Tuesday, December 27, 2011

دماء الشهداء لن تذهب هباء د. علياء رافع

هل الزمن يسير إلى الوراء أم إلى الأمام.. لماذا لا ينتهي هذا الكابوس المفزع الذي لا يبدو أن له نهاية؟ هل نحن نعيش الثورة أم عصر مبارك، ولكن أسوأ كثيرا من مبارك. كان مبارك يقوم بأفعاله ففي الخفاء، يتواري خجلا ويريد أن يحفظ مظهرا متحضرا، وكان هذا في حد ذاته يضع أمامه بعض الحواجز والسدود. ولكن الألعن أن الإعتداء على المواطنين وتعذيبهم وقتلهم وسحلهم يتم علنيا أمام الجميع، بل  نجد القاتل يحاول أن يكسر الضحية معنويا بالإعتداء، ثم بعد ذلك  بإعلان التدعيم، وكأن أيديه بريئة من الدم. فأي نوع من البشر هؤلاء؟ لقد خرجنا من نظام مبارك لنقع في إرهاب العسكر.
منذ أسبوعين قلت في هذا المكان أن شرعية المجلس العسكري قد انتهت بعد مذبحة محمد محمود، ولكن أردت أن ألفت الانتباه أن المطلوب هو أن يعود المجلس العسكري إلى دوره الطبيعي في حماية البلاد ويترك القيادة إلى مجلس رئاسة في هذه المرحلة الانتقالية.  وإذا كانت مصلحة البلد هي ألا يتم فتح الأوراق القديمة لما حدث منذ 12 فبراير، فإن المصريين قادرون على تقدير الأخطاء والخروج منها بسلام. ومع خالص الشكر والتقدير للمجلس. كلنا كمصريين نريد سلامة هذا الوطن، وفي هذا السبيل ومن أجل هذا الهدف النبيل لن تتم محاسبة المجلس العسكري على سوء إدارته للبلاد في هذه الفترة.
  ولكن ما حدث بدءا من ديسمبر 16 أي قبل أن يمر شهر على مذبحة محمد محمود يضع الشعب والجيش في مواجهة مباشرة. فليس مقبولا على الإطلاق أن يستخدم الجيش هذا العنف المفرط ضد المتظاهرين، بل وأكثر من ذلك أن يصدر بيانا ينكر أن هناك أعمال عنف من الجيش أو أي اعتداء قد حدث على المتظاهرين، بل ويخرج علينا رئيس الوزراء بإستخفاف شديد ليتحدث عن البلطجية مرة أخرى، وكأننا لم نكن نر ما يحدث من سحل وضرب وقتل. هل أصبحت مصر كلها مجتمع بلطجية؟ وكيف لا يستطيع أن يضبط عمل البلطجية دون هذه الحرب الشعواء التي تجعلنا نشعر أن  الجيش في حرب مع عدو – هو الشعب. هل الجيش قوى احتلال، أم أننا نحن الشعب جئنا من مكان آخر ونعيش في وطن غير وطننا.  حتي لو كان الجيش يضرب بلطجية، فإن تلك المعاملة غير المقبولة إنسانيا لا يمكن أن تكون مبررا لهذه القسوة التي فاقت كل حد.    
