Tuesday, November 29, 2011

مع خالص الشكر والتقدير د. علياء رافع

مع هذا العدد من الشهداء والجرحي بدءا من يوم السبت الماضي، فقد المجلس العسكري شرعيته في الحكم، ولا يمكن أن توضع المسئولية كاملة على وزارة الداخلية، أو على رئيس الوزارة، لأن الوزارة بأكملها تخضع للمجلس العسكري بإعتباره رئيس للجمهورية في هذه الفترة الحرجة. من الأفضل للمجلس العسكري أن يسرع اليوم قبل الغد في تسليم السلطة إلى حكومة أو مجلس وطني مدني يتولي مهام رئاسة الجمهورية، ويعود مع خالص الشكر والتقدير إلى ممارسة مهمته الرئيسية في حماية أمن الوطن. لا عتاب ولا حساب إذا حدث هذا اليوم، أما إذا تباطأ فإن الدم الذي سال، والعيون التي اقتلعت والعاهات المستديمة التي أحدثها الاعتداء الغاشم لقوات الشرطة ستظل سدا منيعا بين أي كلمة يقولها أي فرد من أفراد المجلس العسكري، مهما كانت بليغة، وبين أي مبادرة مهما كانت فاعلة وبين الجماهير العريضة. لقد قطع هذا المجلس خيط الثقة بينه وبين الشعب، وستكون النتيجة وخيمة إذا ما أصر على الاستمرار. لا نريد بأي حال أن نكون ليبيا أو سوريا، كل مصري غيور على هذا البلد يريد أن تكون مصر آمنة سالمة، وجيشها عزيز مهيب، وقيادته لا يمسها تهوين أو تقليل من الشأن. نريد للمجلس العسكري أن يستعيد قليلا مما فقده من الثقة. وعندما يترك مهام الحكم اليوم، سيكون له كل التقدير. أما إذا أصر على الاستمرار، فإن مزيدا من المقاومة سيعصف بكل الأجواء وبكل محاولات الإصلاح. وأخشى ما أخشاه أن يزداد العنف. وليكن واضحا أنه من الصعب أن تتطلب من البشر ألا يكون بشرا.
إن ذلك الأب أو الأم، الأخ أو الأخت، الصديقة أو الصديقة الذين فقدوا عزيزا لديهم لن يستطيعوا أن ينتظروا يوما واحدا جديدا دون معاقبة فورية لمن قام بقتل أحبائهم. وإن كل مصري رأي ذلك الضابط الذي رمي جثة أحد الشهداء في مقلب الزبالة، لن يستطيع أن ينتظر ساعة واحدة أخرى دون أن يرى عقابا رادعا لهذا الشخص الذي لم يراع حرمة الموت، وقداسة الإنسان لمصري مثله. بل إننا بأخلاقنا المصرية ننأى أن نقوم بهذا مع الأعداء، فكيف يجرؤ هذا الضابط على مثل هذا الفعل. ما الذي يتوقعه المجلس العسكري من مثل هؤلاء؟ لن يهدأ لهم بال إلا إذا رجع اللواءات المحترمون إلى واجبهم القومي الطبيعي، وتركوا الأمر كله لمدنيين، واكتفوا بهذا القدر من تلك المهمة الثقيلة التي لم ينجحوا في القيام بها تبعا لم توقعته منهم الجماهير العريضة، ليتركوا الحكم لمدنيين يمكن محاسبتهم ونقدهم، ولكن اللواءات المحترمون يرأسهم المشير، تصعب الصراحة معهم، ويصعب توجيه اللوم إليهم، إذ أنهم رموز للجيش ولا ينفصلون عنه، وإزدواجية المهام لن تسير بنا إلى الطريق المنشود الذي سالت من أجله الدماء وأزهقت في سبيله أرواح. هل نسكت مرة أخرى على ظلم، وكأن من ينتقد المجلس يسيء إلى الجيش كله، كما كان يقال أن من ينتقد الرئيس يسيء إلى مصر؟ هل يسكت الشعب على قهر وإخماد للصوت مرة أخرى مهما حسنت النوايا؟
 ليعلم المجلس العسكري أن الشعب لن يصدق أن العدالة ستأخذ مجراها، وقد تعاملت الشرطة مع  المصابين في ثورة يناير وكأنهم بلطجية ، وأدعياء، وبلغ العنف من الشرطة إلى حد يفوق التصور في التهجم عليهم. هذا في الوقت الذي  مضى عشرة شهور، لم يصدر فيها حكم ضد وزير الداخلية السابق، وذلك تحت زعم نزاهة القضاء وضرورة العدالة، بينما شاب وطني  مثل علاء عبد الفتاح، على خلق ومن أسرة وطنية، يتهم إتهامات لا يرقي شك أي إنسان أنها باطلة. بيما يتم القبض على الشباب بعشوائية بالغة، لترهيب الآخرين من الإقدام على التعبير عن آرائهم.
لن يصدق الناس أن ما يوعدون به سيتحقق، وقد توقفت محاكمات الرئيس المخلوع أو المتخلي، ويعيش أبناؤه وحاشيته في سجن طرة، متمتعين بكل وسائل الرفاهية والعناية، في الوقت الذي يحبس فيه أبناؤنا في سجون عسكرية، لا يعلم إلا الله وحده كيف يعاملون، وماذا يأكلون. وقد سقطت عنهم كل الحقوق في الدفاع عن أنفسهم، أو النقض في الأحكام التي صدرت ضدهم.
