Tuesday, September 27, 2011

أين قائد الثورة المصرية؟ د. علياء رافع


كانت ثورة 25 يناير ثورة بدون قيادة مركزية، وكان البطل فيها الشعب بأكمله. كانت الأهداف واضحة وصريحة، "إسقاط النظام"  بكل ما تحمله هذه الكمة من معاني وتداعيات. وإلى الآن لم يتغير النظام، لقد إختفت القيادة القديمة ممثلة في أسرة حاكمة، وليس فردا واحدا، وجاءت القيادة الجديدة متمثلة في المجلس العسكري وليس قائدا واحدا، وحكومة تم تأييد رئيسها من ميدان التحرير. وهناك فرق أن يكون رئيس الوزراء إنسان أمين نزيه ووطني، وأن يكون قائدا قادرا على فهم متطلبات المرحلة الحالية، أي أن يسير بالثورة نحو تحقيق أهدافها. خابت الآمال في د. عصام شرف، لأنه لم يستطع أن يسير بنفس الخطو والقوة التي أعطتها له جماهير الثورة.
أما المجلس العسكري، فحدث ولا حرج، قد تكون النية طيبة في خدمة الوطن، ولكن تولي أمور البلاد لا يكون بالنيات، وإنما يكون بالأفعال، وبما يتم على أرض الواقع. من الواضح أن الشعب والمجلس العسكري قد إشتركا في هدف واحد، وهو إزاحة رأس الدولة عن الحكم، ولكن لم يستطع المجلس حتى الآن أن يكون قائدا لهذه الثورة، لأنه لا يحقق أهدافها. ولا يكفي التغيرات التي حدثت من إسقاط المجالس النيابية، وحل المجالس المحلية، والتغييرات الوزارية المتوالية لأننا إذا نظرنا إلى هذا التغيرات لأدركنا، أنها تتم في نفس إطار تغيير الوجوه، وبقاء النظام. 
المقصود ببقاء النظام، ليس مجرد أن يكون القائمون على الأمر من الحزب الوطني، أو من الموالين لحكم مبارك، ولكن من يحملون نفس العقلية في الإدارة والرؤية. إن هذا يذكرنا بما كان يحدث لنا في الماضي، دعوة إلى الديمقراطية، وإذا  بالديمقراطية تختزل إلى صرخات يطلقها المعارضون هناك وهناك في وسائل الإعلام، ولكن فليصرخ من يصرخ، ويظل الأمر على ما هو عليه على الأرض. واليوم فليذهب إلى ميدان التحرير من يذهب، وليظل الأمر على ما هو عليه أيضا. إستجابة من هنا، وقضاء عليها من هناك.
وأما المرشحون لرئاسة الجمهورية، فلا يوجد إجماع شعبي على شخصية من هذه الشخصيات، وعلى الرغم من قناعتي الشخصية أن د.محمد البرادعي هو أصلح من يتولى قيادة المسيرة، ولكن نجح النظام السابق في تشويه صورته، بحيث أصبح إزالة ما علق بالأذهان في حاجة إلى جهد يفوق قدرة أي حملة إنتخابية أو شعبية. وفي نفس الوقت فإن تصريحات د. البرادعي تخرج متقطعة وبعيدة بعضها عن البعض، بحيث تختفي كلماته سريعا ولا تؤتي الأثر المطلوب.
ولكن الأدهي والأمر ظهور الإنقسام في الشارع السياسي، وإستشراء الفتن، وهناك فرق بين الإنقسام الخبيث، والإختلاف الحميد. يمكن أن تختلف الرؤي في ظل أهداف واحدة، ولكن الإنقسام الخبيث هو أن يقف فريق ضد فريق، يهاجمه ويحاول أن يقضي عليه في مقابل الحصول على مكاسب سياسية، أو ضمن خطة ما، قد يكون وراءها جهة ما. وعلى الرغم من أنني أكره منطق المؤامرة ، إلا أن هذا الغموض الذي يكتنف المناخ السياسي، يقبل أي تفسير.  ما معنى أن يخرج السلفيون مطالبون بتطبيق الشريعة الإسلامية؟ إن هذا يخرج الموقف السياسي كله عن هدفه، ويسير بنا إلى مناطق غامضة من الخوف من المجهول.
أولا: لا يوجد من يقف ضد مباديء الشريعة، حتي المسيحيين أنفسهم لا يعارضون، ولكن يكون الإختلاف في كيف ستطبق الشريعة، وهذا الإختلاف صحي، طالما أنه يتجه لمصلحة الوطن، و لايتعارض من العقلاء من فقهاء ظهروا على مر العصور أخرجوا "فقه المقاصد" ، وفقه المصالح المرسلة. لماذا إذن هذا الضجيج غير المفهوم؟
ثانيا: هل من مصلحة مصر أن تظهر للعالم أنها ستكون صورة مكررة من إيران أو طالبان أو أي من الدول الإسلامية ذات النظم الشمولية المتشددة؟  إن شخصية مصر التي ظهر فيها التدين والإيمان كأساس لقيام حضارة عظيمة، لا تقبل هذا التدين الشكلي الظاهري المتشدد، والذي يفرق ولا يجمع.
