Tuesday, November 29, 2011

مع خالص الشكر والتقدير د. علياء رافع

مع هذا العدد من الشهداء والجرحي بدءا من يوم السبت الماضي، فقد المجلس العسكري شرعيته في الحكم، ولا يمكن أن توضع المسئولية كاملة على وزارة الداخلية، أو على رئيس الوزارة، لأن الوزارة بأكملها تخضع للمجلس العسكري بإعتباره رئيس للجمهورية في هذه الفترة الحرجة. من الأفضل للمجلس العسكري أن يسرع اليوم قبل الغد في تسليم السلطة إلى حكومة أو مجلس وطني مدني يتولي مهام رئاسة الجمهورية، ويعود مع خالص الشكر والتقدير إلى ممارسة مهمته الرئيسية في حماية أمن الوطن. لا عتاب ولا حساب إذا حدث هذا اليوم، أما إذا تباطأ فإن الدم الذي سال، والعيون التي اقتلعت والعاهات المستديمة التي أحدثها الاعتداء الغاشم لقوات الشرطة ستظل سدا منيعا بين أي كلمة يقولها أي فرد من أفراد المجلس العسكري، مهما كانت بليغة، وبين أي مبادرة مهما كانت فاعلة وبين الجماهير العريضة. لقد قطع هذا المجلس خيط الثقة بينه وبين الشعب، وستكون النتيجة وخيمة إذا ما أصر على الاستمرار. لا نريد بأي حال أن نكون ليبيا أو سوريا، كل مصري غيور على هذا البلد يريد أن تكون مصر آمنة سالمة، وجيشها عزيز مهيب، وقيادته لا يمسها تهوين أو تقليل من الشأن. نريد للمجلس العسكري أن يستعيد قليلا مما فقده من الثقة. وعندما يترك مهام الحكم اليوم، سيكون له كل التقدير. أما إذا أصر على الاستمرار، فإن مزيدا من المقاومة سيعصف بكل الأجواء وبكل محاولات الإصلاح. وأخشى ما أخشاه أن يزداد العنف. وليكن واضحا أنه من الصعب أن تتطلب من البشر ألا يكون بشرا.
إن ذلك الأب أو الأم، الأخ أو الأخت، الصديقة أو الصديقة الذين فقدوا عزيزا لديهم لن يستطيعوا أن ينتظروا يوما واحدا جديدا دون معاقبة فورية لمن قام بقتل أحبائهم. وإن كل مصري رأي ذلك الضابط الذي رمي جثة أحد الشهداء في مقلب الزبالة، لن يستطيع أن ينتظر ساعة واحدة أخرى دون أن يرى عقابا رادعا لهذا الشخص الذي لم يراع حرمة الموت، وقداسة الإنسان لمصري مثله. بل إننا بأخلاقنا المصرية ننأى أن نقوم بهذا مع الأعداء، فكيف يجرؤ هذا الضابط على مثل هذا الفعل. ما الذي يتوقعه المجلس العسكري من مثل هؤلاء؟ لن يهدأ لهم بال إلا إذا رجع اللواءات المحترمون إلى واجبهم القومي الطبيعي، وتركوا الأمر كله لمدنيين، واكتفوا بهذا القدر من تلك المهمة الثقيلة التي لم ينجحوا في القيام بها تبعا لم توقعته منهم الجماهير العريضة، ليتركوا الحكم لمدنيين يمكن محاسبتهم ونقدهم، ولكن اللواءات المحترمون يرأسهم المشير، تصعب الصراحة معهم، ويصعب توجيه اللوم إليهم، إذ أنهم رموز للجيش ولا ينفصلون عنه، وإزدواجية المهام لن تسير بنا إلى الطريق المنشود الذي سالت من أجله الدماء وأزهقت في سبيله أرواح. هل نسكت مرة أخرى على ظلم، وكأن من ينتقد المجلس يسيء إلى الجيش كله، كما كان يقال أن من ينتقد الرئيس يسيء إلى مصر؟ هل يسكت الشعب على قهر وإخماد للصوت مرة أخرى مهما حسنت النوايا؟
 ليعلم المجلس العسكري أن الشعب لن يصدق أن العدالة ستأخذ مجراها، وقد تعاملت الشرطة مع  المصابين في ثورة يناير وكأنهم بلطجية ، وأدعياء، وبلغ العنف من الشرطة إلى حد يفوق التصور في التهجم عليهم. هذا في الوقت الذي  مضى عشرة شهور، لم يصدر فيها حكم ضد وزير الداخلية السابق، وذلك تحت زعم نزاهة القضاء وضرورة العدالة، بينما شاب وطني  مثل علاء عبد الفتاح، على خلق ومن أسرة وطنية، يتهم إتهامات لا يرقي شك أي إنسان أنها باطلة. بيما يتم القبض على الشباب بعشوائية بالغة، لترهيب الآخرين من الإقدام على التعبير عن آرائهم.
