Tuesday, April 26, 2011

حتى لا يمارس التمييز تحت مقولة الحرية د.علياء رافع


أذكر في هذا المقال أكثر من موقف، أعتبره بمثابة أجراس إنذار لما يمكن أن يحدث إذا ما أسيء فهم معنى المناخ الحر، وأري أنه بجب وضع مرجعيات مبدئية واضحة يلتزم بها الجميع. ويتفق الجميع أن إحترام القانون هو أحد تلك المرجعيات الأساسية، ويجب أن تكون تلك القوانين إنعكاسا لما إتفق عليه في الدستور. وإذا كنا بصدد وضع دستور جديد، سيتمخض عنه باضرورة مراجعة القوانين الموجودة، وتعديلها إذا تطلب الأمر ذلك لتتناسب مع الدستور الجديد، وقد يتطلب الأمر كذلك إستحداث تشريعات جديدة.  ومن هنا فإنني أؤكد على أهمية المادة التي تؤكد على عدم التمييز بين المواطنين نتيجة للدين أو الجنس أو العرق.  ولا مناص من أن تتحول هذه المادة من إتفاق ورقي يكتب في الدستور إلى مبدأ أخلاقي ييتنشر ثقافيا بين المصريين. أقول قولي هذا ولقد لفت نظرى بعض الأحداث التي أريد أن أعرضها لتبين خطورة التمييز على مستقبل مصر.
أولا: ماحدث في قنا، فلقد كتبت الأقلام عن أحداث قنا، وتنباينت الأخبار ما بين من يقول أن إحتجاج أهل محافظة قنا على تعيين المحافظ يرجع إلى  تاريخه الأمني، وبين من يتحدث عن قبطيته. وإذا كان من حق كل المواطنين في ظل جو الحرية الذي نتطلع إلى تأكيده أن يتظاهروا سلميا معترضين على تاريخ هذه المحافظ أو ذاك، ولكن ليس من حقهم أن يعترضوا على دينه. ولقد أساءني أن أستمع إلى مداخلة من المتحدث بإسم السلفيين وهو يقول بكل صراحة أنه لا يعتبر المسيحيين اليوم مؤمنين، بل يعلن صراحة أنهم كفرة من وجهة نظر المسلمين، وذلك في برنامج من أكثر البرامج الحوارية مشاهدة لما يتمتع به مقدمه من درجة عالية من المهنية، وهو برنامج "آخر كلام". بل ويتحدث عن رأيه "الإسلامي" في عدم  جواز أن يأخذ القبطي أو المرأة مركز رئاسة الجمهورية.  وإذا بي أفاجأ عند مناقشتي لهذه القضية مع بعض المصريين  أنهم يدافعون عن هؤلاء الذي يفرقون بين المصريين، مدعين أن هذا هو جو الحرية الذي يبنغي أن نتقبل فيه الآراء المختلفة، وأن يعبر الناس عما يجيش في صدورهم.
وإذا كان حق الإختلاف حق من حقوق الإنسان، فإن حق الإختلاف الذي يسمح للبعض أن يستبعد أو يتهجم على عقائد الآخرين، أو ذلك الذي يبني على إختلاف العقيدة أوضاعا مدنية أو إجتماعية، فإن هذا الرأي يقع في تناقض مع حق الإختلاف، أي أنه ليس إنطلاقا من حق التعبيرعن الرأي أن يوضع تصنيفا مجحفا لأي من البشر. وإذا كان من حق كل إنسان على المستوى الفردي أن يتخذ موقفا من معتقدات الآخرين فيرفضها أو يقبلها، ولكن ليس من حقه أن يجعل رأيه حكما عاما، تبني عليه سياسات دولة. والأكثر خطورة أن يبنى هذا الموقف المتعصب على معتقدات دينية. ولأكون أكثر صراحة فإنه من الواضح أن النصوص الإسلامية قد أنكرت أي تجسيد لله في بشر، نزهت الله عن كل صورة أو شكل، وقد يكون هذا خطا فاصلا بين عقيدة المسلمين وبين عقيدة البعض من المسيحيين.  فليكن هناك إختلاف عقائدي جوهري بين كل من المسلمين والمسيحيين، ولكن لا يجب أن يترتب على هذا الإختلاف أي تفرقة في المعاملة بين الفريقيين، طالما أنهما يشتركان في وطن واحد. ولتحترم كل جماعة الحق الإنساني في أن يختار كل إنسان عقيدته. ولهذا فإننا لا يجب أن نتوقف عند ما حدث في قنا على أنه مشكلة تختص بهذه المحافظة فقط وطبيعتها القبلية وتركيبها الديموجرافي، ولكن علينا أن نقرأ منها  جانبها الديني أيضا، وما يمكن أن يحدث في المستقبل إذا تم تغذية هذا الإتجاه، وإذا ما سمح للبعض تحت مناخ الحرية أن يفرض عقيدته على الآخرين، بل يفرض قراءته للشريعة على النظام العام للدولة المدنية وقوانينها بما يفرق بين المواطنين ويمايز بينهم.
