Tuesday, September 20, 2011

هل حقا يمكن أن نشبه الليلة بالبارحة؟ د. علياء رافع


في يوم 25 يناير2011 تصادف نشر مقال لي أطلب فيه من رئيس الجمهورية أن يقوم بالتغيير الجذري بنفسه، محذرة من أن البديل قد يكون ثورة تنتشر بعدها الفوضي. ولكن كانت الثورة رائعة وعظيمة، قادها شعب مصر كله، ولأول مرة في التاريخ البشري المعروف تقوم ثورة دون قيادة ودون زعيم ودون أيديولوجية. ولقد عجل تآزر الجيش مع الشعب في القضاء على رأس النظام.
واليوم بعد مرورثمانية أشهر على هذا الحدث العظيم، أجد أن المخاوف التي كنت أحذر منها أصبحت واقعا نعيشه، ولكن ليس بسبب الثورة، وإنما بسبب من يحكمون البلاد. بعد قليل من قيام الثورة كتبت عن غصة الفرحة، ولكن هذه الغصة تزداد مرارة، وتتراجع الفرحة، وأرجو ألا يتصور قارئي أنني متشائمة، بل إنني متفائلة وأوكد ذلك قبل أن أكمل حديثي، لأن تفاؤلي نابع من إيمان عميق بقدرة الله سبحانه وتعالي الذي جعل هذا الشعب ينتفض بعد أن ظننا أنه مات، وكانت رعاية الله ظاهرة قوية، ولا أحسبها تخفي إلا على أعمي، وثانيا لأن ماحدث يوم 25 يناير تاريخ جديد في حياة مصر – بل أكاد لا أكون مبالغة إذا قلت وفي تاريخ البشرية، ولن يمكن أن تعود الأيام القهقرى أبدا، ولن يفلح أي إرهاب في إسكات هذا الشعب. والذي بعث الحياة لن يأخذها من هذا الشعب.
لماذا الغصة إذن؟ لأن حكامنا يأبون أن تسير الثورة في مسارها الطبيعي منذ أول يوم، منذ رفض المجلس إقالة وزارة شفيق وأصر تعديلات دستورية، بدلا من البدء فورا بتكوين جمعية تأسيسية لكتابة دستور جديد، غير مدركين هذه السياسات لاتتمشى مع منطق ثورة. ومازالت الخطوات تسير في هذا النهج، وتتوالى الأسئلة الحائرة على أذهان أبناء هذا الوطن دون مجيب. 
وعندما بعث لي صديق خطابا إلكترونيا مصحوبا بمقتطفات من عناوين الصحف التي صدرت إبان ثورة 52، لم أصدق هذا التشابه بل التطابق في بعض الأحيان بين عناوين الأمس واليوم: "محاكمة من إستغلوا نفوذهم وأفسدوا الحياة السياسية " (الأهرام 22 ديسبمر 1952) "عبد الناصر يحذر من قوى الثورة المضادة".هل قضت محاكمة مفسدي ما قبل 52 على الفساد، وهل ستقضي محاكمة مفسدي ما قبل 25 يناير على الفساد؟  ألا يحذر الجيش اليوم من قوى الثورة المضادة أيضا، والأموال والأسلحة التي تتسرب من الخارج، وتصبح "الثورة المضادة" كلمة قد تشمل القوى الوطنية التي قامت بالثورة مثلما حدث مع حركة 6 إبريل. "الجيش والشعب جبهة واحدة متراصة" هذه عنوان قديم، وهذا هو أيضا التأكيد الذي يتحدث به كل من يوجه إليه إنتقاد من المجلس، لأنه سرعان ما يقول أن الجيش هو الذي وقف بجانب الشعب، ومع إختلاف الموقف أمس واليوم بين دور الجيش والشعب، إلا أن النغمة قد تغيرت حيث كانت البداية هي التعظيم للثورة والشعب والشهداء، ثم أصبح الجيش صاحب فضل على الثورة، بدونه ماكان يمكن تنجح.، هذه التصريحات تعود بنا إلى إنقلاب مجلس قيادة الثورة على محمد نجيب الذي وضع في الصورة أولا ممثلا الثورة، ثم بعد ذلك تم تجنبه، وهانحن أمام نفس التكتيك، حيث كان الشعب هو البطل، ثم بعد ذلك  أصبح الجيش هو قائد الثورة، وأصبحت إرادة الشعب وكرامته كلمات دون مدلول واقعي، وذلك مع الإعتقال المستمر ومحاكمة المدنيين محاكمة عسكرية، ومع إشاعة فكرة الأجندات الخارجية، والإنهيار الإقتصادي، وقوى الثورة المضادة، والفوضى والبلطجة.  كل هذه عمل على خلط الحابل بالنابل، وبلبلة الرأي العام، والعمل على تقسيمه، وزرع كراهية الثوار.
في الأيام الماضية، جاء مانشيب يقول " حل مجلس الشعب يوم 24 يوليو وتسليم البلاد لممثلي الشعب"  "لاحرمان من الحقوق السياسية حتى لا تتأثر حرية الإنتخابات". ومع ذلك تم التخلص من الأحزاب السياسية، وحل جمعية الإخوان المسلمين.  الموقف اليوم يختلف قليلا أو كثيرا، ولكنه في غاية الخطورة، قانون الأحزاب غير متفق عليه حتى كتابة هذه السطور، إظهار صعوبة السيطرة على أعمال البلطجة، عدم قبول رقابة دولية على الإنتخابات، عدم وجود خارطة طريق واضحة المعالم. كل هذه الأمور تجعلنا نخشى أن يكون الماضي قد أعاد نفسه.