يقول طبيب المستشفي الميداني أنه استقبل حالات برصاص حي، وخرطوش، وجروح قطعية نتيجة للضرب بالسونكي. ويؤيد التشريح هذه الحقائق، مما يؤكد أن الجيش هو القاتل، بل ويتجرأ الجنود على اقتحام المستشفي الميداني، وضرب الأطباء. ويحدث اعتداء  ويضيف إلى أن هناك محاولة اقتحام للمستشفى. المجمع العلمي يحترق لساعات، ويترك بشكل مخزي دون أي محاولة لإطفائه، بل يقال أن البلطجية تعرضوا لسيارات الإطفاء بالملوتوف، فتراجعت سيارات الإطفاء، وتركت المجمع في حالة اشتعال لتؤتي النار على كل ما فيه من الكتب. هل يمكن أن يقبل هذا التبرير أي إنسان. جيشنا العظيم الذي يحمي البلاد لا يستطيع أن يقف أمام مجموعة من البلطجية، يحرقون ثروة مصرية، ولكنه يجري وراء العزل ويقبض عليهم، ويمسك بفتاة ويسحلها، ويخلع عنها ملابسها أمام مرأى ومسمع العالم أجمع. والشباب الثائر الذي تستهدفه الرصاصات الطائشة، وقطع الرخام الحادة، وزجاجات الملوتوف الحارقة، يدخل في بسالة لينقذ ما يمكن إنقاذه. هل يمكن أن يصدق عاقل ما يقولونه؟ نستمع إلى سناء سيف، غادة كمال، فريد الحمامصي وهن يقصصن كيف اعتدى الجنود عليهن، وأظن أن رجال مصر لابد أن يخجلوا من شجاعة هؤلاء النساء وصمودهن.
والأدهى والأمر أن السلفييين الذين ملآوا آذاننا بالدولة الإسلامية العادلة التي يريدون أن يقيمونها على ربوع مصر، يسقطون في أول ابتلاء وطني  بجدارة وهم يتنكرون لكل ما يرون من تعرية للفتيات وضربهن والقبض عليهن، في غير مراعاة لخلق أو دين، بل ويجرأون بعد ذلك على إلصاق تهمة قتل الشيخ عماد عفت إلى الشباب الثائر، ويعاودون مرة أخرى إظهار الولاء لجيش مصر العظيم. هل نحن في مسرحية هزلية، أم أن ما نراه واقعا. أين هتافاتهم الحماسية لحماية "أختي كاميليا و أختي عبير؟  لماذا لا تنطلق صرخاتهم من أجل إيقاف هذا الانتهاك اللاآدمي لفتيات يمتلكن شجاعة يعجز عنها رجال ممن يصرخون بأنهم منقذو الأمة من الفساد؟  كيف يتجرأون على مهاجمة هؤلاء الفتيات بدلا من الدفاع عنهن؟ أنه هزل لا يستطيع كتابته أكثر الروائيين خيالا وإبداعا.  وتخرج النساء في مظاهرة رائعة من كل الأعمار صارخين بأن سيدات مصر لن يقهرن ولن يعذبن.
ومع ذلك أقول للجميع أن دماء الشهاداء لن تضيع هدرا، ستتنصر الثورة، لأن ذلك الشعب العظيم الذي أقسم بقلب مؤمن حقا، والإيمان ليس في حاجة إلى اسم لدين، إنه إيمان قلب إنسان ولد مسلما أم ولد مسيحيا، فهو مؤمن بالله لا يخشي في الحق لومة لائم.  هذا الشعب سيستمر في الدفاع عن حقه في الوجود وفي استعادة شخصيته الحضارية العظيمة. والذي يحدث هو فرز من نوع خاص، فنحن في وقت لا بد أن نكتشف فيه من يجيد الكلام المعسول، ومن يعيش ما يقول، بين مؤمن لا يرى مقصوده إلا وجه الله، وبين رجل يتحدث عن الدين وعن الرسول، ويتملق الحاكم، ولا يخشى الله، ويكتم الشهادة. الإيمان ليس في حاجة إلى إعلان. إنه ما وقر في القلب وصدقه العمل. ألا يستطيع هؤلاء الذين يتحدثون عن مرجعية دينية أن يتعرفوا أن الإيمان الحق هو الحرية الكاملة من كل خوف، والعمل الدءوب لنشر الحق. لا يحتاج هذا إلى كلام فلسفي، ولكننا في حاجة إلى ثورة ثقافية جديدة تواجدت بالفعل في ميدان التحرير، وتجسدت في هؤلاء الأبطال الذي لم ترهبهم قوة الجيش، ووقفوا بصدور عارية وبسلام في القلب والفعل، مينا ومحمد، وجورج وحسن.