عندما قامت الثورة كان أحد أسباب قوتها هو أنه لم تكن هناك قيادة مركزية في شخصية محورية، ولهذا صعب على النظام السابق أن يتصدي لها أو يقضي عليها، ولكن بعد مرور ثمانية أشهر على هذه الثورة، فإن الفشل في ظهور قيادة شعبية، يتجمع حولها الشعب أصبح مهددا لقدرتها على الإستمرار. وأتمنى أن يخرج د. البرادعي من صومعته إلى الميدان، لا أقصد أن يكون متواجدا بجسده في أي مظاهرة، ولكن ليعود مرة أخرى إلى الضوء، وبحسه المرهف الذي إستطاع به أن يقوم بالمبادرة الأولى في طلب إسقاط النظام، يمكن اليوم برؤيته الحكيمة أن يعيد الأمور إلى مسارها الطبيعي. إنه الشخصية التي يمكن أن تقود مصر في الوقت الراهن من هذا التخبط إلى بر الأمام، لأنه شخصية مصرية أصيلة إنبثقت جذورها من أرض هذا الوطن، تميزت بالشجاعة التي ظهرت جلية في مجلس الأمن ليعلن هذا الرجل بكل قوة ضد كل المعلومات الإستخبارية الملفقة أن العراق بلد خالي من أسلحة الدمار الشامل. وهو مسلم ملتزم دون تعصب، ومفكر ليبرالي دون تحلل، وذي فلسفة إنسانية تتراحم مع الضعفاء والفقراء دون تطرف يساري.     
لن تتخلى مصر عن شخصيتها الإسلامية، ولكنها شخصية متميزة لأنه تتمتع بالتوازن بين التمسك بالدين، وبين سماحة الإسلام في تقبل الآخر وعندم أقصائه. ولن تتخلى مصر عن تاريخها الحضاري الذي هو حلقة متصلة متواصلة من تراكم ثقافي تفاعل مع الثقافات الأخرى وإمتزج معها، وأعاد صياغتها لتتلاءم مع شخصيتها. ومصر المسيحية هي نسيج تاريخي لا يمكن فصله عن تيار الشخصية المصرية. لقد إستشهد المصريون في عصر دقلدنيوس حتى يحافظوا على دينهم وشخصيتهم وبلدهم. إن القيادة المصرية يجب أن تكون مستوعبة لهذا التاريخ الفريد لمصر، قادرة على التواصل معه وأزالة الغبارعنه، وفي نفس الوقت قادرة على إستيعاب متغيرات العصر وأهميتها للنهضة المصرية. 
أما من يعبرون عن التيار الديني الإسلامي فإن لديهم قبول في الشارع المصري بين الملتزمين دينيا، ولكن هناك تحفظات كثيرة لا يحيط بها إلا من درس تاريخ الحركة الوهابية، وحركة الإخوان المسلمين تفصيلا. إن حازم أبو إسماعيل بفكره السلفي غير قادر على أن يتفاعل مع متطلبات العصر الحديث. وعلى الرغم من منطقه المحكم، وشخصيته القوية، إلا أن سيسير بنا في خط متشابه مع البلاد الخليجية، التي لا يتلاءم فكرها السياسي والحضاري مع الفكر السياسي في مصر. وأما عبد المنعم أبوالفتوح فإن شخصية متوازنة، ومتفتحة ورصينة، ولكن إنتماء د. عبد المنعم أبو الفتوح  إلى فكر حسن البنا، دون إعلان صريح بنقاط الإختلاف والإتفاق، يجعلنا في تخوف مما ستحمله لنا الأيام إذا تولى مقاليد الحكم. ذلك أن الإخوان المسلمين يرون أن الخلافة الإسلامية هي الأمل وفيها الخلاص. وهذا الفكر لا يتناسب مع العصر، ولن يجرنا إلا إلى أحلام تطير في الهوء دون أن يكون لها أساس أو قبول على أرض الواقع. هذا بالإضافة إلى أن فكر البنا إقصائي إلى أبعد الحدود، إذ يرى أن الإسلام والقومية الإسلامية شيء واحد ومتداخل، وهو مايفصل المسلمين عن العالم، لأن الإسلام أوسع كثيرا ممن يحملون إسمه، وصدق الشيخ محمد عبده عندما قال ما معناه أنه رأي في الغرب إسلام بدون مسلمين، ورأي في الشرق مسلمين دون إسلام، مشيرا إلى أن الإسلام ليس مجرد شكل، وإنما هو خلق ومباديء تتحرك على أرض الواقع.
وأما باقي المرشحين، فلعل حمدين صباحي هو أبرزهم قدرة على التواصل مع الناس، ولا غرابة أن يكون شعار حملته"واحد من الناس"، وهو يجتهد في أن يجمع حوله كوكبة من المستشارين الأكفاء كي يضع برنامجا إنتخابيا، قائما على دراسات جادة ورؤية واضحة. ويبقي بعد ذلك المستشار هشام البسطاويسي بنزاهته وشجاعته وماضية المشرف، وهو يجتهد كثيرا في الطريقة التي يقدم بها نفسه إلى الناس، ومن الواضح أن تطور شخصيته في خلال الفترة السابقة شهد قفزات في قدرته على التواصل وتعميق رؤيته للأمور. هذه هي أبرز الأسماء من وجهة نظري. من الذي سيأخذ القيادة، ولا أعني رئاسة الدولة.  قد نكون في إنتظار القائد الذي لم يظهر بعد، ولكن لا بد أن يظهر الآن، أو أن يأخذ د. البرادعي هذا الدور فورا ودون تباطؤ. لعل وعسى.  بدون قيادة نحن في خطر. 

