Tuesday, March 20, 2012


أملنا في رئيس يعبر عن روح الثورة
د. علياء رافع

 نفاجأ كل يوم بإزدياد عدد المتقدمين للترشح لرئاسة الجمهورية، وفي أحد البرامج التليفزيونية فوجئت بعدد من هؤلاء يستضيفهم الإعلامي المعروف حافظ المرازي، وأذهلني الكثيرون منهم الذين انبروا مدافعين عن حقهم في الترشح، مؤكدين أن الماضي السياسي لرئيس الجمهورية القادم ليس هو العامل الأساسي في الاختيار. لا أعتقد أنني في حاجة لشرح سبب ذهولي، ولكن هذا التعليق يثير قضية على جانب كبير من الأهمية ألا وهي ما هي الصفات الشخصية والمكتسبات الفكرية والسياسية التي ستحدد اختيارنا للرئيس القادم؟

لا أخفي على قارئي أن وجود د. محمد البرادعي  في قائمة المتقدمين للرئاسة، كان سيسهل علي الاختيار، ذلك أنني كنت على قناعة تامة بأنه خير من يصلح لقيادة هذه  المرحلة والوصول بنا إلى بر الأمان. وتبدو الساحة الآن خاوية ممن يجعلني أشعر بالإطمئنان التام لصحة الاختيار. ولكنني على الأقل أدرك أن هناك قائمة من المرشحين المعروفين خارجون تماما عن مجرد التفكير في مجيئهم، بل أري البعض منهم خطرا داهما على مستقبلنا. وعلى قائمة هؤلاء السيد منصور حسن، الذي كنت أكن له كل الاحترام نتيجة لموقفة من انسحابه من الساحة السياسية بعد الزج بكل المفكرين الذي عارضوا السادات في السجون، ولكن للأسف فإن تصريحاته أثناء مذبحة مجلس الوزراء كانت دون المستوى. وأذا كان قبول الرأي الآخر ضرورة في مجتمع حر، فإنني لا أري أن تجاهل جرائم قتل الأبرياء، وسحل الفتيات يدخل في زمرة "حرية الرأي".  وبالطبع فإن الفريق أحمد شفيق خارج القائمة تماما، ولو أنه استقال يوم 2 فبراير 2011، لكان له وضع آخر، وقدرته الفائقة في المراوغة في أي حوار أجري معه، لا يمكن أن يجعلنا مطمأنين على الإطلاق. وإذا كان السيد عمرو موسى قد تألق في مرحلة مفاوضات مدريد مع إسرائيل، ولكن مواقفه المداهنة للنظام السابق وعدم وضوح الرؤية لديه، تجعلني أتراجع عن اختياره. وأما الشخص الرابع الذي لن أتردد في عدم انتخابه فهو د. سليم العوا. فعلى الرغم من إعجابي ببعض كتاباته، ولكنه غير متوافق مع نفسه، وتصريحاته تتناقض مع بعضها البعض، مما لا يكسبني أي ثقة فيه. وأما الشخص الخامس الذي استبعده برغم احترامي لصراحته وتوافقه مع نفسه وثباته على مبادئه فهو الشيخ حازم صلاح أبو اسماعيل، ويرجع ذلك إلى أنني أقرأ فيما بين السطور أنه يريد أن يسير بالبلد تدريجيا نحو فكر إسلامي واحد. فعلى الرغم من غزارة قرائاته وحجة منطقه إلا أنه أحادي الرؤية.  ولا يبقي أمامي في الاختيار سوى حمدين صباحي ود. عبد المنعم أبو الفتوح. كانت لأحاديث حمدين صباحي بعد الثورة أثرها الجيد في بناء ثقة في شخصه ووطنيته على الرغم من أنني لست ممن يرون في الناصرية النموذج الأمثل للمرحلة القادمة. وأما د. أبو الفتوح فإن اعتداله في الرؤية وقبوله للرأي الآخر في الدين، يدفعني أن أختاره، مع تحفظ واحد وهو خشيتي أن يكون تحت العباءة انحياز للجماعة التي انبثق منها.  لم أذكر السيدة بثينة كامل على الرغم من أنني أدرك جيدا أن القيادة النسائية قادمة بلا شك، وأن العالم في حاجة إليهن اليوم أكثر من أي وقت مضى. ومع احترامي لدورها الوطني، ولكن لا يبدو لي أنها تملك من القدرة إدارة بلد مثل مصر. وآمل أن تظهر الأيام سيدات أخريات ليكن جديرات بهذا المنصب الخطير. أما من أعلنوا ترشحهم أخيرا من المعروفين على الساحة السياسية، فإنني أرى أنهم دون المستوى.  ولا أود أن أتحدث عن هؤلاء الذين سحبوا أوراق الترشح، متصورين أن شهرا واحدا كافيا لكي يعرفهم الناس وينتخبونهم.