ثانيا: إتاحة الفرصة لمن ينكر مساواة المرأة بالرجل أن يأخذ أبواقا داخل الإعلام والجامعات، وأقول قولي هذا بمناسبة قراءتي لإعلان في كلية البنات عن ندوة تقوم بها شيخة إختارتها الطالبات لتقوم بنشر الفكر الأصوليى المتشدد داخل الكلية، وموضوع المحاضرة "الشريعة الإسلامية"، وعندما تحدثت مع المسئولة عن رعاية الشباب في الكلية، فقالت لي أن هذه السيدة ستتحدث عن "سماحة" الشريعة الإسلامية، وهو ما لم يكن واضحا في عنوان المحاضرة, وعلمت بعد ذلك أن داخل بيت الطالبات مجموعة تحاول أن تشيع الفكر المتشدد الذي يدعو الفتنيات إلى إرتداء النقاب، وأن هذه المحاضرة ممن يقتنعون بهذا الإتجاه.  وأيضا دارت بيني وبين المسئولة عن رعاية الشباب حديثا عن الحرية، وأكدت لي بصوت هاديء وقناعة واضحة أنه من حق الفتاة أن ترتدي ما تشاء نقاب أو غيره.  وعلى الرغم مما يبدو من هذه العبارة من أنها إحترام لحق التعبير،  ولكن هذه الرؤية تحمل  الكثير من المغالطات.   إضافة إلى الخطورة الأمنية لإنتشار هذا الزي، نجد أن النقاب في حد ذاته بما فيه من إخفاء لملامح المرأة الذي ترتديه، فإنه يلغي شخصيتها وتفردها الإنساني الذي هو حق لها كما هو حق عليها. ناهيك عما فيه من تناقض مع الفكر الإسلامي، وهو ما لن أتعرض له في هذا المقام.
يحمل هذا الزي  تمييزا اضحا ضد المرأة، بل ويؤكدها بما يحمله من أفكار عن "العورة" ، و"الفتنة" وغيرها من الأفكار المريضة، ويقلل أيضامن شأنها، بل ويهين إنسانية الإنسان، بإعتباره عبد لغزيزته. ليس هناك إختلاف بالطبع في ضرورة الإحتشام وإحترام المجتمع الذي نعيش، فيه للرجاء والنساء على حد سواء. نحن هنا تحت زعم الحرية، نتيح لأفكار التمييز ضد المرأة أن تنتشر.
ثالثا: أفزعني هذا الإحنتلاط في الخطاب بين حق المجتمع في محاكمة رموز الفساد في العهد البائد، وبين ما يقال أنه شعور بالشماتة.  أعتقد أنني وغيري من المصريين كنا نتمنى أن يحدث الإصلاح من داخل النظام، ولكن تبين لكل مصري أن المجتمع كان غارقا في فساد لا يمكن القضاء عليه إلا بالقضاء على النظام نفسه. هكذا كان فضل الله علينا بتفجير هذه الثورة، وإكتشفنا ضمن ما إكتشفنا أن مقعد الرئاسة أغلى على الرئيس المتخلي من حياة شباب عظيم، كان خطؤه الأعظم أنه رفض القمع والقهر، فأمرمبارك  بقتله دون أن تأخذه فيه شفقة أو رحمة. كل شهيد سالت دماؤه له حق علىنا جميعا.  وكان الرئيس السابق ينوي أن يلصق بهذا الشباب الطاهر المزيد من جرائم الشغب التي قام هو بإرتكابها، ويعاقبه عليها، وهذا هو التفسير الوحيد لتباطئه في إلقاء خطابه يوم 28 يناير، وعدم تقديم العزاء للشهداء يوم 1 فبراير.
كانت الثورة ومطالبها  بالنسبة له شغبا يجب أن يقضي عليه بكل الوسائل.  وفي سبيل التمسك بالحكم أغرق البلاد في فوضى كادت تقضي على إقتصادها وأمنها القومي. لم تكن مصر وشعبها أولوية في حسابات الرئيس السابق، ولكن كانت أسرته ومقعده أهم عنده من كل شيء. ولهذا ترك أعوانه يعيثون فسادا ليؤمن وجوده بينهم.  عندما سقطت الأقنغة، فإن ما قيل أنه إنجازات للنظام السابق، أصبحت ذرائع إستخدمها كي يبقي في السلطة. وكما قال لي أحد المتظاهرين من أساتذة الجامعة الذين إلتقيت بهم في الميدان وهو يبكي : "مصر تستحق أكثر من هذا بكثير، كيف تسبقنا كوريا وماليزيا وغيرها من الدول التي بدأت معنا حركات التحريروالإستقلال.. نحن المصريين قادرون على أن نجعل مصر دولة عظمى.. لماذا يمنعونا من العطاء لبلدنا".