لن يصدق الناس أن ما يوعدون به سيتحقق، وقد توقفت محاكمات الرئيس المخلوع أو المتخلي، ويعيش أبناؤه وحاشيته في سجن طرة، متمتعين بكل وسائل الرفاهية والعناية، في الوقت الذي يحبس فيه أبناؤنا في سجون عسكرية، لا يعلم إلا الله وحده كيف يعاملون، وماذا يأكلون. وقد سقطت عنهم كل الحقوق في الدفاع عن أنفسهم، أو النقض في الأحكام التي صدرت ضدهم.
لن يصدق الناس أن الأمن سيعود، وأن هيكلة الشرطة ستتم، وقد صبروا عشرة أشهر، ليجدوا في النهاية أن شهداء يسقطون ضحية لشهوة الانتقام من جانب الشرطة، التي لم تتوان عن إطلاق الرصاص المطاطي والحي على المتظاهرين في وحشية بالغة فتقتل من تقتل، وتقتلع العيون في مهارة بالغة، وفي تسابق وتشجيع وتهليل وهو ما أوضحته صور الفيديو التي تم التقاطها.
لن يصدق الناس أن المجلس العسكري حريص على حقوق الإنسان، وهو يري بوضوح فتاة يتم سحلها في الشارع وضربها بالعصي على مرأي ومسمع من الجميع، وعندما تقع الصحفية الشابة صغير السن منى الطحاوي في أيديهم، ويأخذون في ضربها حتي يكسر رسغها ويدها، ويزيدون من التحقير من شأنها بالعبارات البذيئة والتحرش بها، وهي بين يديهم لا حول لها ولا قوة.
لن يصدق الناس ما يقوله المجلس العسكري مؤكدين إدعاءات وزير الداخلية أنه لم يتم ضرب خرطوشة واحدة أو رصاص على المتظاهرين، بينما يقع عشرات القتلى أمامهم بهذا الرصاص. ويدين إدعاء الوزير بوجود قوى خفية تعمل على الوقيعة بين الجيش والشعب مزيدا من عدم الثقة. يصبح نفي استخدام أسلحة نارية ضد المتظاهرين أقبح من الفعل نفسه. إذ أن تواجد هذه القوى في كل مذبحة تقوم بها الشرطة المدنية والعسكرية وإستمرارها في العمل لمدة تزيد على العشرة أشهر، يعني أننا أمام شرطة ضعيفة غير قادرة على التعرف على هذه القوى الخفية. إذا صدق هذا، فنحن حقا في مأزق أمني داخلي وقومي. أليس هذا مدعاة للمحاسبة.