وفقط من قبيل الخيال، عندما رأيت ما يحدث أمام مجلس الوزراء في قذف للمتظاهرين بكل أنواع الحجارة والرخام، وحتي أثاث وأطباق، على مرأى ومسمع من العالم أجمع، وكلنا يرى، عندما رأيت كل هذا، تصورت أنه من الممكن أن يخرج كمال الجنزوري ليعتذر للشعب ويقدم استقالته فورا، قائلا أنه لم يستطع أن يقوم بدوره الوطني في حماية شعب مصر، نتيجة لضغوط المجلس العسكري. تخيلت أن منصور حسن يخرج بكلمة قوية يقول فيها إننا بكل وضوح فشلنا أن نكون ناصحين للمجلس العسكري، الذي لم يأخذ بمشورتنا على الإطلاق قبل البدء في فض الاعتصام بهذه القوة المفرطة. أليس من المفروض أن هؤلاء المستشارين أن يستشاروا في كيفية الخروج من مأزق اعتصام القليل من المواطنين أمام مجلس الوزراء، ويتم نصح المجلس بأفضل صورة يمكن التعامل بها مع شباب الثورة. بدلا من هذا وذاك شعرت بالخزي والعار وأنا أستمع لكل من كمال الجنزوري ومنصور حسن، لقد فاق ما قالوه  كل تصور ممكن لأقل مستوى من التفاعل مع الإنسان – حتي لو لم يكن مصريا – فما بالنا ونحن جميعا مصريين. ينكر الأول الاعتداء، ويطالب الثاني على استحياء بالتوقف عن الاعتداء، ثم في تخاذل ضمير يفوق الحد يعلن أن المجلس العسكري قد استجاب لطلبات المجلس، بينما الصور توضح أن الاعتداء ما زال مستمرا. ثم يجيء المؤتمر الصحفي للمجلس العسكري، فيصدمنا السيد اللواء عادل عمارة بتصريحاته عن تأكيده لوجود ذلك المجهول الخفي الذي يتآمر ويخرب على مرأى ومشهد من كل أجهزة الاستخبار المصرية، ويظل يعبث ليدمر البلاد. 
 هذه شهادتي للتاريخ، وإنني بالفعل أحسد كل شهيد الآن غادر هذه الأرض إلى جنان السماء، لأنه قد أدى دوره، وقام بمهمته على خير وجه، وأثق في أن رحمة الله ستتولي كل جريح، وسيعيش حياته في اطمئنان نفسي وسلامه روحية، لأنه لم يكن جبانا. وأتساءل كيف سينام كل من أمر بالقتل، واشترك في الجريمة، وتواطأ مع المجرم، وبرر له جريمته. وأرثي لنفسي أنني ما زلت أشاهد هذا المشهد الحزين أنا وغيري وقلوبنا تدمي، ولكننا لسنا عاجزين فنحن مشاركون في هذه الثورة بالكتابة والنزول والحركة والدعاء، وهو أقوى الأدوات، الله موجود وهو القاهر الجبار، ولن يترك هؤلاء يعبثون إلى مالانهاية، لأننا كلنا –نحن المصريين – مستعدون أن نكون شهداء. لن نكتم الشهادة أبدا، وعدم كتمان الشهادة هو العمل المستميت من أجل الحياة، حياة أفضل لمن يخلفنا، ولن نعيش في هذه المهانة، وليعلم المجلس العسكري أن قوة المقاومة ستزيد وتزيد ولن تتوقف بأعمال الإرهاب. ليس هناك مناص من أن يرحل المجلس الآن وأن يتولى أمور البلاد مجلس رئاسي من الشخصيات العامة التي لها قبول لدى الرأي العام المصري من مختلف التيارات، لا يجب أن ننتظر أكثر من هذا، فكل لحظة تخسر مصر أبناءها في معارك وهمية لا ضرورة لها.   

