Tuesday, March 6, 2012

صرخة الأرض والنقلة النوعية في الوعي


صرخة الأرض والحاجة إلى نقلة نوعية في الوعي موضوع  مثار في الاجتماع الذي دعيت إليه في نيروبي لألقي كلمة في مقر الأمم المتحدة المخصص للمشروعات البيئية.   حقا إن الأرض تصرخ ولكن لا يوجد من مجيب، وتئن مما فعله أبناؤها به، ولا قلب يعطف عليها، لأن العالم أصبح عالما أنانيا، يلتهم فيه الكبار الصغار.
وعند تحضيري للكلمة التي سألقيها هناك، راجعت  التدهور البيئي الذي حدث على مدى قرنين بسرعة متزايدة  في أواخر القرن الماضي، وبصورة أسرع في مستهل هذا القرن.  فوجئت أنه منذ القرن التاسع عشر، كان هناك إدراك  لتآكل طبقة الأوزون نتيجة لزيادة ثاني أكسيد الكربون، ولكن لم يتنبه أهل الأرض إلى الخطورة المتزايدة، وانغمسوا في مزيد من التدمير، في وهم أنهم قادرون على السيطرة على البيئة واستخدامها من أجل الإنسان. ولا بد أن ندرك اليوم أن الخطر البيئي قد أصبح يهدد الحياة على هذه الأرض فعلا، وليس قولا. فهل سيأخذ أهل الأرض الأمر بجدية ويحاولوا أن ينقدذوا  أجيالنا القادمة، أم سيزداد التدمير، فيحد أحفادنا أنفسهم أمام مصير محتوم لا مناص منه. إن مسئولية استمرارية الحياة تقع علي عاتقنا جميعا اليوم، وسننتحمل مسئولية الأجيال القادمة أمام الخالق الأعظم إذا لم ننتبه إلى إنقاذ هذه احياة.
وعلى الرغم الجهود الرائعة للعلماء، في محاولة للحفاظ على البيئة، إلا أننا في هذا اللقاء نناقش أمرا أكثر خطورة ألا وهو كيف يمكن أن تحدث نقلة نوعية في وعي أهل الأرض، تخرجهم من الأنانية والنظرة القصيرة إلى الترابط الإنساني، والتعاون من أجل مستقبل الجميع، لأن الدمار لن يميز بين بلد غني متقدم، وبلد في سبيله إلى التقدم.   ومن المدهش حقا أن نعلم أن الدول الكبرى هي المسئول الأول عن الدمار البييئي الذي يحدث على مستوى العالي، وأنها هي ايضا التي تملك القدرات المعرفية على حماية البيئة، ولكن تقاعست دولة مثل الولايات المتحدة عن تنفيذ الكثير مما اتفق عليه الكبار في مؤتمرات عدة بدءا من مؤتمر ريو جانيرو 1992، ووصولا إلى مؤتمر طوكيو، مرورا بمعاهدات كثبرة.  لا يكفي اللوم ولكن الرجاء هو في إيحاد يقافة عالمية قادرة على تبني منظورا آخر. هذا هو الإسهام الذي تقدمه المبادرة العالمية النسائية للسلام،  والتي شرفت بدعوتها لحضور هذا اللقاء. 
وقد نشأت هذه الحركة منذ عشرة أعوام تماما، على الرغم من أنها  بدأت بمجموعة من النساء، ولكنها تضم رجالا أيضا،  وقناعتي تتفق مع الاتجاه العام لهذه الحركة، حيث أصبحت النساء رمزا للرحمة وروح الأمومة التي يفتقدها العالم اليوم. وهذا التجمع النسائي من مختلف أنحاء العالم من أجل السلام سينتج عنه بالضرورة تشجيعا لنفس الروح أن تنتشر. 
ومن أجمل ما يمكن أن نكتشفه في ثقافتنا وديننا أن النظرة إلى الطبيعة في الإسلام تتميز بالاحترام، بل إن القرآن قد جعل أعطي لكل الكائنات قدسية، حيث تحدث عن تسبيحهم لله سبحانه وتعالى، وشكرهم له، وتحدث عن الطيور وكل الكائنات الأخرى أنها "أمم" أمثالنا. سنشعر بالخجل من أنفسنا وقسوة قلوبنا عندما نقرأ عن كيف بشر الرسول إمرأة بالجنة لأنها قد أشفقت على قطة، وأعطتها لبنا تشربه.  سنقف في إجلال واحترام لتلك التعليمات الصارمة أنه لا يجوز لأي جيش يحارب أن يقطع شجرة أو يدمر الطبيعة  للبلاد التي يحاربها. يدهشنا قول رسول الله صلي الله عليه وسلم عندما  قال بكل قوة إذا قامت القيامة وكان بيد أحدكم فسيلة فليزرعها.  هكذا نرى أن ديننا العظيم – وكل الأديان -   قد احترمت الحياة في كل صورها. ولا شك أن هذا نتيجة طبيعية لأي قلب مؤمن.
إذن ما نحتاجه اليوم بالإضافة إلى العلم واسهاماته الرائعة، فإننا نحتاج إلى قلوب آمنة مطمئنة مؤمنة متواصلة بالمحبة مع كل البشر، ومع كل الوجود. ولكن كيف يحدث هذا ونحن على كل المستويات نتنتافس من أجل السلطة والحكم، سواء كان الحديث موجه على مستوى سياسات الدول الداخلية، كما يحدث الآن من قتل بشع للإنسان في سوريا، أو على مستوى سياسات الدول بعضها مع بعض، كما حدث عند غزو الولايات المتحدة وحلفائها للعراق، فقتلوا ودمروا الإنسان، كما لوثوا البيئة بدم بارد لا يعرف الرحمة.
ما يعطينا الأمل – ولا ييأس من رحمة الله إلا القوم الكافرون  - أن تلك التجمعات التي تنشأ تلقائيا على مستوى العالم وتدعو إلى المحبة والرحمة تتزايد، وعلى الرغم أننا قد لانكون شاعرين بوجودها الآن إلا أنه سيكون له أثر مفاجيء. ويحضرني هنا ماحدث في الربيع العربي، وخاصة في الثورة المصرية التي انفجرت بركانا ثائرا رائعا في اللحظة التي ظن جيلنا وكثير من الناس أن الشعب المصري قد تملكه اليأس، ونخر الفساد في عظامه. هناك وعي تحتي ينتشر في العالم يدعو إلى المحبة بين البشر، ويتخطي التعصبات الدينية، ويحاول أن ينبي أرضا مشتركة تجمعها  المباديء الإنسانية القائمة على التلاحم البشري، وإدراك أننا بعضنا من بعض، وأنه لا فرق بين إنسان وإنسان إلا بالعمل الصالح النافع الذي يشع خيرا للعالم أجمع.   أتمنى أن أعود بمزيد من الأمل من أجل العالم ومن أجل مصر.     

No comments:

Post a Comment