Tuesday, August 23, 2011

قضية أسماء محفوظ وأزمة الحرية د. علياء رافع


أخذت أستعيد ما حدث في ثورة الخامس والعشرين من خلال ما كتبت، وما كتب آخرون عن هذه الثورة، وبينما كنت أتصفح مقالا للدكتور عماد جاد في كتاب عن ثورة 25 يناير صادرا عن مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية، أدهشني أن إدارة ما كان يحدث أثناء الثورة يتماثل إلى حد كبير مع إدارة ما يحدث الآن.
بعد سبعة أشهر من هذا الحدث الزلزال، الذي جمع المصريين حول هدف واحد "إسقاط النظام"،  نجد أن ما تحقق على الأرض كثير. ولكن الإنقسامات في الشارع المصري تراكمت وتفاقمت منذ أن أعلن المجلس العسكري تصميمه على تعديلات  لدستور فقد شرعيته بقيام الثورة،  وكان الإصرار على الإستفتاء على تلك التعديلات بداية لإنقسام واسع في الشارع المصري، والأدهش من ذلك أن أحد أعضاء المجلس العسكري وهو اللواء حسن الرويني إعتبر أن نتيجة الإستفتاء التي خرجت بالموافقة على التعديلات كانت تعبيرا عن تأييد الشعب لتولى المجلس الأعلى العسكري مقاليد البلاد. وهذه العبارة على قدر غموضها، فهي عبارة في غاية الخطورة، لأن الجيش عندما ساند الثورة وحماها، فإن الشعب كله هتف قائلا "الشعب والجيش إيد واحدة"، وأتصور أن المجلس العسكري كان يمكن أن تجتاج شعبيته الأفاق إذا ما كان أكثر تلبية لمطالب الثورة من اليوم الأول، وبدءا من إقالة وزارة حلفت اليمين أمام رئيس مخلوع. وما يزعج المرء بحق أن اللواء الرويني أكد أن الجيش لم يكن مجرد حاميا للثورة، وإنما هو السلطة السيادية التي شاركت فيها. ووقفت أمام هذه العبارة طويلا، وأدركت  مغزاها أخيرا أن الرويني يريد أن يقول "إتركوا الجيش يحكم بما يرى أنه في صالح البلاد دون تدخل" ، وهي عبارة تتناغم  مع الطلب المستمر بالثقة في المجلس الأعلى العسكري وعدم التشكيك فيه. ويعيدنا هذا إلى تذكر تلك الوصاية الأبوية التي كنا نعاني منها في عهد مبارك، وأنه رمز الأمة، ولا يجوز أن يوجه إليه أي نقد. وعلى نفس الغرار فإن أي نقد يوجه إلى ممارسات المجلس الأعلى، فإنه يؤخد على أنه نقد موجه إلى القوات المسلحة بأكملها. بهذا المنطق الترويعي، فإن أي نقد يصبح خارجا عن نطاق المسموح به.
وأما على مستوى القوى السياسية، فلقد تفتت الشمل، وتعددت الأهداف وتصارعت وتناقضت. وفي خضم هذا الصراع السياسي، حدثت بلبلة في تقييم ما يحدث على مستوى  الشارع المصري، وتصور البعض أن المعتصمين في ماسبيرو أولا ثم التحرير بعد ذلك فريق يريد أن يحدث فوضى. ولم يلتفت هؤلاء إلى أن التباطؤ في محاكمة المسئولين عن أحداث 28 يناير وقتل المتظاهرين لم تأخذ العناية الواجبة، وبالتالي فإن أهل الشهداء قرروا أن يعتصموا في ماسبيرو أولا، ثم تحركوا إلى التحرير بعد أحداث 28 يونيو المؤسفة عندما إختلط البلطجية بالأهالي، وقاموا بأعمال عنف، قد تكون بطبيعتها قد أدت إلى إثارة مشاعر المعتصمين والمتظاهرين، ودفعتهم إلى هتافات مضادة للإدارة العسكرية، والتظاهر أمام وزارة الداخلية. وقوبل هذا بعنف من الشرطة التي ظهرت بكثافة وإستخدمت القنابل المسيلة للدموع، ويقال أنه كان هناك إستخدام أيضا للأعيرة المطاطية، وتم إعتقال أعداد كبيرة من المتواجدين في هذا المكان. وقام الإعلام بدوره المعهود في توجيه الرأي العام ضد هؤلاء المعتصمين الذين قيل عنهم أنهم مثيرو الشغب والفوضى.  ثم جاء التحرك نحو وزارة الدفاع في 22 و 23 يوليو لتحفيز المجلس العسكري الحاكم للإستجابة لمطالب الثورة عامة، ولأهالي الشهداء على وجه خاص. ووجد المتظاهرين أنفسهم محاصرين في العباسية عند مسجد النور بين صفوف من الشرطة العسكرية وقفت حاجزا حتي لا يتموا مسيرتهم إلى الوزارة، وبين الأمن المركزي، بينما أخذ أهالي العباسية وبعض البلطجية في ضرب المتظاهرين من أعالي العمارات بالملتوف والطوب. وتضاربت الأقوال والروايات مما زاد البلبلة وضبابية الرؤية. وبلغ الأمر أن يتهم الرويني المتظاهرين أنهم كانوا مبيتي النية على إستخدام العنف.