وكما هو الشأن أثناء وبعد قيام ثورة 25 يناير، فإن الأقنعة أخذت تقع ويظهر الأشخاص على حقيقتهم الصادمة. كم من  قلم ظننا أنه نزيه وعظيم، إذا به يسقط ويفقد الإحترام، وأخذ الفرز في التصاعد، إلى أن ظهرت معادن الناس النفيسة، وغيرتها على البلد وعلى الثورة. وعند نجاح الثورة غير الكثيرون جلدهم وتلونوا بلون جديد، وأخذوا يعللون ويفسرون مواقفهم السابقة، ويتحدثون عن الثورة المجيدة والشباب البطل. ذلك الشباب الذي اتهموه من قبل بالعمالة وبتنفيذ مخطط أجنبي. ولقد وضع الإخوان المسلمون أنفسهم في موقف حرج للغاية، عندما قاموا بمليونية لا ضرورة لها، وفي نفس الوقت امتنعوا عن تأييد الشعب في مليونية لا بد منها. ولم يكتفوا بهذا بل حاولوا أن يقوموا في نفس الوقت بدعوة إلى تحرير الأقصى، وهذا لاضعاف مليونية التحرير، وتشتيت الانتباه. إذا لم يكن هذا من أجل مكاسب سياسية، فلماذا إذن؟
ما أشبه الليلة بالبارحة، لا أكاد أن أصدق أذني وأنا أسمع نفس الاتهامات، نفس الصوت العالي، وكأن الصريخ هو الذي يثبت ويؤكد الوطنية: "التحرير ليس كل المواطنين"، "الشباب الخائن الذي يتقاضى أموالا من الخارج"، "سيضيع الوطن نتيجة لهذه المطالب الحمقاء"، "هناك أجندة أمريكية لإضعاف الوطن"، "الجيش هو الملاذ الوحيد ومن يهاجم المجلس العسكري سيوقعنا في فوضى". "حرام عليكم الاقتصاد ينهار ولن نجد غدا لقمة نعيش عليها". وينخدع الكثيرون بهذه العبارات، لا يعلمون أن ثورة قد قامت من أجل حرية الرأي والتعبير، ودماء أزهقت من أجل الكرامة الإنسانية، وأن أي مساس بالحرية والكرامة، هو رجوع إلى النظام السابق. لا يعلمون أن مد الفترة الانتقالية سببا من أسباب خروج الاستثمارات من مصر، والتدهور الاقتصادي، لا يعون أن عدم التواجد الأمني يضعف السياسة، وليس المظاهرات السلمية التي لم تتوقف أن تكون سلمية وحتي الأن. ما يحدث يعيد إلى أذهاننا أجواء الثورة، مع الفارق الكبير وهو أن المجلس العسكري ليس حسني مبارك، ولا نريد له أن يسقط، ولكن الشعب يريد فقط أن يترك المجلس الحكم الآن وليس غدا مع خالص الشكر والتقدير، وكفي. 

Tuesday, November 22, 2011

خيط رفيع بين التقدم والتقهقر الثوري د.علياء رافع

لا شك أن إستمرار القدرة على التجمع من أجل الإتفاق على أهداف مشتركة  قوة مضافة إلى ما حققته الثورة، وهو ما ينعش الأمل في أن تلك الجماهير العريضة لن تسكت عن حق مسلوب أو محاولة لاختطاف الثورة. ولكن السؤال هو على كل تجمهر يعبر حقا عن نبل الثورة المصرية التي بدأت في الخامس والعشرين من يناير واستمرت لمدة ثمانية عشر يوما ؟  ولم يكن تجمع المصريين يوم 18 نوفمبر من أجل الاعتراض على وثيقة السلمي فقط، ولكنها كانت من أجل إعلان الرفض التام للمحاكمات العسكرية للمدنيين، كانت من أجل المطالبة بحقوق من أصيبوا في الثورة وفيما تالاها من أحداث عنف، كانت من أجل نقد سلبيات سياسة حكومة عصام شرف، والشعور بعدم الارتياح من جراء سياسات المجلس العسكري.  وهكذا أثبت الشعب يقظته وقوته.
لم تكن فكرة وثيقة أو بيان لمباديء حاكمة جديدة، لقد سبق وعرض د. البرادعي وثيقته، وكذلك صدر بيان الأزهر للمباديء الرئيسية للدستور، كما كانت هناك وثيقة المجلس الوطني التي جمعت العديد من القانونيين والشخصيات العامة، وعرضت هذه الوثائق في حوار وطني موسع، ولكن وقف الإخوان المسلمون مع عدد قليل من الأحزاب ضد مبدأ إصدار وثيقة سابقة على تكوين لجنة تأسيسية لكتابة دستور جديد للأمة. إلى أن جاءت وثيقة السلمي التي أثارت غضبا هائلا لما بها من مواد تعطي للجيش سلطة مطلقة في التحكم في مقادير البلاد، وتجعله دولة لها ميزانية خاصة وغير معلنة على الشعب. 
