Tuesday, November 23, 2010

الحج والحياة د. علياء رافع


من المعروف أن الطواف حول الكعبة وكل شعائر الحج التي نقوم بها كمسلمين كانت معروفة قبل الإسلام، ولكن الإسلام قد أعطاها بعدا جديدا في ظل منظومة كلية تدعو إلى ألا يخضع البشر إلا للحق "الله هو الحق"، وألا يتعاملوا إلا مع الله الواحد الأحد، دون أن يرسموا له صورة أو شكل "جل جلاله"، بل يتعاملوا معه من خلال حضور روحي لا يعرفه ولا يفهمه ولا يخبره إلا من آمن بالله حقا لا قولا.  إذن الحج ليس مجرد شعائر نقيمها، ولكن يجب أن يكتسب دلالته من خلال هذا البعد الروحي، وإلا أصبحنا مثلنا مثل أهل الجاهلية الذين لا يدركون دلالة أو معنى لما يفعلون.
والبعد الروحي للحج لا يتوقف عند القيام بالفرض، ولكنه يجب أن يمتد إلى ما بعد ذلك،  فنحن نحمل أكفاننا ونتلفح بها، متجهين إلى بيت الله الحرام، مدركين عقلا أنه تعالي الله، فهو في كل مكان "أينما تولوا فثم وجه الله" وهو سبحانه  لا يحويه مكان، فهو فوق كل  الحدود والقيود، ولكن يصبح بيت الله رمزا يشدنا قلبيا إلى التجمع في وقت واحد – نحن المسلمين – في تلبية للنداء، وإستجابة للدعاء الذي بلغنا إياه رسول الله (صلعم)، وكأننا إنسان واحد وجسد واحد، نحن بني الإنسان بعضنا من بعض، لا فضل لعربي على أعجمي ولا  على أعجمي على عربي إلا بالتقوى. في هذا المكان نخلع كل رداء إجتماعي، ويقف الأغنياء بجانب الفقراء، والوزير جانب البسطاء، لا يعرف أحد أحدا، ولا يتعرف أحد على أحد معتمدا على أي مرجعية دنيوية، فالجميع عباد الله. إن هذا الموقف المهيب في يوم عرفات، وفي كل التجمعات التي تجمع المسلمين في شعائر الحج، كفيل بأن يوقظ في الوعي أهمية أن يحدد الإنسان لنفسه رسالة تنفع الناس على هذه الأرض، فلا يتركها إلا وقد إستطاع أن يقوم بعمل صالح، أو ترك وراءه علما نافعا، أو جاهد في أسرته فأثمر فيها، فأصبحت ذريته صالحة تدعو له، فيستمر عمله وكسبه حتى بعد خروجه من هذه الأرض.
الجج إذن تجربة روحية فردية فريدة،.وفي ظل منظومة الإيمان التي تربط كل عبادة إسلامية بالحياة، يأخذ الحج معاني مختلفة، لن تصبح الكعبة مجرد بناء، ولكنها رمز يشير إلى وحدة الهدف الذي يجب أن تجمع المسلمين، هدفهم أن يكون الحق والعدل وكل القيم النبيلة التي تمثلها رسالة الإسلام هي منشودهم. وأصبحت الدلالة الرمزية التعبيرية التي تشير إلى الكعبة بإعتبارها البيت الموضوع تلفت النظر إلى أن ما ينفع الناس يمكث في الأرض وأما الزبد فيذهب جفاء. أي أن توجهنا في هذا المنسك، وأيضا في الصلاة هو إلى قبلة على هذه الأرض، أهدافا نريد بها خير الإنسان، هي التي توصلنا وتربطنا بما وراء هذه الحياة، وما وراء هذا الوجود المادي من قوى قدسية عليا.
ويصبح رمي الجمرات هو جهاد نقوم به كلما غفلنا عن أن يكون الله من وراء القصد، ويأخذ السعي بين الصفا والمروة رؤية جديدة، حيث تصبح حياة الإنسان هي بحث عما يرويه روحيا، وهو بحث مستمر لن ينتهي، إذ أن الإرتشاف مرة من ذلك النبع الروحي، يدفع الإنسان إلى العودة إليه المرة تلو المرة. وذلك النبع الروحي ليس مجرد تذوق جمالي، ولكنه بحث عن ينابيع الخير داخل القلب الإنساني الذي يجعل الإنسان متجها في فعله وقوله إلى عمل يخدم به الآخرون، متخلصا من هواجس النفس وما تحمله من غل وكراهية وحقد، ونوازع الشر التي تظهر في الغضب والعنف والعداء. ببساطة شديدة يجب أن يأخذ الحج مكانا مستمرا في حياتنا، وتلهمنا رموزه الشعائرية رؤية من خلالها يكون توجهنا دائما إلى الله، من أجل أن نقوم في هذه الحياة بما ينفعنا وينفع الناس، وسنجد أن الصلاة حج مصغر، وتذكرة بكل المعاني التي يذخر بها معنى الحج.
