Tuesday, October 18, 2011

من وراء أحداث ماسبيرو؟ د. علياء رافع


لقد ظل هذا السؤال حائرا في معظم عقول المصريين، وأحسب أنه سيظل يتردد دون إجابة لفترة ما، ولكن في النهاية سينكشف الأمر، وما كان لغزا سيصبح مفضوحا.  وعندما أطرح هذا السؤال، فإنني لا أدعي بالطبع أن أكون قادرة على الإجابة عليه. إذ انه من السهل أن تشير أصابع الإتهام إلى عدد ممن يريدون للثورة المصرية أن تفشل، ولكن من الصعوبة أن يثبت أي إنسان إن ظنونه حقيقة.
وعندما أطرح هذا السؤال، فإنني في الواقع أريد أن أمحو هذا التحليل الإختزالي الذي يرجع السبب إلى قوة واحدة فقط،، إذ يري البعض أن أتباع الرئيس السابق قد أرسلوا مرة أخرى بلطجدتهم، ويرى الآخرون أن الشرطة قد خانت الأمانة كعهدها في السابق،  أو أن الشرطة العسكرية قد تجاوزت حدودها، وخرجت من دور الحماية إلى دور الاعتداء، ويرى فريق آخر يتهامس في سرية بالغة، ولكنها تنتشر انتشار النار في الهشيم أن الأقباط يريدون أن يحولوا مصر كلها إلى ديانتهم، ويعلنون أن المسلمين غزاة، وهم الذين بدأو بإثارة الشعب مع الشرطة العسكرية.
 وتبعا للتشخيص السابق يمكن وضح الحلول،   ذلك أن البلطجية من السهل القبض عليهم، لأنهم معروفون وكانوا يتعاونون مع جهاز أمن الدولة السابق، وأما الشرطة العسكرية والشرطة التابعة لوزارة الداخلية، فإنه من السهل أيضا أن يعاقب كل من خالف أوامر قيادته، سواء من الشرطة أو من الجيش. أما إذا كان الأقباط هم الذين بدأوا بالإعتداء على الجيش،  على الرغم من أن هذا لا يعقل، ولكن قد يكون البعض منهم قد استشاط غضبا، وبدأ في التصرف بهستيرية، إذن يمكن أيضا القبض على هؤلاء والتحقيق معهم. لماذا لا يحدث كل هذا الآن ومباشرة. وهذا سؤال آخر لا إجابة له. ولكنه يضع المجلس العسكري أمام إختبار هام، فهو إما أن يبدأ مباشرة في مساءلة الجناة في هذه الاعتداءات، أو سيفقد ثقة الشعب فيه تماما. وفي هذا خطورة بالغة على مجرى الأحداث فيما بعد.  أخشى أن يتحول الأمر إلى الشك في أن القيادات نفسها هي التي تريد إجهاض الثورة. وقد بدأ هذا الشك في الزيادة مع التباطؤ في السير قدما نحو تحقيق الأهداف البسيطة والمعلنة للثورة، ومع الاسترخاء الأمني وترك البلطجية أحرارا، والقبض على مدنييين ونشطاء سياسيين بتهمة البلطجة ومحاكمتهم عسكريا، وتحول الإعلام إلى أداة لحجب الحقيقة والتحريض وخلق مشاكل وفتن. وما أبشع أن يحفز الإعلان الرسمي المواطنين للنزول دفاعا عن الجيش. ولا يقال وزير الإعلام مباشرة بعدها.  وهذا حادث متكرر، فما حدث يوم 28 يونيو على سبيل المثال كان تكرار ليوم 28 يناير، ومازال وزير الداخلية يقوم بعمله. لا أريد ولا أتجرأ ولا أحب أن أتهم قيادات المجلس العسكري بالتواطؤ مع النظام السابق، ولكن لا أفهم ولا أستطيع أن أقبل هذه الممارسات.
عندما ننظر إلى ماحدث من زاوية أخرى، لندرس ما هو المستهدف من قتل الأقباط،  ومهاجمتهم بهذه الطريقة الهمجية، ولنتأمل أيضا ما هو الهدف من تصوير مدنيين يتهجمون على ممتلكات عامة، ويتهجمون على الشرطة العسكرية. سنجد أننا لن نتمالك أنفسنا من الغضب والسخط المتجه في كل مكان.. يتولانا الغضب من الشرطة العسكرية التي إعتدت على مدنيين مسالمين، يقومون بمظاهرة للتعبير عن غضبهم إزاء ممارسات أقل ما يقال فيها أنها غير عادلة. وينتاب البعض الغضب والسخط تجاه الأقباط الذين يعتدون على جنود من الجيش، والجيش هو رمز لكرامة المصريين كلهم. ونغضب جميعا ونسخط لأن الأمن غير متوفر، والمؤسسات التي من المفروض أن تحمينا فإنها أقل ما يقال عنها، أنها أضعف من أن تقف في وجه "حزمة من البلطجية"، وهو ما يجعل هذه المؤسسات في موضع إتهام من جميع الشعب.