وبصرف النظر عما إذا كان من حق القوى السياسية أن تصدر وثيقة مباديء لحماية تحكم أي تيار له أغلبية في الانتخابات القادمة في الحكم أم لا، فإن القضية أعمق كثيرا وأهم من "وثيقة السلمي"، إنها قضية فرض إرادة المجلس العسكري والحكومة على الشعب، كما حدث عند صدور الإعلان الدستوري عقب نتيجة اللإستفتاء على التعديلات الدستورية. ومرة أخرى فإن صدور الإعلان الدستوري في حد ذاته ليس جوهر القضية، ولكن عدم وضوح الرؤية قبل الإستفتاء، وعدم الجهر بالخطوات التي تليه يعني أن هناك دائمة خطوات يتخذها المجلس العسكري دون إعلان ودون أن يهتم بإرادة الشعب. ولو أدرك الناس أن إجابتهم بنعم على التعديلات، تعني عودة أغلب مواد الدستور القديم، لأحجم البعض أو الكثيرون منهم عن هذا الاختيار. مع العلم أن تعديل مواد في دستور سابق للثورة لا يتمشى مع الشرعية الثورية بأي حال من الأحوال. ولقد أشرت إلى هذه النقطة في مقالات كثيرة من قبل. 
 ما أزعجني أن الإخوان المسلمين يتركون جوهر القضية ألا وهي المطالبة بالشفافية وعدم التسلط والتحكم في تجاهل لإرادة الشعب، إلى مجرد مهاجمة وثيقة مباديء أساسية، ولو دخل الإخوان في الإجماع العام لكتابة وثيقة، لأصبح هذا في حد ذاته مكسبا يستطيعون من خلاله أن يشاركوا في خروجنا من تلك الأزمة التي بدأت مع رحيل الرئيس السابق، ومجيء المجلس العسكري بديلا عنه في الحكم. كنا نتصور أن هذه الخطوة الشجاعة من الجيش سيعقبها إستجابة لمطالب الثورة، ولكن ما زلنا نعيش في توجس وخيفة من جراء ما يحدث كل يوم من سلوكيات تبدو متناقضة كل التناقض، حيث يوجد الآن ما يقرب من ستة عشر ألفا في السجون العسكرية، بينما ينتشر البلطجية في كل مكان. ومع حالة عدم الإستقرار تعزف الأموال عن القدوم للإستثمار على أرض مصر، ويستمر السياح في الإحجام عن القدوم إلى مصر، إلى آخر التداعيات السلبية.
ونتيجة لهذه الفوضى والإنقسام يتداعي الحابل بالنابل، ونرى مظاهرات صاخبة تتطالب برحيل مدير مكتبة الإسكندرية د. إسماعيل سراج الدين لأسباب غير عقلانية ولا منطقية، وتحت زعم أنه جزء من النظام السابق، وهو ما يعني أن كل من يعمل في مؤسسة تابعة للدولة جزء من النظام السابق. الأولى أن ننظر إلى تاريخ الرجل وما قام به لمكنبة الإسكندرية، وما هي الأخطاء التي وقع فيها. إذا ما كان فيه إستبداد النظام وطغيانه، حسبناه عليه، وإذا كان الأمر غير ذلك، فليكن له التقدير والاحترام.