Tuesday, December 13, 2011

يسري فودة والحوار مع السلفيين د. علياء رافع

في برنامج يسري فودة الحواري كان هناك متحاوران في مقتبل الشباب أحدهما يمثل التيار السلفي بل هو المتحدث الرسمي بإسم حزب النور نادر بكار، والثاني هو الباحث الشاب ابراهيم الهضيبي، ولقد كنت قد  شاهدت حوارا  للهضيبي على قناة الجزيرة يؤكد فيه أن عبد المنعم الشحات السلفي قد خالف العهد الذي أخذه على نفسه بألا ينزل الحزب بشعارات دينية في مليونية 29 يوليو.  ولعل من أبسط قواعد الأخلاق أن يلتزم الإنسان بوعده. بالطبع لا ينبغي أن يؤخد السلفيون بجريرة أحد منهم أخطأ، ولكن إذا انطلقنا بعد ذلك من هذا الموقف إلى فكرهم السياسي عامة، سنجد أن هناك خلطا بينا بين السياسة والدين بمعنى أن وظيفة الدولة بالنسبة لهم هي أرساء أركان الدين، وهناك فرق كبير بين أن يكون الإسلام مرجعية تشريعية، وأن يكون الهيمنة على العباد بإسم الإسلام المهمة الرئيسية للدولة. كنت أتمنى أن يتنبه المذيع اللامع يسري فودةإلى هذه المنطقة الحساسة التي حاول الهضيبي أن يلفت النظر إليها من خلال مداخل مختلفة ومتعددة.
كان المتحدث  الرسمي لحزب النور نادر بكار يحاول أن يظهر ثقافته واطلاعه على التاريخ الإسلامي، خاصة تاريخ الدولة الإسلامية في الماضي والحاضر، مؤكدا أنها تتشابه مع الدولة العصرية، ولذا فيجب أن تكون الدولة المصرية إسلامية الحكم. وعندما قاطعة المذيع أن لا أحد ينكر أن الحضارة الإسلامية قد أسهمت اسهامات مشهودة، أصر أنه  لايقصد  الحضارة بوجه عام، وإنما يعني ما بلغته الدولة الإسلامية من تقدم في الإدارة وأساليب الحكم.  كنت أتمنى أن يمسك أي من المتحاورين الخيط ويقف قليلا كي نعيد تذكرة الناس بالفظائع التي ارتكبها الأميون والعباسيون ضد من كان يعارض حكمهم، وكيف استخدم هؤلاء الدين من أجل تبرير أعمالهم. كان يجب أن يذكره أحدهم كيف حّول معاوية نظام الحكم إلى نظام وراثي، ضاربا بذلك آداب الرسالة التي لم يحدث أن قام صاحبها الرسول (صلعم) بأي وصية لمن يتولى الحكم بعده، وترك أمر المسلمين شورى بينهم. بل وأكثر من ذلك فإن يزيد حارب آل بيت رسول الله، وقتل  الحسين وصحبه لينفرد بالحكم دون منازع. وعندما جاء العباسيون لم يكونوا أفضل حالا، بل تعقبوا الأمويين محاولين تصفيتهم عرقيا (بإستخدام عبارات اليوم).
وانظر إلى عبارات أبو جعفر المنصور العباسي وهو يقول: "أيها الناس لقد أصبحنا لكم قادة وعنكم ذادة، نحكمكم بحق الله الذي ولانا وسلطانه الذي أعطانا، وأنا خليفة الله في أرضه وحارسه على ماله". أنظر إلى هذه العبارات التي زج فيها "حق الله" ليكون هو ومن معه "آلهة" يأمرون وينهون في العباد. كنت أتمنى أن يكون يسري فودةالمذيع واسع الثقافة ذائع الصيت أن يذكره أن الدولة الإسلامية قد أقحمت الفقه في السياسة، شرع الفقهاء أن الخروج على الحاكم خروج على الدين، ورسخوا هذه الفكرة حتي يحكموا قبضتهم على البلاد وعلى العباد، ومازالت هذه العبارة تستخدم في السعودية.  ولعل سلفيو اليوم  سيحاولون بكل الطرق أن يدخلوا نصا ما بهذا المعنى في دستور قادم لا نعرف كيف سيكتب.