هذا التلخيص السريع لرؤية خاصة يشير إلى أنه لا يوجد في الساحة قيادة ترضي كل ما أتطلع إليه في الرئيس القادم، وأحسب أن غيري يشاركني في هذا الرأي أيضا. وهذا يعني أن الشخصية القيادية التي نبحث عنها غير موجودة. نعود للسؤال الأساسي ، ماهي المتطلبات الأساسية التي نتطلع إليها في رئيس مصر القادم. أو بعبارة أخرى ما هي القدرات الخاصة الضرورية التي تتطلبها المرحلة القادمة؟  أدلي بدلوي وأحترم من يختلف معى.

أولا: أن يكون قادرا على استيعاب معنى الثورة المصرية، وليس فقط مجرد أحد المشاركين فيها، لأن هذه الثورة نقلة نوعية في الوعي، وليست مجرد تغيير لنظام سياسي. وقدرة استيعاب دلالة هذه الثورة لا بد أن تظهر في ثقة متناهية أن الشعب يملك  قوة إبداعية لمواجهة التحديات، على الرئيس أن يعمل على تفعيلها والاستفادة منها، ولذا لن يكون خطابه السياسي مليئا بإدعاء البطولة العبقرية والقدرة على تحقيق المعجزات.  ويعني هذا رؤية جديدة لمعنى الديمقراطية فلا تختزل إلى مجرد انتخابات نيابية، ولكن تخلق نظاما يعطي للكفاءات الموجودة في كل المجالات المكنة من التعبير عن أفكارهم ومقترحاتهم في مواجهة تحديات في شتى المجالات من أجل تحقيق نهضة مصرية شاملة.

ثانيا: أن يدرك أن الإنسان المصري هو الثروة الحقيقية ويتعامل معه من هذا المنطلق، وتوضع الأولويات السياسية من هذا المنظور، فيكون التعليم من حيث هو أداة للبناء الإنساني الركيزة التي تنطلق منها نهضة مصر. التعليم تنمية إنسانية وليس حشو العقل بالمعلومات وإيقافه عن العمل والإبداع. التعليم الذي ينمي قدرة المتعلم على أن يكتسب المعرفة بنفسه، ويستخرج منه ما يجعله شغوفا لاستكمال مهاراته بجهوده الخاصة ، سواء كان ذلك عن طريق القراءة أو الرسم أو غيرها.

ثالثا: أن يؤمن أن الحرية هي أساس النهضة الحقيقية، فلا يتحدث من منظور الإحاطة بالمطلقات، ولا يفرض رؤيته على المجتمع ، ولا يتصور أنه سيسير بالمجتمع من نقطة أ إلى نقطة ب  تبعا لخطة فكرية ومرجعية مسبقة. ولهذا يحترم الاختلاف، ويؤمن أن الزبد يذهب جفاء وأن ما ينفع الناس يمكث في الأرض تلقائيا، لأن هذا هو القانون إذا توفرت الحرية. ولهذا لن يكون هناك محاولة فوقية للتحكم ووضع قيود على الحرية.

