Tuesday, February 22, 2011

إنتبهوا أيها السادة .. مصر مازلت في خطر د. علياء رافع


هذه الثورة المصرية التي فاجأتنا قبل أن تفاجيء العالم، قد تولد عنها ومنها روح مصر الأصيلة التي صنعت الحضارة الأولى، والتي يمكن أن ينبثق منها حضارة شامخة قوية. هكذا داعبنا الأمل ونحن نراقب ونشارك ونصل إلى بعض الأهداف. إستيقظنا يوم 12 يناير وكأنه ميلاد جديد لمصر، نشعر فبه بنسيم جديد وروح جديدة. إمتلأ الجو بفرحة من نوع خاص. ولكن من أعماق هذه الفرحة لم أستطع أن أكبح آهات قلبي وهي تبكي على أبنائي -  ابناء مصر – من الشهداء. هناك دائما غصة في حلقي، وآهة آلم أطلقها عندما أكون بمفردي متساءلة لماذا قتل مصريون مصريين؟  ما ذلك القلب الذي سمح لإنسان أن يطلق النار والرصاص على إنسان أعزل لا يبغي شيئا سوى أن يطلب "الحرية والكرامة الإنسانية".  وعندما تتحول الآهات إلى دموع فإنني سرعان ما أتذكر أن القتلة مازالوا يمرحون. وأتعجب كيف بعد أن سقط رأس النظام، يظل سدنة الحاكم يلعبون في الملعب. وبالطبع فإنهم يتمهلون ويتلكعون حتي يرتب الجناة أوراقهم، وينفذون بجرائمهم.
إن المساءلة على ماحدث يوم 28 يناير يجب أن تأخذ مجراها فورا، وهناك ماهو واضح في هذا الأمر، وهناك ما هو غامض. الواضح بالطبع هو أن أمر إنسحاب قوات الأمن قد جاء من وزير الداخلية، ولكن الغامض هو ما إذا كان رئيس الجمهورية حينئذ قد شارك في إتخاذ هذا القرار أم لا؟  وإذا لم يكن جزءا من هذا القرار، فلماذا لم يعتذر عنه "بصراحة ووضوح ودون إلتباس" في أي من كلمتيه اللاحقتين؟ وأيضا من الواضح أن فتح السجون وحرق أقسام الشرطة كان عملا منظما لأنه قد حدث في وقت واحد، وفي كل أنحاء الجمهورية وبنفس الطريقة، وهو ما يؤكد أن هناك جهات مسئولة عن هذا الفعل، ولكن الغامض هو من الذي تعاون مع وزارة الداخلية في إتمام هذا الجرم بهذا الشكل؟ وأكثر ما يثير الحنق والغضب مرة أخرى هو أن حبيب العادلى الذي يجب أن تكون تهمته "الخيانة العظمي" على الأقل لأنه قد ترك الحدود المصرية بدون أمن، وترك مصر كلها بدون شرطي واحد، نجد أن تهمته فقط هي الإستيلاء على المال العام.
إن دماء شهداء الثورة لن تنتظر حتي يهرب الجناة، وأرواحهم الآن وهي في جنة الخلد تشهد علينا، وهي التي تمنحنا تلك الشجاعة والقوة، ولذا فإنه من أجل الوفاء لمصر ولدم أبنائها، يجب أن نكون منتبهين، فلا تلهينا الفرحة عما يجري في الأروقة الداخلية لهذا النظام البغيض الذي ما زالت باقياه تجول وتصول في الأجواء. ويجب أن يعني هذا الإنتباه أن نكون مشاركين في صنع مستقبلنا بالعمل والمشاركة كل في مجاله وعلى قدرإستطاعته. وسيظل ميدان التحرير مكانا للتجمع الأسبوعي الرمزي الذي يعطي شعب مصر هذا التضامن المعنوى الذي عشناه على مدار ثمانية عشر يومان، كل يوم منها كان بمثابة دهر. لم يعد ميدان التحرير ميدانا في الواقع، ولكنه أصبح مستودعا معنويا لهذه الأيام الجسام. ولذا يجب التفرقة بين اللقاء الذي يجمع أبناء الوطن في هذا الميدان، وبين تلك التظاهرات الفئوية التي تتعجل المكاسب.  
روح مصر التي ولدت في تلك الأيام العظيمة يجب أن نحافظ عليها بكل ما نستطيع من جهد، ولذا فلقد تألمت كثيرا أن المناخ الذي خلقته الثورة بعد رحيل مبارك، أفرز إحتجاجات فئوية لا تمت لروح الثورة، ولكنها تظهر كم الفساد والإفساد الذي تفشى في كل المؤسسات تقريبا، وولد هذا الشعور بالغبن والإنكسار رغبة في إسترجاع كل ما أضاعته الأيام، حتي ولو كان بشكل غير منطقي. وكأننا نواجه مرة أخرى الظلال الظلامية التي خلقها النظام البائد والتي خلقت في داخل النفس الإنسانية صراعات تحجب الرؤية وتخلق إزدواجيات غريبة وعجيبة، فيصبح الفرد قادرا على تبرير الإنحرافات المهنية بمبررات أخلاقية. وقد عبرت هذه الاحتجاجات عن هذا الخلط، فهؤلاء المحتجون  يخلطون بين حقوق  مدنية اإكتسبوها جزئيا بكسر حاجز الخوف وبين أن تكون مصر في أولوية إهتمامهم. إنهم يتظاهرون في وقت يضر بمصلحة مصر وإستقرارها، وينسون أنهم يسيئون لمصر ويسيئون للثورة التي قامت من أجلهم.  