أن رسالة السلفي الذي يمثله نادر بكار وغيره،  أن يكون وصيا على الناس، متحكما فيهم بمفهومه هو عن "شرع الله"، ناهيا لهم عما يغضبه متوهما أنه يغضب الله.  ولننصت جيدا لحازم صلاح أبو اسماعيل وهو يتحدث عن التدرج في فرض الزي الإسلامي منتقلا به من المسلمات إلى غيرهن، ليكون معبرا عن الثقافة والآداب الإسلامية، لنستمع إليها جيدا لندرك أبعاد الفكر الذي يحمله، ولا نأخذ تلك العبارات التي تمدح الديمقراطية مأخذ الجد، لأن ديمقراطيتهم تتوقف عندما يوجد فكر معارض لفكرهم، ولأنهم يعتقدون أن فكرهم هو الدين الحق. عندما يقولون أنهم سيتعاملون مع الأقباط بكل العدل لأنهم في ذمة أمة مسلمة، لا يدرون أن هذه العبارة نفسها تضع حاجزا بين المصري المسلم والمصري القبطي، وتضع المسلمون دائما في موقف الأعلى، وليس المتساوي مع الآخر.
لم يتطرق النقاش إلى تلك المناطق الشائكة التي كان  لا بد أن يقترب منها، كي يدرك الناس كيف يفكر السلفيون، على الأقل من يشاهدون هذا البرنامج، وأزعم أن الكثيرين منهم برغم أنهم الطبقة المثقفة، يمكن أن تفوت عليهم هذه الثغرات. كان الهضيبي يقظا لتلك الكلمات المنمقة وأثار قضية هامة في سؤاله عن دور الدولة من وجهة النظر السلفية في سلوكيات أفرادها على المستوى الشخصي. وكان أيضا لماحا عندما تعرض لمحاولة إذابة الهوية المصرية في الهوية العربية الإسلامية، وهي الطامة الكبرى، التي كنت أتمنى أن يلتقط يسرى فودةالخيط من هنا، ليسأل نادر بكار ممثل السلفيين عن رؤيتهم للخلافة الإسلامية، وهي الرؤية التي يشترك فيها السلفيون والإخوان على حد سواء، ولكنهم لا يجاهر بها الإخوان، انتظارا لتقلدهم الحكم والإمساك بمقاليد الأمور.  
إن تلك النبرة التي يتحدث بها السلفيون، تجعلنا نشعر أنهم يفترضون في أنفسهم أنهم على علم بأمور الدين علما كاملا متكاملا. وأنهم لن يقبلوا فكرا آخر أو رؤية أخرى حتي إذا كانت تنطلق من نفس المرجعية الدينية.  وقد يقول قائل وما هو الضرر في أنهم يريدون للمجتمع أن يسير في هذا الاتجاه. والاجابة أن الأمر لا يتعلق برفض اتباع تعاليم الدين، ولكن الخطر هو أن يكون هناك مفهوم واحد للدين وتعاليمه، وأن تمحي أي أراء معارضة أو مختلفة، أن نخرج من حكم قمعي يمكن الثورة عليه، إلى حكم قمعي يتحدث بإسم الله والدين والإسلام، ويصبح من يختلف في الرؤية وكأنه مارق شرير، أن تنقلب وظيفة الدولة إلى وظيفة دعوية. إن الزعم بأن أحد مسئولية الحكم هو تطبيق الشريعة، هو قول متفق عليه بشكل عام، ولكنه مع السلفيين سيأخذ منحي آخر، حيث تصبح الشريعة هي الأداة التي يعطون بها لقوتهم وسلطانهم القوة، فهم الفئة التي تحكم بما أنزل الله، وغيرهم لا ولن يحكمون بشرع الله إلا إذا اتبعوا فقههم ورؤيتهم.
