Tuesday, June 8, 2010

كيف يمكن أن ندفع إسرائيل للكشف عن وجهها القبيح: د. علياء رافع


لقد هزت حادثة الإعتداء على أسطول "الحرية" الضمير العالمي من أقصاه إلى أقصاه، على الرغم من الموقف السلبي الذي أبدته الولايات المتحدة الأمريكية، والتصريح المستفز الذي ألقاه بايدن بكل بجاحة "إسرائيل لها الحق في الدفاع عن نفسها"، ثم خيبة الأمل في الرئيس أوباما الذي رفض أن يدين إسرائيل، منتظرا التحقيق في ملابسات الحادث.
 في وسط هذا الخضم من الغضب العالمي شعبيا ورسميا، كنت أمسك أنفاسي، وأدعو الله ألا ترتكب حماس، أو أي تنظيم متشدد آخر فعلا، يأخذ الأنظار بعيدا عن هذا التعنت الإسرائيلي. وإذا بي أفاجأ بحادث القرصنة في الصومال،  وعلى الرغم من أن هذا الحادث يمكن إستغلاله إعلاميا في الإشارة إلى أن الهجوم على السفن ليس عملا إسرائيليا منفردا، إلا أنه أهون من أن يكون هناك عمل تفجير قنابل في أماكن مدنية في إسرائيل، أو إرسال تلك الصواريخ التي لا تصل  أبدا إلى أي هدف عسكري، ولا تؤدي غرضا، إلا إثارة الوحش الإسرائيلي المتربص بالقضاء على الفلسطينيين آجلا أو عاجلا، وإعطائه التبرير لأفعال العنف والإرهاب والإبادة.
وتختلف هذه الحادثة عن أي حوادث أخرى في أن المصابين فيها ليسوا "عربا" ، وإنما ينتمون إلى المجتمع الدولي بمختلف جنسياته، ولذا فإن التصريحات المهاجمة لإسرائيل صدرت من كل أنحاء العالم في صورة رائعة. والسؤال الذي أطرحه هو كيف يمكن أن يستغل الفلسطينيون هذه الحالة من الغضب على إسرائيل من أجل قضيتهم؟ وما الذي يمكن أن تقوم به السياسة العربية في هذا الوقت الحرج؟
لقد عبرت عن رؤيتي في أكثر من مناسبة وفي العديد من السياقات، ألا وهي أنه كلما إزداد العرب تماسكا، وقدرة على طرح قضية الفلسطينيين بدون إظهار عداء للدولة اليهودية،  كلما ساعد ذلك  الرأي العام العالمي في قدرته على وضوح الرؤية، وأنا على يقين أن السلاح القاتل للعنصرية الصهيونية، هو نزع فتيل العداء الذي تنفث به السياسة الإسرائيلية في الشعب اليهودي، بكل الطرق الممكنة، موغلة صدره ضد كل الجيران العرب، مصورة له أن هؤلاء وحوش يتربصون بهم كي يقضوا عليهم ويتخلصوا منهم.  وللأسف فإن الكثيرين من المتشددين مازالوا يرون أن القضاء على إسرائيل ورجوع جميع اللاجئين المطرودين عام 1948 إلى أرضهم هو الهدف الكبير الذي يجب أن يتمسك به الفلسطينيون. هكذا وبكل وضوح يعلن قادة حماس في كل مناسبة، ثم يطلبون بعد هذا الإعلان هدنة مع عدوهم. وينسون إن مثل هذا التصريحات تفتح للعدو بابا لإستعطاف العالم معه، ولتحفيز المواطنين الإسرائيليين على إنتهاج موقف عدائي من العرب.
أتصور أن السياسة العربية يجب أن تسير في خطين متوازيين، الخط الأول يستوحي إستراتيجياته من إستشراف طويل المدى للمستقبل، وقد يكون هذا الإستشراف أو هذه الرؤية حلما يبدو الآن وفي ظل الظروف الراهنية غير ممكن التحقيق – ولكن من كان يصدق أن أحلام هرتزل في إنشاء دولة لليهود في فلسطين كان ممكنا -  تتمثل هذه الرؤية في زوال دولة صهيونية قائمة على أساس ديني، وقيام دولة مدنية ينعم فيها الفلسطينيون ومن يطلق عليهم إسرائيليون اليوم بكل حقوق المواطنة والحرية ويعيشون معا في سلام. ولكن قد يكون الطريق إلى ذلك هو قبول إنشاء دولة فلسطينية جنيا إلى جنب مع دولة إسرائيل، لأن هذا هو الحل الأكثر ملاءمة للوضع الراهن. ويصبح السؤال هو كيف يمكن أن يقود هذا الحل إلى الوضع الآخر؟