Tuesday, September 20, 2011

هل حقا يمكن أن نشبه الليلة بالبارحة؟ د. علياء رافع


في يوم 25 يناير2011 تصادف نشر مقال لي أطلب فيه من رئيس الجمهورية أن يقوم بالتغيير الجذري بنفسه، محذرة من أن البديل قد يكون ثورة تنتشر بعدها الفوضي. ولكن كانت الثورة رائعة وعظيمة، قادها شعب مصر كله، ولأول مرة في التاريخ البشري المعروف تقوم ثورة دون قيادة ودون زعيم ودون أيديولوجية. ولقد عجل تآزر الجيش مع الشعب في القضاء على رأس النظام.
واليوم بعد مرورثمانية أشهر على هذا الحدث العظيم، أجد أن المخاوف التي كنت أحذر منها أصبحت واقعا نعيشه، ولكن ليس بسبب الثورة، وإنما بسبب من يحكمون البلاد. بعد قليل من قيام الثورة كتبت عن غصة الفرحة، ولكن هذه الغصة تزداد مرارة، وتتراجع الفرحة، وأرجو ألا يتصور قارئي أنني متشائمة، بل إنني متفائلة وأوكد ذلك قبل أن أكمل حديثي، لأن تفاؤلي نابع من إيمان عميق بقدرة الله سبحانه وتعالي الذي جعل هذا الشعب ينتفض بعد أن ظننا أنه مات، وكانت رعاية الله ظاهرة قوية، ولا أحسبها تخفي إلا على أعمي، وثانيا لأن ماحدث يوم 25 يناير تاريخ جديد في حياة مصر – بل أكاد لا أكون مبالغة إذا قلت وفي تاريخ البشرية، ولن يمكن أن تعود الأيام القهقرى أبدا، ولن يفلح أي إرهاب في إسكات هذا الشعب. والذي بعث الحياة لن يأخذها من هذا الشعب.
لماذا الغصة إذن؟ لأن حكامنا يأبون أن تسير الثورة في مسارها الطبيعي منذ أول يوم، منذ رفض المجلس إقالة وزارة شفيق وأصر تعديلات دستورية، بدلا من البدء فورا بتكوين جمعية تأسيسية لكتابة دستور جديد، غير مدركين هذه السياسات لاتتمشى مع منطق ثورة. ومازالت الخطوات تسير في هذا النهج، وتتوالى الأسئلة الحائرة على أذهان أبناء هذا الوطن دون مجيب. 
وعندما بعث لي صديق خطابا إلكترونيا مصحوبا بمقتطفات من عناوين الصحف التي صدرت إبان ثورة 52، لم أصدق هذا التشابه بل التطابق في بعض الأحيان بين عناوين الأمس واليوم: "محاكمة من إستغلوا نفوذهم وأفسدوا الحياة السياسية " (الأهرام 22 ديسبمر 1952) "عبد الناصر يحذر من قوى الثورة المضادة".هل قضت محاكمة مفسدي ما قبل 52 على الفساد، وهل ستقضي محاكمة مفسدي ما قبل 25 يناير على الفساد؟  ألا يحذر الجيش اليوم من قوى الثورة المضادة أيضا، والأموال والأسلحة التي تتسرب من الخارج، وتصبح "الثورة المضادة" كلمة قد تشمل القوى الوطنية التي قامت بالثورة مثلما حدث مع حركة 6 إبريل. "الجيش والشعب جبهة واحدة متراصة" هذه عنوان قديم، وهذا هو أيضا التأكيد الذي يتحدث به كل من يوجه إليه إنتقاد من المجلس، لأنه سرعان ما يقول أن الجيش هو الذي وقف بجانب الشعب، ومع إختلاف الموقف أمس واليوم بين دور الجيش والشعب، إلا أن النغمة قد تغيرت حيث كانت البداية هي التعظيم للثورة والشعب والشهداء، ثم أصبح الجيش صاحب فضل على الثورة، بدونه ماكان يمكن تنجح.، هذه التصريحات تعود بنا إلى إنقلاب مجلس قيادة الثورة على محمد نجيب الذي وضع في الصورة أولا ممثلا الثورة، ثم بعد ذلك تم تجنبه، وهانحن أمام نفس التكتيك، حيث كان الشعب هو البطل، ثم بعد ذلك  أصبح الجيش هو قائد الثورة، وأصبحت إرادة الشعب وكرامته كلمات دون مدلول واقعي، وذلك مع الإعتقال المستمر ومحاكمة المدنيين محاكمة عسكرية، ومع إشاعة فكرة الأجندات الخارجية، والإنهيار الإقتصادي، وقوى الثورة المضادة، والفوضى والبلطجة.  كل هذه عمل على خلط الحابل بالنابل، وبلبلة الرأي العام، والعمل على تقسيمه، وزرع كراهية الثوار.