إن العبادات الإسلامية لها خصوصيتها من حيث أنها تنظم للإنسان الوقت وترتبط بحركة الأرض حول الشمس، أو دورانها حول نفسها، فهي بشكل غير مباشر تربط الإنسان بحركة الكون، وتجعله على مستوى عميق في تناغم مع الطبيعة. وهذا التناغم كفيل بأن يخلق سلاما داخليا يجعل رؤية الإنسان للحياة أكثر وضوحا، فيركز ويتوجه إلى هدفه دون تشتت وخداع. وهذه العبادات من ناحية أخرى فيها تذكرة مستمرة كي يعدل الإنسان مساره كلما طرأ عليه طاريء يبعده عن الهدف. 
ومن الملاحظ أن تحول العبادات إلى عادات وإلى فلكلور شعبي، يفقدها هذا البعد الأخلاقي الروحي، وهو التحدي الذي يجب أن نواجهه دائما مع أنفسنا حتى لا نقع في هذه الخدعة، فنظن أننا قد أدينا الفروض لأننا إتبعنا الشعائر، وإذا بالشعائر لا يكون لها تأثير حقيقي علينا، بمجرد أن نؤديها نعود مرة أخرى إلى الدنيا فنجعلها تبتلعنا. ويتصور الكثيرون أن أداء الحج يعني أن كل ذنوب الإنسان قد غفرت وأنه عاد كما ولدته أمه، ولا يدرك أن هناك فرقا كبيرا بين إتمام الشعائر، وبين قلب يهرع إلى موقف الجمع، فيعيش لحظات جلل وهو يحاسب نفسه، وقد إستعرض حياته بكل ما فيها من هنات وذلات وأخطاء، فتاب وأصلح، وأصبحت نيته أن يعيش حياة جديدة في ميلاد جديد. إن هذا الإنسان هو من يمكن أن نطلق عليه أنه قد قام في الحج.  وقد عرفت رجلا كان يذهب إلى الحج كثيرا، ولكنه لا يتورع عن أكل حق الناس بالباطل، ويقول ببساطة شديدة، سأشد الرحال إلى بيت الله وأحج فهو سيغفر لي، ثم يحج، ويعود بعد ذلك إلى سابق عهده. وهناك من يريدون أن يحصلوا على اللقب "الحاج"، حتي يثق فيهم الناس، ولكنهم يخدعونهم ويغشونهم، وهناك غيرهم وغيرهم ممن يأخذون الأمر بشكل سطحي. وقد أصبحت هذه سمة من سمات التدين الذي لا يأخذ من العبادة إلى شكلها. أقول سمة عامة، لأن الناس لو أقاموا العبادات محققين أغراضها في أنفسهم، لتغير العالم الإسلامي تماما، ولنهضت البلاد الإسلامية نهضة لا يجاريها فيها أحد. لأن فلسفة العبادات في الإسلام تجعل الله سبحانه وتعالى حاضرا في كل لحظة في وعي الإنسان، فيكون الإنسان على نفسه رقيبا حسيبا، متقنا لما يقوم به من عمل، متطلعا دائما إلى ما يضيفه إلى الحياة، ليكون لكرته الأرضية أثر دائم مستمر في حياة الناس. ولكن عندما تصبح العبادات هي عادات أو حركات نقوم بها، ظنا منا أننا نرضي الله، والله غني عن العالمين، فإن هذا يأخذنا بعيدا عن الهدف الذي من أجله شرعت لنا تلك العبادة. يترك الطبيب عيادته المزدحمة بالمرضى ساعة أو يزيد ليؤدي صلاة الجماعة، ويزداد الاهتمام بالشكل فيكثرالنقاش حول إرتداء النقاء هل هو فريضة أم فضيلة، وهل الأفضل أن نرتدي الجلباب القصير، أم البدلة، ويختزل الدين في أطر خالية من المضمون. هذا هو حالنا. أما إذا ربطنا كل العبادات بالحياة، وكيفية تأثيرها على رؤيتنا وأدائنا لأعمالنا، وانطلاقنا العقلي والفكري وتفتحنا لنستمع ونتعلم دائما، ولقدرتنا على إقامة علاقة بيننا وبين الله من خلال قدرة على إحياء الضمير فينا، سيتغير حالنا وسيتغير المجتمع كله، فأساس كل الحضارات العظيمة أخلاقيات تحث على الإتقان والخدمة والبذل، ويكون عمل الخير هو الجزاء وهو الجنة الحاضرة.  