 إن من قتل روح شعب، يستحق العقاب العادل دون شماته. أما عدم العدل معه ومع أعوانه جميعا فإنه يعني إستهتارا بأرواح أزهقت، ودماء سالت، وآمال تحطمت، وحياة بشر ضاعت، وفرص أهدرت. ألا يستحق هذا الوطن منا أن نحاسب من لم يحفظ الأمانة؟
المساواة والعدل ليست كلمات توضع في جمل مفيدة في دستور مكتوب، ولكنها قيم يجب أن نطبقها على كل المستويات، يكون التشريع وتطبيقه مؤكدا لها، وتكون ثقافتنا وسلوكنا واصفا لتطبيقها، وبدون المساواة والعدل تختلط الحقوق ونفقد القدرة على إستعادة مكانتنا التي نتسحقها. إذا قامت لمصر قائمة فإنها ستكون ملهما للعالم أجمع في طريقه نحو الحرية، تلك الحرية التي لا تقلل من قيمة الإنسان، ولا تعطي للبعض حق في إحتقار الآخرين، ولا تسمح بإختلاط العدل مع الإنتقام، وبين التهاون في الحقوق تحت التسامح. إنها الحرية التي تغذيها قيم أخلاقية إنسانية عاشتها مصر في تاريخها العظيم، وعلينا أن نعيد إستيعابها وتطبيقها.     

Thursday, April 21, 2011

عندما يساء إستخدام فكرة الديمقراطية د.علياء رافع


لقد ساءني كثيرا أن يربط إعلامي كبير مثل حمدي قنديل بين ممارسة الديمقراطية وبين الشخصيات التي تحتل مناصب قيادية في مراكز دولية، فلقد قال أنه نتيجة لأن  د. البرادعي والسيد عمرو موسى يشتركان في أنهما أدارا منظمات كبرى لوقت طويل فهو يخشى ألا يستطيع أي منهما أن يكون ديمقراطيا عندما يجيء إلى الحكم ، ويقول معللا ذلك لأنهما بحكم موقعهما القيادي لم يتعودا أن يتقبلا أي كلمة نقد أو رفض لما يقولا.    ساءني هذا القول أو هذا الإستنتاج لأنه غير قائم على ربط مقدمات بنتائجها. إن إستمرار كليهما في المناصب القيادية لفترة طويلة يعني أنهما أثبتا كفاءة ، كل في مؤسسته التي ترأسها. وهو يقيس على ما يحدث في مجتمع مثل مجتمعنا، حيث غابت آليات ووسائل المراقبة. أما عن المنظمات الدوية فإن الجميع يعلم ية لها نظام هيكلي وإداري متقن، ولا يمكن أن ينفرد فيه المدير بإتخاذ القرار على الإطلاق، بل يجب أن يبني أي قرار على دراسة مستفيضة يسهم فيها فريق العمل المشارك له، ولا بد من التداول معهم للنظرة إلى الأمر من مختلف الأوجه، ويتحمل نتائج القرارات الإستراتيجية المدعمة بالمعلومات الضرورية والأساسية.  مثل هذه القرارات لا تقوم على أراء، وإنما تقوم على معلومات وإستراتيجيات متفق عليها. ولهذا فإن د.البرادعي عندما نال جائزة نوبل للسلام، نالها بإعتباره جزء من منظمة دولية، ونالت هذه المنظمة معه هذه الجائزة.
ومن ناحية أخرى فلقد شهدت أيضا إجتماعا آخر، كان المتحدث فيه قيادة سياسية معروفة، أفصحت عن مقاطعتها لأحد الأحداث السياسية الهامة في ذلك الوقت، وعبرت تلك القيادة عن الأسباب في وضوح، ولكن كثير من الحاضرين كان لهم رأي مختلف، فأخذوا يبدون إعتراضاتهم على هذا القرار الخاص بهذه القيادة، وإقترح أحدهم أن يؤخذ تصويت في هذا الشأن، وما كان من هذه الشخصية  إلا أن قالت بهدوء وبحسم أن هذا القرار نابع من موقف أخلاقي غير قابل للمناقشة.  كان الإقتراح بالتصويب غريبا للغاية، إذ أن  من حق المستمعين أن يعرفوا السبب في  إتخاذ هذا القرار، وقد يختلفوا أو يتفقوا معه، ولكن ليس من حقهم أن يضغطوا عليه  لتوجيهه تبعا لرغبتهم ، خاصة وأن هذا القرار يتعلق بمبدأ أخلاقي طرحه بوضوح.  وقال البعض أنهم بهذاالشكل يمارسون حقهم الديمقراطي.
أذهلني أن يحدث هذا بين مثقفين ونخبة من المجتمع المصري، وأساءني أيضا هذا الموقف مثلما أساءني ما قاله الإعلامي حمدي قنديل،  ذلك أن الديمقراطية أصبحت كلمة تطلق على أي ممارسة ضغط عن طريق أغلبية أو حتي أقلية تستميل عددا من الناس من أجل أهداف ما، قد لاتكون في صالح المجتمع الذي تنتمي إليه. هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن ليس كل قرار، أو موضوع قابل لأن يؤخذ فيه تصويت الأغلبية. على سبيل المثال القرارات الإستراتبيجة لا تؤخذ إلى بناء على دراسات وتحليلات علمية، وتلك الدراسات هي التي تقيد القيادة التي قد تكون فردا أو عددا من الأفراد في إتخاذها قرار ما من القرارات.  