في الأيام الماضية، جاء مانشيب يقول " حل مجلس الشعب يوم 24 يوليو وتسليم البلاد لممثلي الشعب"  "لاحرمان من الحقوق السياسية حتى لا تتأثر حرية الإنتخابات". ومع ذلك تم التخلص من الأحزاب السياسية، وحل جمعية الإخوان المسلمين.  الموقف اليوم يختلف قليلا أو كثيرا، ولكنه في غاية الخطورة، قانون الأحزاب غير متفق عليه حتى كتابة هذه السطور، إظهار صعوبة السيطرة على أعمال البلطجة، عدم قبول رقابة دولية على الإنتخابات، عدم وجود خارطة طريق واضحة المعالم. كل هذه الأمور تجعلنا نخشى أن يكون الماضي قد أعاد نفسه.
وصدر إعلان دستوري رائع  بعد ثورة 1952، وصدر إعلان دستوري في البيان الثالث بعد ثورة 25 يناير، تلاه إعلان دستوري بعد الإستفتاء بدا كأنه إحياء للدستور القديم مع تغييرات طفيفة، وتعديلات أدخلت عليه، وهي تلك التي عرضت في الإستفتاء.وأعطي الإعلان الدستوري مجلس قيادة الثورة سلطة مطلقة في إتخاذ القرارت حيث تقول  المادة الثامنة في الإعلان الدستوري القديم " يتولى قائد الثورة أعمال السيادة العليا وبصفة خاصة التدابير التي يراها ضرورية لحماية هذه الينة والنظام القائم عليها لتحقيق أهدافها وحق تعيين الوزراء وعزلهم"   ونحن أيضا نشهد اليوم دون نص صريح تمتع المجلس العسكري بسلطة مطلقة كذلك. ونجد في اعلان الدستور المؤقت الذي أصدره المجلس الأعلى بعد ثورة 25  يناير دون إجراء إستفتاء عليه أنه أعطي للمجلس العسكري الحاكم سلطات واسعة  مثل حريته المطلقة في إصدار التشريعات، والقوانين، وهذا وحده يسحب السجادة من الإرادة الشعبية بالكامل. ويجوز له كذلك تعيين رئيس الوزراء والوزراء وعزلهم، وقد يكون هذا حق ضرورى في فترة إنتقالية، ولكن لم يضع الإعلان أي ضوابط لعزل رئيس الوزراء أو الوزراء، إلا مقولة فضفاضة بالقول بما يتمشى مع القانون، في الوقت الذي يملك المجلس نفسه المقدرة على تغييره، وسن قوانين كما يشاء.
 وأما بالنسبة للدستور فقد أصدر مجلس قيادة الثورة قرارا يقضي بإتخاذ الإجراءات لعقد جمعية تأسيسية تنتخب عن طريق الإقتراع العام المباشر على أن تجتمع في خلال شهر يويو 1954 ويكون لها مهمتان، الأولى مناقشة مشروع الدستور الجيد وإقراره، والثانية القيام بمهمة البرلمان إلى الوقت الذي يتم فيه عقد البرلمان وفقا لأحكام الدستور الذي ستقره الجمعية التأسيسية.  وقرر المجلس أن تلغي الأحكام العرفية قبل إجراء إنتخابات الجمعية التأسيسية بشهر كما قرر إلغاء الرقابة على الصحافة والنشر صدر هذا البيان في 5 مارس 1954 ويصرح الرئيس محمد نجيب أن الجمعية التأسيسية تنتخب من تراه صالحا لرياسة الجمهوربة، ويقول نريد لمصر أحزاب حقيقية ترتكز إلى المباديء والأهداف. ولا شك أن هذه القرار أفضل كثيرا مما نواجهه اليوم، من تكوين جمعية تأسيسية بعد إنتخابات مجلسي الشعب والشورى، ووضع ضوابط تأسيسها من داخل المجلس، وهو ما سينحرف بمسار الثورة إنحرافا كبيرا، إذ يعطي لمجالس نيابية إنتخبت في ظروف إستثنائية، وقد لا تكون معبرة تعبيرا حقيقيا عن الإرادة الشعبية قوة التحكم في مصير مصر لسنوات مقبلة.  هل سيؤدي هذا إلى الإستقرار؟ أم إلى الإحتقان؟ ولماذا خلق هذه الإنقسامات بصورة مستمرة. هل المستهدف أن نصرخ طالبين القبضة الحديدية لحكم عسكري جديد؟ لقد بدأت بالفعل بعض الأصوت تظهر على إستحياء، ولكن قد تعلو بعد ذلك تطالب بإحكام قبضة المجلس العسكري على الأمور. وفي الوقت نفسه فإن أي قوى وطنية أو صوت ينتقد ما يحدث يصبح صوتا يعمل على الوقيعة بين الشعب والجيش. لو كان الجيش قد إستجاب لمطالب الثورة وتعامل معها على أنها ثورة منذ اليوم الأول لنال شرفا لم  يكن لينله جيش من قبل، ولدخل التاريخ مكرما مبجلا، ولكان من الممكن أن يعلو صوت الشعب مطالبا شخصيات محترمة من الجيش أن تتولي الرئاسة في فترة محدودة. لماذا لم يحسن المجلس إستخدام هذا الحدث التاريخي لصالح البلاد، ومن ثم لصالحه؟.