كانت تعليقات يسري فودةعلى اجابات نادر البكار تعليقات ضعيفة لم تتوجه إلى جوهر القضية، وإنما أعطت له فرصة ليبدو أكثر منطقية وعقلانية وتفهما للأمور، بل ومقنعا أحيانا، وكنت أتساءل هل تحت مقولة الحيادية نترك مثل هذا الالتفاف الفكري ينتشر. وهل من الحيادية أن يجيء ذكر اسم الفريق صادق في سياق غير موضوعي يشوه فكر الرجل. ألا يعلم يسري فودةدور صادق في حرب الاستنزاف، ألا يعلم أن خطة هدم الساتر الترابي تبلورت وتم الإعداد لها قبل الاختلاف بين الفريق صادق والسادات، ألا يعلم أن الروس هم الذين امتنعوا عن تزويد مصر بالسلاح، وليس صادق هو الذي رفض أخذ السلاح من الروس؟
مع خالص احترامي للمذيع اللامع يسري فودةالذي يجذبني رغما عني لأسهر للساعة الثانية بعد منتصف الليل، والذي استمتعت بكثير من حلقاته التي كانت أكثر من مجرد برامج حوارية، بل أسقطت وزارات، وأظهرت حقائق، وأمتعتنا ثقافيا بالمبدعين الوطنيين. وقليل هي تلك الحلقات التي خرجت منها وأنا أشعر أن هناك غماما قد أضيف إلى رؤيتنا للحقيقة، ومنها تلك الحلقة مع نادر بكار وابراهيم الهضيبي. إن القضية جد خطيرة، يجب أن يدرك الناس إلى أين سيقودنا السلفيون. لتكن أراؤهم في الدين ما تكون، فلهم كل الاحترام، ولكن عندما يريدون أن يحكموا بإسم الله، سنواجه مشكلة حريات بلا جدال، مهما قالوا عكس ذلك. ولنا في عبد المنعم الشحات مثال ، وفي تعاملهم مع الانتخابات مع الجماهير الطيبة مثال آخر، وفي تصريحاتهم التي تشير إلى عدم الحسم في أمور لا ينبغي أن تكون فيها مجاملة مثال ثالث. أذكر فقط موقفهم من أحداث 19 نوفمبر وما تلاه من أحداث شارح محمد محمود، ولمن يشاء أن يتأمل في هذا الموقف أن يقرأ ما كتبوه، دون تعليق مني. 

Tuesday, December 6, 2011

نبكي أم نضحك: شر البلية ما يضحك د. علياء رافع

أبناؤنا .. فلذات أكبادنا يقتلون بقلب خالي من الرحمة، ودون ذنب جانوه، سوى أنهم لم يستطيعوا أن يتحملوا هجمة غاشمة من قوات يفترض أن تكون قوات أمن، ولكنها مازالت قوات رعب، تهجم على جرحي "الثورة" هجمة شرسة وحشية بربرية.. ينتقض ضمير كل من رأي هذا المنظر المستفز.. ينزل من ينزل، ويفتح صدره للنار من يفتح، وينهمر الرصاص الطائش، والقنابل الغازية – سواء كانت سامة أم غير ذلك – بغزارة، فمن لم يصبه الرصاص، يختنق ويترنح.  لن يغيب هذا المشهد عن الذاكرة المصرية، سيظل حاضرا، كما كان مشهد الملايين يحتشدون بصرخة واحدة وقلب واحد "الشعب يريد ....." في ثمانية عشر يوما توقف التاريخ ليكتبها ولتكون شاهدا على حضارة شعب، بعثت روحه من جديد، وسيدافع عن هذا البعث لآخر قطرة فيه، ولن يتوقف عن الدفاع عن حريته. أنه الواقع الذي لا يتفهمه جلادوه.
 ثلاثة آلاف من المصريين معظمهم من الشباب، يقع جريحا، ونحن في ميدان التحرير ولسنا في ميدان قتال. يجرحون بأيدي من؟ بأيد مصرية. لماذا؟ لا أحد يجيب. وإذا أجاب أصبحت الإجابة إدانة وليست شفاء للسؤال الحائر. يقولون أنهم يتهجمون على وزارة سيادية. ويصبح السؤال أكثر غموضا. لماذا؟ يقولون مندسون ؟  تظل العقول حائرة وتعقد الدهشة الألسن. هل يمكن أن يخاطر هؤلاء المندسون بحياتهم؟ الإجابة مؤلمة .. لا يتحملها قلب مصري يريد أن يلتئم الشمل وأن تتوحد الكلمة، لا نريد أن نصدق أن القوة المعادية للثورة أصبحت أكثر قوة، لا نريد أن نصدق أن نظام مبارك – على قسوته واستبداده – كان أرحم مما نحن فيه الآن. لا نريد نرى ثورة عظيمة يريد لها أعداؤها أن تنهزم، ويحصدون أنبل وأغلى وأطهر شبابها.