وأما الخطر الداهم حقا فهو التنافس في سرقة الثورة عن طريق أحزاب جديدة تتخذ إسم الثورة عنوانا لها. عندما طالعني أسماء أحد هذه الأحزاب ظننت أن شباب الثورة قد تجمعوا لينشئوا هذا الحزب، ولكن لم تطرح أي خطوط عريضة لفكر هذا الحزب، أو لأسماء قياداته. وفي نقاش مع أحد المثقفين، نبهني إلى أنه لا يصح أن يكون هناك حزب تحت هذا المسمى، لأن الثورة هي لمصر كلها، ولا يصح أن يتكون حزب حاملا إسمها، وحينئذ أصبح واضحا أنه سيحدث سباق لخطف الثورة.
وهناك تحديات أخرى في هذه المرحلة الإنتقالية من حيث أن التعديلات الدستورية الجارية هي تغيرات محدودة، وتتعلق بالإنتخابات، ولكنها لا تعدل الكثير من المواد التي تسخر حكم الفرد، والتناقضات العديدة بين مواد الدستور، وتدخلنا في متاهات قانونية. وأتمنى أن تطالب لجنة التعديل إضافة تعديلات للمواد الدستورية التي تعطي للرئيس سلطات غير محدودة، مما سيهددنا جميعا بأن يتحول الرئيس القادم إلى قوة قمعية مستخدما هذا الدستور، موقفا من حركة الإصلاح المنشودة.
ومازلت أشم روائح في الهواء تحاول أن تخفف من الإعتداءات التي حدثت على الشعب في ظل النظام السابق برئاسة الرئيس، تحت زعم كلمات فضفاضة مثل "الوفاء" و"الإحترام"، وخلافه، ينسى هؤلاء أن القضية ليست مبارك، ولكن القضية هي مصر التي كادت أن تضيع من أبنائها، والتي تسبب هذا الحكم في حالة من الإغتراب واليأس ، وضيع أجيالا وهي تحاول أن تبحث عن مجالات العطاء والبناء، فهربوا فكريا إلى التشدد والعنف، وهربوا فيزيقيا من خلال الهجرة التي حملت لهم الموت في كثير من الأحيان. إن إحترام الشعب أهم كثيرا من إحترام فرد، أظهر في أيامه الأخيرة أن إنتماءه إلى بلده لا يأتي في مقدمة أولوياته، وتسبب في حالة عدم الإستقرار التي نعاني منها حتى اليوم.  لو أنه إحترم وإستجاب للمطالب العادلة التي أعلنها شباب ثورة 25 في حينها، لجنب البلد هذا الغليان، ولو أنه تعامل مع الشعب بعد ذلك بالإحترام، وليس بالتسبب في إختلال الأمن وشيوع الفوضى، لجعل كفته في عيون الكثيرين تأخذ ثقلها، ولكنه إختار ألا يحترم إختيارات الشعب ومطالبه، فكيف يمكن أن يطلب البعض التعبير عن إحترامه؟
ويمتد التخوف من تلك الوزارة تحت قيادة أحمد شفيق الذي أكتفي في صبيحة مذبحة 2 فبراير بالإعتذار وأعرب عن دهشته لما حدث، كان الأولى به والطبيعي أن يقدم إستقالته فورا بعد إعلان عدم قدرته على اللجوء إلى وزير الداخلية، أو الإستعانة بالجيش في وقف هذه المعركة المروعة من بلطجية يلقون بكوكتيل المولوتوف، ويجوبون شوارع العاصمة بالجمال والخيول وصولا إلى ميدان التحرير، دون حسيب أو رقيب.  إن رئيس الوزراء الذي يكتفي بكلمات الإعتذار، ولا يستطيع أن يقدم إجابة عن سبب التراخي والتجاهل لهذا الحدث لا يمكن أن يستمر في تسيير الأعمال، وكذلك كل الوزراء الذين أدوا القسم أمام رئيس قد تنحي، وحاربوا الثورة بكل الطرق الممكنة وهي تحاول أن تشق طريقها وتحقق مطالبها.
حتي يمكن أن يطمئن الناس ويهدئون فإنهم في حاجة إلى قرارات ليست فيها أي مشقة، ولكن بدونها فإننا مازلنا نشعر بالخطر. وهناك فرق كبير بين تحسب الخطر، وتعظيم الخوف، فهناك دائما أمل، لأن ما تحقق لم يكن ليحدث دون الأمل، والتصميم والإرادة والتجمع على الهدف، والتعالي عن الإختلاقات، هذه هي روح الثورة التي ستستمر بإذن الله، ولن يقف في وجهها أي قوة.    

No comments:

Post a Comment