياسين، ولكن التعقيدات التي تحدث على الأرض أكثر ضخامة، ولا أحسب أن الأستاذ الكبير غافلا عن صعوبه تحقيق هذه السمات أو الشروط، ولكنني أريد أن أكمل ما قد بدأ ذلك أن  أن هذه الشروط أو السمات الأساسية لاتحدث في فراغ، ولكنها تتطلب سياقا أوسع لتنشيطها أو تحريكها من حيز الممكن إلى الخروج إلى أرض الواقع . وأحسب أنها يمكن أن تتحقق عندما تتحول المسلمات التي نشأ عليها علم الإنسان إلى ثقافة عامة. ذلك أنه إذا نظرنا إلى هذه السمات أو الشروط التي وضعها السيد ياسين، لوجدناها بعضها يشير إلى ما يمثل أساسيات علم الإنسان، الذي يدعو إلى إحترام تعددية الثقافات ومحاولة فهمها والتعامل معها، وهوما  ينتج عنه بالضرورة التخلى عن المطلقات أو بعبارة أصح عدم الإدعاء بالإحاطة بالحقيقة الكلية. ولا شك أن النظام التعليمي على المستوى العالمي يلعب دورا كبيرا في تأكيد هذه الثقافة، وبالتالي يمكن لكل إنسان أن يعيد تقييمه لثقافته وتطويرها من خلال التفاعل مع قيم وثقافات أخرى، دون أن يكون هناك أفضلية لثقافة أو حضارة على ثقافة أو حضارة أخرى.  
وأما السمات الأخرى التي وضعها السيد ياسين ليتحقق هذا التوافق المنشود، فإنها تتعلق من ناحية بالبيئة السياسية والثقافية التي يجب أن توفر الحرية الضرورية التي تفجر طاقات الإبداع دون خوف.  ومن ناحية أخرى فهي تتطلب تجديدا في رؤية الإنسان لنفسه، إذ أن التوازن بين القيم المادية والروحية الإنسانية، لا يتحقق إلا عندما ينزع الإنسان فتيل هذا الصراع الذي يضعه بين إرادة الله، وفطرة الإنسان، وبين السعي في الحياة، والعبادات بأنواعها، وهو صراع وهمي إذا ما أوغلنا بعمق في الرسالات الدينية وتراث الحكمة في مختلف الحضارات. والقضاء على هذه الصراعات تتطلب أيضا تضافرا عالميا. 
وإذا كان اليونسكو قد نشأ في أعقاب الحرب العالمية الثانية لتحقيق التقارب الثقافي والتعليمي بين البشر، فإن رسالته لن تكتمل ما لم يأخذ تلك المتغيرات التي أشرت إليها  في الحسبان، ويعيد صياغة أهدافه مرة أخرى، من أجل تعاون عالمي في مجال التعليم والعلوم والثقافة. وأتوجه للأستاذ سيد ياسين، خاصة وإلى مثقفي مصر ابتداءا، ليضعوا مشروعا ثقافيا تعليميا عالميا بالتعاون مع المفكرين الذين يعنون بالتقارب الحضاري من أجل السلام عى مستوى العالم أجمع ليبدءوا حركة عالمية ثقافية جديدة من اجل إعادة التوازن إلى تلك الفوضى غير المحكومة والتي قد تقود إلى هلاك محتوم للعالم أجمع.  نحن في حاجة إلى تخرج مثل هذه المقالات الجادة من حيز الورق والكتابة إلى مشروعات قابلة للتنفيذ، وأول الغيث قطرة. 