وتطور الأمر مؤخرا عندما أصبح الجيش يقف في ميدان التحرير منعا لأي تجمع داخل الميدان، بينما تتواجد سيارات الأمن المركزي بأعداد غفيرة في صورة إستفزازية للغاية، وكأن هناك معركة ما توشك على الإندلاع، وذلك على الرغم من أنه على مدار السبع أشهر كلها، كان المتظاهرون سلميين, وأكثر من هذا فلقد أثبت الشعب المصري أنه على درجة عالية من التحضر والوعي، عندما تكونت تلك اللجان الشعبية بعد الفراغ الأمني المذهل والمروع بعد يوم 28 يناير لتحافظ على الأمن والإستقرار.  
لم تكن إسماء محفوظ بدعا من الشباب الذين تم القبض عليهم ومحاكمتهم محاكمة عسكرية، ولكن لأنها من الناشطات المعروفات، واللائي إرتبط إسمهن ببدايات الثورة، فإن إحالتها إلى المساءلة العسكرية، أشعل فتيلا من الغضب بين الشباب الثائر، إلى حد الإضراب عن الطعام.  ولكن ومع إختلافي في أسلوب أسماء في تعبيرها عن رأيها، فإن عقابها بأي صورة فيه تعدي على حرية الرأي، وإذا علمنا أن هناك آخرون كثيرون مجهولو العدد متعقلين أو مقبوض عليهم للمحاكمة، لأصبحت الحرية التي قامت من أجلها الثورة كلمة جوفاء لا معنى لها في هذا المجتمع الذي يجذبنا بشدة إلى حال ما قبل الثورة، ولكن هيهات.  
وأخير جاءت إلينا أحداث سيناء لتوجه النظر إلى خطورة وجود عدو متربص بنا، مازال الموقف غامضا، ولكن أشعر أن هناك تصعيدا لهذا الحدث، مما سيؤثر سلبا على الإنتباه والتركيز في الإنتخابات القادمة.
يجعلنا الجو العام بصورة مباشرة أو غير مباشرة نقارن بين ما كان يحدث قبل وبعد الثورة، إذن لماذا سالت هذه الدماء ؟ ولماذا كانت هناك ثورة؟  ما لا يستوعبه الكثيرون، خاصة من يديرون شئون البلاد أن ثورة 25 يناير بداية لروح جديدة بعثت في مصر،  ويوم فارق لما قبله. ولن يمكن السيطرة على هذا الشعب مرة أخرى. وحتى مع تلك الفرقة والشتات، فإن إستمرار سياسة الجزرة والعصي ستكشف للناس كما كشفت من قبل إن ما يريده الشعب حرية وديمقراطية حقيقية وليست شعارات وهمية، ومهادنة من هنا وضرب وترويع من هناك.
لم يكن ما قالته أسماء في التويتر سوى تعبير عن وجهة نظر، وليس تحريضا بأي معنى من المعاني، كما أن كلماتها التي نددت في بالمجلس العسكري أثناء موقعة العباسية، خرجت في  لحظة حرجة، وهي ترى حياتها وحياة المتظاهرين في خطر. ولا نفهم لماذا هذاالحصار لمتظاهرين سلميين، وتحويل المشهد كله إلى إشتراك في تراشق بالحجارة. إن تصريحات اللواء الرويني وإتهام حركة 6 إبريل بأنها تعمل على إثارة الفتنة بين الشعب والجيش، فيه إفتراء على حركة وطنية إستطاعت أن تقف في وجه الطغيان في أحلك اللحظات، وهو ما يجعلني أتمنى أن يكون رأيه معبرا عن نفسه، وليس عن باقي أعضاء المجلس العسكري، فهو يذكرنا تماما بنفس الأسلوب الذي تعودنا عليه قبلا.
عندما إنتهيت من قراء ما كتب د. عماد جاد، وجدت أنه فصل يمكن أن يكتب اليوم عما يحدث بالفعل الآن: التهوين من قوة المتظاهرين- تكليف القوات الأمنية بالتعامل معهم (القبض عليهم على أنهم مثيرون للشغب وأنهم بطلجية) – إستخدام نظرية المؤامرة (تلقي أموال من الخارج – إنهيار المتظاهرين الخلقي – أنظر قصة الروينى على المعتصمين في ميدان التحرير) – ترويع الشعب بمختلف الوسائل (الإدعاء أن الإنهيار الإقتصادي تراجع السياحة نتاج للمظاهرات – الفتن الطائفية المتوالية التي أقل ما يقال بشأنها أن هناك تخاذلا أمنيا في إحتوائها) - تضارب بين تصريحات الشخصيات العسكرية داخل المجلس العسكري، بين من نشعر أنه يؤيد الثورة بحق، وبين من يشكك في وطنية أصحابها، وهو ما يجعلنا نشعر أن هناك صراعا ما غير منظور.  وأخيرا فيجب أن ندافع كلنا على حرية التعبير وحرية التظاهر  وأن ندفع بكل الطرق السلمية الممكنة نحو تحقيق أهداف الثورة، دون أن نطالب بإسقاط المجلس العسكري، ذلك أن البديل سيكون مريعا ومرعبا وفي غير صالح هذا الوطن. وأقول للواء الرويني أن من أسقط الدولة – ليسوا الثوار – ولكنه النظام السابق عندما سحب الأمن وأشعل الحرائق في كل مكان، وفتح السجون وأشعل الفوضى وترك الحدود بدون حراسة.  ولم تكن حركة 6 إبريل أو غيرها من الحركات الوطنية مسئولة عن هذا الإنهيار. حفظ الله مصر من كل سوء. 

No comments:

Post a Comment