Tuesday, February 21, 2012

امتهان "الوطنية"


يتمنى كل مصري وطني أن تعيش مصر حرة ثقافيا واقتصاديا وسياسيا، ولا يختلف على هذا إثنان، ولقد كان جزءا من امتهان كرامتنا بدءا من سياسات الانفتاح غير المدروسة أن الغرب أصبح معبودنا ثقافيا، وانهارت اللغة العربية إلى الحضيض في مدارسنا، وأصبحنا نقابل طلبة في الجامعات يصعب عليهم الكتابة بلغتهم الأم. والسعداء هم ذلك النفر الذي استطاع أن يدخل مدارس أجنبيه مرموقة وقد تكون دولية من أجل الحصول على تعليم مقبول.  ونتجت لغة حديثة – لا أنقص من قدرها – وهي ما نسميه لغة الشباب، وهي لغة تعتمد على الكلمات المتقطعة والتي تحمل دلالاتها الخاصة عند المتحدثين بها.  وعلى أي الأحوال ليس الشباب من ألومه، ولكن انهيار التعليم هو الذي تسبب في هذا الانحدار الثقافي.
وأما من الناحية الاقتصادية فإنني لا أستطيع أن أجزم أنه كان بمقدورنا أن نوقف المساعدات الأجنبية، ولكن من الممكن أن يكون واضحا لدي كما هو واضح للكثيرين، أن المساعدات الأمريكية على وجه خاص قد جاءت إلى مصر في أعقاب معاهدة السلام، وكثمن مباشر لتحييد الموقف المصري تجاه القضية الفلسطينية, ولذا فإن من يتحدث عن المساعدات الاقتصادية لا يبنبغي أن يغفل الجانب السياسي المصاحب لها. لم تفرض الولايات المتحدة مبادرة السلام على السادات، ولكنها شجعتها عن طريق الدعم الاقتصادي. ويمكن لمصر أن تكون لها إرادة حرة في توجيه اقتصادها كما تشاء، ويجيء الدعم الخارجي في حالة ما إذا كانت هناك مصالح مشتركة للجانبين، ولذا فإن تصوير الأمر على أن الدعم الخارجي يعني بالضرورة غياب الإرادة الوطنية يعبر عن رؤية اختزالية بسيطة وغير واقعية في عالم اليوم.
على مدى الخمس والثلاثين سنة الماضية، وبدءا من معاهدة السلام، لعبت المعونة الأمريكية دورا لا ينكر في تنمية كثير من القطاعات الحيوية،  ومنها الزراعة على سبيل المثال. ولكن كانت هناك دول أخرى تقوم بمعاهدات مشتركة وتدعم مصر في كثير من القطاعات الاقتصادية الأخرى. وقد جاء هذا الدعم مساندا للإقتصاد المصري بشكل واضح. وإذا كان هناك سوء إدراة في وضع الأولويات، فإن هذا لا يرجع في حد ذاته للدعم الأجنبي، ولكن يرجع إلى اهتمامات القيادات السياسية السابقة.  ويمكن القول أنه من أحد ما يمكن أن يقال عنه تميز في الحكم السابق، هو قدرة مصر على حذب معونات واستثمارات أجنبية، ساعدتها على عدم الانهيار عندما حلت الأزمة الاقتصادية الكبري بالولايات المتحدة عام 2008 ، وتسببت في انهيار اقتصاد كثير من الدول المرتبطة بها، حتي أن دولة مثل نيوزيلندا أعلنت إفلاسها.  لا يعني هذا بالطبع الإشادة المطلقة بإدارة السياسية الاقتصادية لمصر في تلك الحقبة السوداء،  فنحن نعلم اليوم أن هناك مليارات قد تم سرقها من أموال هذا الشعب، وندرك جيدا أن السياسة الاقتصادية لم تكن تعني بالشرائح الدنيا من المجتمع، على الرغم من رفع الشعارات لذلك.  ولكن ليس هناك ربط بين قبول معونات أجنبية وبين ضعف الأداء الاقتصادي، ولكن الأكثر منطقية هو مراجعة كيفية صرف أموال المعونات الأجنبية، وهل تم توجيهها في الأهداف التي تساند البلد ومن أجل مصلحة شعبها، أم كانت تستخدم لتخدم مصالح الحكام.
والآن أتعجب من تلك النغمة التي تذكرنا بعصر الخمسينيات والستينيات،  وهي نغمة لا تصلح في عصر التشابكات الاقتصادية المعقدة، وتعاظم الاعتماد المتبادل بين الدول.  ويتم هذا تحت شعارات الكرامة الوطنية. وتختزل قضية الكرامة الوطنية في "قبول" أو رفض المعونات. وفي نفس الوقت نجد رئيس الوزراء يصرح في حزن ويأس بالغ عدم وقوف الدول العربية مع مصر في محنتها الاقتصادية. وتتم هذه التصريحات في الوقت الذي نعلم فيه جميعا أن الجيش المصري يعتمد اعتمادا كليا ومنذ معاهدة السلام على الدعم الأمريكي.
وتحتل أخبار المؤسسات الأجنبية التي كانت موجودة تحت سمع وبصر الأجهزة الحكومية الصفحات الأولى من حيث اتهامها بأنها تتدخل في شئون البلاد السياسية. ولا يخفي على أي متتبع لما يحدث على أرض مصر أن هذه الحملات تهدف إلى جذب الأنظار بعيدا عن تلك الجرائم المتوالية والتي راح ضجيتها شهداء وآخرها مذبحة بورسعيد التي لم تهز فقط الضمير المصري، بل وسمع صداها في العالم أجمع.
من ناحية أخري فإنني أسأل بعض الأسئلة البريئة التي قد يشاركني فيها الكثيرون أيضا، هل حقا يمكن للمصريين في الخارج أن يثقوا في هذا النظام الآن الذي يعيد نفس أسلوب النظام السابق، وهل يمكن أن يمولوا الصندوق الوطني المزمع إنشائه؟ ولماذا لا تكون الأولوية تشجيع المجتمع المدني على القيام بدوره في التنمية، فالمؤسسات المدنية قادرة على جذب الأموال لأن صرفها لتلك الأموال مرتبط بأهداف ومشروعات محددة يمكن تتبعها. أما أن نضع أموالنا في صندوق لا نعرف كيف سيتم استخدامه، فلا أعتقد أن المصريين يقبلون مثل هذه المغامرة.  ومن ناحية أخرى هل يمكن أن ننعزل عن العالم اقتصاديا ونعتمد على أنفسنا. 
إن الوطنية كلمة كبيرة لا يصح أن تمتهن بهذه الطريقة الساذجة، لأن الوطني هو من يحترم هذا الشعب ويحافظ على كرامة كل فرد فيه. ليس وطنيا من لا يحاكم من أهدر دم هذا الشعب طوال هذه السنوات الطوال، وليس وطنيا من يقتل أبناء هذا البلد بقلب خالي من المشاعر.  لقد فات أوان اللعب على عقول المصريين، لأن هذا الشعب قد استيقظ ولن ينام مرة أخرى.   

No comments:

Post a Comment