رابعا: أن يدرك أن الأخلاق الرفيعة لا تنتشر بالوعظ وإنما تنتشر بالمثالية والقدوة الإنسانية الحقيقية، وتنتشر عندما يعطي الإنسان حقه في أن يكتشف ذاته وإمكانياته الخلاقة، فيحترم إنسانيته، ويعف عن الدنايا، ويتطلع إلى التطور الأخلاقي تلقائيا. ولذا فإن مؤسسات التنشئة والتي تبدأ بالأسرة يكون لها اهتمام خاص، ومن داخل هذه المؤسسة يجب أن تشعر المرأة بإنسانيتها، فلا يختزل وجودها إلى أدوار اجتماعية، أو إنسانيتها إلى واجبات مفروضة عليها، وإنما تعامل بإحترام لتفردها بما وهبها الله به من إمكانيات، تتواصل بها مع نفسها ومع بيئتها الاجتماعية والثقافية، فتصبح قادرة على العطاء وتستمتع به، وذلك في ظل رؤية شاملة، تسمح لها أن تمارس حقها الإنساني في التعبير عن ذاتها، وفي نفس الوقت حقها الإنساني في أن تكون أما تراعي أبناءها.  ولهذا يجب أن  تكون هناك رؤية جديدة تنظم قوانين العمل، حتي لا تظلم المرأة ولا يظلم الرجل كذلك.

خامسا: نأمل أن يتمتع بالإنسانية والرحمة فلا يسمح بالتعذيب في السجون – مهما كانت المبررات – و أن يدرك أن القوة الحقيقية ليست القوة الأمنية، ولكنها محبة الشعب عندما يدرك أن العلاقة بينه وبين من يحكم البلاد علاقة إنسانية، وليست علاقة أستعلائية.

سادسا: ألا تسود النغمة العنترية طريقة في العلاقات الخارجية، بل يكون قادرا على حفظ التوازنات الإقليمية والعالمية، وفي نفس الوقت حافظا لمصر كرامتها ومكانتها. إذ تقلقني تلك النغمة التي تتردد من حيث لآخر أن السلام مع إسرائيل سيكون محل تفكير، أو أن أمريكا عدو يجب أن نحذره. لقد عفا الزمن على هذه الطريقة في جذب شعبية داخلية على حساب أمن وأمان مصر. وهناك فرق بين أن نكون قادرين على الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني، وبين أن يكون طريقنا إلى هذا إعلان حرب مع إسرائيل. كذلك هناك فرق بين الوعي أن أي معونة من الخارج من الولايات المتحدة أو غيرها تستهدف مصلحة البلد الذي يمول، وبين أن نتخذ من هذا البلد عدوا نتجنبه.

هذه بعض المتطلبات التي كنت أتمنى أن أجد واحدا من المرشحين للرئاسة يتمتع بها، ولكنه لم يظهر بعد. وهل يمكن أن يظهر في هذه المرحلة؟ الله أعلم.