وعندما ننتقل من هذه المواقف الفردية إلى المجتمع، فإن هذه الكلمة نستخدم كثيرا لتعبر عن رغبتنا في أن يكون الشعب هو مصدر السلطات، وأن إرادته يجب أن تحترم. وفي سبيل هذا الهدف فهناك الكثير من النظم السياسية التى تهدف إلى الوصول إلى  هذا الغرض، والتعبير في أغلب هذه النظم يعتمد على ممثلين للشعب، يضمهم المجلس أو المجالس البرلمانية. ولكن كيفية عمل هذه المجالس النيابية، ونوعها وعددها وطريقة ترشيح أفرادها تتنوع من بلد إلى آخر. ولكن أهم ما في الأمر هو أن يجيء هذا المجلس البرلماني ليكون معبرا بالفعل عن كل أطياف الشعب وطبقاته. أما إذا كان هذا المجلس هو نتاج لقدرات المرشحين المالية في تقديم رشاوي في صورة خدمات خاصة، أو جوائز عينية، أو عملة نقدية، فإن نجاح هؤلاء المرشحين لن يكون معبرا عن إرادة الشعب. وبالتالي فإنه في مثل هذا المجتمع لن تكون هناك ممارسة للديمقراطية، على الرغم من أن هناك مجلسا نيابيا. ولذا فإن إقامة ديمقراطية يتطلب منظومة أخرى من التنظيم، حيث لا بد أن يتوافر الوعي السياسي، وأن يكون هناك مناخ حر، وشفافية، ونتيجة حقيقية للتصويت وليس نتائج مزورة
لقد إنتهكت الديمقراطية كثيرا في بلدنا، ولم تكن المجالس النيابية منذ قيام ثورة 1952 وإلى رحيل مبارك معبرة عن الشعب، وممثلة له، ولكنها كانت تمثيلية هزلية تحتفظ بالشكل الديمقراطي، بينما الحقيقة أنها تخلو من أي مضمون أو فاعلية. وإذا نظرنا إلى مجتمعنا الآن، فإنه على الرغم من تغير المناخ في المجتمع، والإقبال الهائل على المشاركة السياسية، إلا أن هذا لايعني أن أي تصويت سيكون معبرا عن الإرادة الشعبية.  ولكن البديل هو خروج الناس في مظاهرات مليونية مطالبين بإستكمال مسيرة الثوة. تلك المظاهرات المليونية المتوالية، تشيرإلى أن الشعب فرض إرادته، وأن مصر تشهد الآن مشهدا رائعا من الحرية والديمقراطية، خاصة وأن المطالب في هذه التجمع المليوني لا ينحرق قيد أنمله عن المطالب التي أعلنتها الثورة منذ بدايتها. ولكن ليس من المعقول أو المقبول أن تكون هذه هي الطريقة الوحيدة التي يعبر بها الشعب عن نفسه، من المنتظر أن يتم تكوين مجالس نيابية يفترض أن تكون ممثلة للشعب.
وتبدو الخطورة  في الكيفية التي ستدار بها العملية الإنتخابية لتكوين المجالس النيابية القادمة ، فهل ستكون تلك المجالس معبرة فعلا عن الشعب، أم ستكون في يد المجموعة الأكثر تنظيما، والقادرة على شراء أصوات الناخيبن. إن ما حدث في الإستفتاء على التعديلات الدستورية قد أشار إلى أنه من خلال ممارسة الديمقراطية، إستغل البعض البسطاء، وزيف البعض وعيهم عندما ربطوا بين التصويب بالموافقة وبين الدين، وإستهتروا بهم عندما كانوا يوزعون عليهم بعض المواد التموينية، أو الأموال النقدية. وغلى الرغم من الإقبال الشديد، والشفافية المقبولة نسبيا أثناء الإستفتاء وبعده، إلا أن النتيجة جاءت غير معبرة عن الشعب، لأن ذلك الشعب الذي ذهب إلى الإنتخاب لم يكن لديه فكرة أو قدرة على الإحاطة بكل مادة من المواد المعدلة وأهميتها على مستقبل مصر.
إننا مقبلون على مرحلة هامة، وأعتقد أن كل موطن يتمنى أن تأخذ الأحزاب الناشئة والمعبرة عن الثورة وضعها في المجتمع، وتكون قادرة على تكوين القاعدة الشعبية المؤيدة لها والمعبرة عنها. الوقت يبدو قصيرا للغاية، فإذاجاء مجلس شعب غير معبر عن إرادة الشعب، نتيجة للمارسات غير الشريفة، أو قصور الأحزاب الناشئة عن توصيل فكرها إلى الشعب المصري، فإن تكوين برلمان مصري لن يعني أن هناك ديمقراطية، ولابد أن تقوم كيانات أخرى تعبر عن الشعب، وتضغط بنفس الطريقة المعهودة على سياسات الحكومة.  أقول إن مايبدو "ديمقراطيا" قد يكون أكثر الممارسات بعدا عن الديمقراطية، وهكذا يساء إستخدام الديمقراطية.