إذن المستهدف أن ينتشر الغضب والسخط بين المصريين بعضهم البعض، وأن يزيد شعورنا بالتشتت والإنقسام. وذلك في الوقت الذي سيتحدد فيه مستقبل مصر عندما يتم إنتخاب المجالس النيابية التي سترشح الهيئة التأسيسية للدستور، والتي سيقع على عاتقهم رسم الصورة التي ستكون عليها مصر في السنين القادمة. لا شك أن هذا التشتت يخدم قوى مختلفة، فهو من ناحية يخدم المجلس العسكري إذا كان في نية هذاالمجلس أن يمتد وجوده في حكم البلاد لأطول فترة ممكنة. وكذلك فإن حال الفوضى والحزن والتشتت يخدم التيارات الدينية الأكثر تنظيما وخبرة في دخول الانتخابات النيابية، ويخدم هذا الحال أيضا مؤيدي النظام القديم الذين ما زالوا  يحلمون أنه بالإمكان أن يعودوا في مراكز قوة، ويعيدو القيادات التي تحاكم اليوم. وفوق كل هذا فإن من مصلحة إسرائيل أن ترى هذا البلد في هرج ومرج وفوضى قد تؤدي إلى حرب أهلية إذا لم يتم تداركها. تكره إسرائيل أن ترى مصر قوية، لأنه إذا شبت مصرت ,إشرأبت إلى بناء مجتمع قوي، فإن هذا يهدد أمانها وأمنها. فهي لا يمكن أنت تأمن لجانب العرب عامة والمصريين خاصة.   
وإذا كان البحث عن المجرم في أي جريمة يبدأ بالبحث عمن لهم مصالح من القيام بهذه الجريمة فإننا في هذه الحال، سنجد أن أكثر من قوة وفصيل سيكون مستفيدا إذا ما انشغل الناس بالحالة الطائفية ونسوا الحالة المصيرية التي يمر بها البلد. والسؤال هل تعمل كل قوى على حدة أم أنهم يعملون معا؟ وكلا الفرضين ممكن. ولكنني أتوقف هنا لأقول أنه إذا كان فرض أن الجيش يريد أن يبقي لأكبر وقت في السلطة، إلا أنه ليس من مصلحته أن يثير سخط الأقباط عليه بهذه الطريقة. ومن ناحية أخرى، فإن خلق عداء بين المجلس الأعلى وبين الشعب سيؤدي بالضرورة إلى مزيد من الفوضى، ليست في صالح الجيش إلا إذا كان يخطط لضرب الجماهير، وهذا احتمال غير وارد. ولكن هذا لا ينفي أن الجيش بصورة أو أخرى لم يكن على قدر المسئولية في حماية المتظاهرين، ويجب أن يكون هناك تحقيقا ما في هذا الشأن. وعلى الرغم أنه من مصلحة الإخوان أن تنشغل القوى السياسية والرأي العام بالجانب الطائفي ومشاكله، إلا أنه ليس من المنتظر بعد أن استطاع الإخوان أن ينشئوا أحزاب مدنية يضمون إليها أقباط أن يقوموا بإستعداء هذا القطاع العريض من جمهور الناخبين. الإخوان المسلمون أذكى من أن تكون هذه الفتنة طريقهم إلى الوصول إلى مجلس الشعب. ولا يبقي لنا ممن لهم مصلحة سوى أتباع النظام القديم ممن هددت الثورة مصالحهم، وأيضا القوى الخارجية المتربصة بنا، وفد يكون هناك تحالف بين القوتين. يخرج بنا هذا التحليل إلى نتيجة يصعب التأكد منها أيضا. ولكنها تقودنا في النهاية إلى أن نرمي وراء ظهورنا السؤال الحائر  "من راء أحداث ماسبيرو" مؤقتا، متجهين إلى كيف  نبني علاقة قوية بين المصريين أقباطا ومسلمين، وكيف يمكن أن نضغط على المجلس العسكري ليسير في إتجاه تحقيق مطالب الثورة، دون أن نرفع شعارات العداء معه.
إذن يجب أن تتجه جهودنا في المرحلة القادمة إلى تحقيق العدالة والضغط على القوة الحاكمة في السير إلى هذا الطريق بكل السبل التشريعية أولا، والقضائية.  وما حدث في ميدان التحرير لمدة 18 يوما هو تعبير عن حقيقة العلاقة الحقيقية بين المصريين. وأما ما نشاهده من عنف، فهو عارض مرضي، يجب أن نعالجه بالإستئصال، ذلك أنه  قد ينقلب الفيروس الصغير إلى مرض عضال إذا لم نبدأ بمقاومة هذه النزعة الطائفية الغريبة، وأضع على مسلمي هذا الشعب مسئولية عظيمة، حيث أن الأقباط في حاجة إلى الإحتواء في هذا الوقت العصيب، وفي حاجة إلى التعاطف، والمحبة والسعة والإطمئنان، وهم أقل عددا ولكنهم ليسوا أقلية، لأنهم جزء لا يتجزأ من شعب واحد تجمعه كل القيم المشتركة والثقافة الواحدة. ومازلت أتطلع إلى قيادة تلم الشمل، وتقود المسيرة، وهي ليست في المجلس العسكري بكل تأكيد.  

No comments:

Post a Comment