Tuesday, January 25, 2011

من أجل أمن مصر ومستقبلها د. علياء رافع


أثارت الأحداث التي مرت وتمر بها تونس الشقيق كثيرا من اللغط والأفكار المتناثرة هنا وهناك، وحذر البعض من أن يحدث هذا في مصر، خاصة وأننا نشاهد عددا متزايدا ممن يشعلون في أنفسهم النيران، ومن يعبرون عن سخطهم وعدم قدرتهم على الإستمرار في الحياة في ظل ظروف مادية شاقة.  وكثر الحديث عن هذا الحدث  في البرامج  التليفزيونية  الحوارية  التي تستضيف زوارا من مختلف الإتجاهات. وينتظر أن تزيد المقالات التي تتناول هذا الحدث تحليليا أو تحذيريا.  وهناك من  من يعبر عن تخوفه من إنتقال العدوى إلى مصر، وآخرون يتمنونها، وفريق ثالث يستبعد هذا بشكل قطعي. وبين هذا وذاك يشغلني أمن مصر ومستقبلها.
إن التعقيد البنائي للمجتمع المصري، والتكوين الديموجرافي لمصر، إضافة إلى التشبيك القائم بين كل القطاعات الإقتصادية والسياسة الخارجية، يجعل حدث مثل هذا مهددا لأمن مصر وأمانها، ولن يتمخض إلا عن فوضى قد تؤدي إلى ما لايحمد عقباه،  في ظل ظروف لن نكون قادرين فيها كشعب على إختيار من سيركب الموجة، ويقود السفينة.  ولهذا فإنني أدعو الله أن يجنب مصر هذا الإنفجار.
ولهذا أيضا فإنني أتمنى أن يفيق المسئولون وجهاز الدولة  ليدركوا حجم المعاناة التي يعيشها الشعب المصري، والتي تمثل المعاناة الإقتصادية أحد أضلاعها، ولكنها ليست الأخطر، ذلك أن الأخطر من المعاناة الإقتصادية هو الإغتراب السياسي بين بين الحكومة وحزبها الحاكم وبين الشعب. ويجب ألا يدفن الحزب الوطني رأسه في الرمال وعليه أن يقرأ إحجام الشعب عن دخوله الانتخابات السابقة قراءة صحيحة، فلا يتهم المواطنين بالسلبية، والأحزاب عدم المسئولية. لقد فقد الشعب على مدى الأربعين عاما الماضية الثقة في النظام . وعندما يتحدث مسئول اليوم عن أن الشعب عليه أن ينتظر نتائج السياسات والإستراتيجيات الآتية، فإن هذه العبارة فيها من الإستفزار أكثر مما يبعث الأمل. يجب أن يدرك الناطقون بإسم النظام أن الشعب المصري ليس بالسذاجة التي يتصورونها. إذ أن أربعين عاما (منذ تولي الرئيس السادات بإعتبار أنها مرحلة جديدة مختلفة عن ما قبلها وممتدة بعد ذلك إلى حكم الرئيس مبارك) فترة طويلة بالفعل، ظهرت  فيها أجيال، وإختفت أجيال، وضاع عمر الكثيرين في هذه الحقبة الطويلة. من حق الشعب أن يعرف لماذا لم يحدث التقدم المتوقع في السنين الماضية، ومن حقه أن يعلم دوره في المرحلة التالية.
إنني على يقين من خلال قراءة تاريخ هذا البلد أن المواطن المصري يمكن أن يهب كالمارد مثل العنقاء تماما، ذلك الطائر الأسطور القادر على الخروج من دائرة الموت إلى دائرة الحياة بقوة،  وأتمنى من النظام الحاكم أن يقرأ هذه الحقيقة، وأن يثق فيها، وألا يتعامل مع المواطنين كما لو كانوا في حاجة إلى وصاية دائما، وليسوا شركاء في صنع المستقبل. إن هذا الإستبعاد المستمر هو الذي يولد هذا الإغتراب. كل ما يحتاجه هذا الشعب هو الثقة في القيادة السياسية، وهي الثقة التي أولاها للرئيس حسنى مبارك منذ ثلاثين عاما. إلا إن خطاب الوصاية، وسياسات الهيمنة وفرض الأمر الواقع من ناحية، ثم خطاب المن على الشعب وكأن المواطنين متسولين لا حول لهم ولا قوة، قد أضعف الروح المعنوية  إضعافا حادا، وأجهز على هذا الأمل الذي بدأ منذ ثلاثين عاما بشكل تدريجي، حتي أصبح لا حديث اليوم إلا حديث اليأس. اليأس من كل شيء ..