 وعادة ما يشدني أ. يسري فودة وبرنامجه المحترم آخر كلام ، ولكن تلك الحلقة التي إستضاف فيها مدير مكتبة الإسكندرية، ساءني أسلوب الحوار إلى حد الإزعاج، شعرت فيه بالتحيز غير الموضوعي ضد الرجل. ولم يكن مقبولا أو منطقيا أن يكون أجر هذا الرجل محلا للنقاش والمساءلة على الاطلاق، ذلك أن مكتبة الإسكندرية مؤسسة دولية، لها احترامها على مستوى العالم أجمع، ولها برتوكول خاص.  ولا بد من الإشارة إلى أن ما يتقاضاه هذا الرجل  لا يقارن بتلك الملايين التي يأخذها رؤساء إدارة الجرائد "الحكومية" التي تجيء ميزانيتها فعلا من الشعب. كان من الممكن لهذا الرجل ذو المكانة الدولية الرفيعة  أن يعمل في مناصب أخرى في مقابل أضعاف هذا الأجر. مجرد إثارة هذا الموضوع في بداية حلقة محترمة جعلني أشعر بالإساءة البالغة لشخصية في قيمة د. سراج الدين. ما توقعته هو أن يكون هناك نقاش عن سياسة إدارة المكتبة، ويمكن هنا أن يكون هناك النقد موضوعي. أذ أن المشاهد يريد أن يتفهم لما يثور العاملون في هذه المؤسسة؟ ما هي الأخطاء التي ارتكبتها الإدارة؟  كيف يمكن تصحيح هذه الأخطاء؟ وأما الدخول في تلك التفصيلات العقيمة عن أجره لماذا تم رفعه، ثم بعد ذلك أثارة عدم إستقبال مدير المكتبة وموظفوها للمسئول من الجهاز المركزي للمحاسبات، فهو يبدو هراءا، وليس مجاله برنامج تليفزيوني، ولكن مكانه بلاغ للنائب العام.  هذا في الوقت الذي أكد فيه مدير المكتبة أن ميزانية المكتبة معلنة للكافة على الموقع الخاص بالمكتبة. وتجيء المهزلة في الدخول في تفاصيل ليس لها أي دلالة خاصة بالرجل، وإنما هي تخص نظاما بأكمله، وقد حاول د. سراج الدين أن يشرح أن ما كان يتناوله رجال الأمن والحراسة من المكتبة كان بتكليف مركزي ليس له فيه إختيار، إلا أن المذيع يأبي أن يأخذ بهذا المنطق.
 أما تبعية المكتبة  لرئاسة الجمهورية مباشرة لا يعني أن مديرها كان خاضعا لسياسات رئيس الجمهورية، وإنما هو إعلاء لشأن المكتبة وقيمتها الوطنية. لم تكن المكتبة ملكا للرئيس وقرينته إنما هي جزء من صرح مصري له صبغة دولية، ولها إستقلالية.  لقد شاهدت بنفسي كيف أن القادمين إلى مصر يضعون زيارة مكتبة الإسكندرية على قائمة الإختيارات، ويعتبرونها صرحا عظيما لا يد من اكتشافه.  هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن نظام مبارك نفسه حارب هذا الرجل عندما كان رشحته دولة صغيرة لمنصب رئيس اليونسكو، وتخلت عنه مصر. لم يدخل سراج الدين الحزب الوطني، ولم يمارس أعمالا حزبية أو سياسية، وإنما سخر جهده في جعل هذه المكتبة مكانا للحوار الحضاري لتلعب دورها في دعم رسالة السلام في العالم، والخروج من الإستقطابات الفكرية التي تسبب العداء الفكري الذي ما يلبث أن يتجسد على أرض الواقع في حروب حقيقية.  إذا كان البرنامج يريد أن يبين الأخطاء الإدارية كان عليه أن يكون أكثر موضوعية. وليس هناك إنسان فوق النقد، أما تعمد الإساءة لمجرد أن مكتبة الإسكندرية إرتبط اسمها بالرئيس الممخلوع وقرينته، فهو تحيز لا مبرر له، وهذا هو الخط الرفيع بين ما سيدفعنا إلى الأمام، وما سيشدنا إلى الوراء. حمي الله مصر من كل سوء. 