على الرغم من تشابه السياسات بين مجلس قيادة الثورة أمس والمجلس العسكري اليوم، إلا أن الماضي لا يعود ولن يعود، وهذا يقيني وإيماني. وأتمنى من أعماق قلبي وأدعو الله صادقة أن يلهم المجلس الأعلى سياسات راشدة، متجاوبة مع آمال وطموحات هذا الشعب العظيم، وألا يضعنا في هذا المأزق الصعب بين الأمل واليأس، لأن هذا التذبذب يسبب الإحباط، وهو ليس في صالح شعبنا الذي كسر حاجز الخوف، ولا في صالح هذا الوطن، نريد أن يتصرف المجلس العسكري بحكمة لأننا في حاجة إلى القوات المسلحة بشدة، فهي صمام الأمن والأمان لهذا البلد.  

Tuesday, September 13, 2011

تصحيح المسار بين الأمل وإحباطه د. علياء رافع


كان يوم الجمعة 9 سبتمبر يوما قد ذكر الكثيرين بالأيام العصيبة والجميلة في نفس الوقت لثورة 25 يناير، عبر الشعب فيه عن نفسه ومطالبه العادلة التي يكمن أهمها من وجهة نظري في عدم محاكمة المدنيين عسكريا.   ومر اليوم بسلام إلى أن إتجه بعضهم إلى وزارة الداخلية، والأخرون إلى السفارة الإسرائيلية. وهنا أصبحت الأحداث مثيرة للشجن. ولم أصدق نفسي وأنا أنظر إلى تكسير الحائط الكبير الذي أقيم أمام السفارة الإسرائيلية دون أن يكون هناك شرطي واحد أمني أو عسكري، وتساءلت أين ذهبت المدرعات التي كانت تقف أمام السفارة من قبل، هل أراد الجيش أن يفتح الأبواب أمام المتظاهرين كي يعبروا عن سخطهم دون أي وجود له؟  وهل هذا أمر مقبول أو معفول أن تترك سفارة مثل السفارة الإسرائيلية بدون حراسة في هذا اليوم بالذات؟  هل الخلل هنا يرجع إلى  الجماهير الثائرة التي لم تتمالك زمام الأمر؟ أم يرجع إلى المؤسسة الحاكمة التي لم تقم بما ينبغي أن تقوم به في مثل هذه الأحوال؟  أم إلى الإثنين معا.  قد يرى البعض أن تكسير الحائط هو تعبير عن غضب شعبي ضد كل من إسرائيل والحكومة والمجلس العسكري الذين لم يتصرفوا التصرف اللائق لكرامة الجنود المصريين الذين قتلوا على الحدود. وعندما أقول هذا فلا يعني أن يؤل هذا الكلام في سياق أنه سيؤدي إلى عدم الإلتزام بمعاهدة السلام مع إسرائيل، أو أنه تصعيد إستفزازي للدولة الصهيونية.  إن ما حدث من الحكومة التركية على سبيل المثال يعطينا نموذجا لتعامل حضاري يسير مع كل القوانين الدولية، ولكنه يعطي لتركيا قوة ومكانة في المجتمع الدولي. إذن سخط المصريين له ما يبرره،  ولكن ما لا يمكن تبريره هو أن يترك التعبير عن الغضب بهذه العشوائية.  وإهانة كرامة المصري لم تعد أمرا مقبولا، ولذا فلت زمام الغضب الذي أنتج أعمالا هوجاء.
بعد ذلك بقليل وعندما توجهت الجماهير إلى أمن الجيزة، بدأت الشرطة تظهر مرة واحدة، وتمارس عنفا غير مقبول، فتتسبب القنابل المسيلة للدموع في مقتل أحد   المواطنين  نتيجة للإختناق، ويبلغ عدد المصابين مائتين وستة عشر مصاب، وهو عدد كبير. وبعد ذلك إذا بالسيد أوباما الذي لم يتحرك ساكنا عندما قتل ثمانية من الجنود المصريين نتيجة إختراق قوات إسرائيلية الحدود المصرية في تحدي صارخ للسيادة المصرية،  بشهادة القوات الدولية. ولا ندري لماذا يتدخل السيد أوباما في هذا الحدث بالذات وهل هو المتحدث الرسمي نيابة عن إسرائيل؟  إن هذا الموقف الغريب، وهذا الإهتمام الزائد من الحكومة الإسرائيلية  يثير تساؤلات أكثر غموضا.
ويمكن القول أنه من خلال غموض التساؤل تكمن الإجابة، عندما لا يوجد أي مبرر أن ينسحب الأمن والشرطة العسكرية من أمام السفارة الإسرائيلية، فإن الرسالة المضمنة هو تشجيع المتظاهرين على التعبير عن مشاعرهم الغاضبة.  ويبدو هذا تعليلا جميلا يدل على إنحياز القوى الحاكمة للشعب، وإتاحة فرصة له للتعبير عن نفسه. ولكن أقل ما يقال فيه أنه تصرف غير حكيم، لأنه كان ينبغي أن تكون قوى الأمن ترعي وتراقب تحركات الجماهير حتي لا تحدث هذه التصرفات الهوجاء.  ولكن عندما تضرب قوى الأمن الجماهير الغاضبة المتوجهة إلى أمن الجيزة، يقع الفرض الأول، وتبرز فروض أخرى، لا تجد لها إجابات إلا من خلال أسئلة جديدة، مثل لماذا تصرف جمهور التحرير بنفس الأخلاق الحضارية العالية، والتوجه السلمي المحترم، ثم إذا خرجت المظاهرات من ذلك النطاق إلى نطاق آخر، يبدو وكأن المصريين خارج التحرير ليسوا هم المصريين داخل التحرير، هل نحن شعبان أم شعب واحد؟ وعند هذا التساؤل تبرز الإجابة الواضحة، وهو أنه لاشك أنه داخل  التحرير حيث يوجد إحكام من اللجان الشعبية في مراقبة الداخلين، وحيث يتحرك النشطاء السياسيين في كل إتجاه ليحافظوا على السلمية، وحيث أن الغالبية العظمي تجيء إستجابة للدعوة وليس من أجل الشغب، فإن السلوكيات العامة تكون رائعة، أما عندما تخرج فئات قليلة متحمسة أو غاضبة، فإن الفرصة تكون سانحة لدخول عناصر – لا يدري أحد هويتها أو مصدرها –  وهي بالتأكيد تريد أن تشوه صورة التظاهر والمتظاهرين، كما أنها تأتي  بأفعال غوغائية تسحب الإنتباه من المظاهرات السلمية.  
