Tuesday, December 6, 2011

نبكي أم نضحك: شر البلية ما يضحك د. علياء رافع

أبناؤنا .. فلذات أكبادنا يقتلون بقلب خالي من الرحمة، ودون ذنب جانوه، سوى أنهم لم يستطيعوا أن يتحملوا هجمة غاشمة من قوات يفترض أن تكون قوات أمن، ولكنها مازالت قوات رعب، تهجم على جرحي "الثورة" هجمة شرسة وحشية بربرية.. ينتقض ضمير كل من رأي هذا المنظر المستفز.. ينزل من ينزل، ويفتح صدره للنار من يفتح، وينهمر الرصاص الطائش، والقنابل الغازية – سواء كانت سامة أم غير ذلك – بغزارة، فمن لم يصبه الرصاص، يختنق ويترنح.  لن يغيب هذا المشهد عن الذاكرة المصرية، سيظل حاضرا، كما كان مشهد الملايين يحتشدون بصرخة واحدة وقلب واحد "الشعب يريد ....." في ثمانية عشر يوما توقف التاريخ ليكتبها ولتكون شاهدا على حضارة شعب، بعثت روحه من جديد، وسيدافع عن هذا البعث لآخر قطرة فيه، ولن يتوقف عن الدفاع عن حريته. أنه الواقع الذي لا يتفهمه جلادوه.
 ثلاثة آلاف من المصريين معظمهم من الشباب، يقع جريحا، ونحن في ميدان التحرير ولسنا في ميدان قتال. يجرحون بأيدي من؟ بأيد مصرية. لماذا؟ لا أحد يجيب. وإذا أجاب أصبحت الإجابة إدانة وليست شفاء للسؤال الحائر. يقولون أنهم يتهجمون على وزارة سيادية. ويصبح السؤال أكثر غموضا. لماذا؟ يقولون مندسون ؟  تظل العقول حائرة وتعقد الدهشة الألسن. هل يمكن أن يخاطر هؤلاء المندسون بحياتهم؟ الإجابة مؤلمة .. لا يتحملها قلب مصري يريد أن يلتئم الشمل وأن تتوحد الكلمة، لا نريد أن نصدق أن القوة المعادية للثورة أصبحت أكثر قوة، لا نريد أن نصدق أن نظام مبارك – على قسوته واستبداده – كان أرحم مما نحن فيه الآن. لا نريد نرى ثورة عظيمة يريد لها أعداؤها أن تنهزم، ويحصدون أنبل وأغلى وأطهر شبابها.
في وسط هذه الجريمة الشنعاء، يطلق الإعلام زغاريط الفرح وأنباء العرس الذي جاءت به الانتخابات، وكيف أقبل المصريون عليها. كل يغني على ليلاه، البعض يريد أن يمحو ذلك المشهد الحزين، يتجاهل هؤلاء الشهداء الأطهار، وهذا الكم من الجراح، وتزيد هذه المحاولة الألم والعذاب، والآهة الحزينة في كل القلوب التي مازالت عامرة بالإنسانية.  البعض الآخر مقتنع فعلا أن الانتخابات هي طريقنا إلى الخروج من هذا النفق المظلم، ويعتقدون أن النهار أصبح على وشك الظهور. لهؤلاء أقول إن الأمر جد خطير، وأن هناك خططا استراتيجية، وبدائل متنوعة يضعها المجلس العسكري في جعبته يظهرها شيئا فشيئا. أقول قولي هذا مستفيدة من دروس عشرة أشهر، أدرس فيها الخطوات الحثيثة التي بدأت مع تأييد الجيش للشعب، ثم انقلابه عليه شيئا فشيئا. أقرأ هذا في تقديم خطوات إيجابية رائعة، ثم سحبها بأعمال متناقضة تماما معها ، أذكر فقط على سبيل المثال ما تبقي الذاكرة: 26 فبراير، 9 مارس، 28 يونيو، 23 يوليو، 9 أكتوبر. كل من هذه التواريخ تحمل أحداث مؤلمة، وأخيراأقرأ هذا في ذلك الاستفزاز المتعمد لجرحي الثورة العزل، ثم ترك الميدان ليمتليء بالثوار، فالهجوم عليهم. أقرأ هذا في القبض المستمر والممنهج للنشطاء الذين كانوا أعمدة الثورة، وتلفيق التهم الغريبة لهم، خاصة الناشط الشاب علاء عبد الفتاح.