في وسط هذه الجريمة الشنعاء، يطلق الإعلام زغاريط الفرح وأنباء العرس الذي جاءت به الانتخابات، وكيف أقبل المصريون عليها. كل يغني على ليلاه، البعض يريد أن يمحو ذلك المشهد الحزين، يتجاهل هؤلاء الشهداء الأطهار، وهذا الكم من الجراح، وتزيد هذه المحاولة الألم والعذاب، والآهة الحزينة في كل القلوب التي مازالت عامرة بالإنسانية.  البعض الآخر مقتنع فعلا أن الانتخابات هي طريقنا إلى الخروج من هذا النفق المظلم، ويعتقدون أن النهار أصبح على وشك الظهور. لهؤلاء أقول إن الأمر جد خطير، وأن هناك خططا استراتيجية، وبدائل متنوعة يضعها المجلس العسكري في جعبته يظهرها شيئا فشيئا. أقول قولي هذا مستفيدة من دروس عشرة أشهر، أدرس فيها الخطوات الحثيثة التي بدأت مع تأييد الجيش للشعب، ثم انقلابه عليه شيئا فشيئا. أقرأ هذا في تقديم خطوات إيجابية رائعة، ثم سحبها بأعمال متناقضة تماما معها ، أذكر فقط على سبيل المثال ما تبقي الذاكرة: 26 فبراير، 9 مارس، 28 يونيو، 23 يوليو، 9 أكتوبر. كل من هذه التواريخ تحمل أحداث مؤلمة، وأخيراأقرأ هذا في ذلك الاستفزاز المتعمد لجرحي الثورة العزل، ثم ترك الميدان ليمتليء بالثوار، فالهجوم عليهم. أقرأ هذا في القبض المستمر والممنهج للنشطاء الذين كانوا أعمدة الثورة، وتلفيق التهم الغريبة لهم، خاصة الناشط الشاب علاء عبد الفتاح.
لا أطالب بعدم الإشتراك في التصويت في ذلك الباب المفتوح أمامنا، ولكنني أستنكر الفرحة به، أستنكر أن يلهينا ذلك الضجيج عن النظر بعين الحكمة لما نحن مقبلون عليه. مرة أخرى أصبحنا في مأزق يشبه تماما ذلك المأزق الذي واجهناه عندما قيل لنا هل توافقون على التعديدلات الدستورية، وجرى استفتاء لم يكن شرعيا بمنطق ثورة حدثت وغيرت نظاما بأكمله. كان الاحجام في ذلك الوقت وعدم المشاركة فيه خنوع لقوى تريد أن تحيي الدستور القديم، وكان التصويت من ناحية أخرى ليس فيه أي ديمقراطية لأن الأغلبية لم تكن تدرك نتيجة اختيارها، بما فيهم النخبة والمثقفون أنفسهم. وبالفعل فإن الإقبال على هذا الاستفتاء، تم تفسيره على أنه إعطاء شرعية للمجلس العسكري، الذي كان يعلم جيدا أن وجوده بقرار من رئيس مخلوع لا يكفل له البقاء والاستمرار. ولا أدري كيف أمكن الربط بين استفتاء على تعديدلات في الدستور، وبين رغبة الشعب في استمرار المجلس في الحكم. والمأزق الذي نواجهه اليوم، أن التخلي عن التصويت سينتج عنه اكتساح قوى سياسية معروفة لمقاعد البرلمان القادم، ومن ناحية أخرى فإن التصويت في هذا الانتخاب، سيعاد تفسيره على أنه موافقة على خارطة الطريق التي وضعها المجلس العسكري الحاكم. وأما المطالبة بإلغاء الانتخابات برمتها، فإنه سيزيد من الفوضى في ظل غياب قيادة شعبية يرتضيها الجميع.