والقضية هي من هو صاحب المصلحة في إثارة هذه الفتن؟ سنجد أن هناك أكثر من مصدر، أحدها فقط هو "الفلول"، ولكن الفلول قد تكون كلمة عامة تشمل ليس فقط أنصار النظام السابق أو المتضررين من الثورة بالضرورة، ولكنها قد تشمل أيضا مراكز قيادية – مجهولة الهوية أو معلومة الهوية – في النظام الحالي، ولكنها لسبب أو آخر لا تريد أن تكتمل هذه الثورة لأن في إكتمالها ستضرب هؤلاء القيادات في مقتل.
هل سنجني من هذه الإفتراضات أي عائد؟ لن يستطيع أحد أن يجزم بأن ما يصل إليه التحليل صائبا بالضرورة، وكذلك من الصعب حتي لو كان في ذهن من يكتب أو يحلل بعض الأسماء أو بعض القوى، أن نثبت تدخلها في تلك الأحداث – إلا إذا أراد الله أن يفضح هذه القوى  فيخرجها عن الحذر ويتيح للشعب أن يعرف ويثبت هويتها – ولذا فإن قيمة هذا التساؤلات تكمن فقط في مقاومة كل محاولة لتشويه الشعب المصري العظيم والنبيل، والدفاع عن حق هذا الشعب في التعبير عن نفسه بالصورة السلمية التي صاحبت مسيرته في تلك الثورة الرائعة. ومن ناحية أخرى فإنه تقع على كل واحد منا مسئولة الحفاظ على الصورة الحضارية للتظاهر ، ولقد أدركنا أن الغضب النبيل وليس الغضب الأهوج هو الكفيل أن يصل بنا إلى أهدافنا وغايتنا.
لقد خرجت هذه المظاهرة تعبيرا عن الإرادة الشعبية في الحفاظ على أهداف الثورة وأهمها الحرية والكرامة الإنسانية، ولا يمكن أن تتحقق هذه المطالب في ظل محاكمات عسكرية لآلاف من المواطنين، بينما البلطجية الحقيقيون يسيرون في الآرض ويعيثوا فيها الفساد. ولذا فإن مطلب محاكمة المدنيين محاكمة مدنية حق من حقوق الإنسان والمواطنة، ولا بد للمجلس العسكري الحاكم أن ينصاع لمطالب الجماهير.  لا يوجد عاقل في هذا الوطن يتمنى أن تحدث ثورة ضد المجلس العسكري،  ولكن لا يعني هذا أن يعمل المجلس على زيادة هذه المسافة بين مطالب الثورة وسياسة المجلس، ذلك أن أي محاولة لإعادة إنتاج النظام القديم ستبوء بالفشل. لقد أصبح تاريخ 25 يناير تاريخا فاصلا، بدأ به بعث جديد للشعب المصري الذي سيرفض بكل إصرار أن يهزه إرهاب الدولة.  ويحيرني بالفعل أن المجلس العسكري يسير في إتجاه معاكس لما يريده الشعب، ولو أنه أخذ طريق الثورة منذ البداية، أي أنه أدرك أن هناك ثورة حقيقية وليس مجرد حركة إصلاحية لنظام مهلهل، لنال قادة المجلس شعبية غير مسبوقة في التاريخ المصري، بل لا أستبعد أن الشعب كان سيصر على أن يقود المجلس العسكري المرحلة القادمة بالكامل، تحت دستور يتيح أن يتسلم المدنيون الحكم بعد ذلك. وقد لا أكون من الذين يشجعوا هذه الرؤية، ولكن شعب مصر شعب طيب ويحفظ الجميل، ويعطي الكثير عندما يثق في قيادته.  لماذا لم يأخذ المجلس العسكري هذه الفرصة الذهبية، إنني وغيري متحيرون بالفعل.
وأما أحداث السفارة الإسرائيلية فلا شك أنه سيكون لها عواقب وخيمة، كان من الممكن تجنبها، لو أن قوات الأمن كانت حاضرة لتمنع هدم الجدار العازل الذي كان يتم تحت مسمع ومرأي من الجيش والأمن. هل تصعيد التوتر بيننا وبين إسرائيل أمر مقصود؟ وما هي الأهداف من وراء هذا التوتر؟  إنها أسئلة تكمن الإجابة في غموضها. ولنترك الأحداث تشرح بدلا من الكلمات. ولا يملك الإنسان في هذه الحال إلا أن يتوجه إلى الله القوي العزيز أن يحمي مصر وشعبها من كل سوء،  وأن يظل الأمل دافعا لنا كي نضغط جميعا نحو تحقيق أهداف هذه الثورة. إن الله سميع مجيب. 

