Tuesday, September 13, 2011

تصحيح المسار بين الأمل وإحباطه د. علياء رافع


كان يوم الجمعة 9 سبتمبر يوما قد ذكر الكثيرين بالأيام العصيبة والجميلة في نفس الوقت لثورة 25 يناير، عبر الشعب فيه عن نفسه ومطالبه العادلة التي يكمن أهمها من وجهة نظري في عدم محاكمة المدنيين عسكريا.   ومر اليوم بسلام إلى أن إتجه بعضهم إلى وزارة الداخلية، والأخرون إلى السفارة الإسرائيلية. وهنا أصبحت الأحداث مثيرة للشجن. ولم أصدق نفسي وأنا أنظر إلى تكسير الحائط الكبير الذي أقيم أمام السفارة الإسرائيلية دون أن يكون هناك شرطي واحد أمني أو عسكري، وتساءلت أين ذهبت المدرعات التي كانت تقف أمام السفارة من قبل، هل أراد الجيش أن يفتح الأبواب أمام المتظاهرين كي يعبروا عن سخطهم دون أي وجود له؟  وهل هذا أمر مقبول أو معفول أن تترك سفارة مثل السفارة الإسرائيلية بدون حراسة في هذا اليوم بالذات؟  هل الخلل هنا يرجع إلى  الجماهير الثائرة التي لم تتمالك زمام الأمر؟ أم يرجع إلى المؤسسة الحاكمة التي لم تقم بما ينبغي أن تقوم به في مثل هذه الأحوال؟  أم إلى الإثنين معا.  قد يرى البعض أن تكسير الحائط هو تعبير عن غضب شعبي ضد كل من إسرائيل والحكومة والمجلس العسكري الذين لم يتصرفوا التصرف اللائق لكرامة الجنود المصريين الذين قتلوا على الحدود. وعندما أقول هذا فلا يعني أن يؤل هذا الكلام في سياق أنه سيؤدي إلى عدم الإلتزام بمعاهدة السلام مع إسرائيل، أو أنه تصعيد إستفزازي للدولة الصهيونية.  إن ما حدث من الحكومة التركية على سبيل المثال يعطينا نموذجا لتعامل حضاري يسير مع كل القوانين الدولية، ولكنه يعطي لتركيا قوة ومكانة في المجتمع الدولي. إذن سخط المصريين له ما يبرره،  ولكن ما لا يمكن تبريره هو أن يترك التعبير عن الغضب بهذه العشوائية.  وإهانة كرامة المصري لم تعد أمرا مقبولا، ولذا فلت زمام الغضب الذي أنتج أعمالا هوجاء.
بعد ذلك بقليل وعندما توجهت الجماهير إلى أمن الجيزة، بدأت الشرطة تظهر مرة واحدة، وتمارس عنفا غير مقبول، فتتسبب القنابل المسيلة للدموع في مقتل أحد   المواطنين  نتيجة للإختناق، ويبلغ عدد المصابين مائتين وستة عشر مصاب، وهو عدد كبير. وبعد ذلك إذا بالسيد أوباما الذي لم يتحرك ساكنا عندما قتل ثمانية من الجنود المصريين نتيجة إختراق قوات إسرائيلية الحدود المصرية في تحدي صارخ للسيادة المصرية،  بشهادة القوات الدولية. ولا ندري لماذا يتدخل السيد أوباما في هذا الحدث بالذات وهل هو المتحدث الرسمي نيابة عن إسرائيل؟  إن هذا الموقف الغريب، وهذا الإهتمام الزائد من الحكومة الإسرائيلية  يثير تساؤلات أكثر غموضا.
ويمكن القول أنه من خلال غموض التساؤل تكمن الإجابة، عندما لا يوجد أي مبرر أن ينسحب الأمن والشرطة العسكرية من أمام السفارة الإسرائيلية، فإن الرسالة المضمنة هو تشجيع المتظاهرين على التعبير عن مشاعرهم الغاضبة.  ويبدو هذا تعليلا جميلا يدل على إنحياز القوى الحاكمة للشعب، وإتاحة فرصة له للتعبير عن نفسه. ولكن أقل ما يقال فيه أنه تصرف غير حكيم، لأنه كان ينبغي أن تكون قوى الأمن ترعي وتراقب تحركات الجماهير حتي لا تحدث هذه التصرفات الهوجاء.  ولكن عندما تضرب قوى الأمن الجماهير الغاضبة المتوجهة إلى أمن الجيزة، يقع الفرض الأول، وتبرز فروض أخرى، لا تجد لها إجابات إلا من خلال أسئلة جديدة، مثل لماذا تصرف جمهور التحرير بنفس الأخلاق الحضارية العالية، والتوجه السلمي المحترم، ثم إذا خرجت المظاهرات من ذلك النطاق إلى نطاق آخر، يبدو وكأن المصريين خارج التحرير ليسوا هم المصريين داخل التحرير، هل نحن شعبان أم شعب واحد؟ وعند هذا التساؤل تبرز الإجابة الواضحة، وهو أنه لاشك أنه داخل  التحرير حيث يوجد إحكام من اللجان الشعبية في مراقبة الداخلين، وحيث يتحرك النشطاء السياسيين في كل إتجاه ليحافظوا على السلمية، وحيث أن الغالبية العظمي تجيء إستجابة للدعوة وليس من أجل الشغب، فإن السلوكيات العامة تكون رائعة، أما عندما تخرج فئات قليلة متحمسة أو غاضبة، فإن الفرصة تكون سانحة لدخول عناصر – لا يدري أحد هويتها أو مصدرها –  وهي بالتأكيد تريد أن تشوه صورة التظاهر والمتظاهرين، كما أنها تأتي  بأفعال غوغائية تسحب الإنتباه من المظاهرات السلمية.  