Tuesday, June 22, 2010

أوباما بين الواقع والحلم د. علياء رافع

منذ عام وفي خطابه التاريخي في جامعة القاهرة تحدث أوباما عن رؤيته الآنية و المستقبلية، وأرسى على المستوى الديبلوماسي والفكري دعائم جيدة للعلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية وبين العالم أجمع، خاصة مع العالم الإسلامي . وقد كانت ومازالت الرؤية التي قدمها الرئيس الأمريكي الأسمر نقطة تحول فكرية في الخطوط العريضة للديبلوماسية الأمريكية.  وفي نفس هذا الوقت من العام السابق كتبت مقالة في هذه الصفحة مستعرضة أربع نقاط رئيسية تمثل نقاط تغير في السياسة الأمريكية،  وهي تتمثل أولا في  إزالة الاستقطاب بين الشرق والغرب، وثانيا دعوة العالم إلى التجمع على قيم إنسانية عليا تتفق عليها جميع الحضارات وأزال بهذا خرافة صراع الحضارات، و ثالثا أكد أن التغير يبدأ بتنمية الإنسان عن طريق العلم والتعليم الجيد وأعلن إستعداد الولايات المتحدة الأمريكية على التعاون مع البلاد الإسلامية في هذا المجال ، ورابعا كان شجاعا في الاعتراف أن الفلسطينيين قد أخرجوا من وطنهم وأنه لا بد من التمسك بحل عادل لقضيتهم والإسراع بهذا الحل، ويتمثل في ضرورة إنشاء دولة فلسطينية على وجه السرعة جنبا إلى جنب مع دولة إسرائيل.  ولم تكن هذه النقاط إلا بعض من المحاور الهامة التي احتواها الخطاب، ولاشك أنه مع إعادة دراسة ما جاء في هذا الخطاب يمكن أن تسفر أي دراسة عن مزيد من التحليل والتأويل لما أعلنه أوباما.
نقف اليوم بعد عام من هذا الإعلان، لنجد أن الرجل هو الرجل، ولكننا لا نلمس لهذه الرؤية وجودا على أرض الواقع، خاصة فيما يتعلق بالمسألة الفلسطينية. فلقد إتضح بصورة لا تقبل الشك أن إسرائيل أكثر قوة في فرض إرادتها على الولايات المتحدة، وأنها لن تتنازل قيد أنملة عن مخططها في تحقيق أحلامها التي ندرك بعضها، وما خفي كان أعظم. فلم تستطع أقوى دولة في العالم  إثناء إسرائيل عن إستكمال بناء مستوطنات جديدة وخلق واقع جديد في القدس،  ولنلحظ أنه على الرغم من أن العالم أجمع قد أعلن غضبه على هجوم إسرائيل على السفينة "ألحرية" التي كانت تحمل المعونات الإنسانية إلى أهالي غزة، إلا أن أمريكا وقفت صامته بإدعاء إنتظار نتائج التحقيق، ولم يفزغها الهجوم غير الشرعي تبعا للقانون الدولي على سفينة مدنية لا تحمل سلاحا، كما لم يفزعها عدد القتلى والجرحي الأبرياء. لا شك أن هذا الموقف قد خذل الضمير الإنساني عامة، والعالم النامي المتطلع إلى الحرية على وجه خاص. أردت أن أبدا بهذه النقطة الهامة في هذا السياق، من أجل طرح السؤال الذي يعني به هذا المقال، ألا وهو الإشارة إلى حجم الفجوة التي توجد دائما بين الواقع والحلم. 
على غير ما يرى أو يظن البعض ممن إتهموا أوباما أنه يقول ما لايعني، وتنبأوا أن السياسة الأمريكية لن تتغير، فلقد كنت أثق في هذا الرجل وكلمته، ودائما فإن منهجي في الحياة، أن أصدق الآخرين إلى أن يثبت العكس. ومازلت أري أن هذا الرجل كان يعني ما يقول، وأنه أراد ويريد أن ينزغ فتيل العداء بين الفلسطينيين وبين الإسرائيليين، ويسعى إلى أن ينال كل ذي حق حقه، ولكن التمنى سهل، وأما تحويل الأمنية إلى الواقع فهو الجهاد بعينه.  ويعود فشل أوباما في تحقيق رؤيته لعدة أسباب، بعضها عام، وآخر خاص، وسأعالج بعضها كالتالي:  أولا يرجع فشل عامة أوباما إلى أن فكره كان سابقا لعصره، وعندما يجيء إنسان قبل أوانه تلاقي أفكاره مقاومة كبىري, على كل المستويات. ولهذا أغضب أوباما يهود أمريكا، ولم يرض المسلمين أيضا. وتشدد المسلمون والعرب إلى درجة أنهم أرادوا أن يجعله معبرا عن رؤيتهم ووجهة نظرهم، وأن أي اختلاف بينه وبينهم يعني لديهم أنه مخادع وغير صادق. وأما يهود أمريكا فإن جنونهم بأمن إسرائيل وسلامته، جعلهم يشعرون بخطورة سياسة هذا الرجل على الوجود الإسرائيلي نفسه. وفشل أوباما لأنه لم يتخذ من معاونيه من يؤمن بهذا الفكر.