Tuesday, April 19, 2011

الفكر السلفي وتحديات المستقبل د. علياء رافع

ظهرت السلفية بقوة بعد ثورة 25 يناير، كما يظهر المارد بعد سجن طويل، وكان الرأي العام قد إختزل الإسلاميين السياسيين في حركة الإخوان المسلمين، وتجاهل كل الجماعات والتجمعات والأفكار الأخرى. كنت على علم أن السلفية منهج في الفكر الإسلامي، ولكن لا يوجد له جماعات منظمة تنشر هذا الفكر إلى أن جاءت باحثة تدرس الماجستير معي  بإعتباري المشرفة الأكاديمية، وتقص على ما يقوم به السلفيون في قريتها ويقنوعهن أن الدعوة إلى الإسلام هي من صميم مهماتهن الأولى، وأن دراسة الشريعة هو العلم الوحيد النافع، وقالت الباحثة أنهم لا يوافقوا الإخوان المسلمين في إتجاههم السياسي، لأنهم يركزون فقط على الجانب الدعوي. أدركت إذن أن السلفيين حركة منظمة دينية تستهدف نشر منهج إسلامي، ولكنها لا تزج بنفسها في معترك الحياة السياسة.  ومع ذلك فإن إنتشار هذا الإتجاه سيؤثر مما لا شك فيه على مسيرة المجتمع، وبالتالي على الحياة السياسية أيضا. ودار في مخيلتي مجتمع طالبان، حيث تم حرمان المرأة من كل أدوارها خارج المنزل، وأصبحت الطبيبات والمعلمات والمنهدسات، وكل المتعلمات حبيسات في بيوتهن. ويترتب على هذا الفكر إنسحاب الإنسان من العصر الذي نعيش فيه، إلى عصور سابقة، فتتوقف الحياة ويتوقف التقدم.  ويكفي أن نلقي نظرة إلى أفغانستان التي هدمت التراث الإنساني للمعابد البوذية، وكيف أرجعت حركة طالبان السلفية أفغانستان إلى مئات السنين من الوراء. ومهما قال بعض شيوخهم غير ذلك، فيكفي أن ننظر إلى زيهم الغريب، وتناقض أفكارهم.
وفي زخم الأحداث التي نمر بها، والتي أفرزت كل غريب وعجيب بحق،  يهل علينا عبود الزمر في الكثير من برامج الحوار ومع أشهر المذيعين، متحدثا بكل ثقة عن إستباحة الدماء إسترشادا برأي العلماء، ومتنجاهلا دور الدولة تماما في القصاص.  ثم نجد الشيخ محمد حسنين يعقوب يطل علينا في أكثر البرامج مشاهدة، ويتحدث عن غزوة الصناديق بعد الإستفتاء على التعديلات الدستوري، وأعقب حديثه بتكبيرات العيد، وكأن السلفيون قد حققوا إنتصارا دينيا حربيا. ثم بعد ذلك يقول أنه كان يمزح، ولكنه لم يكن يمزح بالتأكيد عندما قال أن من لا يرضى بالمادة الثانية من الدستور فليرحل، ثم بعد ذلك نستمع إلى تهديد السلفيين بهدم الأضرحة الموجودة بالقاهرة، والتعرض للسيدات غير المتحجبات.  ونقرأ بعد ذلك في المانشيت الرئيسي لأحد الجرائد القومية فطع أذن لأحد المسحييين على يد هؤلاء السلفيين، وهكذا نفاجأ كل يوم بخبر عن السلفيين، وهي أخبار مقلقة بلا أدنى شك. والأخطر منها أنهم قد قرروا أن يكونوا حزبا ويدخلون في السباق السياسي.
ولا بد أن يتساءل المرء عن حجم هؤلاء السلفيين في المجتمع المصري؟ ولماذا ظهروا بهذه الكثافة في وسائل الإعلام في هذا الوقت؟ وإلى أين ستسير مصر إذا ما أصبح هؤلاء جزءا من نظام الدولة القادم؟ ولماذا هذا التناقض بين ما نسمعه عنهم وبين المتحدثين من شيوخهم مثل محمد حسان، وأسامة القوصي؟ ولماذا تغيرت إتجاهاتهم وأخذوا يصرحون أنهم سيشتركون في الإنتخابات الجديدة؟ من الممكن محاولة الإجابة عن بعض هذه الأسئلة، ولكن ستظل أسئلة أخرى تتنظر الإجابة مع الأحداث القادمة.
أولا: ليس مقبولا أن يفرد الإعلام المصري ساعات للحديث مع عبود الزمر وكأنه بطل قومي، إلا إذا كان الهدف هو إفزاع الرأي العام بوجود مثل هؤلاء المتطرفين الذين لم يكن من الممكن أن يكون لهم مثل هذا الظهور في عهد مبارك، وهو ما يدفع بالمواطن العادي البسيط إلى الخوف من الثورة وما تطرحه من بدائل في ظل فوضي تحت إدعاء الحرية، وبهذا يحدث إنقسام في الأراء على قيمة الثورة وما أتت به من إيجابيات، ولاشك أن المستفيد من هذا الإنقسام هو الثورة المضادة التي لا تألو جهدا في محاربة تحقيق مطالب ثورة 25 يناير.