Tuesday, September 6, 2011

هل يعني إسقاط النظام تحطيم البلاد د. علياء رافع


إعتدت أن أقول في محاضراتي أن المجلس القومي للمرأة والمركز القومي لحقوق الإنسان مشروعان هامان وجيدان للغاية، ولكن الشبهة الوحيدة التي تحيط بهما أنهما شبه حكوميين ولا يمكن أن ينتسب  القاضي ورافع الدعوة إلى مؤسسة واحدة. ولا حاجة إلى الشرح، فالآمر واضح جدا. ومن ناحية أخرى فإن هذين المجلسين يمثلان محاولة لسيطرة الأسرة الحاكمة على النشاط المدني بشكل فج للغاية. فكيف يمكن للجمعيات والمؤسسات المعنية بحقوق المرأة أن تعمل بكامل كفاءتها وهي تقع في منافسة مع رأس الدولة. وكيف لمجلس حقوقي للإنسان أن يدافع عمن تهدر الدولة حقوقهم، وهو مقيد بتبعيته للدولة؟
وعلى مستوى آخر، فلقد كنت معجبة للغاية بمشروع القراءة للجميع، والمكتبات المتنقلة التي كانت تذهب إلى مناطق نائية، وتشجع على القراءة والبحث، وهذا أمر هام للغاية من أجل توسيع الأفاق، ونشأت الوحدات الصحية لتقدم خدمات جليلة في مجال الأسرة والطفل، بدءا من صحة الأم ووسائل تنظيم النسل إلى التطعيمات المختلفة التي كانت تقدم مجانيا وبكفاءة عالية للغاية. وكان مشروع المائة مدرسة مشروعا جيدا، إشتركت فيه كثيرات من سيدات فاضلات وكن سعيدات بهذا الدور الذي جعلهن على صلة حميمية بقطاعات كبيرة من المجتمع الذين لا خيار لهم إلا أن يكون أبناؤهم في مدارس حكومية، وكان لا بد لهذه المدارس من أن تنهض على مستوى البناء التحتي والمستوى التعليمي، وأصبحت المشاركة المجتمعية التطوعية  التي يقدمها هؤلاء السيدات عاملا رائعا في التضامن. وسعدت أيضا بمشروع الفصل الواحد للفتيات الذي شجع الريفيات على تعويض ما ضاع منهن من فرص في التعليم، وبدا الأمل يداعب خيالهن مرة أخرى.
حقا أطاحت الثورة بالنظام السابق المستبد، والذي عشنا تحت ظله ثلاثين عاما، فسرق منا العمر ولكنه لم يجهض الأمل إلى أن جاءت الثورة تنشد الحرية والكرامة الإنسانية، وإستطاع هذا الشعب أن يسقط رؤس هذا النظام، ويجهض مشروع التوريث الذي  كنا نسير فيها مرغمين، خاصة عندما تقاعست الأحزاب الكرتونية عن أداء دورها الوطني عن طريق التجمع والإلتفاف والتكاتف من أجل إيقافه.
 وبعد هذه النجاحات العظيمة، وقفت متأملة ما يحدث في المجتمع اليوم، وينتابني الفزع عندما يخلط الكثيرون بين إسقاط النظام وبين بعض المشروعات الناجحة التي ترأسها أفراد عائلة الرئيس المخلوع، والذين  أنشأوها ولم يكونوا مهتمين بمصلحة الوطن بقدرإهتمامهم بإثبات وجودهم وفرض سيطرتهم.  حقا وضعت الأسرة الحاكمة تجميل صورتها وفرض سيطرتها على أولويات برامجها. وحقا تم الصرف المبالغ فيه من أجل الدعاية لهذه المشروعات والتي كان من الأولى أن تصرف على هذه المشروعات نفسها أوغيرها. والسؤال هو هل يعني إسقاطنا للنظام أن نقضي على تلك المشروعات؟  وجود الأسرة الحاكمة على رأس هذه المشروعات لا يبرر التوقف عن إستكمال أدوارها الخدمية والتنموية التي كانت تقوم بها، وقد يصاحب هذا تعديل في اللائجة الداخلية لبعض المؤسسات ، مثل التعديل الذي يجب أن يحدث للمركز القومي للمرأة والمركز القومي لحقوق الإنسان. إذ ينبغي أن ينالا إستقلالهما تماما من الإشراف الحكومي.  ولا بد أن تستمر الخدمات الأخرى في إستقلالية وأن تصبح جزا لا يتجزأ من النشاط المدني الذي أعتبره الأساس في الإنطلاقة القادمة.   وأما مهرجان القراءة للجميع فيحب أن يستمر دون بذخ في الدعاية، وتعليم الفتيات الريفيات بدون تقيد بالسن فكرة إنسانية في غاية الأهمية، وكذلك مشروع المائة مدرسة، وغيرها إذا وجد.