Tuesday, November 9, 2010

نهاية التاريخ أم بداية تاريخ: آن للتعصب والعنف أن ينتهي د. علياء رافع



لاشك أن المصريين جميعا قد صدموا من تصريحات تنظيم القاعدة الصادرة من العراق بتهديد أقباط مصر،  ولا يستطيع عاقل أن يفهم ما هي الدوافع التي تجعل جماعة من البشر تتصور أنها الإله الأعظم الذي يجب أن يخضع الكون كله لأوامره، وأن كل من يخالف رؤيته، يحكم عليه بالهلاك والفناء. يخيل إلي وأنا أسمع تلك التهديدات كأننا في فيلم خيالي مليء بالرعب، وعندما أفيق لأدرك أنه الواقع، يزداد إندهاشي أن هؤلاء الجمع يتشدقون بإسم الإسلام، وهو دين التوحيد الذي جعل الحكم بين البشر لله وحده، ونهى عن العنف أوإستخدام القوة لفرض العقيدة "من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر"، "لست عليهم بمسيطر"، وهؤلاء قد نصبوا أنفسهم آلهة مع الله، يريدون أن ينشروا الرعب بين الناس. وحتى إذا كان أقباط مصر إعترضوا على تحول بعض منهم إلى الإسلام، وحاولوا بصورة أو أخرى أن يثنوا هؤلاء عن رغبتهم، فهذا من حقهم، كما هو حق للمسلمين أن يثنوا من يريد أن يتنصر بالإقناع والمناقشة، ويظل إختيار العقيدة حق من حقوق الإنسان، لا بد من إحترامه.
 وإذا كان هذا التهديد خارجيا، فقد يستهتر به البعض، أو يظن أن تكثيف الأمن على الكنائس كفيل بأن يوقف الخطر، ولا شك أن هذه الإجراءات ضرورة وهامة، ولكنها ليست كافية، ذلك أن خطورة هذا التنظيم  تكمن في أنه خفي ،يصعب رصده وتتبعه، فليس له هيكل إداري معروف، أو مكان جغرافي محدد، وأعوانه ينتشرون في العالم أجمع، فهو  يعتمد على أفراد هنا وهناك. ، ووضع هذا التنظيم  نفسه في مكان العداوة مع جميع البشر وجميع البلاد من كل الألوان والاتجاهات، ولهذا فهو تنظيم ليس له عنوان، ولكن له أعوان.
لا بد من صحوة فكرية قوية تهزم هذا الفكر من جذوره، لأن القبض على حفنة من الأفراد هنا أو هناك، بل وشن الحرب على بلد بأكمله مثل أفغانستان، والهجوم على العراق وغزوه، لم يقض على هذا التنظيم، بل جعل مبرراته للعدوان أكثر قبولا عند البعض. ذلك أن الذين أرادوا أن يقضوا على هذا التنظيم، وأعني بهم الولايات المتحدة وحلفاءها،  إستخدموا العنف والرعب والإرهاب وقتل الأبرياء، ولذا فلم يختلفوا كثيرا عن تنظيم القاعدة، بل رسخوا أسلوب العنف في إدارة إسترايتجياتهم. ولذا أتصور أن القضاء على الجذر الفكري الذي يغذي هذا التنظيم لا بد أن يوضع موضع الإهتمام، وكذلك فإن المبررات الداعمة لتواجده يجب أن تدرس دراسة مكثفة، وألا تكون مقاومة الإرهاب بالإرهاب كما حدث على المستوى الدولي. 
