Tuesday, January 25, 2011

من أجل أمن مصر ومستقبلها د. علياء رافع


أثارت الأحداث التي مرت وتمر بها تونس الشقيق كثيرا من اللغط والأفكار المتناثرة هنا وهناك، وحذر البعض من أن يحدث هذا في مصر، خاصة وأننا نشاهد عددا متزايدا ممن يشعلون في أنفسهم النيران، ومن يعبرون عن سخطهم وعدم قدرتهم على الإستمرار في الحياة في ظل ظروف مادية شاقة.  وكثر الحديث عن هذا الحدث  في البرامج  التليفزيونية  الحوارية  التي تستضيف زوارا من مختلف الإتجاهات. وينتظر أن تزيد المقالات التي تتناول هذا الحدث تحليليا أو تحذيريا.  وهناك من  من يعبر عن تخوفه من إنتقال العدوى إلى مصر، وآخرون يتمنونها، وفريق ثالث يستبعد هذا بشكل قطعي. وبين هذا وذاك يشغلني أمن مصر ومستقبلها.
إن التعقيد البنائي للمجتمع المصري، والتكوين الديموجرافي لمصر، إضافة إلى التشبيك القائم بين كل القطاعات الإقتصادية والسياسة الخارجية، يجعل حدث مثل هذا مهددا لأمن مصر وأمانها، ولن يتمخض إلا عن فوضى قد تؤدي إلى ما لايحمد عقباه،  في ظل ظروف لن نكون قادرين فيها كشعب على إختيار من سيركب الموجة، ويقود السفينة.  ولهذا فإنني أدعو الله أن يجنب مصر هذا الإنفجار.
ولهذا أيضا فإنني أتمنى أن يفيق المسئولون وجهاز الدولة  ليدركوا حجم المعاناة التي يعيشها الشعب المصري، والتي تمثل المعاناة الإقتصادية أحد أضلاعها، ولكنها ليست الأخطر، ذلك أن الأخطر من المعاناة الإقتصادية هو الإغتراب السياسي بين بين الحكومة وحزبها الحاكم وبين الشعب. ويجب ألا يدفن الحزب الوطني رأسه في الرمال وعليه أن يقرأ إحجام الشعب عن دخوله الانتخابات السابقة قراءة صحيحة، فلا يتهم المواطنين بالسلبية، والأحزاب عدم المسئولية. لقد فقد الشعب على مدى الأربعين عاما الماضية الثقة في النظام . وعندما يتحدث مسئول اليوم عن أن الشعب عليه أن ينتظر نتائج السياسات والإستراتيجيات الآتية، فإن هذه العبارة فيها من الإستفزار أكثر مما يبعث الأمل. يجب أن يدرك الناطقون بإسم النظام أن الشعب المصري ليس بالسذاجة التي يتصورونها. إذ أن أربعين عاما (منذ تولي الرئيس السادات بإعتبار أنها مرحلة جديدة مختلفة عن ما قبلها وممتدة بعد ذلك إلى حكم الرئيس مبارك) فترة طويلة بالفعل، ظهرت  فيها أجيال، وإختفت أجيال، وضاع عمر الكثيرين في هذه الحقبة الطويلة. من حق الشعب أن يعرف لماذا لم يحدث التقدم المتوقع في السنين الماضية، ومن حقه أن يعلم دوره في المرحلة التالية.
إنني على يقين من خلال قراءة تاريخ هذا البلد أن المواطن المصري يمكن أن يهب كالمارد مثل العنقاء تماما، ذلك الطائر الأسطور القادر على الخروج من دائرة الموت إلى دائرة الحياة بقوة،  وأتمنى من النظام الحاكم أن يقرأ هذه الحقيقة، وأن يثق فيها، وألا يتعامل مع المواطنين كما لو كانوا في حاجة إلى وصاية دائما، وليسوا شركاء في صنع المستقبل. إن هذا الإستبعاد المستمر هو الذي يولد هذا الإغتراب. كل ما يحتاجه هذا الشعب هو الثقة في القيادة السياسية، وهي الثقة التي أولاها للرئيس حسنى مبارك منذ ثلاثين عاما. إلا إن خطاب الوصاية، وسياسات الهيمنة وفرض الأمر الواقع من ناحية، ثم خطاب المن على الشعب وكأن المواطنين متسولين لا حول لهم ولا قوة، قد أضعف الروح المعنوية  إضعافا حادا، وأجهز على هذا الأمل الذي بدأ منذ ثلاثين عاما بشكل تدريجي، حتي أصبح لا حديث اليوم إلا حديث اليأس. اليأس من كل شيء ..من المستقبل، من العمل، من تحقيق الحلم، من القدرة على المشاركة، من التغيير. وإنعكس هذا على سلوكيات هذا الشعب بأشكال مختلفة. البعض يهجر المكان إلى حيث يتصور أن حلمه من الممكن أن يتحقق حتى ولو في الصين، ويضحي بحياته إذا إستدعي الأمر، والأخرون يهجرون إلى الزمن الماضي، متصورين أن المستقبل منقوش في صورة زاهية حققناها قديما، ومتجاهلين كل الأدوات المنهجية والرؤي الواقعية، ومجموعة ثالثة فقدت الأمل في كل شيء، حتي الأمانة والصدق، وعاشت للعدوان والسرقة والغش، يستوي في ذلك من حرم من بحبوجة العيش، ومن يملك ملايين يريدهم بلايين، ونزلت الأقلام هجاء وقدحا في الشخصية المصرية التي تحولت في نظر البعض إلى شخصية إنتهازية، مادية، غير أخلاقية، متعصبة، تائهة، متكاسلة، متواكله، وغيرها من الصفات التي لو إجتمعت في شعب لأردته قتيلا، لا أمل ولا مستقبل له.