وبنفس القدر ولنفس الأسباب، أي أن تكون مصلحة الوطن هي العليا، علينا أن نقيم ما حدث في العهد السابق من ناحية الإيحابيات، ودراسة السلبيات والتخلص منها. ليس من المعقول أنه على مدى ثلاثين عاما لم تكن هناك برامج سياسية وإقتصادية وخدمية ناجحة. هناك مواطنون شرفاء كانوا يحفرون في الصخر من أجل دفع عجلة التقدم إلى الأمام، وعلى الرغم من سقطات د. يوسف والي وإستعانته بالعديد ممن خانوا العهد والأمانة، إلا أن ما تحقق في مجالا إستصلاح الأراضي، والبحوث الزراعية، وإستنباط سلالات جديدة عالية الإنتاج في القمح وغيره، وإنشاء مراكز علمية متميزة تابعة لوزارة الزراعية أخذت دور الريادة على مستوى الشرق الأوسط، إن لم يكن على مستوى عالمي، كل هذا قد تحقق في العهد البائد، مثل مركز الهندسة الوراثية ومركز الخبيرفي مجال الكمبيوتر.  حقا فجرت قضية يوسف عبد الرحمن غضبا عارما، خاصة بعد أن سبقتها ولحقت بها قضايا فساد أخرى، ولكن هل ينفي هذا ما تحقق في هذا القطاع من تقدم مشهود، لا ينسب للدكتور يوسف والي، ولكنه ينسب إلى من قاموا بهذا الإنجازات، وكان وزير الزراعة في ذلك الوقت جزءا من هذا الجهد، فيحب أن نعطيه حقه في ذكر إنجازاته، ونلوم عليه فعلا في إستعانته بثلة فاسدة مسحت كل ما أتي به من إيجابيات. و لابد أن نذكر أنه في مجال الإقتصاد عندما عصفت الأزمة الإقتصادية التي مرت بها الولايات المتحدة بكثيرمن الدول وسببت إنهيارات في بعضها، فإن مصر خرجت من هذه الأزمة بسلام، وكان هذا بفضل المجموعة الإقتصادية التي أدارت الإقتصاد بمهارة وعلم.  وينتابني القلق اليوم عندما أجد أن جامعة النيل على وشك الإنهيار، لا لسبب إلا أن إسمها إرتبط بإسم رئيس الوزراء السابق في العهد البائد، بينما هي مشروع قيم قطع شوطا كبيرا في تأسيس صرح علمي، وجمع كثيرا من شبابنا المتميزين في هيئة التدريس، وجذب أساتذة مصريين كبار من مختلف أنحاء العالم. وإذا بهذا المجهود يذهب هباء، لأن هناك مشروعا آخر للدكتور أحمد زويل. أجد في  تحطيم هذا الصرح مهزلة لا أفهمها.  في كل الأحوال لا يصح أن نبدأ في كل شيء من الصفر، متجاهلين ما تم من قبل، ففي هذا إهدار للجهد وللوقت
ما أود أن أشير إليه تلخيصا هو أن سقوط نظام لا يعني سقوط دولة، ولا يعني أنه لم تتم إنجازات في العهد البائد. ولكن على مستوى التقييم الكلي، يمكن القول أن ما تحقق لمصر أقل بكثير من إمكانيات ما كان يمكن تحقيقه، وأن زرع الفساد في كل مكان نتج عنه مرض إستشرى في أنحاء البلاد، وإن معالجته ستأخذ وقتا، ولكن هل نهدم الخلايا الصحية ونحن نقضي على المرض الخبيث؟  أخشى أن نهدم المنزل تماما ظنا أن هذا هو الإختيار الأفضل، فلا يبقي لنا إلا الأطلال، ونهدرجهودا رائعة قام بها مواطنون مخلصون. نحن في حاجة إلى قول كلمة الحق لا نخشى فيها لومة لائم، وعندما نتجرد من الهوى ومن كراهية الأشخاص، يمكن أن نفكر من أجل غاية أكبر وهدف أعظم.
ونرجو ألا نعود إلى ذلك العهد مرة أخرى، تحت أسماء جديدة. نعم لقد تحسن المناخ العام، ولكن مازالت هناك بعض الممارسات المقلقة، ويقف على رأسها محاكمة المدنيين عسكريا، وتلك الأعداد المهولة المتواجدة في السجون العسكرية، وغيرها من الإحباطات، ولكن لا يقف المصريون مكتوفي الأيدي، ولا بد أن يتعلم الجميع الدرس.
وأقول إن من إستطاع أن يبني في عهد كان يحارب الإنجاز، ومن إخترق الصعاب مناضلا ومكافحا، هؤلاء الجنود المجهلون هم الذين حافظوا على حياة  مصر . نعم إن بلدنا الحبيب مازال يتنفس ويعيش لأن أبناءه لم يفرطوا فيه، وآلوا على أنفسهم أن يجاهدوا قدر الإستطاعة كل في مكانه في أحلك الأوقات، وسيظل أبناء مصر يعملون ويبنون ويشيدون، وستبدأ مصر صحفة عظيمة في تاريخها، ولهؤلاء الذين ندين لهم بالفضل لأنهم بنوا وعمروا في أصعب الأوقات ولشباب المستقبل الذي فجر ثورة عظيمة، والذي سييبني مصر المستقبل، أتقدم إليها بتحية تقدير وإحترام.