ثانيا:  فرضت المصالح الإقتصادية والاستراتيجية نفسها على مستوى السياسة الخارجية، وأصبح واضحا أن هيمنة أمريكا وسيادتها على العالم يجب أن تستمر بنفس الصورة القديمة. ولذا فإن كلماته عن الحوار بدلا من الصراع بدت كلمات جوفاء في ظل محاولة فرض القوة العسكرية في أفغانستان، والإصرار على التحكم في تخصيب اليورانيوم في إيران، والتأكد من تبعية العراق للخط السياسي الأمريكي. وظهرت أهمية أفغانستان  بشكل خاص بعد إكتشاف الثروات المعدنية التي قدرت بتريليون من الدولارات، ومثل موقف أمريكا من القضية الفلسطينة فضيحة سياسة تشين الولايات المتحدة عندما تبين ضعفها أمام دولة صغيرة مثل إسرائيل، وهي الدولة الوحيدة التي فرضت إرادتها وتحدت أكبر دولة في العالم. وفي المقابل فإن إستعراض القوة مازال مستمرا،  وما زال مسلسل الهمينة الأمريكية مستمرا دون توقف، مخلفا وراءه حصادا جديدا من الكراهية.
ثالثا: بدت النزعة الإنسانية التي ميزت خطاب الرئيس الأمريكي قوية، ولكن لم ير لها واقعا ملموسا في ظل سياسة مازالت تحمل قيما مزدوجة، ومازلت تزن الأمور بمكيالين، وأما على مستوى السياسة الداخلية فإن هذه النزعة الإنسانية تطلبت  تدخل الدولة في قطاع الخدمات. و تم إستغلال هذه السياسة  من قبل الجمهوريين لتشويه صورة الرئيس. لأنه من وجهة نظر هؤلاء فإنه يتحدى المباديء الأساسية التي قامت عليها الولايات المتحدة، ويحول نظام الحكم إلى حكم مركزي سلطوي على المستوى الاقتصادي، ويحد من حركة رأس المال في السوق. وهذا الإدعاء وحده كفيل بأن يسحب من تحت أقدام الرئيس الكارزمي الشعبية التي ساندته حتي وصل إلى ما وصل إليه. وتجيء أهمية إدراك هذا الضعف الداخلي بالنسبة لنا،  لأنه سيؤدي بالضرورة إلى محاولة الرئيس لكسب شعبية له من خلال نجاح ما في مستوى السياسة الخارجية يعيد له الشعبية المفقودة. ولأن الشعب الأمريكي مازال يعيش في عالمه الخاص، ولا ينظر إلى ماوراء المحيطات التي تحيط به، فإن بناء صورة جيدة لأمريكا في العالم يصبح من أهم المنجازات التي يحاول أن يحققها الرئيس، حتى لا يدخل في محاولة فاشلة مسبقا لبيان أن سياسته الداخلية لا تتناقض مع المباديء الأمريكية.  ولكن هذا الحل هو أيضا معضل، لأن صورة الرئيس الأمريكي في العالم الإسلامي أصبحت صورة مهزوزة، وأما بالنسبة لشرق آسيا أوروبا، فإن العلاقة التي تربطهم بالولايات المتحدة هي علاقات تنافس وليست علاقات تضامن. ويبدو أنه لا مناص من أن يعيد نفس أسلوب تصعيد الخطر الخارجي، مبينا كيف تعمل الإدارة الأمريكية على مقاومة هذا الخطر. قد يختلف أسلوب هذا الرئيس عن سابقه، ولكن تتفق هنا وهناك الرؤية الإستراتيجية، وهو ما يعني أن أوباما سيستمر تطبيقيا في محو ما أعلنه نظريا.