Tuesday, March 13, 2012

وصال مع الإنسان في كل مكان

د. علياء رافع
بدت لي السبع أيام التي قضيتها في كينيا وكأنها دهر كامل، لم يكن الأمر انتقال من بلد إلى بلد، ولكن شعرت أنني انتقل من عالم إلى عالم آخر تماما. وعندما ركبت الطيارة في طريق العودة، بدا لي أنني إنسان قد أضيف إليه الكثير. كان حديثي  في مركز الأمم المتحدة بنيروبي عن التحول النوعي في الوعي، وانتقل هذا الحديث من كلمات إلى تغيير حقيقي في وعيي الذاتي والشخصي.  تحولت كل موضوعات البيئة والمحافظة عليها من رؤية تعتمد على العلم والفكر، إلى وجدان يتألم لتآكل طبقة الأوزون ونفاذ الموارد الطبيعية ووجدتني أسمع صراخ الأرض وهي تولول على أبنائها الذي يقتلونها ويقتلون أنفسهم، وصراخ الأطفال وهم لا يستطيعون التنفس، ولا يجدون نقطة المياه، وصراخ البشر في كل مكان وقد انهمر الجليد ليبتلع اليابس من الأرض ويغرق أهلها. إذا لم نستيقظ اليوم، فإننا هالكون غدا لامحالة، قد لايرى جيلنا، أو جيل أبنائنا هذه الأهوال، ولكن ألسنا مسئولين عن الأجيال القادمة؟
وعندما تواصلت مع أحفادي وأحفاد البشرية، تفتح قلبي ليتواصل مع أرض كينيا وأهلها أرى المعاناة والفقر والإهمال في البنية التحتية في بلد إفريقي ثري بمناخه المعتدل، وتنوعه البيئي، واخضرار غاباته، وخير المطر الذي ينهمرعليه فيروي أرضه السمراء ويطرح فيها الزرع والنماء. وعلى الرغم من كل ذلك تنتشر البيوت الصفيح والأكواخ البالية التي لا مثيل لها في بلادنا بهذه الكثافة وبهذا الوضوح. لماذا يختلط التقدم الرائع في التكنولوجيا بالثبات المخجل في مستوى الحياة والمعيشة. كينيا تلك الأرض التي ظهر فيها الإنسان الأول، وبفضل كفاحه استمرت الحياة، ونشأت الحضارات.
الإنسان في كينيا وفي كل مكان يريد أن يعيش حياة طيبة، تحترم فيها آدميته، ويحفظ فيها كرامته، هل هذا أمر مستحيل التحقق؟ على قدر ما يبدو الأمر بسيطا، على قدر ما تقف أطماع البشر حجر عثرة أمامه.  وقد أدرك الساسة في كل البلاد أن بقاءهم في مركز السلطة والقوة والنهب يعتمد على خلق واختلاق الفقر، حتى ينشغل الناس بمشاكل البقاء على قيد الحياة عن المطالبة بحقوقهم الإنسانية. ويعتمد هؤلاء على نشر الجهل حتي إذا ما كانت هناك مؤسسات تعليمية تتدعي أن تقوم على التعليم والتربية. يستخدم ذو السلطان هذه المؤسسات كي تمجد أعمالهم، وتلهي شعوبهم عن رؤية الواقع والحقيقة. ليس هذا حكرا على كينيا، ولكن ما رأيناه ونراه في بلادنا، بل وفي كل مكان، لن ننتظر حتي تتغير النظم السياسية، لقد علمتنا الثورة المصرية أن الأمر بيد القاعدة البشرية، ولكننا في حاجة إلى الوصلة والوصال الإنساني.
كينيا تتحرق شوقا إلى المصريين، يحبهم أهلها ويحترمونهم، رأيت مصر بلدا عملاقا بما يتواجد فيها من علم ومن خبرات بشرية يمكن بها أن تمتد يدها إلى بلاد أفريقيا السمراء. هكذا قال أحد البسطاء عندما عرف أنني مصرية، تدفق منه الكلام بصدق وحيوية، لماذا لا تتعاونون معنا أيها المصريون، لماذا تنظرون إلينا بتعال، وتبعدون عن أرضنا؟ وبصرف النظر عما إذا كان هذا واقعا أم إسقاطا، فإن هذه الأرض وأهلها الطيبون في حاجة إلينا، ونحن في حاجة إليهم.
وفي وسط هذا البؤس الإنساني في كينيا، أذهلتني السيدة الإيطالية كوكي جولمان التي توفي زوجها الشاب منذ سنين على هذه الأرض، ومن بعده إبنها الصغير، ولكنها أصرت أن تستمر في الحياة في كينيا من أجل المساهمة في الحفاظ على البيئة، ومساندة أهلها وإنشاء مدارس لتعليمهم. واشترت محمية طبيعية تبلغ آلآفا من الفدادين، وأنشأت عليها منتجعا يعتمد على الطاقة الشمسية، ويتناغم مع الطبيعة في كل شيء، بدءا من الإعداد البسيط، من خيم قماشية متناثرة، إلى ما بداخل هذه الخيم من أثاث يعتمد كله على ما يوجد في البيئة.  وعشت في هذا المنتجع أربع ليالي في ضيافة السيدة كوكي التي تعاونت مع المبادرة النسائية العالمية للسلام، والأمم المتحدة كي تتم وقائع هذا اللقاء وجلساته في هذه الأجواء الطبيعية، خاصة ونحن نتحدث عن صرخة الأرض التي لا نبالي بها، والتي ننتهك خيارتها، غير مبالين بالأجيال القادمة.