من المستقبل، من العمل، من تحقيق الحلم، من القدرة على المشاركة، من التغيير. وإنعكس هذا على سلوكيات هذا الشعب بأشكال مختلفة. البعض يهجر المكان إلى حيث يتصور أن حلمه من الممكن أن يتحقق حتى ولو في الصين، ويضحي بحياته إذا إستدعي الأمر، والأخرون يهجرون إلى الزمن الماضي، متصورين أن المستقبل منقوش في صورة زاهية حققناها قديما، ومتجاهلين كل الأدوات المنهجية والرؤي الواقعية، ومجموعة ثالثة فقدت الأمل في كل شيء، حتي الأمانة والصدق، وعاشت للعدوان والسرقة والغش، يستوي في ذلك من حرم من بحبوجة العيش، ومن يملك ملايين يريدهم بلايين، ونزلت الأقلام هجاء وقدحا في الشخصية المصرية التي تحولت في نظر البعض إلى شخصية إنتهازية، مادية، غير أخلاقية، متعصبة، تائهة، متكاسلة، متواكله، وغيرها من الصفات التي لو إجتمعت في شعب لأردته قتيلا، لا أمل ولا مستقبل له.
والسؤال هو هل يمكن أن تولد الحالة الراهنة التي تتسم بالإغتراب واليأس، مع إستشراء الفساد نوعا من التمرد العام؟  والإجابة المحزنة أن هذا وارد، ومحتمل. ويمكن في هذا الجو المشحون أن تتدخل عناصر تخريبية تريد لهذا البلد السوء، فتأخذ من المتذمرين والمعترضين سلما كي تقضي على أمن هذا البلد من أجل أغراضها، وأنا لا أعني هنا مجموعة بعينها، وأستبعد الإخوان المسلمين أن يكونوا من هؤلاء المخربين، ولكن قد تكون هناك عناصر محسوبة عليهم، أو محسوبة على إتجاهات دينية أخرى، وقد تكون هناك قوى خارجية سواء كانت إسرائيل أو غيرها. وفي كل الأحوال فإن تجنب هذا الخطر الداهم يجب أن تبدأ من اليوم، ليس بحلول ساذجة، ولكن برؤية ثاقبة، قائمة على دراسة أسباب الإغتراب، وعلاجها مباشرة.
وأتطلع إلى أن يكون التغيير سلميا ومن داخل النظام وليس من خارجه، ولعلي أتفق في هذا مع د. أحمد كمال أبو المجد الذي دعا الرئيس حسني مبارك إلى إحداث ثورة إصلاحية داخل البلد، وأضم صوتي إلى صوته أملا في أن تكون هذه آخر إنجازات الرئيس لمصري في الفترة القادمة، أطال الله في عمره. وبعدها يفسح المجال للقيادات الصالحة أن تظهرلتدخل بقوتها حلبة السباق الرئاسي في ظل جو آمن يتيج للمصريين أن يروا بوضوح وأن ينتخبوا رئيسهم بإرادة حرة. ولذا فإن المطالب التي تنادي بها جمعية التغيير لابد أن تؤخذ بعين الإعتبار. حينئذ سيكتب التاريخ للرئيس حسنى مبارك سابقة وطنية لم تحدث في التاريخ الحديث للشعوب العربية، ألا وهي أن يترك رئيس الجمهورية بإرادته كرسي الحكم، ويكرمه شعبه. لا شك أنه على الرغم من السلبيات الكثيرة، فإن هناك إيجابيات في هذه الفترة الماضية يجب أن نذكرها بكل فخر وإعزاز.  

No comments:

Post a Comment