وأخير وليس آخرا،  يظل التعاون العلمي بين الولايات المتحدة وبين العالم الإسلامي هو الهدف المنشود الذي يمكن تحقيقه، ولعل الأيام تفصح لنا عن ماذا تم في برنامج هذا التعاون.   
وما أريد أن أصل ليه بهذا العرض هو أن العالم قد يفقد إمكانية حقيقية للتغيير كان يمكن أن تؤدي إلى تحول في العلاقات الدولية، وأن هذا لا يرجع إلى خدعة قام بها رئيس أمريكي، ولكنه يرجع إلى ثقافة عامة في العالم، تريد في كل وقت أن تخلق "آخر" كي تحاربه وتقضي عليه، أو تستنزفه من أجل مصلحتها. ولقد قدم أوباما رؤية مختلفة متطلعة إلى تعاون دولي من أجل تحقيق أهداف إنسانية عامة في كل مكان على الأرض، مثل التعاون من أجل تخفيف حدة الفقر والاضطهاد والتهميش في العالم أجمع. كان أوباما متطلعا إلى تعاون ثقافي وعلمي بين الأمم يؤدي إلى التقارب والتفاهم، وشد أزر الدول الأكثر تقدما للدولة النامية. ووقعت أحلام أوباما صريعة على أرض الواقع، فهل من أمل في بعثها من جديد؟  أم أن تغيير الحال من المحال كما يقولون.  أزعم أن العالم في حاجة إلى مزيد من التأهيل الثقافي لهذه الرؤية ، وأننا يجب أن ننشيء أبناءنا ليؤمنوا بأن الكل إنسان وأن بعضنا من بعض.  نريد أن يتضامن العالم من أقصاه إلى أقصاه من أجل التوجه لأهداف مشتركة لخير البشرية بدون تمييز، إنه حلمنا وحلم أوباما الذي يجب أن يكون لنا دور في تحقيقه.  

Tuesday, June 8, 2010

كيف يمكن أن ندفع إسرائيل للكشف عن وجهها القبيح: د. علياء رافع


لقد هزت حادثة الإعتداء على أسطول "الحرية" الضمير العالمي من أقصاه إلى أقصاه، على الرغم من الموقف السلبي الذي أبدته الولايات المتحدة الأمريكية، والتصريح المستفز الذي ألقاه بايدن بكل بجاحة "إسرائيل لها الحق في الدفاع عن نفسها"، ثم خيبة الأمل في الرئيس أوباما الذي رفض أن يدين إسرائيل، منتظرا التحقيق في ملابسات الحادث.
 في وسط هذا الخضم من الغضب العالمي شعبيا ورسميا، كنت أمسك أنفاسي، وأدعو الله ألا ترتكب حماس، أو أي تنظيم متشدد آخر فعلا، يأخذ الأنظار بعيدا عن هذا التعنت الإسرائيلي. وإذا بي أفاجأ بحادث القرصنة في الصومال،  وعلى الرغم من أن هذا الحادث يمكن إستغلاله إعلاميا في الإشارة إلى أن الهجوم على السفن ليس عملا إسرائيليا منفردا، إلا أنه أهون من أن يكون هناك عمل تفجير قنابل في أماكن مدنية في إسرائيل، أو إرسال تلك الصواريخ التي لا تصل  أبدا إلى أي هدف عسكري، ولا تؤدي غرضا، إلا إثارة الوحش الإسرائيلي المتربص بالقضاء على الفلسطينيين آجلا أو عاجلا، وإعطائه التبرير لأفعال العنف والإرهاب والإبادة.
