Tuesday, September 27, 2011

أين قائد الثورة المصرية؟ د. علياء رافع


كانت ثورة 25 يناير ثورة بدون قيادة مركزية، وكان البطل فيها الشعب بأكمله. كانت الأهداف واضحة وصريحة، "إسقاط النظام"  بكل ما تحمله هذه الكمة من معاني وتداعيات. وإلى الآن لم يتغير النظام، لقد إختفت القيادة القديمة ممثلة في أسرة حاكمة، وليس فردا واحدا، وجاءت القيادة الجديدة متمثلة في المجلس العسكري وليس قائدا واحدا، وحكومة تم تأييد رئيسها من ميدان التحرير. وهناك فرق أن يكون رئيس الوزراء إنسان أمين نزيه ووطني، وأن يكون قائدا قادرا على فهم متطلبات المرحلة الحالية، أي أن يسير بالثورة نحو تحقيق أهدافها. خابت الآمال في د. عصام شرف، لأنه لم يستطع أن يسير بنفس الخطو والقوة التي أعطتها له جماهير الثورة.
أما المجلس العسكري، فحدث ولا حرج، قد تكون النية طيبة في خدمة الوطن، ولكن تولي أمور البلاد لا يكون بالنيات، وإنما يكون بالأفعال، وبما يتم على أرض الواقع. من الواضح أن الشعب والمجلس العسكري قد إشتركا في هدف واحد، وهو إزاحة رأس الدولة عن الحكم، ولكن لم يستطع المجلس حتى الآن أن يكون قائدا لهذه الثورة، لأنه لا يحقق أهدافها. ولا يكفي التغيرات التي حدثت من إسقاط المجالس النيابية، وحل المجالس المحلية، والتغييرات الوزارية المتوالية لأننا إذا نظرنا إلى هذا التغيرات لأدركنا، أنها تتم في نفس إطار تغيير الوجوه، وبقاء النظام. 
المقصود ببقاء النظام، ليس مجرد أن يكون القائمون على الأمر من الحزب الوطني، أو من الموالين لحكم مبارك، ولكن من يحملون نفس العقلية في الإدارة والرؤية. إن هذا يذكرنا بما كان يحدث لنا في الماضي، دعوة إلى الديمقراطية، وإذا  بالديمقراطية تختزل إلى صرخات يطلقها المعارضون هناك وهناك في وسائل الإعلام، ولكن فليصرخ من يصرخ، ويظل الأمر على ما هو عليه على الأرض. واليوم فليذهب إلى ميدان التحرير من يذهب، وليظل الأمر على ما هو عليه أيضا. إستجابة من هنا، وقضاء عليها من هناك.
وأما المرشحون لرئاسة الجمهورية، فلا يوجد إجماع شعبي على شخصية من هذه الشخصيات، وعلى الرغم من قناعتي الشخصية أن د.محمد البرادعي هو أصلح من يتولى قيادة المسيرة، ولكن نجح النظام السابق في تشويه صورته، بحيث أصبح إزالة ما علق بالأذهان في حاجة إلى جهد يفوق قدرة أي حملة إنتخابية أو شعبية. وفي نفس الوقت فإن تصريحات د. البرادعي تخرج متقطعة وبعيدة بعضها عن البعض، بحيث تختفي كلماته سريعا ولا تؤتي الأثر المطلوب.
ولكن الأدهي والأمر ظهور الإنقسام في الشارع السياسي، وإستشراء الفتن، وهناك فرق بين الإنقسام الخبيث، والإختلاف الحميد. يمكن أن تختلف الرؤي في ظل أهداف واحدة، ولكن الإنقسام الخبيث هو أن يقف فريق ضد فريق، يهاجمه ويحاول أن يقضي عليه في مقابل الحصول على مكاسب سياسية، أو ضمن خطة ما، قد يكون وراءها جهة ما. وعلى الرغم من أنني أكره منطق المؤامرة ، إلا أن هذا الغموض الذي يكتنف المناخ السياسي، يقبل أي تفسير.  ما معنى أن يخرج السلفيون مطالبون بتطبيق الشريعة الإسلامية؟ إن هذا يخرج الموقف السياسي كله عن هدفه، ويسير بنا إلى مناطق غامضة من الخوف من المجهول.
أولا: لا يوجد من يقف ضد مباديء الشريعة، حتي المسيحيين أنفسهم لا يعارضون، ولكن يكون الإختلاف في كيف ستطبق الشريعة، وهذا الإختلاف صحي، طالما أنه يتجه لمصلحة الوطن، و لايتعارض من العقلاء من فقهاء ظهروا على مر العصور أخرجوا "فقه المقاصد" ، وفقه المصالح المرسلة. لماذا إذن هذا الضجيج غير المفهوم؟
ثانيا: هل من مصلحة مصر أن تظهر للعالم أنها ستكون صورة مكررة من إيران أو طالبان أو أي من الدول الإسلامية ذات النظم الشمولية المتشددة؟  إن شخصية مصر التي ظهر فيها التدين والإيمان كأساس لقيام حضارة عظيمة، لا تقبل هذا التدين الشكلي الظاهري المتشدد، والذي يفرق ولا يجمع.