وصدر إعلان دستوري رائع  بعد ثورة 1952، وصدر إعلان دستوري في البيان الثالث بعد ثورة 25 يناير، تلاه إعلان دستوري بعد الإستفتاء بدا كأنه إحياء للدستور القديم مع تغييرات طفيفة، وتعديلات أدخلت عليه، وهي تلك التي عرضت في الإستفتاء.وأعطي الإعلان الدستوري مجلس قيادة الثورة سلطة مطلقة في إتخاذ القرارت حيث تقول  المادة الثامنة في الإعلان الدستوري القديم " يتولى قائد الثورة أعمال السيادة العليا وبصفة خاصة التدابير التي يراها ضرورية لحماية هذه الينة والنظام القائم عليها لتحقيق أهدافها وحق تعيين الوزراء وعزلهم"   ونحن أيضا نشهد اليوم دون نص صريح تمتع المجلس العسكري بسلطة مطلقة كذلك. ونجد في اعلان الدستور المؤقت الذي أصدره المجلس الأعلى بعد ثورة 25  يناير دون إجراء إستفتاء عليه أنه أعطي للمجلس العسكري الحاكم سلطات واسعة  مثل حريته المطلقة في إصدار التشريعات، والقوانين، وهذا وحده يسحب السجادة من الإرادة الشعبية بالكامل. ويجوز له كذلك تعيين رئيس الوزراء والوزراء وعزلهم، وقد يكون هذا حق ضرورى في فترة إنتقالية، ولكن لم يضع الإعلان أي ضوابط لعزل رئيس الوزراء أو الوزراء، إلا مقولة فضفاضة بالقول بما يتمشى مع القانون، في الوقت الذي يملك المجلس نفسه المقدرة على تغييره، وسن قوانين كما يشاء.
 وأما بالنسبة للدستور فقد أصدر مجلس قيادة الثورة قرارا يقضي بإتخاذ الإجراءات لعقد جمعية تأسيسية تنتخب عن طريق الإقتراع العام المباشر على أن تجتمع في خلال شهر يويو 1954 ويكون لها مهمتان، الأولى مناقشة مشروع الدستور الجيد وإقراره، والثانية القيام بمهمة البرلمان إلى الوقت الذي يتم فيه عقد البرلمان وفقا لأحكام الدستور الذي ستقره الجمعية التأسيسية.  وقرر المجلس أن تلغي الأحكام العرفية قبل إجراء إنتخابات الجمعية التأسيسية بشهر كما قرر إلغاء الرقابة على الصحافة والنشر صدر هذا البيان في 5 مارس 1954 ويصرح الرئيس محمد نجيب أن الجمعية التأسيسية تنتخب من تراه صالحا لرياسة الجمهوربة، ويقول نريد لمصر أحزاب حقيقية ترتكز إلى المباديء والأهداف. ولا شك أن هذه القرار أفضل كثيرا مما نواجهه اليوم، من تكوين جمعية تأسيسية بعد إنتخابات مجلسي الشعب والشورى، ووضع ضوابط تأسيسها من داخل المجلس، وهو ما سينحرف بمسار الثورة إنحرافا كبيرا، إذ يعطي لمجالس نيابية إنتخبت في ظروف إستثنائية، وقد لا تكون معبرة تعبيرا حقيقيا عن الإرادة الشعبية قوة التحكم في مصير مصر لسنوات مقبلة.  هل سيؤدي هذا إلى الإستقرار؟ أم إلى الإحتقان؟ ولماذا خلق هذه الإنقسامات بصورة مستمرة. هل المستهدف أن نصرخ طالبين القبضة الحديدية لحكم عسكري جديد؟ لقد بدأت بالفعل بعض الأصوت تظهر على إستحياء، ولكن قد تعلو بعد ذلك تطالب بإحكام قبضة المجلس العسكري على الأمور. وفي الوقت نفسه فإن أي قوى وطنية أو صوت ينتقد ما يحدث يصبح صوتا يعمل على الوقيعة بين الشعب والجيش. لو كان الجيش قد إستجاب لمطالب الثورة وتعامل معها على أنها ثورة منذ اليوم الأول لنال شرفا لم  يكن لينله جيش من قبل، ولدخل التاريخ مكرما مبجلا، ولكان من الممكن أن يعلو صوت الشعب مطالبا شخصيات محترمة من الجيش أن تتولي الرئاسة في فترة محدودة. لماذا لم يحسن المجلس إستخدام هذا الحدث التاريخي لصالح البلاد، ومن ثم لصالحه؟.
على الرغم من تشابه السياسات بين مجلس قيادة الثورة أمس والمجلس العسكري اليوم، إلا أن الماضي لا يعود ولن يعود، وهذا يقيني وإيماني. وأتمنى من أعماق قلبي وأدعو الله صادقة أن يلهم المجلس الأعلى سياسات راشدة، متجاوبة مع آمال وطموحات هذا الشعب العظيم، وألا يضعنا في هذا المأزق الصعب بين الأمل واليأس، لأن هذا التذبذب يسبب الإحباط، وهو ليس في صالح شعبنا الذي كسر حاجز الخوف، ولا في صالح هذا الوطن، نريد أن يتصرف المجلس العسكري بحكمة لأننا في حاجة إلى القوات المسلحة بشدة، فهي صمام الأمن والأمان لهذا البلد.  

No comments:

Post a Comment