والسؤال هو هل يمكن أن تولد الحالة الراهنة التي تتسم بالإغتراب واليأس، مع إستشراء الفساد نوعا من التمرد العام؟  والإجابة المحزنة أن هذا وارد، ومحتمل. ويمكن في هذا الجو المشحون أن تتدخل عناصر تخريبية تريد لهذا البلد السوء، فتأخذ من المتذمرين والمعترضين سلما كي تقضي على أمن هذا البلد من أجل أغراضها، وأنا لا أعني هنا مجموعة بعينها، وأستبعد الإخوان المسلمين أن يكونوا من هؤلاء المخربين، ولكن قد تكون هناك عناصر محسوبة عليهم، أو محسوبة على إتجاهات دينية أخرى، وقد تكون هناك قوى خارجية سواء كانت إسرائيل أو غيرها. وفي كل الأحوال فإن تجنب هذا الخطر الداهم يجب أن تبدأ من اليوم، ليس بحلول ساذجة، ولكن برؤية ثاقبة، قائمة على دراسة أسباب الإغتراب، وعلاجها مباشرة.
وأتطلع إلى أن يكون التغيير سلميا ومن داخل النظام وليس من خارجه، ولعلي أتفق في هذا مع د. أحمد كمال أبو المجد الذي دعا الرئيس حسني مبارك إلى إحداث ثورة إصلاحية داخل البلد، وأضم صوتي إلى صوته أملا في أن تكون هذه آخر إنجازات الرئيس لمصري في الفترة القادمة، أطال الله في عمره. وبعدها يفسح المجال للقيادات الصالحة أن تظهرلتدخل بقوتها حلبة السباق الرئاسي في ظل جو آمن يتيج للمصريين أن يروا بوضوح وأن ينتخبوا رئيسهم بإرادة حرة. ولذا فإن المطالب التي تنادي بها جمعية التغيير لابد أن تؤخذ بعين الإعتبار. حينئذ سيكتب التاريخ للرئيس حسنى مبارك سابقة وطنية لم تحدث في التاريخ الحديث للشعوب العربية، ألا وهي أن يترك رئيس الجمهورية بإرادته كرسي الحكم، ويكرمه شعبه. لا شك أنه على الرغم من السلبيات الكثيرة، فإن هناك إيجابيات في هذه الفترة الماضية يجب أن نذكرها بكل فخر وإعزاز.  

Tuesday, January 18, 2011

إحياء دور الأزهر التنويري د. علياء رافع


لا جدال أن الأزهر قد احتل دورا تنويريا على مدى تاريخه الطويل، وأخرج من تجت عبائته مفكرين أثروا في حركة النهضة، لقد كان الفضل للشيخ حسن العطار الإمام الأزهري في توجيه رفاعة رافع الطهطاوي أن يسجل كل ما يراه في فرنسا، ويدرسه، وعندما نفذ الشيخ رفاعة تعاليم أستاذه، تحول من إمام واعظ إلى عضو بارز في البعثة التي أرسلها محمد علي باشا إلى فرنسا للدرس ولتحصيل وأصبح الشيخ الأزهري رفاعة رائدا في حركة النهضة المصرية الحديثة، جامعا بين مباديء الإسلام تعبيرا عن الأصالة الحضارية، وبين منهج علمي رصين، ومشروع نهضوي شامل، دون أي تناقض. وإستكمل المسيرة الشيخ محمد عبده، الذي جعل العقل مرجعا أساسيا في رؤية النص، وإصدار الفتوة، وهو صاحب المقولة الشهيرة، وجدت أخلاق الإسلام في بلاد غير المسلمين. وهذه العبارة إنما تشير إلى أنه قد إخترق الأشكال ليرى أن الإسلام جوهر أخلاقي، دون أن يفرط في نفس الوقت في القيمة التي أضافها الإسلام إلى الجياة الإنسانية، وتبعه على النهج الشيخ المراغي، ومحمود شلتوت، وعبد الحليم محمود، وغيرهم من أئمة المفكرين الأزهريين. وتتلمذ على يديه قاسم أمين ولطفي السيد الذين أصبح لكل منهما دروا في حركات فكرية مؤثرة في المجتمع المصري.   وللأسف فإن تاريخ الأزهر مليء أيضا بالأشواك، والكبوات. واهتزت مكانته بعد أن أصبح تابعا، لا رائدا. ولكن عندما إستمعت إلى حديث أ.د. أحمد الطيب شيخ الأزهر في حديثه إلى منى الشاذلي، رأيت أن هناك بصيصا من الأمل في أن يستعيد الأزهر دوره التنويري.
كان الرجل صريحا إلى أقصي حدود الصراحة في تأصيل التطرف الديني إلى التيارات الواردة التي تسيء إلى الإسلام ولا تقدمه كما يليق به، هذا الدين القيم الذي فتح ذراعيه للعالم أجمع، وإحتوى الجميع في سلام ومودة، داعيا بالتي هي أحسن، ورافعا قيمة الإنسان وحريته وإرادته إلى أعلى الدرجات. . وكان الرجل صريجا عندما تحدث عن تقلص دور الأزهر. ووقفت طويلا أمام عبارات شيخ الأزهر وهو يرسم بعد ذلك أهدافا كبرى لهذا الدور داخليا وخارجيا، فمن الداخل يرسي هدفا رئيسيا وهو تأكيد الوحدة الوطنية،  إعتمادا على مباديء الدين السمحاء،  وعلى مستوى العالم الإسلامي فك الحساسيات والاحتقانات بين الشعية والسنة وبين المذاهب المختلفة ودوليا إرساء السلام مع العالم أجمع. أري أن هذه الأهداف الكبري التي يتطلع إلى تحقيقها شيخ الأزهر جديرة بأن يلتف حولها المفكرون المصريون الذي يهتمون بالإسلام والسلام على كل المستويات المذكورة، وليس فقط الأزهريون، وذلك حتي تزداد  زوايا الرؤية.
الأزهر هو المؤسسة التي يمكن أن ينبثق منها نور الإسلام في شموليته وإتساعه من جديد، ولعل المهمة الكبرى التي على الأزهر أن يأخذ بها أن يفتح المجال واسعا لمن هم خارج الأزهر من الدارسين في شتى المجالات أن يدلوا بدلوهم في المشاكل الشائكة، ويدرسوا الأبعاد المختلفة لما يحدث من إنحرافات واضحة في البنية الفكرية للمسلمين، وإنجذابهم إلى تلك الأفكار البعيدة عن رسالة الإسلام بإسم الإسلام، وقد ذكر فضيلته جزءا منها ، وقال في شجاعة فائقة أن بناء دور العبادة لا بد أن يترك للجميع على قدم المساواة، وإستمر في القول أن بناء جامع جانب كنيسة فيه تضييق على المسيحيين الذين يجب أن تتاح لهم مساحة من الخصوصية والهدوء لأداء عباداتهم.
لقد وضح أ.د. أحمد الطيب أنه في الوقت الذي بدا فيه الهدي الإسلامي واضحا ومتوجها إلى إرشاد الإنسان لطريق الحق، فإنه إحترم في نفس الوقت حرية كل إنسان في إختيار طريقه، وهذا هي أحد المعاني في أن يكون المسلمون شهداء على الناس، لا متخذين من أنفسهم حكما عليهم، ولكنهم بتعبيرهم من خلال سلوكنهم وأخلاقياتهم عن سماحة عقيتدتهم، ووضوح الرؤية فيها، يكونون قد أدوا رسالتهم، ويتعاملوا مع غيرهم بالحسنى. ولقد ضرب شيخ الأزهر أمثلة كثيرة في هذا الصدد، حيث وضح أن زواج الرجل من مسيحية يلزمه أن يحترم دينها، ولا يجبرها على تغيير عقيدتها، بل يصحبها إلى دور العبادة التي تؤدي في شعائر دينها، إحتراما لها. وكان حديثه عن إستقبال الرسول لنصراني نجران تذكرة في حاجة أن نذكرها، فهي وحدها كفيلة بأن تعبرهذه الفجوة التي نعيشها  فهي تبين ما قدمه رسول الله (صلعم) من آداب التعامل مع غير المسلمين وبين ما أصبحنا عليه من تعصب وجهالة.  وعندما يجي اليوم شيخ الأزهر ليقول أنه "َلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرا"، متخذا من هذه الآية أساسا لحرمانية أن يقوم الناس بهدم أي كنيسة، فإن هذا يبطل إدعاء هؤلاء الذين يحرفون الكلم عن مواضعه، ويبررون جرائمهم النكراء بإسم الدين.
أما دور الأزهر في إرساء السلام فهو جد خطير، خاصة في تلك الآونة التي أصبح الخوف من الإسلام أو الإسلاموفوبيا ظاهرة عالمية، يغذيها ويقويها هؤلاء الإرهابيون المرتدون زي الإسلام زورا وبهتانا، وتكمن قوتهم في إنتشار فكرهم في ألوف من المسلمين المنتشرين في أنحاء الأمة، والذي ينتهزون أي فرصة للقيام بتلك الأعمال التخريبية التي لا ينال العالم الإسلامي منها إلا مزيدا من الإنعزال، ومزيدا من حصد الكراهية. ويجيء صوت الشيخ أحمد الطيب في هذا الخضم المتشابك من العداء للإسلام موضحا أن هذا التزايد والتنطح لا يتميز به الإرهابيون المسلمون وحدهم، بل إن التطرف الديني المسيحي أيضا والكيل بمكيالين من قبل رجل دين مثل بابا الفاتيكان، يزيد من هذه الفجوة العدائية بين المسلمين والمسيحيين.  فهو كرجل دين كان عليه أن يدافع عن حق الإنسان في ممارسة عباداته أيا كان إنتماؤه الديني، ولكن جاء البابا ليشجب حادث الإسكندرية، دون أن يذكرما يحدث للمسلمين والأقليات الدينية في كل مكان من إضطهاد، ودون أن يتعاطف إنسانيا مع إخراج الفلسطينيين من ديارهم بغير وجه حق، وهو حدث جرى في الماضي، ومازال يحدث في الحاضر.
إن هذه النبرة التي عبر بها شيخ الأزهر عن تعاطف الإسلام مع كل الديانات، وإحترامه لحرية العقيدة، ودعوته للسلام جديرة بأن تكون نبرة شائعة في المجتمع المصري كله. من داخل الإسلام يجب أن تبزغ ثقافة عالمية تدعو إلى الحوار والمحبة وتوحيد الهدف نحو خير الإنسان، وهذا هو الدور التنويري للأزهر كما أراه، وأري أن المسئولية الملقاة على شيخ الأزهر لإحياء هذا الدور مسئولية كبيرة، تتطلب منا جميعا الجهد والعمل والدعاء.  

Tuesday, January 11, 2011

المسكوت عنه في حادث الإسكندرية الإرهابي د. علياء رافع


لن يهدأ لمصر وللمصريين بال قبل نزع جذور هذا الفكر الإرهابي الذي يؤدي إلى هذا العنف ضد الأبرياء من أبناء الوطن. ولا أضيف جديدا عندما أقول أن مصر كلها قد باتت حزينة في يوم كنا نستقبل فيه عاما جديدا، ويتمنى بعضنا لبعض أن يكون عاما سعيدا. لقد أجهضت الفرحة، والاحتفال والتطلع بالمفاجأة بهذا الحدث، وهو عمل أقل ما يقال فيه أن من قام به قد تجرد من إنسانيته. و لا يمكن أن يكون هناك أي مبرر لقتل أبرياء في دور عبادة، أي بيت من بيوت الله. هذه الضربة هي موجهة بالفعل إلى الأقباط كهدف أول، ولكنها موجهة لمصر كلها وهذا هو الهدف الأكبر، ذلك أن التداعيات الممكنة من مزيد من التفريق بين عنصري الأمة تتعاظم، وهو ما يتمناه أعداء مصر، والمتربصون بها.  ولكن السؤال الهام يتعلق بمدى قدرة هذا الفكر المتطرف على السيطرة والإنتشار بين المصريين، وألمح بذوره في فكرة الإستبعاد التي أصبحت تنتشر، وهي أبعد ما تكون عن ثقافتنا العريقة.  وأقصد بالإستبعاد هذا الوعي بالمصري المختلف في الديانة، أو الشريحة الإجتماعية، أو نوعية التعليم،  بإعتباره "آخر".  هذا الإستبعاد نذير بتفكك المجتمع وضرب في القدرة على التواصل بين أعضائه. وعندما يصبح الإستبعاد ثقافة يدخل فيها العنصر الديني يصبح الأمر أكثر خطورة.
عندما ذهبت إلى الجامعة بعد يوم من هذا اليوم الحزين، أخذنا جميعا نعزي بعضنا بعضا، ونتحدث عن كيف كنا وكيف أصبحنا. كل منا لديه قصة يقصها، تؤكد أننا لم نعرف هذه التفرقة في الوعي أو في المعاملة.لم يكن جيلنا وجيل أبائنا يفكر في هوية الجار أو زميل العمل الدينية، وتصديقا لهذا القول، أخبرتني زميلتي الأستاذة الجامعية، أنها فوجئت أن عمارتهم التي يملكها والدها يسكنها عدد كبير من أسر المسيحيين، بل وأسرة يهودية. لا شك أن الأب لم يكن يميز بين ديانة وديانة، ولم ينظر إلى القادم إليه للإستئجار سوى أنه مصري. ويقول لي زميل أستاذ أن أكثر الأصدقاء قربا لوالده كان مسيحيا، وكانوا ينادونه "عمي... "، وتحكي ثالثة عن المشاركة بين المصريين مسيحيين وأقباط في المناسبات المختلفة، وفي الأفراح والأتراح، مازالت هذه الثقافة شائعة، فخالتي لم تكن تفارقها جارتها المسيحية التي كانت شبه مقيمة لديها، وتقص أحدهما للأخرى كل ما يشغلها، ومع ذلك فإن الوعي بأن هذا قبطي وهذا مسلم يتزايد، ويفسد هذه العلاقات الحميمية الطبيعية.   
 إذا نظرنا إلى الماضي نلاحظ أنه لم يكن هناك ذلك الفاصل الذي يجعل كل أصحاب دين يجتمعون معا، وينعزلوا عن غيرهم، أو على الأقل يكون هناك إدراك أن هذا مسيحي وذلك مسلم. كانت الأزياء متشابهة، حتي عندما كان هناك حجاب للوجه، وتقاليد عزل المرأة عن العمل والتعليم، كان المجتمع المصري كله يخضع لهذه التقاليد، وكانت الحركة النسائية تجمع بين مسلمين وأقباط.  ولا أخفي سرا، إنني عندما أدخل اليوم قاعة المحاضرات، وأجد فتيات لا يرتدين غطاء على رأسهن، فإنني أتوقع للفور أنهن مسيحيات. هذا التمييز الذي أصبح واضحا حتى على مستوى الشكل لا أعتقد أنه ظاهرة صحية،ؤ فلقد إنتشر هذا الزي وخرج من مجال التدين إلى مجال التقاليد، ومن مجال الإختيار إلى مجال الشائع، وأصبح أقرب إلى أن يكون زيا قوميا للغالبية العظمي من المسلمات المصريات.  قد لا يكون هناك إعتراض أن يكون هناك إختلاف في الاختيارات، ولكن لا ينبغي أن يكون هذا مقترنا بالتمييز، أو الإشارة التي ترتبط بأسلوب مختلف في المعاملة.  
وعندما نتحدث عن "التسامح الديني" يقترن هذا الحديث بنبرة إستعلاء، أو تمييز، وهو نوع من أنواع الإستبعاد أيضا (بالنسبة للطرفين) لأنها تجعل الدين محور العلاقة الإنسانية التي هي في الأساس يجب أن تكون مستقلة عن تلك العلاقة الخاصة بين الإنسان وربه التي يشكلها الدين. وإذا صدقنا القول  لأدركنا أن كل الأديان  تدعو إلى الرحمة والمحبة والصدق والإخلاص والأمانة وكل الأخلاقيات الكريمة، تلك هي الأرض المشتركة التي نتلاقي عليها،  ويؤكدها ويرسخها حضارة بدأت قبل الأديان المنزلة تكتشف الضمير، وتؤكد البعث والحياة الآخرة، وتكون أحد ركائزها الأساسية، وأما التفاصيل العقائدية فهي ميراث ثقافي، قد نعيد التفكير فيه، أو نقبله كما هو، فهذا أمر خاص بكل جماعة وكل فرد على حدة، وليس هناك مجال لأحد أن يتسامح أو يتشدد، لأنه دخول في مجال خاص له حرمته واحترامه. هذا هو المعنى العميق لكلمة مواطنة، لأنها تجعل الجميع متساوين حقا وليس فقط إنطلاقا من عبارة نص عليها الدستور، أو قانون أكد على وحدة الحقوق والواجبات.   
كانت كلمات البابا شنودة في حديثه التليفزيوني تحمل ألما دفينا، فعندما سئل عن المواطنة، فإنه تحدث عن البعد المعاش في المواطنة، وليس مجرد التعريف النظري لها، وربما كان بشكل خفي يشير إلى هذا التمييز الذي يسود الثقافة بشكل عام، والذي أخذ ينمو من خلال الخطاب الديني غير الرسمي في الزوايا، بل والأسلوب الذي يدرس به الدين في المدارس. كانت تلك المرارة في صوته وملامحة مرآة يمكن أن نقرأ فيها مشاركته للمشاعر التي يحس بها الأقباط . لا شك أن هناك مشاكل يواجهها الأقباط  على المستوى القانوني، وعلى مستوى الإغتراب الثقافي الذي حدث منذ أن بدأ المصريون يهاجرون إلى بلاد لا تقرأ الإسلام كما قرأته مصر التي رأت فيه عندما إستقبلته دين المحبة والرحمة والمودة، وترجمه المصريون سلوكا وفعلا، كانوا يعيشون الإسلام دون التشدق بالعبارات والتشدد في الحرفيات. والعودة إلى الإيمان بإعتباره قيمة معاشة توحد بين الجميع، خليق بأن يعيد إلى مصر وجهها المشرق.
لقد كتبت في الأسبوع الماضي أحذرمن إنتشار النقاب لأسباب أمنية، وأحسب اليوم ونحن في هذه الحال من التهديد القادم جزئيا من جهات خارجية، والمعتمد بشكل كبير على خلخلة في الفكر الديني في مصر، أننا في حاجة إلى درأ الفكر الذي يؤدي إلى التشدد، وإلى التمييز بين مسلم ومسيحي داخل بلدنا،  وفي حاجة إلى ما يشيع الأمن والأمان في نفوس كل مصري. واليوم لا يسعني إلا أن أشيد بزاوية الرؤية التي عرضها أ. السيد ياسين في مقاله الأسبوعي بالأهرام، حيث أنه قد أوضح كيف أن الفكر المتطرف المتأسلم الذي نجده في إتجاه تنظيم القاعدة على سبيل المثال، له جذوره في الفكر السلفي التقليدي المغلق، الذي يقدس الماضي  ويسجن نفسه فيه، ولا يريد أن يخرج منه. إنه ذلك الفكر الذي يمحي القدرة على التفكير النقدي، ويجعل الإنسان أسيرا وتحت سيطرة قوة أخرى وعقل آخر، يتجسد في تلك الفتوة الفضائية، أو في منطق هذا الشيخ في تلك الزاوية أو هذا الجامع، وهكذا نواجه ردة ثقافية، لا تتعلق بالدين بأي حال من الأحوال، حيث أن الدين قوة روحية تدفع الإنسان إلى الأمام، ولا تشده إلى الخلف أبدا، لأنها تحرره من تقديس أي قوى وتدعوه أن يكون هدفه المنشود دائما هو الحق، دون الإدعاء بالإحاطة المعرفية به.  أتهم الجهل والجهالة دائما بأنها السبب في تغذية أرض خصبة لهذا الفكر الأحادي للنمو، جهل بتاريخ بلادنا، وبديننا السمح.
وفي هذا المقام لا يسعني إلا أن أشير إلى  الدور المتميز لشيخ الأزهر د. أحمد الطيب الذين تحدث إنطلاقا من مستوى المسئولية، موضحا سماحة الدين الإسلامي في سيرة رسوله.  شيخ الأزهر  يمثل سلسلة من المسلمين الذين إتخذوا من رسول الله قدوة ومن سيرته نورا، حيث أنه صلي الله عليه وسلم، لم يألو جهدا في أن يوضح أن رسالته جامعة، أي متسعة لكل البشر بالرحمة والمودة، لم يكره أهل الكتاب أن يغيروا أسلوب عباداتهم، ولكنهم دعاهم إلى الكلمة السواء، وإعتبر اليهود مع المسلمين أمة واحدة في المدينة، وإستقبل المسيحيين من نجران، وأكرمهم، وفتح لهم باب المسجد ليصلوا فيه، هكذا كانت أسوة الرسول كما تحدث عنها سماحة شيخ الأزهر.. ولكن أين نحن اليوم من هذه السيرة العطرة وما تدعو إليه؟ ولماذا يتغلغل هذا الفكر في شبابنا؟
إن المسكوت عنه في حادث الإسكندرية، ليس مجرد غياب قانون موحد لإنشاء دور العبادة، وليس فقط التراخي في الإجراءات الأمنية الخاصة بأحداث إعتداءات متوالية بين مسلمين وأقباط، وإنما المسكوت عنه أن المصريين أصبحوا يشعرون أنهم فريقان أو عنصران، وهم في الواقع "مصريون" فقط ، ولا ينبغي أن يكون هناك أي شعور بمن هو القبطي ومن هو المسلم، إنما يجب أن تكون الأرض المشتركة بيننا قائمة على التاريخ الذي وحدنا، والإيمان بالله واليوم الآخر الذي شكل العنصر الرئيسي في حضارتنا قبل الأديان، وإستمر بعد الأديان، وعلى أساس هذا الإيمان قامت بيننا أخلاق مشتركة تدعو إلى الفضيلة والحق والخير والجمال. بهذه الأخلاق قامت الحضارة المصرية العظيمة، وبها يمكن أن تقوم مصر رائدة للحضارة مرة أخرى. 

Tuesday, January 4, 2011

النقاب .. والحرية الشخصية د. علياء رافع


لا أستطيع أن أتصور أن إرتداء النقاب، وإخفاء الهوية حق من حقوق الإنسان، وصيانة لحرية العقيدة، وذلك ببساطة شديدة لأنه لا يمكن أن يكون هناك حق إنساني أو ديني في أي مجال يبيح التعدي على حقوق الآخرين، ويهدد أمنهم . وفي هذا المجال أنا لا أناقش الزاوية الدينية أو الفقهية، ولكنني فقط أثير حق المجتمع في التعرف على هوية من يتعامل معهم. إذا كانت  هناك أستاذة جامعية تحاضرفي قاعة للمحاضرات فإن من حق الطلبة أن يتفاعلوا معها ويروا تعبيرات وجهها، وهذا جزء لا يتجزأ من العملية التعليمية، وإلا لكان من الأفضل أن يمكثوا في بيوتهم ويقرأوا كتبهم دون التواجد في قاعة المحاضرات. ومن ناحية أخرى، فإنه من حق الأستاذ أن يقرأ في وجوه الطالبات تعبيراتهن ويتفاعل مع هؤلاء المندهشات، أو أخريات متثاءبات، أو غيرهن من المتحمسات .. إلخ ،  ذلك أن الطلبة هم  الذين يلهمون الأستاذ ويساعدونه على إجادة دوره فكيف له أن يؤدي مهمته مع طالبات متنقبات. وهكذا دواليك في كل الأعمال الأخرى. مثلا إذا كانت المتنقبة ممرضة، فكيف يمكن للمريض أن يشعر بالإطمئنان وهو لا يعرف هوية من ترعاه. إن من حق المريض أن يتعرف على من تعطيه الدواء ويرى ملامحها. كيف لمريض أن يأخذ دواء من إنسان لا يعرف هويته، وكيف له أصلا أن يتيقن من أنها الممرضة  المعينة وليست إنسانا آخر يدعي ذلك لسبب أو لآخر؟
إن هذين المثلين غاية في الوضوح بالنسبة لحق الطالب والمريض، وكذلك من حق كل إنسان في الطريق أن يتعرف على هوية من يسير بجانبه، أو يركب معه القطار أو الأتوبيس أو أي نوع من أنواع المواصلات. إن إنتشار النقاب بهذه الصورة المتزايدة، والدفاع عن حق إختيار المرأة لما تحب أن ترتديه يخرق حقوقا أخري، ويهدد الأمن.  ولقد كتبت سابقا أقول أنه في مدينة يبلغ سكانها الملايين من البشر، يمكن أن يكون النقاب وسيلة لتفشي الرذيلة، والسرقات، والعنف بمختلف أنواعه.  والمناقشة هنا ليست هجوما على المتنقبات،  فلا شك أن الكثيرات منهن من يردن أن يتقربن إلى الله، ولكن ليس معنى هذا أنه من أجل هذه النسبة من السيدات، يسمح لكثيرات أخريات أن يستخدمن النقاب من أجل كثير من الجرائم.  وليست هذه هي الوسيلة الوحيدة للتقرب إلى الله، ولا أريد أن أدخل في جدل عقيم عن أهمية النقاب دينيا، ذلك أن من يفترض أن النقاب ضرورة دينية، فإنني أعتبر أن هذه هي حريته الفكرية، حتي ولو لم أتفق معها. وهناك الكثير من الأحاديث والرؤي الفقهية التي لا تري في النقاب فضيلة أو فريضة بقدر ما كانت عادة. وفي كل الأحوال فإنني  على يقين أن الدين – كل الأديان – قد جاءت لخير الإنسان، وأن أي أسلوب في الحياة أو طريقة في التفكير تبخس من حق الإنسان – رجلا كان أو إمرأة، فلا بد أنها نتاج قراءة خاطئة أو رؤية غير واضحة، وأن أي ممارسة بها تهديد للأمن لا يقرها الدين.
أقول قولي هذا وأريد أن أذكر في هذا الصدد تجربة لإحدى طالباتي التي أثارت موضوع النقاب في صدد الحديث عن الثقافة وكيف تؤثر على البناء العقلي الذي نرى به العالم.  لقد مرت هذه الطالبة بتجربة جديرة بالإهتمام، وكشفت لي أمورا لم أكن على دراية بها.  أولا  علمت أن هناك دعاة في مختلف أنحاء مصر، يتخذن من الجوامع مراكز لبث فكريقوم على إرهاب المسلم، تحت زعم عقاب الله، ويؤكد على ضرورة النقاب بإعتباره فريضة بدونها فإن النار تكون بئس المصير. كما تبين لي كذلك أن هناك خلايا من البنات يقمن بدعوة زميلاتهن إلى إرتداء النقاب. النقاب إذن هو رمز لهذا التشدد الذي يصحبه دعوة إلى ترقب عذاب الآخرة في كل خطوة، والخوف من كل عمل عسى أن يكون فيه خطأ، وهو ما سيؤدي بشبابنا إلى فقدان الثقة بالنفس، والتردد، والإنسحاب من الحياة، والقلق الدائم، وغيرها من المشاعر التي ستفقده تحمسه للحياة، وتطلعه إليها. مرة أخرى أنا لا أهاجم حرية أي سيدة في إختيار ما تشاء من وسائل تقربا إلى الله، ولكنني أكشف عن بناء فكري – سواء أستخدم من أجل الدعوة إلى التنقب أو لأي دعوة أخرى – فإنه يقوم على الترهيب وإلغاء العقل.
