Tuesday, September 6, 2011

هل يعني إسقاط النظام تحطيم البلاد د. علياء رافع


إعتدت أن أقول في محاضراتي أن المجلس القومي للمرأة والمركز القومي لحقوق الإنسان مشروعان هامان وجيدان للغاية، ولكن الشبهة الوحيدة التي تحيط بهما أنهما شبه حكوميين ولا يمكن أن ينتسب  القاضي ورافع الدعوة إلى مؤسسة واحدة. ولا حاجة إلى الشرح، فالآمر واضح جدا. ومن ناحية أخرى فإن هذين المجلسين يمثلان محاولة لسيطرة الأسرة الحاكمة على النشاط المدني بشكل فج للغاية. فكيف يمكن للجمعيات والمؤسسات المعنية بحقوق المرأة أن تعمل بكامل كفاءتها وهي تقع في منافسة مع رأس الدولة. وكيف لمجلس حقوقي للإنسان أن يدافع عمن تهدر الدولة حقوقهم، وهو مقيد بتبعيته للدولة؟
وعلى مستوى آخر، فلقد كنت معجبة للغاية بمشروع القراءة للجميع، والمكتبات المتنقلة التي كانت تذهب إلى مناطق نائية، وتشجع على القراءة والبحث، وهذا أمر هام للغاية من أجل توسيع الأفاق، ونشأت الوحدات الصحية لتقدم خدمات جليلة في مجال الأسرة والطفل، بدءا من صحة الأم ووسائل تنظيم النسل إلى التطعيمات المختلفة التي كانت تقدم مجانيا وبكفاءة عالية للغاية. وكان مشروع المائة مدرسة مشروعا جيدا، إشتركت فيه كثيرات من سيدات فاضلات وكن سعيدات بهذا الدور الذي جعلهن على صلة حميمية بقطاعات كبيرة من المجتمع الذين لا خيار لهم إلا أن يكون أبناؤهم في مدارس حكومية، وكان لا بد لهذه المدارس من أن تنهض على مستوى البناء التحتي والمستوى التعليمي، وأصبحت المشاركة المجتمعية التطوعية  التي يقدمها هؤلاء السيدات عاملا رائعا في التضامن. وسعدت أيضا بمشروع الفصل الواحد للفتيات الذي شجع الريفيات على تعويض ما ضاع منهن من فرص في التعليم، وبدا الأمل يداعب خيالهن مرة أخرى.
حقا أطاحت الثورة بالنظام السابق المستبد، والذي عشنا تحت ظله ثلاثين عاما، فسرق منا العمر ولكنه لم يجهض الأمل إلى أن جاءت الثورة تنشد الحرية والكرامة الإنسانية، وإستطاع هذا الشعب أن يسقط رؤس هذا النظام، ويجهض مشروع التوريث الذي  كنا نسير فيها مرغمين، خاصة عندما تقاعست الأحزاب الكرتونية عن أداء دورها الوطني عن طريق التجمع والإلتفاف والتكاتف من أجل إيقافه.
 وبعد هذه النجاحات العظيمة، وقفت متأملة ما يحدث في المجتمع اليوم، وينتابني الفزع عندما يخلط الكثيرون بين إسقاط النظام وبين بعض المشروعات الناجحة التي ترأسها أفراد عائلة الرئيس المخلوع، والذين  أنشأوها ولم يكونوا مهتمين بمصلحة الوطن بقدرإهتمامهم بإثبات وجودهم وفرض سيطرتهم.  حقا وضعت الأسرة الحاكمة تجميل صورتها وفرض سيطرتها على أولويات برامجها. وحقا تم الصرف المبالغ فيه من أجل الدعاية لهذه المشروعات والتي كان من الأولى أن تصرف على هذه المشروعات نفسها أوغيرها. والسؤال هو هل يعني إسقاطنا للنظام أن نقضي على تلك المشروعات؟  وجود الأسرة الحاكمة على رأس هذه المشروعات لا يبرر التوقف عن إستكمال أدوارها الخدمية والتنموية التي كانت تقوم بها، وقد يصاحب هذا تعديل في اللائجة الداخلية لبعض المؤسسات ، مثل التعديل الذي يجب أن يحدث للمركز القومي للمرأة والمركز القومي لحقوق الإنسان. إذ ينبغي أن ينالا إستقلالهما تماما من الإشراف الحكومي.  ولا بد أن تستمر الخدمات الأخرى في إستقلالية وأن تصبح جزا لا يتجزأ من النشاط المدني الذي أعتبره الأساس في الإنطلاقة القادمة.   وأما مهرجان القراءة للجميع فيحب أن يستمر دون بذخ في الدعاية، وتعليم الفتيات الريفيات بدون تقيد بالسن فكرة إنسانية في غاية الأهمية، وكذلك مشروع المائة مدرسة، وغيرها إذا وجد.
