Tuesday, March 20, 2012


أملنا في رئيس يعبر عن روح الثورة
د. علياء رافع

 نفاجأ كل يوم بإزدياد عدد المتقدمين للترشح لرئاسة الجمهورية، وفي أحد البرامج التليفزيونية فوجئت بعدد من هؤلاء يستضيفهم الإعلامي المعروف حافظ المرازي، وأذهلني الكثيرون منهم الذين انبروا مدافعين عن حقهم في الترشح، مؤكدين أن الماضي السياسي لرئيس الجمهورية القادم ليس هو العامل الأساسي في الاختيار. لا أعتقد أنني في حاجة لشرح سبب ذهولي، ولكن هذا التعليق يثير قضية على جانب كبير من الأهمية ألا وهي ما هي الصفات الشخصية والمكتسبات الفكرية والسياسية التي ستحدد اختيارنا للرئيس القادم؟

لا أخفي على قارئي أن وجود د. محمد البرادعي  في قائمة المتقدمين للرئاسة، كان سيسهل علي الاختيار، ذلك أنني كنت على قناعة تامة بأنه خير من يصلح لقيادة هذه  المرحلة والوصول بنا إلى بر الأمان. وتبدو الساحة الآن خاوية ممن يجعلني أشعر بالإطمئنان التام لصحة الاختيار. ولكنني على الأقل أدرك أن هناك قائمة من المرشحين المعروفين خارجون تماما عن مجرد التفكير في مجيئهم، بل أري البعض منهم خطرا داهما على مستقبلنا. وعلى قائمة هؤلاء السيد منصور حسن، الذي كنت أكن له كل الاحترام نتيجة لموقفة من انسحابه من الساحة السياسية بعد الزج بكل المفكرين الذي عارضوا السادات في السجون، ولكن للأسف فإن تصريحاته أثناء مذبحة مجلس الوزراء كانت دون المستوى. وأذا كان قبول الرأي الآخر ضرورة في مجتمع حر، فإنني لا أري أن تجاهل جرائم قتل الأبرياء، وسحل الفتيات يدخل في زمرة "حرية الرأي".  وبالطبع فإن الفريق أحمد شفيق خارج القائمة تماما، ولو أنه استقال يوم 2 فبراير 2011، لكان له وضع آخر، وقدرته الفائقة في المراوغة في أي حوار أجري معه، لا يمكن أن يجعلنا مطمأنين على الإطلاق. وإذا كان السيد عمرو موسى قد تألق في مرحلة مفاوضات مدريد مع إسرائيل، ولكن مواقفه المداهنة للنظام السابق وعدم وضوح الرؤية لديه، تجعلني أتراجع عن اختياره. وأما الشخص الرابع الذي لن أتردد في عدم انتخابه فهو د. سليم العوا. فعلى الرغم من إعجابي ببعض كتاباته، ولكنه غير متوافق مع نفسه، وتصريحاته تتناقض مع بعضها البعض، مما لا يكسبني أي ثقة فيه. وأما الشخص الخامس الذي استبعده برغم احترامي لصراحته وتوافقه مع نفسه وثباته على مبادئه فهو الشيخ حازم صلاح أبو اسماعيل، ويرجع ذلك إلى أنني أقرأ فيما بين السطور أنه يريد أن يسير بالبلد تدريجيا نحو فكر إسلامي واحد. فعلى الرغم من غزارة قرائاته وحجة منطقه إلا أنه أحادي الرؤية.  ولا يبقي أمامي في الاختيار سوى حمدين صباحي ود. عبد المنعم أبو الفتوح. كانت لأحاديث حمدين صباحي بعد الثورة أثرها الجيد في بناء ثقة في شخصه ووطنيته على الرغم من أنني لست ممن يرون في الناصرية النموذج الأمثل للمرحلة القادمة. وأما د. أبو الفتوح فإن اعتداله في الرؤية وقبوله للرأي الآخر في الدين، يدفعني أن أختاره، مع تحفظ واحد وهو خشيتي أن يكون تحت العباءة انحياز للجماعة التي انبثق منها.  لم أذكر السيدة بثينة كامل على الرغم من أنني أدرك جيدا أن القيادة النسائية قادمة بلا شك، وأن العالم في حاجة إليهن اليوم أكثر من أي وقت مضى. ومع احترامي لدورها الوطني، ولكن لا يبدو لي أنها تملك من القدرة إدارة بلد مثل مصر. وآمل أن تظهر الأيام سيدات أخريات ليكن جديرات بهذا المنصب الخطير. أما من أعلنوا ترشحهم أخيرا من المعروفين على الساحة السياسية، فإنني أرى أنهم دون المستوى.  ولا أود أن أتحدث عن هؤلاء الذين سحبوا أوراق الترشح، متصورين أن شهرا واحدا كافيا لكي يعرفهم الناس وينتخبونهم.

هذا التلخيص السريع لرؤية خاصة يشير إلى أنه لا يوجد في الساحة قيادة ترضي كل ما أتطلع إليه في الرئيس القادم، وأحسب أن غيري يشاركني في هذا الرأي أيضا. وهذا يعني أن الشخصية القيادية التي نبحث عنها غير موجودة. نعود للسؤال الأساسي ، ماهي المتطلبات الأساسية التي نتطلع إليها في رئيس مصر القادم. أو بعبارة أخرى ما هي القدرات الخاصة الضرورية التي تتطلبها المرحلة القادمة؟  أدلي بدلوي وأحترم من يختلف معى.