ثانيا: إظهار وجود هؤلاء السلفييين، وحديثهم عن المسيحييين في مصر أنهم "أهل ذمة"،  يمثل تهديدا لوحدة الأمة، ويرعب المصريين المسيحيين، وهو ما يولد إحتقانا لا مبرر له بين المسلمين والمسيحيين. وهذا أيضا يسير مع الخط الذي كان ينتهجه نظام مبارك، من خلق إنقسام حتي يستمر المبرر لوجوده. يمكن القول أن التركيز على وجود السلفيين في المجتمع يدعم إنتشارهم لخدمة الشعور بعدم الأمان الذي ظهر مع إنسحاب الأمن، وإستمر في تهديدنا بأننا سنواجه نقصا في المؤن، وأن إقتصادنا سينهار، وأن البورصة ستسقط، وأن الفوضى ستعم. وينضم إلى هذه القائمة التهديد بمجيء السلفيين في المشهد السياسي، حتي يزداد الفزع، وتصمت الأصوات، وتمتنع المظاهرات، ونعود إلى من يحكموننا مسلمين لهم كل أمورنا، كما كان عهدنا طوال ثلاثين عاما. ويعود النظام القديم تدريحيا في هيئة جديدة من أشخاض جدد، ليهزم الأمل والحلم الذي جاءت به الثورة.
إذا تركنا طرح دور الثورة المضادة  جانبا،  تظل الإجابة على الأسئلة التي سبق طرحها هي مجرد أفتراضات في حاجة إلى مزيد من التمحيض، ذلك أن تغير الإتجاه السلفي الذي كان يكتفي بدوره الدعوي إلى إتجاه سياسي يريد أن يقتحم الحلبة التنافسية بين الأحزاب أمر يجب دراسته وتدبره جيدا، ذلك أنه سبفرض تأويلا للنصوص الإسلامية قد يتناقض جذريا مع الدولة المدنية التي هي أساس المجتمع المصري، ولا يمكن التخلي عنها، ولقد أفصح الشيخ محمد حسان عن تلك الرؤية في حديثه مع عمرو الليثي في برنامج واحد من الناس، قائلا أن الحاكمية لله، مفترضا أن الشريعة واضحة بذاتها، ومعتمدا على إجماع الفقهاء السابقين الذي كانوا يعيشون عصرا غير عصرنا، وجازما بأنه يرفض أن يترشح لرئاسة الجمهورية قبطي، أو مرأة، وهو ما يضر بشدة بمبدأ المواطنة والمساواة.  وعلى فرض أن ولاية القبطي والمرأة ليست مطروحة على أرض الواقع في هذا الوقت، ولكن الجزم بعدم إمكانيتها، يعطينا مؤشرا على طريقة تفكير قد تدفعنا دفعا إلى ما لا يحمد عقباه. وإذا أضفنا إلى هذا أن رأي من يقال عنهم أنهم معتدلون لا يمثل بالنسبة لعامة السلفيين الرؤية التي يرتضونها لتنظيم المجتمع، فإننا سنجد أنفسنا أمام نظام قامع للحرية ، تحت إسم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، منعزل ومغلق عن حركة العالم، تحت زعم الحفاظ على الهوية الإسلامية، وهذا من شأنه أن يحدث فتنة أو فتن،  إذ لا يوجد إختلاف على أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يوجد إختلاف أيضا على أهمية الحفاظ على الهوية، ولكن عند محاولة السلفيين تأكيد مثل هذه المباديء سينقلب الحال إلى فرض رأيهم ورؤيتهم على المجتمع كله. وهذا نموذج متكرر حدث في الدول التي أعلنت أن الشريعة هي المرحعية الرئيسية لنظام الحكم فيها، مثل السعودية، وإيران.  نجد أن المرأة ما زالت ترزخ في قيود لا تجد منها فكاكا، وتتنافي مع أبسط الحقوق، مثل عدم السماح لها بقيادة سيارتها الخاصة، وإستبعادها من بعض المهن. بالإضافة إلى ما يمارسة المطوف من سلوكيات تتنافي مع روح الإسلام والإيمان، إذ يسمح له القانون بالضرب لمن يتخلف عن الصلاة في ميقاتها، والصلاة في المقام الأول عبادة يتشوق إليها المؤمن، وإختيار خاص يجب أن يحترم. ونجد هذا التعنت في إرتداء الشادور بالنسبة للنساء في إيران أو النقاب بالنسبة للسعودية تدخل في إختيارات المرأة  وكسر لإجتهادها في التقوى الذي يحب أن يكون أمرا ذاتيا وشخصيا، وليس أمرا إجتماعيا قانونيا. هذا قليل من كثير من التجارب التي تدعي أنها تتخذ الشريعة مصدرا لنظامها التشريعي والإجتماعي. ولذا فإن تلك الأحزاب التي تقول أنها أحزاب مدنية ذات مرجعية دينية، ستعمل على فرض مفهومها في تطبيق الشريعة، ولذا فلا بد أن نتمسك بنص "تطبيق مباديء الشريعة" ، وليس القول "بتطبيق الشريعة"  فالعبارة الأولى تؤكيد على المقاصد الكلية التي هي أرض مشتركة بين الإسلام وبين الثقافة الإنسانية عامة وهي العدل والمساواة والحرية والشفافية وغيرها من المباديء. والعبارة الثانية تفترض أن الشريعة أمر معلوم بذاته ولا يتطلب تأويلا أو إجتهادا في التطبيق. وبينما تفتح العبارة الأولى المجال للإجتهاد والإستفادة من التجارب الإنسانية، تغلق العبارة الثانية القدرة على تقديم بدائل عند التطبيق.
