Tuesday, November 15, 2011

الأمل في سلام عالمي مرتبط بنجاح ثورة مصر د. علياء رافع

نظرت إلي الأستاذة الرائدة في مجال العلوم الإجتماعية جين ليبمان بلومان قائلة، إذا فشلت الثورة المصرية، سيحدث للعالم كله إحباط وتخيب آماله في إمكانية قيام سلام. كان قولها فيه حزم ووضوح. ثم أكملت حديثها قائلة، الثورة المصرية تختلف عن ثورات المنطقة كلها. نعم إن المطالب واحدة، وتتمثل في حق هذه الشعوب في الحرية والكرامة الإنسانية والعدل الإجتماعي، ولكن ما حدث في الثورة المصرية كان أمرا مختلفا، سلميتها لها نوع خاص، والتضامن الذي حدث بين جموع هذا الشعب العظيم لها دلالات هامة. وكان حديثي عن الثورة المصرية في ورقة مقدمة لجلسة نقاشية عنوانها "إعادة رسم خريطة لقيادة من أجل السلام" لمؤتمر عقد في لندن تحت إشراف رابطة القيادة الدولية International Leadership Association وانعقدت في لندن في الفترة ما بين 26-29 أكتوبر.
شاركني في هذه الندوة أستاذ من جنوب أفريقيا تحدث فيها عن التعليم وأهميته من أجل إيجاد قيادة من أجل السلام، موضحا أن السلام كلمة عامة تختلف دلالاتها، وإستخداماتها، وقال إن غياب العنف لا يدل على السلام، والإستسلام للأقوى وعدم مقاومته لا يدل على السلام، والسلام ليس ضعفا، وليس إنسحابا. وأضاف أن السلام هو ممارسة أكثر منه تعريف نظري، موضحا أن تلك الممارسة لا بد أن تبدأ في المؤسسات التعليمية. وشاركني في الجلسة أستاذة من الولايات المتحدة، تحدثت عن "المقاومة التي تبدأ من القيادات"، والواقع أنها قدمت رؤية غير معهودة، عن دور القيادة من أجل السلام، ذلك عندما قدمت رؤيتها الجديدة التي لا تجد تناقضا بين القوة ممثلة في القيادة، وبين المقاومة القادمة من نفس المصدر أيضا، أي أنها تقول أن القيادة والمقاومة ليسا عمليتان مختلفتان، إنما العلاقة بينهما علاقة ديالكتيكية، ذلك أن القيادة يجب أن تكون مقاومة لكل العوامل التي تؤدي إلى التفكك، وإلى الصراع والعنف، في حركة تطوير مستمرة، تجمع بين المنتاقضات في حركة ديالكتيكية، إذ أن القائد الناجح هو من يستطيع أن يدرك عوامل الإنهيار قبل أن تحدث، وأن يعمل على تحدي النماذج القائمة من أجل بناء نماذج جديدة بشكل مستمر، متجها أن يكون السلام محورا رئيسيا في هذا التجديد.
في هذا اللقاء العلمي كان لي الشرف أن أتحدث عن الثورة المصرية،  ومن خلال إستعراض مراحل تطور هذه الثورة العظيمة، أصبح واضحا للعالم أن انهيار الثورة المصرية الآن إنهيار للأمل في السلام في العالم أجمع. إن المعجزة التي حدثت كانت لها إرهاصاتها ومقدماتها، وقدمت رؤية للمقاومة السلمية لا أحسب أن أحدا قد أشار إليها من قريب أو بعيد، والكل يتحدث عن الثورة كأننا نبدأ فيها من الصفر. لم يتحدث أحد عن العلماء والبنائين في كل المجالات، وكل الشرفاء الذين كانوا ينحتون في الصخر من أجل إصلاح الفساد بالعمل الجاد، ومقاومة الظلم بإقامة العدل في مؤسساتهم البسيطة.  ألم يقم مركز الكلى العالمي في المنصورة في العهد السابق؟ هل ينكر أحد مجهود محمد غنيم؟ كيف أمكن أن تتطور وسائل الإتصال بهذا الزخم الذي ساعد في الواقع على قيام الثورة؟ ألم تكن هناك أيادي كثيرة تحاول أن تربط مصر بالعالم؟ كيف ننكر العمل الأهلي الذي كان قائما على قدم وساق من أجل مساعدة المهمشين؟  إذن لقد كانت المقاومة السلمية عن طريق البناء عملا داؤبا حفظ لمصر الحد الأدني على الأقل من السلامة، وتحدي النظام بشكل عملي. ولكنه بالقطع لم يكن كافيا كي يكون هناك إصلاح، ذلك أن النظام السابق نشر الفساد في الجسم المصري كما ينشر المرض الخبيث نفسه في الجسد الإنساني ليدمره، ولذا كانت الثورة ضرورة لإنقاذ هذا البلد.