أولا: أن يكون قادرا على استيعاب معنى الثورة المصرية، وليس فقط مجرد أحد المشاركين فيها، لأن هذه الثورة نقلة نوعية في الوعي، وليست مجرد تغيير لنظام سياسي. وقدرة استيعاب دلالة هذه الثورة لا بد أن تظهر في ثقة متناهية أن الشعب يملك  قوة إبداعية لمواجهة التحديات، على الرئيس أن يعمل على تفعيلها والاستفادة منها، ولذا لن يكون خطابه السياسي مليئا بإدعاء البطولة العبقرية والقدرة على تحقيق المعجزات.  ويعني هذا رؤية جديدة لمعنى الديمقراطية فلا تختزل إلى مجرد انتخابات نيابية، ولكن تخلق نظاما يعطي للكفاءات الموجودة في كل المجالات المكنة من التعبير عن أفكارهم ومقترحاتهم في مواجهة تحديات في شتى المجالات من أجل تحقيق نهضة مصرية شاملة.

ثانيا: أن يدرك أن الإنسان المصري هو الثروة الحقيقية ويتعامل معه من هذا المنطلق، وتوضع الأولويات السياسية من هذا المنظور، فيكون التعليم من حيث هو أداة للبناء الإنساني الركيزة التي تنطلق منها نهضة مصر. التعليم تنمية إنسانية وليس حشو العقل بالمعلومات وإيقافه عن العمل والإبداع. التعليم الذي ينمي قدرة المتعلم على أن يكتسب المعرفة بنفسه، ويستخرج منه ما يجعله شغوفا لاستكمال مهاراته بجهوده الخاصة ، سواء كان ذلك عن طريق القراءة أو الرسم أو غيرها.

ثالثا: أن يؤمن أن الحرية هي أساس النهضة الحقيقية، فلا يتحدث من منظور الإحاطة بالمطلقات، ولا يفرض رؤيته على المجتمع ، ولا يتصور أنه سيسير بالمجتمع من نقطة أ إلى نقطة ب  تبعا لخطة فكرية ومرجعية مسبقة. ولهذا يحترم الاختلاف، ويؤمن أن الزبد يذهب جفاء وأن ما ينفع الناس يمكث في الأرض تلقائيا، لأن هذا هو القانون إذا توفرت الحرية. ولهذا لن يكون هناك محاولة فوقية للتحكم ووضع قيود على الحرية.

رابعا: أن يدرك أن الأخلاق الرفيعة لا تنتشر بالوعظ وإنما تنتشر بالمثالية والقدوة الإنسانية الحقيقية، وتنتشر عندما يعطي الإنسان حقه في أن يكتشف ذاته وإمكانياته الخلاقة، فيحترم إنسانيته، ويعف عن الدنايا، ويتطلع إلى التطور الأخلاقي تلقائيا. ولذا فإن مؤسسات التنشئة والتي تبدأ بالأسرة يكون لها اهتمام خاص، ومن داخل هذه المؤسسة يجب أن تشعر المرأة بإنسانيتها، فلا يختزل وجودها إلى أدوار اجتماعية، أو إنسانيتها إلى واجبات مفروضة عليها، وإنما تعامل بإحترام لتفردها بما وهبها الله به من إمكانيات، تتواصل بها مع نفسها ومع بيئتها الاجتماعية والثقافية، فتصبح قادرة على العطاء وتستمتع به، وذلك في ظل رؤية شاملة، تسمح لها أن تمارس حقها الإنساني في التعبير عن ذاتها، وفي نفس الوقت حقها الإنساني في أن تكون أما تراعي أبناءها.  ولهذا يجب أن  تكون هناك رؤية جديدة تنظم قوانين العمل، حتي لا تظلم المرأة ولا يظلم الرجل كذلك.

خامسا: نأمل أن يتمتع بالإنسانية والرحمة فلا يسمح بالتعذيب في السجون – مهما كانت المبررات – و أن يدرك أن القوة الحقيقية ليست القوة الأمنية، ولكنها محبة الشعب عندما يدرك أن العلاقة بينه وبين من يحكم البلاد علاقة إنسانية، وليست علاقة أستعلائية.

سادسا: ألا تسود النغمة العنترية طريقة في العلاقات الخارجية، بل يكون قادرا على حفظ التوازنات الإقليمية والعالمية، وفي نفس الوقت حافظا لمصر كرامتها ومكانتها. إذ تقلقني تلك النغمة التي تتردد من حيث لآخر أن السلام مع إسرائيل سيكون محل تفكير، أو أن أمريكا عدو يجب أن نحذره. لقد عفا الزمن على هذه الطريقة في جذب شعبية داخلية على حساب أمن وأمان مصر. وهناك فرق بين أن نكون قادرين على الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني، وبين أن يكون طريقنا إلى هذا إعلان حرب مع إسرائيل. كذلك هناك فرق بين الوعي أن أي معونة من الخارج من الولايات المتحدة أو غيرها تستهدف مصلحة البلد الذي يمول، وبين أن نتخذ من هذا البلد عدوا نتجنبه.

هذه بعض المتطلبات التي كنت أتمنى أن أجد واحدا من المرشحين للرئاسة يتمتع بها، ولكنه لم يظهر بعد. وهل يمكن أن يظهر في هذه المرحلة؟ الله أعلم.

No comments:

Post a Comment