أعتقد أن العرب والفلسطيينيين في حاجة إلى تغيير جذري في طريقة التفكير، ينبثق من التعاطف الإنساني لحقوق البشر في كل مكان، ومن ثم لا يصبح الإسرائيليون الذي ولدوا وتربوا على هذه الأرض أعداء مباشرين للعرب والفلسطينيين، ولكن تتوجه السياسة العربية إلى تحويلهم من أعداء إلى نصراء. وهذا ليس مستحيلا كما يبدو لأول وهلة، فهناك بعض الإسرائيليين وإن قل عددهم، وكثير من اليهود حول العالم، ينفرون من السياسة الإرهابية التي تمارسها إسرائيل ضد الفلسطينيين، وعلى سبيل المثال فإن مؤسسات يهودية في أمريكا مثل جمعية تايكون، أعلنت تضامنها مع ضحايا الأسطول، ولامت إسرائيل على هذا العمل، ودعت ممثلين من جميع الأديان من أجل الصلاة على روح الضحايا.  تحتاج مثل هذ الجمعيات إلى تدعيم معنوي، حتي يمكن أن تكون ذات أثر على الرأي العام الأمريكي عامة، ,على اليهود في العالم بشكل خاص. وحركة السلام الآن Peace now Movement التي ولدت بعد معاهدة كامب دافيد،  وحركة المرأة ذات الرداء الأسود Women in Black ، ,قد ولدت الحركتان داخل إسرائيل، أضعفتها الأحداث التي توالت على العالم العربي، خاصة بعد الإعتداء العراقي على الكويت، وتدعيم الفلسطينيين لصدام، وأيضا نجاح حماس وحصولها على شعبية، مكنتها من الصعود إلى الحكم.  ولذا فإن هناك حاجة إلى ضخ مزيد من الثقة بين المواطنين الإسرائيليين في أن العرب لا يريدوا أن ينتقموا منهم، ولكنهم يريدون أن يعيشوا في آمان، وهو نفس المطلب لأي شعب بما فيه الشعب الإسرائيلي. وقد يكون هذا الإتجاه غير مجدي بالنسبة للعقلية العنصرية الصهيونية، ولكن إذا كان تكوين إسرائيل نفسها قائما على الفكر الصهيوني، فليس معنى هذا أن تغيير هذا الفكر في الأجيال الشابة مستحيل.
أما الخط الثاني الذي يجب أن تسير فيه البلاد العربية – بما فيهم الفلسطينيون – فهو التضامن في حركة شاملة  من أجل منع الدولة الصهيونية من خلق واقع جديد على الأرض. وإذا لزم الأمر فإن وقفات احتجاجية متوالية في كل العالم العربي والإسلامي، وبين كل الشعوب المحبة للعدل والسلام  في حاجة إلى سياسة عربية وإسلامية نشطة، من أجل أن يصبح صوت الحق مسموعا، وأهداف الحركة واضحة، أي أن يكون المطلوب هو إيقاف بناء أي مستوطنات جديدة في أي بقعة على أرض فلسطين، وذلك تمهيدا لمفاوضات سلام تحقق العدل لكل من الشعبين. ويجنح بي الخيال فأري شعب مصر يزحف إلى سيناء: ملايين البشريقفون على حدود الدولة الصهيونية منادين بأناشيد السلام، والعدل لشعب فلسطين، وبنداء لشعب إسرائيل أن يقف ضد الساسة من أجل الأمن والأمان للجميع. ويحدث نفس الشيء على حدود سويا والأردن. إنه زحف من أجل السلام وليس من أجل الحرب والقضاء على الشعب الإسرائيلي. إذا كانت هذه الوسيلة السلمية هي أحد الوسائل إلا أنها ليست الوسيلة الوحيدة، فيجب أن يكون هناك تعاون ديبلوماسي عربي وإسلامي يدعم هذه الرؤية، وفي الوقت نفس إستخدام كل ما يمكن إستخدامه من قوى إقتصادية في هذه المنطقة من أجل إظهار جدية المطالب الفلسطينينة.  ولكن السؤال الشائك هو كيف يمكن أن يحدث هذا في ظل إنقسام فلسطيني، ينتشر خارج المجتمع الفلسطيني إلى المجتمع العربي والإسلامي؟  إن هذا الإنقسام هو الذي يضعف الموقف الفلسطيني، ولا شك أن مصر – بقدرها المحتوم – عليها دور هام في تغيير ذلك الموقف على الصعيد الفلسطيني، والعربي والإسلامي. ولقد هزني وأسعدني أن الشعب المصري قد ترك ليعبر عن غضبه مما حدث في كل أنحاء مصر، تبعا لما نشرته الجرائد المصرية.
لا تحتاج إسرائيل إلى كثير من الجهد حتى يبرز وجهها القبيح، تحتاج فقط لوقت لا يشتت فيه العرب جهدهم، ولا يقوم المتشددين بأعمالهم الصبيانية غير المجدية، وبتصريحاتهم غير المسئولة.  وأنتظر بكل الأمل أن يصل الأسطول الثاني إلى غزة متحديا ما أرادت أن تبثه إسرائيل من الرعب، حتي لا يجرؤ أحد على الوقوف أمام حصارها البشع لغزة.  إن إستمرار التصميم على مساعدة  أبرياء عزل من البشر ضد حرب الإبادة التي تمارسها إسرائيل، سيزيد من غضبها ومجونها، وكشف أنيابها التي تحرص على إخفائها من خلال إسقاط صورتها على العرب، خاصة الفلسطينيين. وأدعو الله ألا يقوم متهورون هنا أو هناك بأعمال هوجاء، تساعدوا إسرائيل على إخفاء وجهها القبيح تحت قناع الدفاع عن النفس.   

No comments:

Post a Comment