إذا كان تواجد هذا الفكر السلفي واقعا نعيشه، فلا ينبغي أن يكون القهر أو القمع هو الوسيلة للتخلص منه، بل لا بد من تعليم يقوم على التدريب على الفكر النقدي الإبداعي، وأن يترك المفكرون الدارسون للحضارة والفكر الإسلامي من كافة جوانبه ليعبروا عن رؤاهم المنبثقة من رؤية الإسلام ليس بإعتباره مجموعة من الأشكال الجامدة، ولكن من حيث هو مصدر فياض لقيم ومباديء تشجع على التطور والتقدم في كل ميادين الحياة. 

Tuesday, April 5, 2011

البرادعي ومستقبل وطن د. علياء رافع


تمر مصر بفترة تاريخية حرجة للغاية، فها هي الثورة قد قامت وأزاحت رأس نظام لم يكن من السهل التخلص منه، بل إن أكثر الناس تفاؤلا لم يكونوا قادرين على تصور إمكانية حدوث هذا الحلم. كان وراء هذا الحلم رجل إستطاع أن يرفع صوته ويبلور رؤية لمستقبل مصر. حقا سبقه كثيرون ممن وقفوا وقالو "كفاية"، وشباب إستطاع أن يتحدى، ولكنه كان وحيدا في معركته، وواجه ما واجه من قمع وإعتقال، وأقلام حرة كانت تكتب، ولكن لا أحد يستمع لها، ولكن جاء البرادعي ليطرح رؤية التغيير، وتجمع حوله الكثيرون، قد تكون غالبيتهم من الشباب، ولكن أيضا كان هناك من الناضجين والمفكرين والإعلاميين والأكاديميين وغيرهم. وكلنا يعرف ما حدث بعد ذلك.. نتذكر 25 يناير، حيث تآلف الشباب من كل الإتجاها، وأصبحت مطالب البرادعي أهدافا، إلتقي حولها المختلفون حزبيا وأيديولوجيا ودينيا. إنطلقت هذه الشرارة التي كان الشعب مهيئا لها، وهب الشعب كله هبة واحدة.سقط شهداء، ووقع جرحى، وفي سبيل الحرية هان كل غال, ولكن هل سنستكمل المسيرة لنحقق كل الأحلام.
كلما مر الوقت إزدادت الحيرة من الخطوات البطيئة التي نسير بها نحو تحقيق أهداف هذه الثورة التي بدت سهلة وبسيطة، وأصبح هناك يقين أن هناك قوة مضادة، وأن هذه القوة ليس لها مركز واحد، فهي تنطلق من إتجاهات كثيرة، ولكن يجمعها تخوف من هذا الرجل الذي يتحدث بهدوء ولكن بإصرار، والذي يشغل مستقبل مصر كل تفكيره، دون أن يكون هناك أدنى رغبة في أن تكون السلطة في يده. وهذا ما لا يفهمه الكثيرون فهو يتخذ من الرئاسة وسيلة وليس غاية. غيره يزعم أن القدرة في يده، والبرادعي يرى أن القدرة والقوة في يد الشعب، وأنه يقدم الرؤية والبرنامج، ولكن يشارك الشعب في الوصول إلى الأهداف.
ولأنه نادرا ما تجتمع الأخلاق مع السياسة، فإنني أعتبر أن هذا الرجل سيكون علامة في تاريخ مصر، ويجعل بلدنا مؤثرة بعد ذلك في العالم كله. ولكن حتى يحدث ذلك فلا بد من التخلص من التشويه الذي نتج من تلك الحملة الشرسة التي بدأت في عصر مبارك، والتي مازالت مستمرة بشكل أو آخر. فهل يعقل أن أحدا بوزن هذا الرجل لا يتم التحقيق الرسمي في الإعتداء الذي حدث عليه يوم الإستقتاء، بل والأكثر من ذلك أن تنشر الأهرام أن من هاجمه أناس عاديين لا يرغبون في أن يكون رئيسا. لماذا لا يستهجنون هذا العنف؟  ولماذا تنشر الجرائد أكاذيب عن محاولة د. البرادعي تخطي الصف، وهو ما حدث عكسه تماما؟ إن ما حدث يدل على قوة هذا الرجل، وإدراك الثورة المضادة أنه خطر عليها، لأنه لا يرضى بأنصاف الحلول، ولأنه سيتغلب على أي فساد في طريقه، ولن يجد معه المنافقون سبيلا.
