Tuesday, August 2, 2011

بداية إنكسار تيارات تسييس الإسلام د.علياء رافع


إنتشرت خيبة الأمل بعد جمعة ووحدة الصف، ولم الشمل وتأكيد الإرادة الشعبية التي دعت إليها تيارات الإسلام السياسي متمثلة في الإخوان المسلمين، والجماعات الإسلامية والسلفيين. ولقد بدأت هذه التيارات دعوتها، موضحة أن الهدف الرئيسي هو الإذعان للإرادة الشعبية وعدم الإلتفاف حولها. وشرحت أن الإلتفاف حول الإرادة الشعبية يتمثل في التفكير حول كتابة دستور قبل الإنتخابات، شارحة أن طرح هذه القضية في حد ذاتها غير منطقي لأن الموافقة على التعديلات الدستورية قد جعل كتابة الدستور لاحقة للإنتخابات، ومنبثقة من إختيارات مجلسي الشعب والشورى للجنة التأسيسية. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل إنها إستخلصوا من هذه الرؤية أن محاولة كتابة أي وثيقة لمباديء فوق دستورية، أو حاكمة أو أي تحت مسمى آخر، هو إلتفاف حول الإرادة الشعبية، لأنها ستوجه الشكل الذي سيكتب به الدستور الجديد قبل إنتخابات ممثلة للشعب.
وعلى أية حال فإن مثل هذه الرؤية لها منطقها، ولها مسبباتها، وإن كان هناك كثيرون لا يتفقون مع هذا التيار في هذه الرؤية، وقد سبق لي مرارا وتكرارا أن وضحت أن إجراء الإستفتاء في حد ذاته على تعديلات دستورية، تعني أن دستور 1971 لم يسقط، ومجرد قبول التعديلات يعني أنه قد أعيد للحياة مرة أخرى، ويصبح تولي المجلس الأعلى العسكري غير دستوري من هذا المنطلق، ولذا فإنني أفهم الآن منطق إصدار الإعلان الدستوري الذي أتي بعد الإستفتاء مباشرة، إذ أن الإكتفاء بالتعديلات الدستورية يشير إلى أن الدستور القديم قد عاد إلى الحياة، ويصبح من المنطقي أن يترك المجلس الأعلى مهام رئيس الجمهورية.  ولذا فقد بدت لي القصة برمتها – مع أنني لست قانونية – لا معنى لها. ولا أستطيع حتى الآن أن أتفهم لماذا لم نبدأ مباشرة في كتابة دستور جديد، أو إستخدام دستور 1954 الذي أجمع فقهاء الدستور والنخبة على أنه دستور جيد، وإعتباره دستور مؤقت، أو حتي الإكتفاء ببيان المجلس الأعلى العسكري الذي وضع فيه مباديء دستورية أساسية هي بمثابة إعلان دستوري إلى أن يتم تشكيل اللجنة التأسيسية على مهل.
أصبح هذا الجدل غير ذي جدوى الآن، ولكن القوى السياسية والنخبة أرادوا أن يتداركوا كثيرا من المخاطر التي يمكن أن تؤدي إليها حالة عدم الإستقرار، وما يمكن أن ينشأ عنها من صراعات سياسية غير ضرورية، ولذا فكانت فكرة الوثيقة هي أحد الأفكار المطروحة على الساحة، والتي رفضها التيار الإسلامي خوفا من أن تتضمن مباديء لا تتماشى مع أهدافه، على الرغم من أن مجال الإشتراك في كتابة هذه الوثيقة كان مفتوحا للجميع. وهذا من حقه، ومن حقه كذلك محاولة تجميع الجماهير على رؤيته. ولذا فإنه أراد أن يظهر أن رؤيته لها تأييد شعبي من خلال الدعوة إلى مظاهرة في يوم الجمعة 29 يوليو، وأطلق عليها مسميات مختلفة ولكنها تدور حول إستنكار أن تكون هناك وثيقة مباديء دستورية، والتي أراد بها أيضا أن يثبت الولاء للمجلس الأعلى العسكري الحاكم. وكأنه بهذه الدعوة يريد أن يرسل رسالة إلى القوى السياسية المختلفة أنها لا تحمل من الولاء ما يحمله التيار الإسلامي، ومن ناحية أخرى فإنه يوجد المبرر كي يرفض المجلس العسكري وثيقة المباديء الدستورية، ويسير في الإتجاه الذي سبق أن وضعه.  
وحتى يحدث هذا التجمع، كان هناك إختياران أمام التيارات الإسلامية، إما أن يختاروا مكانا آخر غير التحرير، وإما أن يخلوا الميدان ليكون حكرا لهم، ويبين قوتهم في الشارع المصري. ولا شك أن الإختيار الأول لم يطرح أساسا، ذلك أن التحرير أصبح رمزا للثورة، وأرادوا هم أن يكون المكان رمزا لقوتهم الشعبية. وفي ظل ظروف الإعتصام القائمة في ميدان التحرير طلبا للقصاص من قتلة الشهداء، أصبح من الصعوبة بمكان أن يكون التحرير مقتصرا على تجمع تيارات الإسلام السياسي، ولذا صدرت بعض التصريحات من البعض بأن المعتصمين يجب أن يفضوا إعتصامهم، ويتركوا الميدان.  وصرحت بعض قيادات هذا التيار إلى أنهم سيطهرون التحرير من هؤلاء، مما كان يعني أن نوعا من الإستنكار لحق أهالي الشهداء في الإعتصام،  كما  كانت تحمل تهديدا بالعنف سيستخدم من أجل إخراج المعتصمين من التحرير. ولما رأت تلك الجماعات  إستهجان الرأي العام لهذه النبرة، غيروا من خطابهم، ولجأوا إلى ما أسموه بالتوافق ولم الشمل، وإعتذروا عن أقوالهم السابقة.    