كان لهذاالاقتراب الحميم مع الطبيعة، وتلك الحياة البسيطة أثره في أيقاط وعيي بهذه الأرض الحنون التي نعيش عليها، ولا نكاد نحمد لها فضلها على ما توفره لنا من خيرات كي نعيش بها، توجه الحضور في جلساتهم وكلماتهم إلى تفعيل العلاقة بين البشر وبين الطبيعة، خاصة الأرض.  هذا الجمع الذي بلغ ثمانين شخصا قادمين من أنحاء العالم  قدموا رؤاهم في كيفية أيقاظ الوعي بأننا مرتبطون بالطبيعة حولنا بشكل عام وبالأرض بشكل خاص، وأن هذا التواصل ينبغي أن يقوم على الاحترام، وليس الانتهاك. وفي أحد الجلسات قدمت شابتان من الصين فيديو عن كيف تستهتر الدول المتقدمة بالموارد الطبيعية وكيف تستنزفها استنزافا، وهو ما سيشكل على أحفادنا خطرا حقيقيا، وسيتسبب عنه انقراض الجنس البشري تدريجيا، لنضوب موارد المياه التي هي أساس كل شيء حي، وللتغيرات المناخية الناتجة من التلوث المناخي، وارتفاع درجات الحرارة على سطح الأرض بعد أن خلقنا جدارا خانقا حولها من ثاني أكسيد الكربون.
في هذا الزخم من الأحاديث والصلوات والاحتفالات برزت التجارب الإنسانية الرائعة التي تعتمد على جهود ذاتية، تعبر عن حركة شعبية في مختلف أنحاء العالم تقف أمام توحش الحكومات والنظم السياسية، فها هي د. سكينة يعقوبي من أفغانستان تحدت طالبان، وكانت من ضمن هؤلاء السيدات اللائي أصررن أن يعلمن الفتيات رغم كل شيء، حتي أن حياتها كانت في خطر، فكانت تنتقل من مكان إلى مكان هربا من تعقب طالبان لها، وكانت جريمتها أنها تعلم الفتيات. والآن أنشأت مدارس تبدأ من التعليم الابتدائي إلى الثانوي، وفي سبيل إنشاء جامعة. ألتقيت أيضا بهذه السيدة التيلاندية الرقيقة الراهبة التي تركت وراءها زوجا غنيا، وعملا يدر عليها ربحا وفيرا لتهب نفسها لخدمة المرأة والأطفال. وأما هذا الشاب الأمريكي فإن تعاطف مع كمبوديا ومأساة شعبها، وعاش ليخفف من آلام الفقراء والبائسين وضحايا الحرب، ويبذل حياته من أجلهم، ويقول في بساطة شديدة ما معنى الحياة إذا لم نكن قادرين أن نرى ما وراء طموحاتنا الذاتية. وأما ليلي الحسيني فإن شجاعتها أبهرتني كما أبهرت الجميع. فهي فتاة فلسطينية نابهة، تقوم بدراستها في جامعة هارفارد، ولكن شجاعة ليلي أنها فتاة فاقدة للبصر، وجاءت إلى هذا اللقاء دون مساعدة خاصة، فهي تسير وحدها بدون حتى عصاة، معتمدة على الله، وعلى كرم البشر. تتحدث عن التحديات التي تقابل الشعب الفلسطيني بشجاعة ولكن بدون أن تختلط كلماتها بالكراهية والتعصب، تلقي نكاتها الساخنة فاضحة بذلك الفكر العنصري للصهيونية الإسرائيلية، وتثير حولها ودا ومحبة وتعاطفا.
هذا قليل من كثير من النماذج الإنسانية التي جاءت لتصلي من أجل أن يلهم الله البشر سواء السبيل، وأن يعملوا من أجل الحياة، وألا يقتلوا الأرض، فيقتلون أنفسهم. ركبت الطائرة لأعود بروح جديدة، أصلي أن يحفظ الله الحياة على هذه الآرض وأن يهدي أبناءها ليعرفوا ويقدروا نعمة الحياة، وينعكس هذا في وعيي أن أحافظ على نقطة الماء، والكهرباء، وكسرة الخبز، و... كل ما تجود علينا به الطبيعة، في حمد دائما وشكر مستديم. الحياة نعمة تستحق أن ندافع عنها في كل صورها، بدءا من أنفسنا والحفاظ عليها، إلى نهرنا العظيم، وشمسنا المشرقة. والحياة قيمة تتأكد بالحرية والكرامة الإنسانية شعارات ثورتنا العظيمة التي ستظل تضيء للعالم طريقه، فمهما واجهنا من صعاب، فإننا قادرون بإذن الله على اجتيازها.. الدنيا بخير، والله أكبر.  