Tuesday, November 15, 2011

الأمل في سلام عالمي مرتبط بنجاح ثورة مصر د. علياء رافع

نظرت إلي الأستاذة الرائدة في مجال العلوم الإجتماعية جين ليبمان بلومان قائلة، إذا فشلت الثورة المصرية، سيحدث للعالم كله إحباط وتخيب آماله في إمكانية قيام سلام. كان قولها فيه حزم ووضوح. ثم أكملت حديثها قائلة، الثورة المصرية تختلف عن ثورات المنطقة كلها. نعم إن المطالب واحدة، وتتمثل في حق هذه الشعوب في الحرية والكرامة الإنسانية والعدل الإجتماعي، ولكن ما حدث في الثورة المصرية كان أمرا مختلفا، سلميتها لها نوع خاص، والتضامن الذي حدث بين جموع هذا الشعب العظيم لها دلالات هامة. وكان حديثي عن الثورة المصرية في ورقة مقدمة لجلسة نقاشية عنوانها "إعادة رسم خريطة لقيادة من أجل السلام" لمؤتمر عقد في لندن تحت إشراف رابطة القيادة الدولية International Leadership Association وانعقدت في لندن في الفترة ما بين 26-29 أكتوبر.
شاركني في هذه الندوة أستاذ من جنوب أفريقيا تحدث فيها عن التعليم وأهميته من أجل إيجاد قيادة من أجل السلام، موضحا أن السلام كلمة عامة تختلف دلالاتها، وإستخداماتها، وقال إن غياب العنف لا يدل على السلام، والإستسلام للأقوى وعدم مقاومته لا يدل على السلام، والسلام ليس ضعفا، وليس إنسحابا. وأضاف أن السلام هو ممارسة أكثر منه تعريف نظري، موضحا أن تلك الممارسة لا بد أن تبدأ في المؤسسات التعليمية. وشاركني في الجلسة أستاذة من الولايات المتحدة، تحدثت عن "المقاومة التي تبدأ من القيادات"، والواقع أنها قدمت رؤية غير معهودة، عن دور القيادة من أجل السلام، ذلك عندما قدمت رؤيتها الجديدة التي لا تجد تناقضا بين القوة ممثلة في القيادة، وبين المقاومة القادمة من نفس المصدر أيضا، أي أنها تقول أن القيادة والمقاومة ليسا عمليتان مختلفتان، إنما العلاقة بينهما علاقة ديالكتيكية، ذلك أن القيادة يجب أن تكون مقاومة لكل العوامل التي تؤدي إلى التفكك، وإلى الصراع والعنف، في حركة تطوير مستمرة، تجمع بين المنتاقضات في حركة ديالكتيكية، إذ أن القائد الناجح هو من يستطيع أن يدرك عوامل الإنهيار قبل أن تحدث، وأن يعمل على تحدي النماذج القائمة من أجل بناء نماذج جديدة بشكل مستمر، متجها أن يكون السلام محورا رئيسيا في هذا التجديد.
في هذا اللقاء العلمي كان لي الشرف أن أتحدث عن الثورة المصرية،  ومن خلال إستعراض مراحل تطور هذه الثورة العظيمة، أصبح واضحا للعالم أن انهيار الثورة المصرية الآن إنهيار للأمل في السلام في العالم أجمع. إن المعجزة التي حدثت كانت لها إرهاصاتها ومقدماتها، وقدمت رؤية للمقاومة السلمية لا أحسب أن أحدا قد أشار إليها من قريب أو بعيد، والكل يتحدث عن الثورة كأننا نبدأ فيها من الصفر. لم يتحدث أحد عن العلماء والبنائين في كل المجالات، وكل الشرفاء الذين كانوا ينحتون في الصخر من أجل إصلاح الفساد بالعمل الجاد، ومقاومة الظلم بإقامة العدل في مؤسساتهم البسيطة.  ألم يقم مركز الكلى العالمي في المنصورة في العهد السابق؟ هل ينكر أحد مجهود محمد غنيم؟ كيف أمكن أن تتطور وسائل الإتصال بهذا الزخم الذي ساعد في الواقع على قيام الثورة؟ ألم تكن هناك أيادي كثيرة تحاول أن تربط مصر بالعالم؟ كيف ننكر العمل الأهلي الذي كان قائما على قدم وساق من أجل مساعدة المهمشين؟  إذن لقد كانت المقاومة السلمية عن طريق البناء عملا داؤبا حفظ لمصر الحد الأدني على الأقل من السلامة، وتحدي النظام بشكل عملي. ولكنه بالقطع لم يكن كافيا كي يكون هناك إصلاح، ذلك أن النظام السابق نشر الفساد في الجسم المصري كما ينشر المرض الخبيث نفسه في الجسد الإنساني ليدمره، ولذا كانت الثورة ضرورة لإنقاذ هذا البلد.