لن يصدق الناس أن الأمن سيعود، وأن هيكلة الشرطة ستتم، وقد صبروا عشرة أشهر، ليجدوا في النهاية أن شهداء يسقطون ضحية لشهوة الانتقام من جانب الشرطة، التي لم تتوان عن إطلاق الرصاص المطاطي والحي على المتظاهرين في وحشية بالغة فتقتل من تقتل، وتقتلع العيون في مهارة بالغة، وفي تسابق وتشجيع وتهليل وهو ما أوضحته صور الفيديو التي تم التقاطها.
لن يصدق الناس أن المجلس العسكري حريص على حقوق الإنسان، وهو يري بوضوح فتاة يتم سحلها في الشارع وضربها بالعصي على مرأي ومسمع من الجميع، وعندما تقع الصحفية الشابة صغير السن منى الطحاوي في أيديهم، ويأخذون في ضربها حتي يكسر رسغها ويدها، ويزيدون من التحقير من شأنها بالعبارات البذيئة والتحرش بها، وهي بين يديهم لا حول لها ولا قوة.
لن يصدق الناس ما يقوله المجلس العسكري مؤكدين إدعاءات وزير الداخلية أنه لم يتم ضرب خرطوشة واحدة أو رصاص على المتظاهرين، بينما يقع عشرات القتلى أمامهم بهذا الرصاص. ويدين إدعاء الوزير بوجود قوى خفية تعمل على الوقيعة بين الجيش والشعب مزيدا من عدم الثقة. يصبح نفي استخدام أسلحة نارية ضد المتظاهرين أقبح من الفعل نفسه. إذ أن تواجد هذه القوى في كل مذبحة تقوم بها الشرطة المدنية والعسكرية وإستمرارها في العمل لمدة تزيد على العشرة أشهر، يعني أننا أمام شرطة ضعيفة غير قادرة على التعرف على هذه القوى الخفية. إذا صدق هذا، فنحن حقا في مأزق أمني داخلي وقومي. أليس هذا مدعاة للمحاسبة.
وكما هو الشأن أثناء وبعد قيام ثورة 25 يناير، فإن الأقنعة أخذت تقع ويظهر الأشخاص على حقيقتهم الصادمة. كم من  قلم ظننا أنه نزيه وعظيم، إذا به يسقط ويفقد الإحترام، وأخذ الفرز في التصاعد، إلى أن ظهرت معادن الناس النفيسة، وغيرتها على البلد وعلى الثورة. وعند نجاح الثورة غير الكثيرون جلدهم وتلونوا بلون جديد، وأخذوا يعللون ويفسرون مواقفهم السابقة، ويتحدثون عن الثورة المجيدة والشباب البطل. ذلك الشباب الذي اتهموه من قبل بالعمالة وبتنفيذ مخطط أجنبي. ولقد وضع الإخوان المسلمون أنفسهم في موقف حرج للغاية، عندما قاموا بمليونية لا ضرورة لها، وفي نفس الوقت امتنعوا عن تأييد الشعب في مليونية لا بد منها. ولم يكتفوا بهذا بل حاولوا أن يقوموا في نفس الوقت بدعوة إلى تحرير الأقصى، وهذا لاضعاف مليونية التحرير، وتشتيت الانتباه. إذا لم يكن هذا من أجل مكاسب سياسية، فلماذا إذن؟
ما أشبه الليلة بالبارحة، لا أكاد أن أصدق أذني وأنا أسمع نفس الاتهامات، نفس الصوت العالي، وكأن الصريخ هو الذي يثبت ويؤكد الوطنية: "التحرير ليس كل المواطنين"، "الشباب الخائن الذي يتقاضى أموالا من الخارج"، "سيضيع الوطن نتيجة لهذه المطالب الحمقاء"، "هناك أجندة أمريكية لإضعاف الوطن"، "الجيش هو الملاذ الوحيد ومن يهاجم المجلس العسكري سيوقعنا في فوضى". "حرام عليكم الاقتصاد ينهار ولن نجد غدا لقمة نعيش عليها". وينخدع الكثيرون بهذه العبارات، لا يعلمون أن ثورة قد قامت من أجل حرية الرأي والتعبير، ودماء أزهقت من أجل الكرامة الإنسانية، وأن أي مساس بالحرية والكرامة، هو رجوع إلى النظام السابق. لا يعلمون أن مد الفترة الانتقالية سببا من أسباب خروج الاستثمارات من مصر، والتدهور الاقتصادي، لا يعون أن عدم التواجد الأمني يضعف السياسة، وليس المظاهرات السلمية التي لم تتوقف أن تكون سلمية وحتي الأن. ما يحدث يعيد إلى أذهاننا أجواء الثورة، مع الفارق الكبير وهو أن المجلس العسكري ليس حسني مبارك، ولا نريد له أن يسقط، ولكن الشعب يريد فقط أن يترك المجلس الحكم الآن وليس غدا مع خالص الشكر والتقدير، وكفي. 

No comments:

Post a Comment