على مستوى الأمن المصري، يقلقنى الإتجاه المتشدد، الذي يخلق مناخا مناسبا لنمو مثل هذا الفكر، ويجعل الشباب صيدا سهلا له، ومن ثم فلا بد من أن يشعر الشباب بقدراته الخلاقة، وأن تعود إليه روح الأمل والقدرة على الأحلام الكبيرة. ولا شك أننا مقبلون على مرحلة جديدة من خلال إنتخابات مجلس الشعب، التي نأمل أن تكون حقيقية وصادقة، وأن تعبر بالفعل عن رأي الجماهير العريضة. فالثقة المفقودة بين الناس وبين الحكومة من ناحية، وبينهم وبين صدق العملية الانتخابية برمتها من ناحية أخرى، تبعدهم عن الانخراط الإيجابي في مجتمعهم، وتدفعهم دفعا إلى هذه التنظيمات الإرهابية الخطرة. ومن ناحية أخرى فإن تجديد الخطاب الديني يتطلب أن تفتح أرض الحوار لأكبر قدر من الناس، خاصة من المفكرين، والمهتمين بأثر الشأن الديني على المجتمع من مختلف التخصصات، وليس من دارسي العلوم الدينية فقط.
تواجد هذا التنظيم على المستوى الدولي، وتهديده للأمن يستلزم أن تأخذ الأمم المتحدة دورا جديدا في إقامة العدل الدولي، ونزع فتيل الصراعات المتفجرة في أماكن متفرقة وخاصة في العالم الإسلامي، وأبرزها وأهمها على الإطلاق ما يحدث بين إسرائيل والفلسطينيين.
إن المسئولية الدولية تجاه تنظيم القاعدة أكبر كثيرا من المسئولية المحلية القومية، وإذا كان حل الصراعات حلا عادلا ضرورة سياسية، فإن إعادة تكوين ثقافة إنسانية عالمية تقع على عاتق اليونسكو بالتعاون مع مختلف الأنظمة التعليمية في العالم أجمع، تلك الثقافة تؤكد وحدة المصير الإنساني، وتعمل على ربط البشر بعضهم ببعض مجتمعين على أهداف بناءة، متسلحين بمنهج علمي في التفكير، ومؤمنين بضرورة الحفاظ على خصوصية الحضارات، وإحترام مختلف المعتقدات، ثقافة تنبذ العنف وتقوم على  الحوار لحل الأزمات والمشكلات. إن هذه الثقافة الإنسانية العالمية تكون القاعدة الأساسية التي توجه سياسات الدول، وتوقف الساسة عن غيهم في التلاعب بمصائر شعوبهم من أجل أهداف قصيرة المدى، قليلة الجدوى، وتدفعهم إلى التلاحم مع رغبات الشعوب التي تتوجه إلى العيش في أمن وسلام.
وحتي تكتمل رسالة اليونسكو وغيرها من منظمات الأمم المتحدة، لابد أن ينبثق من داخل البلدان المختلفة تيارات فكرية، تعيد الرؤية في المعتقدات التي تدعو إلى العنف، وتقدم رؤية جديدة تتناسب مع سمو الرسالات السماوية والحكمة الإنسانية التي دعت جميعها إلى المحبة والرحمة بين البشر.  ومسئوليتنا – نحن المسلمين – عظيمة في هذا الاتجاه. لأنه للأسف الشديد فإن هذا التنظيم وغيره يتشدق بإسم الإسلام، والإسلام منه براء. 
أتطلع أن يكون تحقيق هذا الهدف بداية لتاريخ، نرمي فيه وراء ظهورنا تلك الخلافات التي تأخذ شكلا دينيا، نتيجة للفكر المتجمد، وتنطلق فيه الطاقات الروحية الإنسانية التي دعت إلها جميع الأديان، ويتعاون العالم أجمع من أجل القضاء على كل المعوقات التي تقف حجرا عثرة في سبيل الحياة الطيبة للإنسان في كل مكان، فتتقدم الخدمات الصحية لتعين غير القادرين، وتحفظ لكل إنسان كرامته وكبرياءه، وتتعدد المشاريع التنموية التي تتوجه إلى المحتاجين في العالم أجمع، وترتفع بنوعية الحياة التي يعيشونها. إنها حقة لوصمة في حق الإنسانية أن نرى بشرا يموتون جوعا في الصومال وأثيوبيا والصحراء الأفريقية والهند وغيرها في عالم حقق العلم فيه ما حقق، وأتيح للإنسان أن يعيش في رفاهية لم يكن يحلم بها من قبل في ظل تكنولوجيا تتطور كل يوم.  