ولكن في محاولة أن أضع يدي على تفرد هذه الثورة بين الثورات الأخرى، حاولت أن أركز على  تلك الحالة الإستثنائية التي حدثت أثناء هذا الحدث التاريخي، وهي خروج الإنسان المصري من ذاتيته الضيقة إلى إندماج كامل في الكل – الوطن – الشعب – المقدس. لقد كانت هناك حالة شعبية طغت على ملايين الثوار الذي شعروا أن هناك قوة تحملهم على الخروج للتعبير عن مطالبهم، مهما كلفهم هذا، لقد أصبحت الحياة بدون كرامة لا قيمة ولا معنى لها. إنه شعور طاغ، وليس مقولة أخلاقية، يقولون بكل تصميم لمبارك إقتلنا جميعا ولكن لن نتنازل عن مطالبنا. هناك 85 مليون شهيد مستعدون للموت. "إعتقلوني ومش حتشوفوا الخوف في عيوني". وخرجت الأغاني تعبر عن تطلع الروح إلى الحرية التي تنادي في كل شبر في أرض مصر. إن هذا الإنطلاق من الذات إلى الكل، من الفرد إلى الجماعة والوطن، من الحياة إلى ما بعد الحياة، من المادة إلى الروح، من التمسك بالأرض إلى التطلع إلى السماء، هي مظاهر لذلك الإيمان القوي بالله الذي يحمله هذا الشعب، إيمان لا يعرف الطائفية، ولا المسميات الدينية.  إنه السر الذي جعل هذه الثورة المصرية ثورة يتطلع إليها العالم.
حافظت هذه الروح على سلمية هذه الثورة، حتي إستطعنا أن نتخلص من الطاغية،  وهذه الروح إذا تواجدت في العالم أجمع بين شعوب الأرض، لأمكن أن نقضي على كل محاولات الهيمنة القادمة من القوى الإقتصادية العظمى التي تتصارع بشكل أو آخر صراعا اقتصاديا ومعرفيا من أجل الهيمنة وإستنزاف من هم أقل قوة وقدرة، وينعكس هذا على بؤر تتصارع في العالم أجمع صراعا يجعلها أكثر ضعفا، ويعطي القوى المهيمنة فرصة لمزيد من الإستنزاف. والمكان لا يتسع للمزيد من التحليل، ولكن علينا في هذه المنطقة أن ننتبه أن خلق صراعات في المنطقة يخدم مصالح القوى الكبرى. نجد صراعا بين إيران والبلاد العربية، من ناحية، وجهود لتغذية الإتجاهات التي تبرر الإعتداءات المتكررة على الفلسطينين من ناحية أخرى، وخلق فرقة عربية تجاه المشكلة الفلسطينية، والعمل على تعظيم الإتجاهات الطائفية وغيرها. وعلى الرغم من أنني أكره تعليل السلبيات التي توجد في المجتمع تحت وهم أو فكر المؤامرة إلا أنه ينبغي أن نضع هامشا ولو صغيرا إلى وجود من يريد أن يقضي على هذه الثورة المصرية لمصالحه الخاصة. والتغلب على  هذه المؤامرات ليس بترديد الفكرة، ولكن بتكوين مجتمع متماسك قوي، والبحث عن أسباب الفرقة  جذريا وليس سطحيا، ولقد تبين لنا أن الشعب المصري متماسك، ولكن التعرض المستمر للفتن قد يضعف جهازه المناعي، ويقع فيما لا يحمد عقباه، ولذا فإنه كلما استبد بي القلق على مستقبل مصر، إستعدت في ذاكرتي هذا التلاحم الذي حدث بين الشعب في لحظة تاريخية عظيمة، وسجل لها التاريخ في ذاكرته صورة لن تنسى، إنها صورة ميدان التحرير، حيث عاشت مصر لحظة بعث جديد وأصبح الكل في واحد. 

No comments:

Post a Comment