والقضية هي من هو صاحب المصلحة في إثارة هذه الفتن؟ سنجد أن هناك أكثر من مصدر، أحدها فقط هو "الفلول"، ولكن الفلول قد تكون كلمة عامة تشمل ليس فقط أنصار النظام السابق أو المتضررين من الثورة بالضرورة، ولكنها قد تشمل أيضا مراكز قيادية – مجهولة الهوية أو معلومة الهوية – في النظام الحالي، ولكنها لسبب أو آخر لا تريد أن تكتمل هذه الثورة لأن في إكتمالها ستضرب هؤلاء القيادات في مقتل.
هل سنجني من هذه الإفتراضات أي عائد؟ لن يستطيع أحد أن يجزم بأن ما يصل إليه التحليل صائبا بالضرورة، وكذلك من الصعب حتي لو كان في ذهن من يكتب أو يحلل بعض الأسماء أو بعض القوى، أن نثبت تدخلها في تلك الأحداث – إلا إذا أراد الله أن يفضح هذه القوى  فيخرجها عن الحذر ويتيح للشعب أن يعرف ويثبت هويتها – ولذا فإن قيمة هذا التساؤلات تكمن فقط في مقاومة كل محاولة لتشويه الشعب المصري العظيم والنبيل، والدفاع عن حق هذا الشعب في التعبير عن نفسه بالصورة السلمية التي صاحبت مسيرته في تلك الثورة الرائعة. ومن ناحية أخرى فإنه تقع على كل واحد منا مسئولة الحفاظ على الصورة الحضارية للتظاهر ، ولقد أدركنا أن الغضب النبيل وليس الغضب الأهوج هو الكفيل أن يصل بنا إلى أهدافنا وغايتنا.
لقد خرجت هذه المظاهرة تعبيرا عن الإرادة الشعبية في الحفاظ على أهداف الثورة وأهمها الحرية والكرامة الإنسانية، ولا يمكن أن تتحقق هذه المطالب في ظل محاكمات عسكرية لآلاف من المواطنين، بينما البلطجية الحقيقيون يسيرون في الآرض ويعيثوا فيها الفساد. ولذا فإن مطلب محاكمة المدنيين محاكمة مدنية حق من حقوق الإنسان والمواطنة، ولا بد للمجلس العسكري الحاكم أن ينصاع لمطالب الجماهير.  لا يوجد عاقل في هذا الوطن يتمنى أن تحدث ثورة ضد المجلس العسكري،  ولكن لا يعني هذا أن يعمل المجلس على زيادة هذه المسافة بين مطالب الثورة وسياسة المجلس، ذلك أن أي محاولة لإعادة إنتاج النظام القديم ستبوء بالفشل. لقد أصبح تاريخ 25 يناير تاريخا فاصلا، بدأ به بعث جديد للشعب المصري الذي سيرفض بكل إصرار أن يهزه إرهاب الدولة.  ويحيرني بالفعل أن المجلس العسكري يسير في إتجاه معاكس لما يريده الشعب، ولو أنه أخذ طريق الثورة منذ البداية، أي أنه أدرك أن هناك ثورة حقيقية وليس مجرد حركة إصلاحية لنظام مهلهل، لنال قادة المجلس شعبية غير مسبوقة في التاريخ المصري، بل لا أستبعد أن الشعب كان سيصر على أن يقود المجلس العسكري المرحلة القادمة بالكامل، تحت دستور يتيح أن يتسلم المدنيون الحكم بعد ذلك. وقد لا أكون من الذين يشجعوا هذه الرؤية، ولكن شعب مصر شعب طيب ويحفظ الجميل، ويعطي الكثير عندما يثق في قيادته.  لماذا لم يأخذ المجلس العسكري هذه الفرصة الذهبية، إنني وغيري متحيرون بالفعل.
وأما أحداث السفارة الإسرائيلية فلا شك أنه سيكون لها عواقب وخيمة، كان من الممكن تجنبها، لو أن قوات الأمن كانت حاضرة لتمنع هدم الجدار العازل الذي كان يتم تحت مسمع ومرأي من الجيش والأمن. هل تصعيد التوتر بيننا وبين إسرائيل أمر مقصود؟ وما هي الأهداف من وراء هذا التوتر؟  إنها أسئلة تكمن الإجابة في غموضها. ولنترك الأحداث تشرح بدلا من الكلمات. ولا يملك الإنسان في هذه الحال إلا أن يتوجه إلى الله القوي العزيز أن يحمي مصر وشعبها من كل سوء،  وأن يظل الأمل دافعا لنا كي نضغط جميعا نحو تحقيق أهداف هذه الثورة. إن الله سميع مجيب. 

No comments:

Post a Comment