وأنا هنا أتحدث عن بداية تاريخ وليس نهاية تاريخ كما إعتقد فوكوياما. فعندما كتب فوكوياما بعد إنهيار نظام الحرب الباردة بين القوتين عن نهاية التاريخ، فإنه تصور أن سيادة النظام الرأسمالي سيادة مطلقة هو الحاكم لحركة التاريخ في ذلك الوقت ومستقبلا، ولكن لم تصمد هذه الفرضية طويلا، فهناك نظم أخذت تنمو على الساحة السياسية بعيدا عن الرؤية الأمريكية والقيم التي تتبناها. ظهر المارد الصيني وأخذ ينمو حثيثا حتي أصبحت التجارة العالمية تتكلم صينيا، حتي في الولايات المتحدةنفسها، ظهرت البضاعة الصينية غامرة للأسواق. وتبنت كوريا الشمالية فلسفة  الجوشي Juche  وهي تعني أن الإنسان سيد نفسه وسيد مصيره، وقد أصبح هناك بعدا سياسيا لهذه الأيديولوجية يرسم الطريق أمام كوريا الشمالية في علاقاتها مع الدول الأخرى، ويجعلها قادرة على قبول التحديات الإقتصادية، وإتخاذ المواقف السياسية التي تلاءمها دون خوف. وها نحن نرى بزوع حركة إرهابية دولية خفية، لها طبيعة خاصة، ولكنها موجودة في كل مكان، دون أن يكون لها مكان بعينه، تغزو العقول بأفكار سامة، تهدد أمن وسلام العالم أجمع.
 وأعتقد أن الشعور بالخطر من بزوغ مثل هذه التنظيمات التي تعتمد على أيديولوجيات تساند العنف، قد يكون دافعا للمجتمع العالمي أن يقف متعاونا على تبني رؤية جديدة، وهي تلك الرؤية التي أطرحها هنا، وتغلبني الثقة أنها ليس رؤية فردية، ولكنها حلم يجمع الكثيرين، ومنهم من دعا إليها سابقا مثل تولستوي وغاندي، ومنهم من يدعو إلىها حاليا، ولكن الأمل أن يكون هناك تجمع عالمي يتبني هذه الرؤية التي تتجه إلى الأساس المعرفي الذي يزرع في العقول ترابط الإنسان ويهفو إلى تحقيق السلام للجميع، ويقضي تلقائيا على ذلك التعصب الأعمى الذي قد يقود إلى دمار العالم أجمع بإشعال الفتن والحروب في كل مكان.فهل آن الأوان لنبدأ تاريخا جديدا؟  

Tuesday, November 2, 2010

حتى يتحقق سلام في أرض الأنبياء د. علياء رافع


فلسطين ليست مجرد أرض عربية، ولكنها أرض يحمل ترابها عبق التاريخ، ويشرف بأقدام الأنبياء الذين عاشوا عليها، ولذا فإن إنهاء الصراع على هذه الأرض يشكل أملا لكل المؤمنين بالأديان السماوية ليس في العالم العربي وحده، ولكن في العالم أجمع. بل إن هناك من اليهود الذين يعيشون داخل إسرائيل وخارجها من يحلم بأن ينتهي هذا الصراع، وأن ينتشر السلام بين الجميع، سلام قائم على إحترام حقوق الفلسطينين واليهود من الإسرائيليين. هذا ما أكده خطاب إلكتروني تلقتيته من صديقتي الأمريكية د. شارون ميهارس، مرسل إليها من سيدة يهودية من الناشطات في حركة "الصوت اليهودي من أجل السلام". ولقد قمت بترجمة هذا الخطاب، وأدرجته في هذا المقال، وفيه تلخص  هذه السيدة رؤية هذه الحركة، ولقد لفت نظري أن هذه الرؤية تكاد تكون متطابقة مع الأصوات العربية المعتدلة في رسم حل سلمي تفاوضي من أجل إنهاء الصراع،
وتجيء أهمية هذه الرسالة في أنها تدعم الرؤية التي تبنيتها والتي تقوم على أهمية إختراق المشكلة على مستوى غير ذلك المستوى الذي تواجدت فيه، إي بالتفكير في حل لا يتمركز حول "القضاء على الدولة الصهيونية"، ولكن يتجه نحو كيفية القضاء على الفكر الصهيوني داخل وخارج دولة إسرائيل. وبالطبع لن يكون الحوار الفكري أو الفلسفي هو الأداة الوحيدة لتحقيق هذا الهدف، ولكن أتصور أن نزع التبريرات الواهية التي ترتكز عليها إسرائيل في ممارسة سياساتها العنصرية يصبح هو الهدف، وبالتالي يمكن وضع المواطن الإسرائيلي المخدوع بعقدة الإضطهاد اليهودية في شك من الأسس الفكرية التي تبرر لإٍسرائيل أعتداءها المتكرر على شعب مغلوب على أمره، وكذلك يشجع الأقلام والمنظمات اليهودية خارج إسرائيل أن تعيد النظر في تلك المسلمات المطلقة التي تضع إسرائيل في كفة والعالم أجمع في كفة أخرى،، متصورة أنه بدون بناء دولة قوية لن يتحقق لليهود الأمن والسلام، ومن ناحية ثالثة فإن كسر مبررات العدوان يمكن أن يستقطب إتجاه رأي عام عالمي شعبي يؤيد حق الفلسطينين في دولة آمنة وأرض يعيشون عليها في سلام، وتعاد صياغة السياسات الدولية المتعلقة بهذه القضية.  
