Tuesday, June 22, 2010

أوباما بين الواقع والحلم د. علياء رافع

منذ عام وفي خطابه التاريخي في جامعة القاهرة تحدث أوباما عن رؤيته الآنية و المستقبلية، وأرسى على المستوى الديبلوماسي والفكري دعائم جيدة للعلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية وبين العالم أجمع، خاصة مع العالم الإسلامي . وقد كانت ومازالت الرؤية التي قدمها الرئيس الأمريكي الأسمر نقطة تحول فكرية في الخطوط العريضة للديبلوماسية الأمريكية.  وفي نفس هذا الوقت من العام السابق كتبت مقالة في هذه الصفحة مستعرضة أربع نقاط رئيسية تمثل نقاط تغير في السياسة الأمريكية،  وهي تتمثل أولا في  إزالة الاستقطاب بين الشرق والغرب، وثانيا دعوة العالم إلى التجمع على قيم إنسانية عليا تتفق عليها جميع الحضارات وأزال بهذا خرافة صراع الحضارات، و ثالثا أكد أن التغير يبدأ بتنمية الإنسان عن طريق العلم والتعليم الجيد وأعلن إستعداد الولايات المتحدة الأمريكية على التعاون مع البلاد الإسلامية في هذا المجال ، ورابعا كان شجاعا في الاعتراف أن الفلسطينيين قد أخرجوا من وطنهم وأنه لا بد من التمسك بحل عادل لقضيتهم والإسراع بهذا الحل، ويتمثل في ضرورة إنشاء دولة فلسطينية على وجه السرعة جنبا إلى جنب مع دولة إسرائيل.  ولم تكن هذه النقاط إلا بعض من المحاور الهامة التي احتواها الخطاب، ولاشك أنه مع إعادة دراسة ما جاء في هذا الخطاب يمكن أن تسفر أي دراسة عن مزيد من التحليل والتأويل لما أعلنه أوباما.
نقف اليوم بعد عام من هذا الإعلان، لنجد أن الرجل هو الرجل، ولكننا لا نلمس لهذه الرؤية وجودا على أرض الواقع، خاصة فيما يتعلق بالمسألة الفلسطينية. فلقد إتضح بصورة لا تقبل الشك أن إسرائيل أكثر قوة في فرض إرادتها على الولايات المتحدة، وأنها لن تتنازل قيد أنملة عن مخططها في تحقيق أحلامها التي ندرك بعضها، وما خفي كان أعظم. فلم تستطع أقوى دولة في العالم  إثناء إسرائيل عن إستكمال بناء مستوطنات جديدة وخلق واقع جديد في القدس،  ولنلحظ أنه على الرغم من أن العالم أجمع قد أعلن غضبه على هجوم إسرائيل على السفينة "ألحرية" التي كانت تحمل المعونات الإنسانية إلى أهالي غزة، إلا أن أمريكا وقفت صامته بإدعاء إنتظار نتائج التحقيق، ولم يفزغها الهجوم غير الشرعي تبعا للقانون الدولي على سفينة مدنية لا تحمل سلاحا، كما لم يفزعها عدد القتلى والجرحي الأبرياء. لا شك أن هذا الموقف قد خذل الضمير الإنساني عامة، والعالم النامي المتطلع إلى الحرية على وجه خاص. أردت أن أبدا بهذه النقطة الهامة في هذا السياق، من أجل طرح السؤال الذي يعني به هذا المقال، ألا وهو الإشارة إلى حجم الفجوة التي توجد دائما بين الواقع والحلم. 
على غير ما يرى أو يظن البعض ممن إتهموا أوباما أنه يقول ما لايعني، وتنبأوا أن السياسة الأمريكية لن تتغير، فلقد كنت أثق في هذا الرجل وكلمته، ودائما فإن منهجي في الحياة، أن أصدق الآخرين إلى أن يثبت العكس. ومازلت أري أن هذا الرجل كان يعني ما يقول، وأنه أراد ويريد أن ينزغ فتيل العداء بين الفلسطينيين وبين الإسرائيليين، ويسعى إلى أن ينال كل ذي حق حقه، ولكن التمنى سهل، وأما تحويل الأمنية إلى الواقع فهو الجهاد بعينه.  ويعود فشل أوباما في تحقيق رؤيته لعدة أسباب، بعضها عام، وآخر خاص، وسأعالج بعضها كالتالي:  أولا يرجع فشل عامة أوباما إلى أن فكره كان سابقا لعصره، وعندما يجيء إنسان قبل أوانه تلاقي أفكاره مقاومة كبىري, على كل المستويات. ولهذا أغضب أوباما يهود أمريكا، ولم يرض المسلمين أيضا. وتشدد المسلمون والعرب إلى درجة أنهم أرادوا أن يجعله معبرا عن رؤيتهم ووجهة نظرهم، وأن أي اختلاف بينه وبينهم يعني لديهم أنه مخادع وغير صادق. وأما يهود أمريكا فإن جنونهم بأمن إسرائيل وسلامته، جعلهم يشعرون بخطورة سياسة هذا الرجل على الوجود الإسرائيلي نفسه. وفشل أوباما لأنه لم يتخذ من معاونيه من يؤمن بهذا الفكر.
