Tuesday, January 18, 2011

إحياء دور الأزهر التنويري د. علياء رافع


لا جدال أن الأزهر قد احتل دورا تنويريا على مدى تاريخه الطويل، وأخرج من تجت عبائته مفكرين أثروا في حركة النهضة، لقد كان الفضل للشيخ حسن العطار الإمام الأزهري في توجيه رفاعة رافع الطهطاوي أن يسجل كل ما يراه في فرنسا، ويدرسه، وعندما نفذ الشيخ رفاعة تعاليم أستاذه، تحول من إمام واعظ إلى عضو بارز في البعثة التي أرسلها محمد علي باشا إلى فرنسا للدرس ولتحصيل وأصبح الشيخ الأزهري رفاعة رائدا في حركة النهضة المصرية الحديثة، جامعا بين مباديء الإسلام تعبيرا عن الأصالة الحضارية، وبين منهج علمي رصين، ومشروع نهضوي شامل، دون أي تناقض. وإستكمل المسيرة الشيخ محمد عبده، الذي جعل العقل مرجعا أساسيا في رؤية النص، وإصدار الفتوة، وهو صاحب المقولة الشهيرة، وجدت أخلاق الإسلام في بلاد غير المسلمين. وهذه العبارة إنما تشير إلى أنه قد إخترق الأشكال ليرى أن الإسلام جوهر أخلاقي، دون أن يفرط في نفس الوقت في القيمة التي أضافها الإسلام إلى الجياة الإنسانية، وتبعه على النهج الشيخ المراغي، ومحمود شلتوت، وعبد الحليم محمود، وغيرهم من أئمة المفكرين الأزهريين. وتتلمذ على يديه قاسم أمين ولطفي السيد الذين أصبح لكل منهما دروا في حركات فكرية مؤثرة في المجتمع المصري.   وللأسف فإن تاريخ الأزهر مليء أيضا بالأشواك، والكبوات. واهتزت مكانته بعد أن أصبح تابعا، لا رائدا. ولكن عندما إستمعت إلى حديث أ.د. أحمد الطيب شيخ الأزهر في حديثه إلى منى الشاذلي، رأيت أن هناك بصيصا من الأمل في أن يستعيد الأزهر دوره التنويري.
كان الرجل صريحا إلى أقصي حدود الصراحة في تأصيل التطرف الديني إلى التيارات الواردة التي تسيء إلى الإسلام ولا تقدمه كما يليق به، هذا الدين القيم الذي فتح ذراعيه للعالم أجمع، وإحتوى الجميع في سلام ومودة، داعيا بالتي هي أحسن، ورافعا قيمة الإنسان وحريته وإرادته إلى أعلى الدرجات. . وكان الرجل صريجا عندما تحدث عن تقلص دور الأزهر. ووقفت طويلا أمام عبارات شيخ الأزهر وهو يرسم بعد ذلك أهدافا كبرى لهذا الدور داخليا وخارجيا، فمن الداخل يرسي هدفا رئيسيا وهو تأكيد الوحدة الوطنية،  إعتمادا على مباديء الدين السمحاء،  وعلى مستوى العالم الإسلامي فك الحساسيات والاحتقانات بين الشعية والسنة وبين المذاهب المختلفة ودوليا إرساء السلام مع العالم أجمع. أري أن هذه الأهداف الكبري التي يتطلع إلى تحقيقها شيخ الأزهر جديرة بأن يلتف حولها المفكرون المصريون الذي يهتمون بالإسلام والسلام على كل المستويات المذكورة، وليس فقط الأزهريون، وذلك حتي تزداد  زوايا الرؤية.
الأزهر هو المؤسسة التي يمكن أن ينبثق منها نور الإسلام في شموليته وإتساعه من جديد، ولعل المهمة الكبرى التي على الأزهر أن يأخذ بها أن يفتح المجال واسعا لمن هم خارج الأزهر من الدارسين في شتى المجالات أن يدلوا بدلوهم في المشاكل الشائكة، ويدرسوا الأبعاد المختلفة لما يحدث من إنحرافات واضحة في البنية الفكرية للمسلمين، وإنجذابهم إلى تلك الأفكار البعيدة عن رسالة الإسلام بإسم الإسلام، وقد ذكر فضيلته جزءا منها ، وقال في شجاعة فائقة أن بناء دور العبادة لا بد أن يترك للجميع على قدم المساواة، وإستمر في القول أن بناء جامع جانب كنيسة فيه تضييق على المسيحيين الذين يجب أن تتاح لهم مساحة من الخصوصية والهدوء لأداء عباداتهم.