ومن الجدير بالذكر أن أضيف هنا أن هذه الرؤية  قد وجهتني إلى الموافقة على الإشتراك في كتاب يجمعني مع صديقتي د. شارون ميهاريس ويهودية من إسرائيل وأخرى من الولايات المتحدة. وأرجو أن تظهر ترجمة هذا الكتاب قريبا.  حاولنا – نحن المؤلفين -   أن نبعث رسالة إلى العالم  مفاداها أن السلام العادل يقوم على الإعتراف المتساوي لحقوق الإنسان، وندعو أن يتنبه العالم إلى مغبة الصراع والحروب التي ستؤدي في النهاية إلى تدمير هذا الكوكب، وتدمير أنفسنا. لقد حاولنا أن نبعث هذه الرسالة من خلال دراسة في التفكير الديني شرقا وغربا، والإسهامات الإنثروبولوجية والنفسية في دراسة الإنسان، لنصل لنتيجة مؤداها أن الإستعلاء والشعور بالأفضلية، يؤدي إلى العنصرية ومن ثم عدم الإعتراف المتساوي للحقوق بين الشعوب، وبدا واضحا أن هذه هي المشكلة الحقيقية التي تقف وراء إضطهاد اليهود للفلسطينيين، وإستهتارهم بحقوقهم الإنسانية التي أقرها القانون الدولي، وكل مواثيق وإعلانات حقوق الإنسان. ويتفق معي في هذه الرؤية يهود داخل وخارج إسرائيل. وهذا الخطاب المترجم في هذا المقال مثال يجب أن نتفاعل معه ونشجعه:  تبدأ الناشطة اليهودية رسالتها كالتالي:
"كان لسفر أسرتي إلى الولايات المتحدة الأمريكية قبل بدء  الحرب العالمية الثاينة أثره في بقائنا أحياء، في الوقت الذي شهدنا فيه قتل أهلنا الأقربين في المحرقة "الهولوكست".  وسبب هذا حزنا عميفا لأجدادي الذين حولوا حزنهم إلى محاولة لتأسيس دولة، كان أملهم أن تحقق الأمن لليهود،  وبفضل هذه القصة أأردت أن أوجد عالما يرفض أن يظل صامتا في مواجهة أي نوع من الإضطهاد. ووهبت نفسى مثل الكثيرين للقيام بكل ما يمكن القيام به حتي أدفع الخطوات قدما نحو قيام سلام عادل للإسرائيليين والفلسطينيين، وأن أعترف أن كل الشعوب على درجة واحدة من الإنسانية المتساوية.  وإذا بي  ألاقي وغيري ممن ينتمون إلى "صوت اليهود من أجل السلام" أن منظمة مقاومة التشهير Anti –Defamation League وضعتنا في قائمة المنظمات العشرفي الولايات المتحدة المعادين لإسرائيل، وحكمت علينا أننا لسنا يهوديين بالمعنى الكامل للكلمة. ولهذه المنظمة أقول، أنكم لا تتحدثون نيابة عني، أو عن أسرتي، أو عن مجتمعي. ولكل من يدعم عمل  "الصوت اليهودي من أجل السلام" أقول إنه أمر جوهري أن نعتقد في القيم العالمية للحياة الإنسانية، وليس في هذا أي مجال للمناقشة. وعملنا من أجل حقوق الإنسان يقوم على أساس رؤية تحقيقها لكل الناس. "
وتستمر الكاتبة لتدرج الأمور الجوهرية بالنسبة لصوت اليهود من أجل السلام: