Tuesday, November 9, 2010

نهاية التاريخ أم بداية تاريخ: آن للتعصب والعنف أن ينتهي د. علياء رافع



لاشك أن المصريين جميعا قد صدموا من تصريحات تنظيم القاعدة الصادرة من العراق بتهديد أقباط مصر،  ولا يستطيع عاقل أن يفهم ما هي الدوافع التي تجعل جماعة من البشر تتصور أنها الإله الأعظم الذي يجب أن يخضع الكون كله لأوامره، وأن كل من يخالف رؤيته، يحكم عليه بالهلاك والفناء. يخيل إلي وأنا أسمع تلك التهديدات كأننا في فيلم خيالي مليء بالرعب، وعندما أفيق لأدرك أنه الواقع، يزداد إندهاشي أن هؤلاء الجمع يتشدقون بإسم الإسلام، وهو دين التوحيد الذي جعل الحكم بين البشر لله وحده، ونهى عن العنف أوإستخدام القوة لفرض العقيدة "من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر"، "لست عليهم بمسيطر"، وهؤلاء قد نصبوا أنفسهم آلهة مع الله، يريدون أن ينشروا الرعب بين الناس. وحتى إذا كان أقباط مصر إعترضوا على تحول بعض منهم إلى الإسلام، وحاولوا بصورة أو أخرى أن يثنوا هؤلاء عن رغبتهم، فهذا من حقهم، كما هو حق للمسلمين أن يثنوا من يريد أن يتنصر بالإقناع والمناقشة، ويظل إختيار العقيدة حق من حقوق الإنسان، لا بد من إحترامه.
 وإذا كان هذا التهديد خارجيا، فقد يستهتر به البعض، أو يظن أن تكثيف الأمن على الكنائس كفيل بأن يوقف الخطر، ولا شك أن هذه الإجراءات ضرورة وهامة، ولكنها ليست كافية، ذلك أن خطورة هذا التنظيم  تكمن في أنه خفي ،يصعب رصده وتتبعه، فليس له هيكل إداري معروف، أو مكان جغرافي محدد، وأعوانه ينتشرون في العالم أجمع، فهو  يعتمد على أفراد هنا وهناك. ، ووضع هذا التنظيم  نفسه في مكان العداوة مع جميع البشر وجميع البلاد من كل الألوان والاتجاهات، ولهذا فهو تنظيم ليس له عنوان، ولكن له أعوان.
لا بد من صحوة فكرية قوية تهزم هذا الفكر من جذوره، لأن القبض على حفنة من الأفراد هنا أو هناك، بل وشن الحرب على بلد بأكمله مثل أفغانستان، والهجوم على العراق وغزوه، لم يقض على هذا التنظيم، بل جعل مبرراته للعدوان أكثر قبولا عند البعض. ذلك أن الذين أرادوا أن يقضوا على هذا التنظيم، وأعني بهم الولايات المتحدة وحلفاءها،  إستخدموا العنف والرعب والإرهاب وقتل الأبرياء، ولذا فلم يختلفوا كثيرا عن تنظيم القاعدة، بل رسخوا أسلوب العنف في إدارة إسترايتجياتهم. ولذا أتصور أن القضاء على الجذر الفكري الذي يغذي هذا التنظيم لا بد أن يوضع موضع الإهتمام، وكذلك فإن المبررات الداعمة لتواجده يجب أن تدرس دراسة مكثفة، وألا تكون مقاومة الإرهاب بالإرهاب كما حدث على المستوى الدولي. 
على مستوى الأمن المصري، يقلقنى الإتجاه المتشدد، الذي يخلق مناخا مناسبا لنمو مثل هذا الفكر، ويجعل الشباب صيدا سهلا له، ومن ثم فلا بد من أن يشعر الشباب بقدراته الخلاقة، وأن تعود إليه روح الأمل والقدرة على الأحلام الكبيرة. ولا شك أننا مقبلون على مرحلة جديدة من خلال إنتخابات مجلس الشعب، التي نأمل أن تكون حقيقية وصادقة، وأن تعبر بالفعل عن رأي الجماهير العريضة. فالثقة المفقودة بين الناس وبين الحكومة من ناحية، وبينهم وبين صدق العملية الانتخابية برمتها من ناحية أخرى، تبعدهم عن الانخراط الإيجابي في مجتمعهم، وتدفعهم دفعا إلى هذه التنظيمات الإرهابية الخطرة. ومن ناحية أخرى فإن تجديد الخطاب الديني يتطلب أن تفتح أرض الحوار لأكبر قدر من الناس، خاصة من المفكرين، والمهتمين بأثر الشأن الديني على المجتمع من مختلف التخصصات، وليس من دارسي العلوم الدينية فقط.
تواجد هذا التنظيم على المستوى الدولي، وتهديده للأمن يستلزم أن تأخذ الأمم المتحدة دورا جديدا في إقامة العدل الدولي، ونزع فتيل الصراعات المتفجرة في أماكن متفرقة وخاصة في العالم الإسلامي، وأبرزها وأهمها على الإطلاق ما يحدث بين إسرائيل والفلسطينيين.