وتختلف هذه الحادثة عن أي حوادث أخرى في أن المصابين فيها ليسوا "عربا" ، وإنما ينتمون إلى المجتمع الدولي بمختلف جنسياته، ولذا فإن التصريحات المهاجمة لإسرائيل صدرت من كل أنحاء العالم في صورة رائعة. والسؤال الذي أطرحه هو كيف يمكن أن يستغل الفلسطينيون هذه الحالة من الغضب على إسرائيل من أجل قضيتهم؟ وما الذي يمكن أن تقوم به السياسة العربية في هذا الوقت الحرج؟
لقد عبرت عن رؤيتي في أكثر من مناسبة وفي العديد من السياقات، ألا وهي أنه كلما إزداد العرب تماسكا، وقدرة على طرح قضية الفلسطينيين بدون إظهار عداء للدولة اليهودية،  كلما ساعد ذلك  الرأي العام العالمي في قدرته على وضوح الرؤية، وأنا على يقين أن السلاح القاتل للعنصرية الصهيونية، هو نزع فتيل العداء الذي تنفث به السياسة الإسرائيلية في الشعب اليهودي، بكل الطرق الممكنة، موغلة صدره ضد كل الجيران العرب، مصورة له أن هؤلاء وحوش يتربصون بهم كي يقضوا عليهم ويتخلصوا منهم.  وللأسف فإن الكثيرين من المتشددين مازالوا يرون أن القضاء على إسرائيل ورجوع جميع اللاجئين المطرودين عام 1948 إلى أرضهم هو الهدف الكبير الذي يجب أن يتمسك به الفلسطينيون. هكذا وبكل وضوح يعلن قادة حماس في كل مناسبة، ثم يطلبون بعد هذا الإعلان هدنة مع عدوهم. وينسون إن مثل هذا التصريحات تفتح للعدو بابا لإستعطاف العالم معه، ولتحفيز المواطنين الإسرائيليين على إنتهاج موقف عدائي من العرب.
أتصور أن السياسة العربية يجب أن تسير في خطين متوازيين، الخط الأول يستوحي إستراتيجياته من إستشراف طويل المدى للمستقبل، وقد يكون هذا الإستشراف أو هذه الرؤية حلما يبدو الآن وفي ظل الظروف الراهنية غير ممكن التحقيق – ولكن من كان يصدق أن أحلام هرتزل في إنشاء دولة لليهود في فلسطين كان ممكنا -  تتمثل هذه الرؤية في زوال دولة صهيونية قائمة على أساس ديني، وقيام دولة مدنية ينعم فيها الفلسطينيون ومن يطلق عليهم إسرائيليون اليوم بكل حقوق المواطنة والحرية ويعيشون معا في سلام. ولكن قد يكون الطريق إلى ذلك هو قبول إنشاء دولة فلسطينية جنيا إلى جنب مع دولة إسرائيل، لأن هذا هو الحل الأكثر ملاءمة للوضع الراهن. ويصبح السؤال هو كيف يمكن أن يقود هذا الحل إلى الوضع الآخر؟
أعتقد أن العرب والفلسطيينيين في حاجة إلى تغيير جذري في طريقة التفكير، ينبثق من التعاطف الإنساني لحقوق البشر في كل مكان، ومن ثم لا يصبح الإسرائيليون الذي ولدوا وتربوا على هذه الأرض أعداء مباشرين للعرب والفلسطينيين، ولكن تتوجه السياسة العربية إلى تحويلهم من أعداء إلى نصراء. وهذا ليس مستحيلا كما يبدو لأول وهلة، فهناك بعض الإسرائيليين وإن قل عددهم، وكثير من اليهود حول العالم، ينفرون من السياسة الإرهابية التي تمارسها إسرائيل ضد الفلسطينيين، وعلى سبيل المثال فإن مؤسسات يهودية في أمريكا مثل جمعية تايكون، أعلنت تضامنها مع ضحايا الأسطول، ولامت إسرائيل على هذا العمل، ودعت ممثلين من جميع الأديان من أجل الصلاة على روح الضحايا.  تحتاج مثل هذ الجمعيات إلى تدعيم معنوي، حتي يمكن أن تكون ذات أثر على الرأي العام الأمريكي عامة، ,على اليهود في العالم بشكل خاص. وحركة السلام الآن Peace now Movement التي ولدت بعد معاهدة كامب دافيد،  وحركة المرأة ذات الرداء الأسود Women in Black ، ,قد ولدت الحركتان داخل إسرائيل، أضعفتها الأحداث التي توالت على العالم العربي، خاصة بعد الإعتداء العراقي على الكويت، وتدعيم الفلسطينيين لصدام، وأيضا نجاح حماس وحصولها على شعبية، مكنتها من الصعود إلى الحكم.  ولذا فإن هناك حاجة إلى ضخ مزيد من الثقة بين المواطنين الإسرائيليين في أن العرب لا يريدوا أن ينتقموا منهم، ولكنهم يريدون أن يعيشوا في آمان، وهو نفس المطلب لأي شعب بما فيه الشعب الإسرائيلي. وقد يكون هذا الإتجاه غير مجدي بالنسبة للعقلية العنصرية الصهيونية، ولكن إذا كان تكوين إسرائيل نفسها قائما على الفكر الصهيوني، فليس معنى هذا أن تغيير هذا الفكر في الأجيال الشابة مستحيل.