لقد وضح أ.د. أحمد الطيب أنه في الوقت الذي بدا فيه الهدي الإسلامي واضحا ومتوجها إلى إرشاد الإنسان لطريق الحق، فإنه إحترم في نفس الوقت حرية كل إنسان في إختيار طريقه، وهذا هي أحد المعاني في أن يكون المسلمون شهداء على الناس، لا متخذين من أنفسهم حكما عليهم، ولكنهم بتعبيرهم من خلال سلوكنهم وأخلاقياتهم عن سماحة عقيتدتهم، ووضوح الرؤية فيها، يكونون قد أدوا رسالتهم، ويتعاملوا مع غيرهم بالحسنى. ولقد ضرب شيخ الأزهر أمثلة كثيرة في هذا الصدد، حيث وضح أن زواج الرجل من مسيحية يلزمه أن يحترم دينها، ولا يجبرها على تغيير عقيدتها، بل يصحبها إلى دور العبادة التي تؤدي في شعائر دينها، إحتراما لها. وكان حديثه عن إستقبال الرسول لنصراني نجران تذكرة في حاجة أن نذكرها، فهي وحدها كفيلة بأن تعبرهذه الفجوة التي نعيشها  فهي تبين ما قدمه رسول الله (صلعم) من آداب التعامل مع غير المسلمين وبين ما أصبحنا عليه من تعصب وجهالة.  وعندما يجي اليوم شيخ الأزهر ليقول أنه "َلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرا"، متخذا من هذه الآية أساسا لحرمانية أن يقوم الناس بهدم أي كنيسة، فإن هذا يبطل إدعاء هؤلاء الذين يحرفون الكلم عن مواضعه، ويبررون جرائمهم النكراء بإسم الدين.
أما دور الأزهر في إرساء السلام فهو جد خطير، خاصة في تلك الآونة التي أصبح الخوف من الإسلام أو الإسلاموفوبيا ظاهرة عالمية، يغذيها ويقويها هؤلاء الإرهابيون المرتدون زي الإسلام زورا وبهتانا، وتكمن قوتهم في إنتشار فكرهم في ألوف من المسلمين المنتشرين في أنحاء الأمة، والذي ينتهزون أي فرصة للقيام بتلك الأعمال التخريبية التي لا ينال العالم الإسلامي منها إلا مزيدا من الإنعزال، ومزيدا من حصد الكراهية. ويجيء صوت الشيخ أحمد الطيب في هذا الخضم المتشابك من العداء للإسلام موضحا أن هذا التزايد والتنطح لا يتميز به الإرهابيون المسلمون وحدهم، بل إن التطرف الديني المسيحي أيضا والكيل بمكيالين من قبل رجل دين مثل بابا الفاتيكان، يزيد من هذه الفجوة العدائية بين المسلمين والمسيحيين.  فهو كرجل دين كان عليه أن يدافع عن حق الإنسان في ممارسة عباداته أيا كان إنتماؤه الديني، ولكن جاء البابا ليشجب حادث الإسكندرية، دون أن يذكرما يحدث للمسلمين والأقليات الدينية في كل مكان من إضطهاد، ودون أن يتعاطف إنسانيا مع إخراج الفلسطينيين من ديارهم بغير وجه حق، وهو حدث جرى في الماضي، ومازال يحدث في الحاضر.
إن هذه النبرة التي عبر بها شيخ الأزهر عن تعاطف الإسلام مع كل الديانات، وإحترامه لحرية العقيدة، ودعوته للسلام جديرة بأن تكون نبرة شائعة في المجتمع المصري كله. من داخل الإسلام يجب أن تبزغ ثقافة عالمية تدعو إلى الحوار والمحبة وتوحيد الهدف نحو خير الإنسان، وهذا هو الدور التنويري للأزهر كما أراه، وأري أن المسئولية الملقاة على شيخ الأزهر لإحياء هذا الدور مسئولية كبيرة، تتطلب منا جميعا الجهد والعمل والدعاء.  

No comments:

Post a Comment