نحن إذن مكرهون على التصويت، وليس في هذا احتفال بعرس ديمقراطي كما يحلو للبعض أن يقول. لا يكرهنا أحد، ولكنه الخيار الأقل ضررا في سلم اختيارات تقودنا إلى الهاوية. ولا أدري لماذا كل هذه التعقيدات. أما كان بالأجدر أن نبدأ صفحة بيضاء من أول يوم بعد رحيل الدكتاتور،  نسطر فيها يوما جديدا بكل المعايير والقيم. وطالما أننا سرنا في هذا الطريق المحفوف بالمخاطر، فإنه لا يجب أن يغيب وعينا أو يزيف مرة أخرى.
وأما عن تلك الانتخابات التي هلل لها وصفق من صفق، فإن ما حدث فيها مهزلة بكل المقاييس، وعلى الرغم من غياب البلطجية المأجورين الذين تعودنا على وجودهم طوال الانتخابات السابقة، وعلى الرغم من حضور الأمن بصورة طيبة، إلا أن تجاوزات أحزاب التيارات الإسلامية فاق كل حد. ليس فقط لأنهم كانوا يقومون بدعايتهم أمام الدوائر الانتخابية في يوم التصويت، ولكن لأنهم أيضا كانوا يرشدون الأميين من أبناء الشعب الذي يصعب عليهم فهم ما يجب أن يقوموا به، ويأخذون أصواتهم لحسابهم. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن عملية الفرز كانت تتم في أجواء غير صالحة وغير مؤهلة على الإطلاق، حيث الازدحام الشديد، والضجة التي يصعب فيها أن يسمع الإنسان نفسه، فكيف لأي موظف يقوم بالفرز أن يكون دقيقا في عمله. وأما من ناحية معايير الحصول على مقاعد برلمانية بين الأحزاب الفائرة، فإنه لغز لم أستطع أن أفهمه أو أتابعه عندما تم شرحه على القنوات الفضائية.
لا أقلق من مجيء التيارات الإسلامية للبرلمان، ولكن أن تجيء هذا التيارات في تلك اللحظة التاريخية الحاسمة التي سيتحدد على أساسها مستقبل أمة في خطر شديد، خاصة عند اختيار لجنة تأسيسية لكتابة الدستور الذي سيكون الوثيقة الحقيقية الحاكمة التي سنعيش بها وعليها لسنوات لا يعلم مداها إلا الله. هل سيعبر هذاالدستور عن أمل مصر وحلمها وشخصيتها؟ الإجابة الإيجابية ليست حاسمة، ولا نملك إلا أن ننتظر.
بكل ما في قلبي من يقين وفي عقلي من وضوح للرؤية، أدعو الله ألا نعود إلى ما كنا عليه من قبل، أدعوه ألا تطير تلك الكلمات في الهواء كما حدث من قبل، وقد زاد في ألمي ورغبتي في التضرع الصادق إلى الله سبحانه وتعالى، ما وقع في يدي من مقالات لي ولغيري، وكلها كان يطلق نذير الخطر، ويطالب بالإصلاح؟ كتبت عام 2004 (28 سبتمر) في جريدة نهضة مصر:" أسلوب الحكم يجب أن يتغير بأن تعطي للمجتمع المدني مسئولية وشراكة، ...، وأن يزداد شعور الشعب بأنه قادر بالكلمة والعمل أن يبني مستقبل بلده". "لا بد أن تبني الرؤية المستقبلة على تفعيل المشاركة السياسية من خلال محاوز متعددءة بدءا من دستور يتيح فرصة تداول السلطة، واحترام الرأي الآخر المعارض، مرورا بقوانين تسهل ممارسة العمل العام وتعطي مزيدا من الحريات للجمعيات والمؤسسات غير الحكومية". وقامت الثورة وأخذ الشعب حريته بيده، ولكن مازال القهر مستمرا ومازالت الثورة مستمرة. إلى أي مدى ستزهق أرواح وتسيل دماء، حتي تتحقق الحرية؟  هل يحق لنا أن نضحك ضحكة فرح، أم أن شر البلية ما يضحك.