ولكن في محاولة أن أضع يدي على تفرد هذه الثورة بين الثورات الأخرى، حاولت أن أركز على  تلك الحالة الإستثنائية التي حدثت أثناء هذا الحدث التاريخي، وهي خروج الإنسان المصري من ذاتيته الضيقة إلى إندماج كامل في الكل – الوطن – الشعب – المقدس. لقد كانت هناك حالة شعبية طغت على ملايين الثوار الذي شعروا أن هناك قوة تحملهم على الخروج للتعبير عن مطالبهم، مهما كلفهم هذا، لقد أصبحت الحياة بدون كرامة لا قيمة ولا معنى لها. إنه شعور طاغ، وليس مقولة أخلاقية، يقولون بكل تصميم لمبارك إقتلنا جميعا ولكن لن نتنازل عن مطالبنا. هناك 85 مليون شهيد مستعدون للموت. "إعتقلوني ومش حتشوفوا الخوف في عيوني". وخرجت الأغاني تعبر عن تطلع الروح إلى الحرية التي تنادي في كل شبر في أرض مصر. إن هذا الإنطلاق من الذات إلى الكل، من الفرد إلى الجماعة والوطن، من الحياة إلى ما بعد الحياة، من المادة إلى الروح، من التمسك بالأرض إلى التطلع إلى السماء، هي مظاهر لذلك الإيمان القوي بالله الذي يحمله هذا الشعب، إيمان لا يعرف الطائفية، ولا المسميات الدينية.  إنه السر الذي جعل هذه الثورة المصرية ثورة يتطلع إليها العالم.
حافظت هذه الروح على سلمية هذه الثورة، حتي إستطعنا أن نتخلص من الطاغية،  وهذه الروح إذا تواجدت في العالم أجمع بين شعوب الأرض، لأمكن أن نقضي على كل محاولات الهيمنة القادمة من القوى الإقتصادية العظمى التي تتصارع بشكل أو آخر صراعا اقتصاديا ومعرفيا من أجل الهيمنة وإستنزاف من هم أقل قوة وقدرة، وينعكس هذا على بؤر تتصارع في العالم أجمع صراعا يجعلها أكثر ضعفا، ويعطي القوى المهيمنة فرصة لمزيد من الإستنزاف. والمكان لا يتسع للمزيد من التحليل، ولكن علينا في هذه المنطقة أن ننتبه أن خلق صراعات في المنطقة يخدم مصالح القوى الكبرى. نجد صراعا بين إيران والبلاد العربية، من ناحية، وجهود لتغذية الإتجاهات التي تبرر الإعتداءات المتكررة على الفلسطينين من ناحية أخرى، وخلق فرقة عربية تجاه المشكلة الفلسطينية، والعمل على تعظيم الإتجاهات الطائفية وغيرها. وعلى الرغم من أنني أكره تعليل السلبيات التي توجد في المجتمع تحت وهم أو فكر المؤامرة إلا أنه ينبغي أن نضع هامشا ولو صغيرا إلى وجود من يريد أن يقضي على هذه الثورة المصرية لمصالحه الخاصة. والتغلب على  هذه المؤامرات ليس بترديد الفكرة، ولكن بتكوين مجتمع متماسك قوي، والبحث عن أسباب الفرقة  جذريا وليس سطحيا، ولقد تبين لنا أن الشعب المصري متماسك، ولكن التعرض المستمر للفتن قد يضعف جهازه المناعي، ويقع فيما لا يحمد عقباه، ولذا فإنه كلما استبد بي القلق على مستقبل مصر، إستعدت في ذاكرتي هذا التلاحم الذي حدث بين الشعب في لحظة تاريخية عظيمة، وسجل لها التاريخ في ذاكرته صورة لن تنسى، إنها صورة ميدان التحرير، حيث عاشت مصر لحظة بعث جديد وأصبح الكل في واحد.