ثانيا:  فرضت المصالح الإقتصادية والاستراتيجية نفسها على مستوى السياسة الخارجية، وأصبح واضحا أن هيمنة أمريكا وسيادتها على العالم يجب أن تستمر بنفس الصورة القديمة. ولذا فإن كلماته عن الحوار بدلا من الصراع بدت كلمات جوفاء في ظل محاولة فرض القوة العسكرية في أفغانستان، والإصرار على التحكم في تخصيب اليورانيوم في إيران، والتأكد من تبعية العراق للخط السياسي الأمريكي. وظهرت أهمية أفغانستان  بشكل خاص بعد إكتشاف الثروات المعدنية التي قدرت بتريليون من الدولارات، ومثل موقف أمريكا من القضية الفلسطينة فضيحة سياسة تشين الولايات المتحدة عندما تبين ضعفها أمام دولة صغيرة مثل إسرائيل، وهي الدولة الوحيدة التي فرضت إرادتها وتحدت أكبر دولة في العالم. وفي المقابل فإن إستعراض القوة مازال مستمرا،  وما زال مسلسل الهمينة الأمريكية مستمرا دون توقف، مخلفا وراءه حصادا جديدا من الكراهية.
ثالثا: بدت النزعة الإنسانية التي ميزت خطاب الرئيس الأمريكي قوية، ولكن لم ير لها واقعا ملموسا في ظل سياسة مازالت تحمل قيما مزدوجة، ومازلت تزن الأمور بمكيالين، وأما على مستوى السياسة الداخلية فإن هذه النزعة الإنسانية تطلبت  تدخل الدولة في قطاع الخدمات. و تم إستغلال هذه السياسة  من قبل الجمهوريين لتشويه صورة الرئيس. لأنه من وجهة نظر هؤلاء فإنه يتحدى المباديء الأساسية التي قامت عليها الولايات المتحدة، ويحول نظام الحكم إلى حكم مركزي سلطوي على المستوى الاقتصادي، ويحد من حركة رأس المال في السوق. وهذا الإدعاء وحده كفيل بأن يسحب من تحت أقدام الرئيس الكارزمي الشعبية التي ساندته حتي وصل إلى ما وصل إليه. وتجيء أهمية إدراك هذا الضعف الداخلي بالنسبة لنا،  لأنه سيؤدي بالضرورة إلى محاولة الرئيس لكسب شعبية له من خلال نجاح ما في مستوى السياسة الخارجية يعيد له الشعبية المفقودة. ولأن الشعب الأمريكي مازال يعيش في عالمه الخاص، ولا ينظر إلى ماوراء المحيطات التي تحيط به، فإن بناء صورة جيدة لأمريكا في العالم يصبح من أهم المنجازات التي يحاول أن يحققها الرئيس، حتى لا يدخل في محاولة فاشلة مسبقا لبيان أن سياسته الداخلية لا تتناقض مع المباديء الأمريكية.  ولكن هذا الحل هو أيضا معضل، لأن صورة الرئيس الأمريكي في العالم الإسلامي أصبحت صورة مهزوزة، وأما بالنسبة لشرق آسيا أوروبا، فإن العلاقة التي تربطهم بالولايات المتحدة هي علاقات تنافس وليست علاقات تضامن. ويبدو أنه لا مناص من أن يعيد نفس أسلوب تصعيد الخطر الخارجي، مبينا كيف تعمل الإدارة الأمريكية على مقاومة هذا الخطر. قد يختلف أسلوب هذا الرئيس عن سابقه، ولكن تتفق هنا وهناك الرؤية الإستراتيجية، وهو ما يعني أن أوباما سيستمر تطبيقيا في محو ما أعلنه نظريا.
وأخير وليس آخرا،  يظل التعاون العلمي بين الولايات المتحدة وبين العالم الإسلامي هو الهدف المنشود الذي يمكن تحقيقه، ولعل الأيام تفصح لنا عن ماذا تم في برنامج هذا التعاون.   
وما أريد أن أصل ليه بهذا العرض هو أن العالم قد يفقد إمكانية حقيقية للتغيير كان يمكن أن تؤدي إلى تحول في العلاقات الدولية، وأن هذا لا يرجع إلى خدعة قام بها رئيس أمريكي، ولكنه يرجع إلى ثقافة عامة في العالم، تريد في كل وقت أن تخلق "آخر" كي تحاربه وتقضي عليه، أو تستنزفه من أجل مصلحتها. ولقد قدم أوباما رؤية مختلفة متطلعة إلى تعاون دولي من أجل تحقيق أهداف إنسانية عامة في كل مكان على الأرض، مثل التعاون من أجل تخفيف حدة الفقر والاضطهاد والتهميش في العالم أجمع. كان أوباما متطلعا إلى تعاون ثقافي وعلمي بين الأمم يؤدي إلى التقارب والتفاهم، وشد أزر الدول الأكثر تقدما للدولة النامية. ووقعت أحلام أوباما صريعة على أرض الواقع، فهل من أمل في بعثها من جديد؟  أم أن تغيير الحال من المحال كما يقولون.  أزعم أن العالم في حاجة إلى مزيد من التأهيل الثقافي لهذه الرؤية ، وأننا يجب أن ننشيء أبناءنا ليؤمنوا بأن الكل إنسان وأن بعضنا من بعض.  نريد أن يتضامن العالم من أقصاه إلى أقصاه من أجل التوجه لأهداف مشتركة لخير البشرية بدون تمييز، إنه حلمنا وحلم أوباما الذي يجب أن يكون لنا دور في تحقيقه.  

No comments:

Post a Comment