إن المسئولية الدولية تجاه تنظيم القاعدة أكبر كثيرا من المسئولية المحلية القومية، وإذا كان حل الصراعات حلا عادلا ضرورة سياسية، فإن إعادة تكوين ثقافة إنسانية عالمية تقع على عاتق اليونسكو بالتعاون مع مختلف الأنظمة التعليمية في العالم أجمع، تلك الثقافة تؤكد وحدة المصير الإنساني، وتعمل على ربط البشر بعضهم ببعض مجتمعين على أهداف بناءة، متسلحين بمنهج علمي في التفكير، ومؤمنين بضرورة الحفاظ على خصوصية الحضارات، وإحترام مختلف المعتقدات، ثقافة تنبذ العنف وتقوم على  الحوار لحل الأزمات والمشكلات. إن هذه الثقافة الإنسانية العالمية تكون القاعدة الأساسية التي توجه سياسات الدول، وتوقف الساسة عن غيهم في التلاعب بمصائر شعوبهم من أجل أهداف قصيرة المدى، قليلة الجدوى، وتدفعهم إلى التلاحم مع رغبات الشعوب التي تتوجه إلى العيش في أمن وسلام.
وحتي تكتمل رسالة اليونسكو وغيرها من منظمات الأمم المتحدة، لابد أن ينبثق من داخل البلدان المختلفة تيارات فكرية، تعيد الرؤية في المعتقدات التي تدعو إلى العنف، وتقدم رؤية جديدة تتناسب مع سمو الرسالات السماوية والحكمة الإنسانية التي دعت جميعها إلى المحبة والرحمة بين البشر.  ومسئوليتنا – نحن المسلمين – عظيمة في هذا الاتجاه. لأنه للأسف الشديد فإن هذا التنظيم وغيره يتشدق بإسم الإسلام، والإسلام منه براء. 
أتطلع أن يكون تحقيق هذا الهدف بداية لتاريخ، نرمي فيه وراء ظهورنا تلك الخلافات التي تأخذ شكلا دينيا، نتيجة للفكر المتجمد، وتنطلق فيه الطاقات الروحية الإنسانية التي دعت إلها جميع الأديان، ويتعاون العالم أجمع من أجل القضاء على كل المعوقات التي تقف حجرا عثرة في سبيل الحياة الطيبة للإنسان في كل مكان، فتتقدم الخدمات الصحية لتعين غير القادرين، وتحفظ لكل إنسان كرامته وكبرياءه، وتتعدد المشاريع التنموية التي تتوجه إلى المحتاجين في العالم أجمع، وترتفع بنوعية الحياة التي يعيشونها. إنها حقة لوصمة في حق الإنسانية أن نرى بشرا يموتون جوعا في الصومال وأثيوبيا والصحراء الأفريقية والهند وغيرها في عالم حقق العلم فيه ما حقق، وأتيح للإنسان أن يعيش في رفاهية لم يكن يحلم بها من قبل في ظل تكنولوجيا تتطور كل يوم.  
وأنا هنا أتحدث عن بداية تاريخ وليس نهاية تاريخ كما إعتقد فوكوياما. فعندما كتب فوكوياما بعد إنهيار نظام الحرب الباردة بين القوتين عن نهاية التاريخ، فإنه تصور أن سيادة النظام الرأسمالي سيادة مطلقة هو الحاكم لحركة التاريخ في ذلك الوقت ومستقبلا، ولكن لم تصمد هذه الفرضية طويلا، فهناك نظم أخذت تنمو على الساحة السياسية بعيدا عن الرؤية الأمريكية والقيم التي تتبناها. ظهر المارد الصيني وأخذ ينمو حثيثا حتي أصبحت التجارة العالمية تتكلم صينيا، حتي في الولايات المتحدةنفسها، ظهرت البضاعة الصينية غامرة للأسواق. وتبنت كوريا الشمالية فلسفة  الجوشي Juche  وهي تعني أن الإنسان سيد نفسه وسيد مصيره، وقد أصبح هناك بعدا سياسيا لهذه الأيديولوجية يرسم الطريق أمام كوريا الشمالية في علاقاتها مع الدول الأخرى، ويجعلها قادرة على قبول التحديات الإقتصادية، وإتخاذ المواقف السياسية التي تلاءمها دون خوف. وها نحن نرى بزوع حركة إرهابية دولية خفية، لها طبيعة خاصة، ولكنها موجودة في كل مكان، دون أن يكون لها مكان بعينه، تغزو العقول بأفكار سامة، تهدد أمن وسلام العالم أجمع.
 وأعتقد أن الشعور بالخطر من بزوغ مثل هذه التنظيمات التي تعتمد على أيديولوجيات تساند العنف، قد يكون دافعا للمجتمع العالمي أن يقف متعاونا على تبني رؤية جديدة، وهي تلك الرؤية التي أطرحها هنا، وتغلبني الثقة أنها ليس رؤية فردية، ولكنها حلم يجمع الكثيرين، ومنهم من دعا إليها سابقا مثل تولستوي وغاندي، ومنهم من يدعو إلىها حاليا، ولكن الأمل أن يكون هناك تجمع عالمي يتبني هذه الرؤية التي تتجه إلى الأساس المعرفي الذي يزرع في العقول ترابط الإنسان ويهفو إلى تحقيق السلام للجميع، ويقضي تلقائيا على ذلك التعصب الأعمى الذي قد يقود إلى دمار العالم أجمع بإشعال الفتن والحروب في كل مكان.فهل آن الأوان لنبدأ تاريخا جديدا؟  

No comments:

Post a Comment