إنتصارا لمواقفه المتوافقة مع مبادئه، رفض د. البرادعي الدخول في حوار وطني غير حقيقي، وقد أصدر بيانا في هذا الصدد، ولقد كان محقا تماما، خاصة وقد رأينا مهزلة الحوار الوطني التي تحدث فيها د. يحيى الجمل بأجندة مسبقة، بدى فيها وبقوة أنه قد جمع مواضيع بصورة عشوائية، وأخذ يفندها واحدة بعد الأخرى، ويرد عليها.  وأظهر المستشار هشام البسطاويسى تعجبه وألقى تساؤلاته الكثيرة التي تعبر عن عدم فهمه لما يحدث تماما، وما الهدف من هذا الإجتماع، وعلقت المستشارة تهاني الجبالي في نقد واضح لما يحدث ولكن بأدب جم أيضا. وغاب الشباب، لإدراكهم أننا عدنا مرة أخرى إلى تمثيليات الحوار، وليس جدية التفاعل بين أطراف القوى الوطني. ومن المثير للضحك والبكاء في الآن الواحد أن الحزب الوطني الذي أفسد الحياة السياسية تماما خلال ثلاثين عاما، أخذ مقعدا على مائدة الحوار. ألا يكفي أن هذا الحزب لم يحل بعد؟ هل يمكن أن يمارس أعضاء هذا الحزب دورا سياسيا في هذا الوقت، والثورة مازالت بعد لم تحقق أهدافها؟
كانت مظاهرة التحرير في 1 إبريل دليلا على أن هذا الشعب لم يمت، وأن الثورة حية، وأن القوة مازالت في يد الشعب، ويعود هذا في أحد أسبابه إلى الوعي الشعبي الذي جاء مع الثورة والذي جعل المصرييين مصممين على الحرية، ومازالوا مستعدين للتضحية بحياتهم من أجل كرامتهم الإنسانية، ولم يعد من السهولة خداعهم، ولهذا كانت المطالبة بتصفية رموز الفساد التي مازالت تقوم بألعابها القذرة دفاعا عن مصالحها مطلبا رئيسيا.
إن المرلحة القادمة مرحلة حاسمة وعلى قدر كبير من الأهمية، أولا إذا سرنا نحو الإنتخابات البرلمانية في الموعد المحدد، فهناك مسئولية تقع على عاتق كل مصري في أن يتريث قبل إختيار ممثله في البرلمان، وأن تصبح المعايير مختلفة عن ذي قبل. ولهذا فإن الإنتخاب بالقائمة يجب أن يكون بديلا عن الإنتخابات الفردية. ولكن قبل هذا وبعد هذا فإن التوعية السياسية أصبحت واجب كل مواطن يدرك معنى الثورة في محيط علاقاته الإجتماعية والمهنية، وهي توعية لها طابع مختلف تماما،  إنها تقوم على إحترام إرادة كل إنسان مهما كانت درجة تعليمه، ولكنها في نفس الوقت توضح له المرجعية التي يقيس عليها اختياراته. وهي توعية من أجل التغلب على مهزلة الإستفتاء الذي أستخدم فيه الدين بطريقة فجة في التأثير على البسطاء.
وعندما نحاول أن نضع مرجعية أخلاقية لإختيارات لرئيس جمهورية سنجد أن البرادعي هو المرشح الوحيد الذي تنطبق عليه كل المعايير السياسية والأخلاقية، فهو الذي بلور مطالب الثورة بصورة واضحة ولم يغير مواقفه في أي لحظة، وهو الذي وقف ضد مطالب التوريث في عهد الرئيس السابق، بل وطالبه بألا يترشح مرة أخرى، وكان إصراره على تغيير الدستور واضحا. بدا هذا للكثيرين بعدا عن الواقعية، ولكن إنطلاقا من رؤيته الواضحة ومبادئه التي لا تتغير، لم يتنازل قيد أنملة عن هذاا لمطلب. إنه الشجاع الذي وقف ضد غزو أمريكا للعراق، مصرا على أن العراق خالية من أسلحة الدمار الشامل. وهناك كثير من المواقف الدولية التي لا يعلمها الكثيرون، نتيجة للتشويه الإعلامي الشرس.
وإذا عدنا إلى فلسفته السياسية، نجد أنه قد بنى رؤية إنطلاقا من ثقة في الشعب المصري، أنه هو القادر على تحدي كل الصعوبات التي أمامه، فهو يبني رؤيته ليس على التسلط والإدعاء بأنه سيقوم بكل شيء، وإنما يقيم رؤيته على التمكين الذي سيجعل التسابق على الخيرات، وليس التسابق على السلطة هو الذي يدفع بهذها المجتمع إلى الأمام. كما أن إنحيازه إلى الفقراء ووضع الشرائح المهمشة في أولويات إهتمامه ليست كلمات يتاجر بها، ولكنها واقع سيبني سياسته عليها. هذا بالإضافة إلى أن إنسانية الإنسان بالنسبة للدكتور البرادعي هي في أولويات إهتمامه، ولهذا فإن التعليم يسير جنبا مع جنب في برنامجه السياسي، بدون علم لن يكون هناك تنمية وتقدم، وقدرة على التمييز بين الغث والخبيث. نحن في حاجة إلى هذا الرجل من أجل مستقبل مصر.