أما الخط الثاني الذي يجب أن تسير فيه البلاد العربية – بما فيهم الفلسطينيون – فهو التضامن في حركة شاملة  من أجل منع الدولة الصهيونية من خلق واقع جديد على الأرض. وإذا لزم الأمر فإن وقفات احتجاجية متوالية في كل العالم العربي والإسلامي، وبين كل الشعوب المحبة للعدل والسلام  في حاجة إلى سياسة عربية وإسلامية نشطة، من أجل أن يصبح صوت الحق مسموعا، وأهداف الحركة واضحة، أي أن يكون المطلوب هو إيقاف بناء أي مستوطنات جديدة في أي بقعة على أرض فلسطين، وذلك تمهيدا لمفاوضات سلام تحقق العدل لكل من الشعبين. ويجنح بي الخيال فأري شعب مصر يزحف إلى سيناء: ملايين البشريقفون على حدود الدولة الصهيونية منادين بأناشيد السلام، والعدل لشعب فلسطين، وبنداء لشعب إسرائيل أن يقف ضد الساسة من أجل الأمن والأمان للجميع. ويحدث نفس الشيء على حدود سويا والأردن. إنه زحف من أجل السلام وليس من أجل الحرب والقضاء على الشعب الإسرائيلي. إذا كانت هذه الوسيلة السلمية هي أحد الوسائل إلا أنها ليست الوسيلة الوحيدة، فيجب أن يكون هناك تعاون ديبلوماسي عربي وإسلامي يدعم هذه الرؤية، وفي الوقت نفس إستخدام كل ما يمكن إستخدامه من قوى إقتصادية في هذه المنطقة من أجل إظهار جدية المطالب الفلسطينينة.  ولكن السؤال الشائك هو كيف يمكن أن يحدث هذا في ظل إنقسام فلسطيني، ينتشر خارج المجتمع الفلسطيني إلى المجتمع العربي والإسلامي؟  إن هذا الإنقسام هو الذي يضعف الموقف الفلسطيني، ولا شك أن مصر – بقدرها المحتوم – عليها دور هام في تغيير ذلك الموقف على الصعيد الفلسطيني، والعربي والإسلامي. ولقد هزني وأسعدني أن الشعب المصري قد ترك ليعبر عن غضبه مما حدث في كل أنحاء مصر، تبعا لما نشرته الجرائد المصرية.
لا تحتاج إسرائيل إلى كثير من الجهد حتى يبرز وجهها القبيح، تحتاج فقط لوقت لا يشتت فيه العرب جهدهم، ولا يقوم المتشددين بأعمالهم الصبيانية غير المجدية، وبتصريحاتهم غير المسئولة.  وأنتظر بكل الأمل أن يصل الأسطول الثاني إلى غزة متحديا ما أرادت أن تبثه إسرائيل من الرعب، حتي لا يجرؤ أحد على الوقوف أمام حصارها البشع لغزة.  إن إستمرار التصميم على مساعدة  أبرياء عزل من البشر ضد حرب الإبادة التي تمارسها إسرائيل، سيزيد من غضبها ومجونها، وكشف أنيابها التي تحرص على إخفائها من خلال إسقاط صورتها على العرب، خاصة الفلسطينيين. وأدعو الله ألا يقوم متهورون هنا أو هناك بأعمال هوجاء، تساعدوا إسرائيل على إخفاء وجهها القبيح تحت قناع الدفاع عن النفس.