عندما قامت الثورة كان أحد أسباب قوتها هو أنه لم تكن هناك قيادة مركزية في شخصية محورية، ولهذا صعب على النظام السابق أن يتصدي لها أو يقضي عليها، ولكن بعد مرور ثمانية أشهر على هذه الثورة، فإن الفشل في ظهور قيادة شعبية، يتجمع حولها الشعب أصبح مهددا لقدرتها على الإستمرار. وأتمنى أن يخرج د. البرادعي من صومعته إلى الميدان، لا أقصد أن يكون متواجدا بجسده في أي مظاهرة، ولكن ليعود مرة أخرى إلى الضوء، وبحسه المرهف الذي إستطاع به أن يقوم بالمبادرة الأولى في طلب إسقاط النظام، يمكن اليوم برؤيته الحكيمة أن يعيد الأمور إلى مسارها الطبيعي. إنه الشخصية التي يمكن أن تقود مصر في الوقت الراهن من هذا التخبط إلى بر الأمام، لأنه شخصية مصرية أصيلة إنبثقت جذورها من أرض هذا الوطن، تميزت بالشجاعة التي ظهرت جلية في مجلس الأمن ليعلن هذا الرجل بكل قوة ضد كل المعلومات الإستخبارية الملفقة أن العراق بلد خالي من أسلحة الدمار الشامل. وهو مسلم ملتزم دون تعصب، ومفكر ليبرالي دون تحلل، وذي فلسفة إنسانية تتراحم مع الضعفاء والفقراء دون تطرف يساري.     
لن تتخلى مصر عن شخصيتها الإسلامية، ولكنها شخصية متميزة لأنه تتمتع بالتوازن بين التمسك بالدين، وبين سماحة الإسلام في تقبل الآخر وعندم أقصائه. ولن تتخلى مصر عن تاريخها الحضاري الذي هو حلقة متصلة متواصلة من تراكم ثقافي تفاعل مع الثقافات الأخرى وإمتزج معها، وأعاد صياغتها لتتلاءم مع شخصيتها. ومصر المسيحية هي نسيج تاريخي لا يمكن فصله عن تيار الشخصية المصرية. لقد إستشهد المصريون في عصر دقلدنيوس حتى يحافظوا على دينهم وشخصيتهم وبلدهم. إن القيادة المصرية يجب أن تكون مستوعبة لهذا التاريخ الفريد لمصر، قادرة على التواصل معه وأزالة الغبارعنه، وفي نفس الوقت قادرة على إستيعاب متغيرات العصر وأهميتها للنهضة المصرية. 
أما من يعبرون عن التيار الديني الإسلامي فإن لديهم قبول في الشارع المصري بين الملتزمين دينيا، ولكن هناك تحفظات كثيرة لا يحيط بها إلا من درس تاريخ الحركة الوهابية، وحركة الإخوان المسلمين تفصيلا. إن حازم أبو إسماعيل بفكره السلفي غير قادر على أن يتفاعل مع متطلبات العصر الحديث. وعلى الرغم من منطقه المحكم، وشخصيته القوية، إلا أن سيسير بنا في خط متشابه مع البلاد الخليجية، التي لا يتلاءم فكرها السياسي والحضاري مع الفكر السياسي في مصر. وأما عبد المنعم أبوالفتوح فإن شخصية متوازنة، ومتفتحة ورصينة، ولكن إنتماء د. عبد المنعم أبو الفتوح  إلى فكر حسن البنا، دون إعلان صريح بنقاط الإختلاف والإتفاق، يجعلنا في تخوف مما ستحمله لنا الأيام إذا تولى مقاليد الحكم. ذلك أن الإخوان المسلمين يرون أن الخلافة الإسلامية هي الأمل وفيها الخلاص. وهذا الفكر لا يتناسب مع العصر، ولن يجرنا إلا إلى أحلام تطير في الهوء دون أن يكون لها أساس أو قبول على أرض الواقع. هذا بالإضافة إلى أن فكر البنا إقصائي إلى أبعد الحدود، إذ يرى أن الإسلام والقومية الإسلامية شيء واحد ومتداخل، وهو مايفصل المسلمين عن العالم، لأن الإسلام أوسع كثيرا ممن يحملون إسمه، وصدق الشيخ محمد عبده عندما قال ما معناه أنه رأي في الغرب إسلام بدون مسلمين، ورأي في الشرق مسلمين دون إسلام، مشيرا إلى أن الإسلام ليس مجرد شكل، وإنما هو خلق ومباديء تتحرك على أرض الواقع.
وأما باقي المرشحين، فلعل حمدين صباحي هو أبرزهم قدرة على التواصل مع الناس، ولا غرابة أن يكون شعار حملته"واحد من الناس"، وهو يجتهد في أن يجمع حوله كوكبة من المستشارين الأكفاء كي يضع برنامجا إنتخابيا، قائما على دراسات جادة ورؤية واضحة. ويبقي بعد ذلك المستشار هشام البسطاويسي بنزاهته وشجاعته وماضية المشرف، وهو يجتهد كثيرا في الطريقة التي يقدم بها نفسه إلى الناس، ومن الواضح أن تطور شخصيته في خلال الفترة السابقة شهد قفزات في قدرته على التواصل وتعميق رؤيته للأمور. هذه هي أبرز الأسماء من وجهة نظري. من الذي سيأخذ القيادة، ولا أعني رئاسة الدولة.  قد نكون في إنتظار القائد الذي لم يظهر بعد، ولكن لا بد أن يظهر الآن، أو أن يأخذ د. البرادعي هذا الدور فورا ودون تباطؤ. لعل وعسى.  بدون قيادة نحن في خطر. 

No comments:

Post a Comment