ولقد شهدنا على شاشات الفضائيات التلفزيونية إجتماعات متعددة بين الإئتلافات المختلفة، والأحزاب السياسية على أن تكون جمعة 29 يوليو هي جمعة توحيد الصف، والعودة إلى روح الثورة التي تآلف فيها الجميع من أجل أهداف كبرى مشتركة، وإتفقوا كذلك على ترك الخلافات مثل رفض أو قبول وثيقة مباديء دستورية، وترحيلها إلى مائدة الحوار بعد ذلك. وإعتذر هؤلاء الذين لوحوا بإستخدام القوة عن تصريحاتهم. وقد نتج عن هذا تفاؤل كبير على المستوى العام، وعزم الكثيرون على النزول في هذا اليوم أملا ألا نفقد هذه الروح.
ولكن ما حدث في يوم الجمعة لم يكن كما توقع الجميع، إذ فوجيء المعتصمون أنه بدءا من يوم الخميس أن هناك إستعدادات غريبة تمهد أن يكون يوم الجمعة دعوة خالصة للتيارات الإسلامية، وبدأت الهتافات التي تحمل شعارات توحي بأن هناك مقاومة لتطبيق الشريعة الإسلامية، وهو أمر خال من الصحة، بالإضافة إلى أنه مستفز. وفي نفس الوقت ظهرت هتافات غريبة جدا مثل "صور صور يا أوباما.. الميدان كله أسامة". وأعتقد أن مثل هذه الهتافات غير مسئولة على الإطلاق. ولم يقتصر الأمر على هذا، بل إنتشرت في الميدان أعلام السعودية، وأعلام أخرى كتبت عليها شعارات دينية. وعبر المفكر القبطي كامل زاخر عن رأيه فيما حدث قائلا في أحدى  الفضائيات إنه لم يكن يوما مستنكرا إسلامية مصر، فهي إسلامية منذ القرن الثاني عشر الميلادي، ولكن ما أقلقه هو بعض هتافات مثل " "خيبر خيبر يايهود الإسلام لازم يعود".
ويوحي هذا المشهد بأن ذلك التيار يتصور أنه في حالة حرب، ولكن لا ندري مع من؟ وإلى أين تتجه؟ ومن الذي جمع هؤلاء البشر في أرض مصر الطيبة التي لم تعرف في تاريخها إلا الإيمان السمح المتفتح.  وما مدي قدرة هذا التيار على تزييف وعي العامة من الشعب، حيث الدين وخاصة الإسلام منفذ للدخول إلى عواطفهم وبث روح الحماس في قلوبهم.  ولقد شهدنا في حالة الإستفتاء هذا الخداع الفكري الذي مارسه ذلك التيار في القرى والنجوع وبين أفراد الشعب، حيث ربط بشكل غير مفهوم بين الموافقة على التعديلات وبين تطبيق الشريعة. ولا أستبعد أن يكون قد نشر القول أن هناك مؤامرة من التيارات الأخرى لتهميش الدين الإسلامي، ونشر الكفر والإلحاد.  وإلا لماذا هذه الحماسة في الهتافات الدينية كما لو كانت هناك قوة مضادة تقاوم وتعادي الإسلام.
وعلى الرغم من القدرة على حشد مئات الآلاف من البشر بهذا الزخم في هذا اليوم، إلا أنني أعتبر أن هذه هي بداية النهاية لفاعلية هذا التيار في الشارع المصري. وذلك لأسباب عديدة، أولا لأنه فقد المصداقية بين الشعب عامة، وبين الإئتلافات السياسية على وجه خاص. ويعني هذا أنه سيعمل وحيدا وغير مدعم من أي قوى أخرى. هذا بالإضافة إلى أن قياداته قد خسرت ثقة الجموع التي تنتمي إليها خاصة الشباب، الذي إنضم إلى هذا التيار ظنا أنه سيعيد إلى مصر حيويتها من خلال ربطها بالحضارة الإسلامية التي هي جذر هام من جذور تاريخها. ولقد شاهدت أحد شباب الإخوان إبراهيم الهضيبي متأثرا من عدم إلتزام عبد المنعم الشحات وهو من قيادات السلفيين بما قاله له من عدم رفع شعارات تخرج عن الإجماع الوطني.
و ما قالته قيادات السلفيين والجماعات الإسلامية تعليلا لما حدث، فيه إدانة لهم وتشكيكا في مصدقياتهم. أولا فإنهم دافعوا عن حقهم في رفع شعارات دينية. وهذا القول هو خروج عن جوهر الموضوع، لأن القضية الجوهرية هي قضية السياق الذي تطلق فيه هذه الشعارات ومغزاها. وأما الأمر الآخر، فقولهم أن هذه الجماهير التي جاءت بشعارات غير متفق عليها، قد جاءت عفويا. وهذا فيه إدعاء لأن التحضير لهذه التظاهرة تم تحت إشرافهم. وأما الأمر الثالث فإنكارهم أنهم وافقوا على عدم رفع شعارات إسلامية، وهذا غير حقيقي، لأننا رأينا رموزهم على شاشات التليفزيون تؤكد أنه لن يكون هناك هتافات إلا على ما هو متفق عليه.
ما حدث في هذا اليوم سيوجه المصريين إلى إختيار قوى سياسية أخرى غير هذا التيار السياسي الذي مازال غير قادر على إثبات أنه يؤمن بالدولة المدنية، والذي أثبت أنه قد جعل الغاية تبرر الوسيلة، فلم يحترم كلمته ووعوده.    

No comments:

Post a Comment