Tuesday, March 6, 2012

صرخة الأرض والنقلة النوعية في الوعي


صرخة الأرض والحاجة إلى نقلة نوعية في الوعي موضوع  مثار في الاجتماع الذي دعيت إليه في نيروبي لألقي كلمة في مقر الأمم المتحدة المخصص للمشروعات البيئية.   حقا إن الأرض تصرخ ولكن لا يوجد من مجيب، وتئن مما فعله أبناؤها به، ولا قلب يعطف عليها، لأن العالم أصبح عالما أنانيا، يلتهم فيه الكبار الصغار.
وعند تحضيري للكلمة التي سألقيها هناك، راجعت  التدهور البيئي الذي حدث على مدى قرنين بسرعة متزايدة  في أواخر القرن الماضي، وبصورة أسرع في مستهل هذا القرن.  فوجئت أنه منذ القرن التاسع عشر، كان هناك إدراك  لتآكل طبقة الأوزون نتيجة لزيادة ثاني أكسيد الكربون، ولكن لم يتنبه أهل الأرض إلى الخطورة المتزايدة، وانغمسوا في مزيد من التدمير، في وهم أنهم قادرون على السيطرة على البيئة واستخدامها من أجل الإنسان. ولا بد أن ندرك اليوم أن الخطر البيئي قد أصبح يهدد الحياة على هذه الأرض فعلا، وليس قولا. فهل سيأخذ أهل الأرض الأمر بجدية ويحاولوا أن ينقدذوا  أجيالنا القادمة، أم سيزداد التدمير، فيحد أحفادنا أنفسهم أمام مصير محتوم لا مناص منه. إن مسئولية استمرارية الحياة تقع علي عاتقنا جميعا اليوم، وسننتحمل مسئولية الأجيال القادمة أمام الخالق الأعظم إذا لم ننتبه إلى إنقاذ هذه احياة.
وعلى الرغم الجهود الرائعة للعلماء، في محاولة للحفاظ على البيئة، إلا أننا في هذا اللقاء نناقش أمرا أكثر خطورة ألا وهو كيف يمكن أن تحدث نقلة نوعية في وعي أهل الأرض، تخرجهم من الأنانية والنظرة القصيرة إلى الترابط الإنساني، والتعاون من أجل مستقبل الجميع، لأن الدمار لن يميز بين بلد غني متقدم، وبلد في سبيله إلى التقدم.   ومن المدهش حقا أن نعلم أن الدول الكبرى هي المسئول الأول عن الدمار البييئي الذي يحدث على مستوى العالي، وأنها هي ايضا التي تملك القدرات المعرفية على حماية البيئة، ولكن تقاعست دولة مثل الولايات المتحدة عن تنفيذ الكثير مما اتفق عليه الكبار في مؤتمرات عدة بدءا من مؤتمر ريو جانيرو 1992، ووصولا إلى مؤتمر طوكيو، مرورا بمعاهدات كثبرة.  لا يكفي اللوم ولكن الرجاء هو في إيحاد يقافة عالمية قادرة على تبني منظورا آخر. هذا هو الإسهام الذي تقدمه المبادرة العالمية النسائية للسلام،  والتي شرفت بدعوتها لحضور هذا اللقاء. 