ثانيا إكتشف إن القنوات الفضائية تؤثر تأثيرا قويا على شبابنا، فلقد وضحت لي طالباتي أن كثيرا من القنوات لا هم لها إلا الحديث عن الفتنة بين الجنسين، وضرورة إرتداء النقاب، وهو ماشجع الكثيرات على إرتداء هذا الزي، ولا عجب أن أعداد المنقبات في تزايد مستمر، وأخشى أن تصبح هذه النسبة هي النسبة الغالبة. تعرضت الطالبة المذكورة لهذه الدعوة ، ولكن هذه الطالبة لم تستسلم لما يقال لها. قالت لي أنها قد تأثرت في بداية الأمر مثل غيرها من الشابات، وإرتدت النقاب، ولكن أصابها حال من الإكتئاب، بالإضافة إلى أنها شعرت أن هذا الزي لا يتناسب مع الحركة، أو الراحة الجسمانية والنفسية، مما جعلها تعيد التفكير فيما تستمع إليه. كانت تتحدث بحماس منقطع النظير وهي تقول أنها قد أصبحت الآن قادرة على أن تدحض كل إدعاءاتهم، وتستكمل حديثها :  "ذلك أنني عندما قرأت في الكتب المختلفة وجدت أن الإسلام قد أعطي الإنسان الأمل في هذه الحياة. الله سبحانه وتعالي أخفي علينا وقت الموت، حتي نظل نحلم ونتطلع إلى المستقبل، وإلا لتوقفنا عن الحلم والأمل. فلماذا يملأوا قلوبنا باليأس والإحباط، ويجعلونا لا نفكر في الحياة، بل نفكر دائما في الموت  ويعتبرون أننا نعيش في سجن، لأن الدنيا بالنسبة لهم ما هي إلا سجن كبير.  بل إنهم يسجوننا بالفعل في فكرهم". وتقول بكل ثقة: "أنا متأكدة الآن من طريقي وأعرف جيدا ماذا أريد أن أفعل، لأنني صممت أن أستخدم عقلي وأن أفكر في الدين أنه لخير البشر وسعادتهم".  السؤال هو كم فتاة يمكن أن تتحلي بهذه الشجاعة وأن تختار لنفسها وتفكر بعقلها. إن هؤلاء الدعاة الذين يتحدثون بإسم الله يضعون من أنفسهم آلهة، ولا يتركون حتي مجالا للإختلاف في الرأي معهم، وهو ما يهدد مستقبل هذا البلد إذا ما إستمر هذا الفكر ينتشر بهذه الصورة.
وفي عام 1996، أصدرت المحكمة الدستورية العليا، حكما يؤيد منع الطالبات من إرتداء النقاب، وذلك في دعوى قضائية أقامها أحد أولياء أمور بعض الطالبات ضد وزير التعليم الذي أمر بعد السماح للطالبات المتنقبات بدخول المدارس، وجاء في هذا الحكم: " إن إلزام المرأة إخفاء وجهها وكفيها وقدمهيا عند البعض، لا يكون تأويلا مقبولا، ولا معلوما من الدين بالضرورة، ذلك ن معنى العورة المتفق عليها لا يتصل بهذه الأجزاء من بدنها، بل إن كشفها لوجهها أعون على إتصالها بأخلاط من الناس يعرفونها ويفرضون نوعا من الرقابة على سلوكها، وهو كذلك أكفل لحيائها وغضها من بصرها وأصون لنفسيتها، وأدعى لرفع الحرج عنها".  وهكذا فإن المحكمة الدستورية قد عبرت ببساطة شديدة ودون دخول في جدل عقيم أن كشف الوجه صالح عام لا بد من تزكيته، وأن حجب الوجه تأويل غير مقبول للنصوص.
ولكن مايدهشني حقا أن كثيرين يخشون أن يقفوا أمام إنتشار النقاب، بل ويذهب الأمر إلى حد أن المحكمة الإدارية العليا تدين المؤسسات التي تمنع دخول موظفيها أو المستفيدين منها بهذا الرداء، ففي الحكم الصادر ضد مجلس إدارة الجامعة الأمريكية بمنع دخول المنقبات الجامعة، تصدر المحكمة الإدارية العليا حكمها في 9 يونيو 2007 جيء في ديباجة الحكم ما يلي: " النقاب غير محظور شرعا وإنما هو زي مباح للمرأة ارتداؤه وفقا لما تراه تجسيدا لحريتها الشخصية والعقيدية ولا يجوز لأية سلطة أن تمس هذه الحرية وتلك العقيدة". 
وأكدت المحكمة الإدارية العليا هذه الرؤية مرة أخرى،  إذ حكمت لصالح الطالبات المتنقبات بعد أن منع عمداء بعض الكليات الطالبات المنقبات من دخول إمتحان الترم الأول يناير 2010، وجاء في حيثيات الحكم النهائي الذي أعلن في 20 ينايروهو حكم غير قابل للطعن: "عدم شرعية قرار رؤساء جامعات القاهرة وعين شمس ووزير التعليم العالي بشأن حظر دخول الطالبات المنتقبات المحاضرات أو الإمتحانات بالنقاب". وأما الأمر المؤسف حقا هو أن يوقف رئيس جامعة القاهرة عن عمله لتصديه لظاهرة النقاب في جامعته.   إلى أين نحن ذاهبون؟ هل نحن متجهون إلى الأمام، أم إلى الخلف؟ وأين حكم المحكمة الدستورية العليا الذي لم يحترم؟ ولماذا يتناقض حكم المحكمة الإدارية العليا مع حكم المحكمة الدستورية ومع متطلبات الأمن في المجتمع ؟ هل نحن حقا في القرن الواحد والعشرين؟