وبنفس القدر ولنفس الأسباب، أي أن تكون مصلحة الوطن هي العليا، علينا أن نقيم ما حدث في العهد السابق من ناحية الإيحابيات، ودراسة السلبيات والتخلص منها. ليس من المعقول أنه على مدى ثلاثين عاما لم تكن هناك برامج سياسية وإقتصادية وخدمية ناجحة. هناك مواطنون شرفاء كانوا يحفرون في الصخر من أجل دفع عجلة التقدم إلى الأمام، وعلى الرغم من سقطات د. يوسف والي وإستعانته بالعديد ممن خانوا العهد والأمانة، إلا أن ما تحقق في مجالا إستصلاح الأراضي، والبحوث الزراعية، وإستنباط سلالات جديدة عالية الإنتاج في القمح وغيره، وإنشاء مراكز علمية متميزة تابعة لوزارة الزراعية أخذت دور الريادة على مستوى الشرق الأوسط، إن لم يكن على مستوى عالمي، كل هذا قد تحقق في العهد البائد، مثل مركز الهندسة الوراثية ومركز الخبيرفي مجال الكمبيوتر.  حقا فجرت قضية يوسف عبد الرحمن غضبا عارما، خاصة بعد أن سبقتها ولحقت بها قضايا فساد أخرى، ولكن هل ينفي هذا ما تحقق في هذا القطاع من تقدم مشهود، لا ينسب للدكتور يوسف والي، ولكنه ينسب إلى من قاموا بهذا الإنجازات، وكان وزير الزراعة في ذلك الوقت جزءا من هذا الجهد، فيحب أن نعطيه حقه في ذكر إنجازاته، ونلوم عليه فعلا في إستعانته بثلة فاسدة مسحت كل ما أتي به من إيجابيات. و لابد أن نذكر أنه في مجال الإقتصاد عندما عصفت الأزمة الإقتصادية التي مرت بها الولايات المتحدة بكثيرمن الدول وسببت إنهيارات في بعضها، فإن مصر خرجت من هذه الأزمة بسلام، وكان هذا بفضل المجموعة الإقتصادية التي أدارت الإقتصاد بمهارة وعلم.  وينتابني القلق اليوم عندما أجد أن جامعة النيل على وشك الإنهيار، لا لسبب إلا أن إسمها إرتبط بإسم رئيس الوزراء السابق في العهد البائد، بينما هي مشروع قيم قطع شوطا كبيرا في تأسيس صرح علمي، وجمع كثيرا من شبابنا المتميزين في هيئة التدريس، وجذب أساتذة مصريين كبار من مختلف أنحاء العالم. وإذا بهذا المجهود يذهب هباء، لأن هناك مشروعا آخر للدكتور أحمد زويل. أجد في  تحطيم هذا الصرح مهزلة لا أفهمها.  في كل الأحوال لا يصح أن نبدأ في كل شيء من الصفر، متجاهلين ما تم من قبل، ففي هذا إهدار للجهد وللوقت
ما أود أن أشير إليه تلخيصا هو أن سقوط نظام لا يعني سقوط دولة، ولا يعني أنه لم تتم إنجازات في العهد البائد. ولكن على مستوى التقييم الكلي، يمكن القول أن ما تحقق لمصر أقل بكثير من إمكانيات ما كان يمكن تحقيقه، وأن زرع الفساد في كل مكان نتج عنه مرض إستشرى في أنحاء البلاد، وإن معالجته ستأخذ وقتا، ولكن هل نهدم الخلايا الصحية ونحن نقضي على المرض الخبيث؟  أخشى أن نهدم المنزل تماما ظنا أن هذا هو الإختيار الأفضل، فلا يبقي لنا إلا الأطلال، ونهدرجهودا رائعة قام بها مواطنون مخلصون. نحن في حاجة إلى قول كلمة الحق لا نخشى فيها لومة لائم، وعندما نتجرد من الهوى ومن كراهية الأشخاص، يمكن أن نفكر من أجل غاية أكبر وهدف أعظم.
ونرجو ألا نعود إلى ذلك العهد مرة أخرى، تحت أسماء جديدة. نعم لقد تحسن المناخ العام، ولكن مازالت هناك بعض الممارسات المقلقة، ويقف على رأسها محاكمة المدنيين عسكريا، وتلك الأعداد المهولة المتواجدة في السجون العسكرية، وغيرها من الإحباطات، ولكن لا يقف المصريون مكتوفي الأيدي، ولا بد أن يتعلم الجميع الدرس.
وأقول إن من إستطاع أن يبني في عهد كان يحارب الإنجاز، ومن إخترق الصعاب مناضلا ومكافحا، هؤلاء الجنود المجهلون هم الذين حافظوا على حياة  مصر . نعم إن بلدنا الحبيب مازال يتنفس ويعيش لأن أبناءه لم يفرطوا فيه، وآلوا على أنفسهم أن يجاهدوا قدر الإستطاعة كل في مكانه في أحلك الأوقات، وسيظل أبناء مصر يعملون ويبنون ويشيدون، وستبدأ مصر صحفة عظيمة في تاريخها، ولهؤلاء الذين ندين لهم بالفضل لأنهم بنوا وعمروا في أصعب الأوقات ولشباب المستقبل الذي فجر ثورة عظيمة، والذي سييبني مصر المستقبل، أتقدم إليها بتحية تقدير وإحترام.   

No comments:

Post a Comment