وقد نشأت هذه الحركة منذ عشرة أعوام تماما، على الرغم من أنها  بدأت بمجموعة من النساء، ولكنها تضم رجالا أيضا،  وقناعتي تتفق مع الاتجاه العام لهذه الحركة، حيث أصبحت النساء رمزا للرحمة وروح الأمومة التي يفتقدها العالم اليوم. وهذا التجمع النسائي من مختلف أنحاء العالم من أجل السلام سينتج عنه بالضرورة تشجيعا لنفس الروح أن تنتشر. 
ومن أجمل ما يمكن أن نكتشفه في ثقافتنا وديننا أن النظرة إلى الطبيعة في الإسلام تتميز بالاحترام، بل إن القرآن قد جعل أعطي لكل الكائنات قدسية، حيث تحدث عن تسبيحهم لله سبحانه وتعالى، وشكرهم له، وتحدث عن الطيور وكل الكائنات الأخرى أنها "أمم" أمثالنا. سنشعر بالخجل من أنفسنا وقسوة قلوبنا عندما نقرأ عن كيف بشر الرسول إمرأة بالجنة لأنها قد أشفقت على قطة، وأعطتها لبنا تشربه.  سنقف في إجلال واحترام لتلك التعليمات الصارمة أنه لا يجوز لأي جيش يحارب أن يقطع شجرة أو يدمر الطبيعة  للبلاد التي يحاربها. يدهشنا قول رسول الله صلي الله عليه وسلم عندما  قال بكل قوة إذا قامت القيامة وكان بيد أحدكم فسيلة فليزرعها.  هكذا نرى أن ديننا العظيم – وكل الأديان -   قد احترمت الحياة في كل صورها. ولا شك أن هذا نتيجة طبيعية لأي قلب مؤمن.
إذن ما نحتاجه اليوم بالإضافة إلى العلم واسهاماته الرائعة، فإننا نحتاج إلى قلوب آمنة مطمئنة مؤمنة متواصلة بالمحبة مع كل البشر، ومع كل الوجود. ولكن كيف يحدث هذا ونحن على كل المستويات نتنتافس من أجل السلطة والحكم، سواء كان الحديث موجه على مستوى سياسات الدول الداخلية، كما يحدث الآن من قتل بشع للإنسان في سوريا، أو على مستوى سياسات الدول بعضها مع بعض، كما حدث عند غزو الولايات المتحدة وحلفائها للعراق، فقتلوا ودمروا الإنسان، كما لوثوا البيئة بدم بارد لا يعرف الرحمة.
ما يعطينا الأمل – ولا ييأس من رحمة الله إلا القوم الكافرون  - أن تلك التجمعات التي تنشأ تلقائيا على مستوى العالم وتدعو إلى المحبة والرحمة تتزايد، وعلى الرغم أننا قد لانكون شاعرين بوجودها الآن إلا أنه سيكون له أثر مفاجيء. ويحضرني هنا ماحدث في الربيع العربي، وخاصة في الثورة المصرية التي انفجرت بركانا ثائرا رائعا في اللحظة التي ظن جيلنا وكثير من الناس أن الشعب المصري قد تملكه اليأس، ونخر الفساد في عظامه. هناك وعي تحتي ينتشر في العالم يدعو إلى المحبة بين البشر، ويتخطي التعصبات الدينية، ويحاول أن ينبي أرضا مشتركة تجمعها  المباديء الإنسانية القائمة على التلاحم البشري، وإدراك أننا بعضنا من بعض، وأنه لا فرق بين إنسان وإنسان إلا بالعمل الصالح النافع الذي يشع خيرا للعالم أجمع.   أتمنى أن أعود بمزيد من الأمل من أجل العالم ومن أجل مصر.