لا أطالب بعدم الإشتراك في التصويت في ذلك الباب المفتوح أمامنا، ولكنني أستنكر الفرحة به، أستنكر أن يلهينا ذلك الضجيج عن النظر بعين الحكمة لما نحن مقبلون عليه. مرة أخرى أصبحنا في مأزق يشبه تماما ذلك المأزق الذي واجهناه عندما قيل لنا هل توافقون على التعديدلات الدستورية، وجرى استفتاء لم يكن شرعيا بمنطق ثورة حدثت وغيرت نظاما بأكمله. كان الاحجام في ذلك الوقت وعدم المشاركة فيه خنوع لقوى تريد أن تحيي الدستور القديم، وكان التصويت من ناحية أخرى ليس فيه أي ديمقراطية لأن الأغلبية لم تكن تدرك نتيجة اختيارها، بما فيهم النخبة والمثقفون أنفسهم. وبالفعل فإن الإقبال على هذا الاستفتاء، تم تفسيره على أنه إعطاء شرعية للمجلس العسكري، الذي كان يعلم جيدا أن وجوده بقرار من رئيس مخلوع لا يكفل له البقاء والاستمرار. ولا أدري كيف أمكن الربط بين استفتاء على تعديدلات في الدستور، وبين رغبة الشعب في استمرار المجلس في الحكم. والمأزق الذي نواجهه اليوم، أن التخلي عن التصويت سينتج عنه اكتساح قوى سياسية معروفة لمقاعد البرلمان القادم، ومن ناحية أخرى فإن التصويت في هذا الانتخاب، سيعاد تفسيره على أنه موافقة على خارطة الطريق التي وضعها المجلس العسكري الحاكم. وأما المطالبة بإلغاء الانتخابات برمتها، فإنه سيزيد من الفوضى في ظل غياب قيادة شعبية يرتضيها الجميع.
نحن إذن مكرهون على التصويت، وليس في هذا احتفال بعرس ديمقراطي كما يحلو للبعض أن يقول. لا يكرهنا أحد، ولكنه الخيار الأقل ضررا في سلم اختيارات تقودنا إلى الهاوية. ولا أدري لماذا كل هذه التعقيدات. أما كان بالأجدر أن نبدأ صفحة بيضاء من أول يوم بعد رحيل الدكتاتور،  نسطر فيها يوما جديدا بكل المعايير والقيم. وطالما أننا سرنا في هذا الطريق المحفوف بالمخاطر، فإنه لا يجب أن يغيب وعينا أو يزيف مرة أخرى.
وأما عن تلك الانتخابات التي هلل لها وصفق من صفق، فإن ما حدث فيها مهزلة بكل المقاييس، وعلى الرغم من غياب البلطجية المأجورين الذين تعودنا على وجودهم طوال الانتخابات السابقة، وعلى الرغم من حضور الأمن بصورة طيبة، إلا أن تجاوزات أحزاب التيارات الإسلامية فاق كل حد. ليس فقط لأنهم كانوا يقومون بدعايتهم أمام الدوائر الانتخابية في يوم التصويت، ولكن لأنهم أيضا كانوا يرشدون الأميين من أبناء الشعب الذي يصعب عليهم فهم ما يجب أن يقوموا به، ويأخذون أصواتهم لحسابهم. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن عملية الفرز كانت تتم في أجواء غير صالحة وغير مؤهلة على الإطلاق، حيث الازدحام الشديد، والضجة التي يصعب فيها أن يسمع الإنسان نفسه، فكيف لأي موظف يقوم بالفرز أن يكون دقيقا في عمله. وأما من ناحية معايير الحصول على مقاعد برلمانية بين الأحزاب الفائرة، فإنه لغز لم أستطع أن أفهمه أو أتابعه عندما تم شرحه على القنوات الفضائية.
لا أقلق من مجيء التيارات الإسلامية للبرلمان، ولكن أن تجيء هذا التيارات في تلك اللحظة التاريخية الحاسمة التي سيتحدد على أساسها مستقبل أمة في خطر شديد، خاصة عند اختيار لجنة تأسيسية لكتابة الدستور الذي سيكون الوثيقة الحقيقية الحاكمة التي سنعيش بها وعليها لسنوات لا يعلم مداها إلا الله. هل سيعبر هذاالدستور عن أمل مصر وحلمها وشخصيتها؟ الإجابة الإيجابية ليست حاسمة، ولا نملك إلا أن ننتظر.
بكل ما في قلبي من يقين وفي عقلي من وضوح للرؤية، أدعو الله ألا نعود إلى ما كنا عليه من قبل، أدعوه ألا تطير تلك الكلمات في الهواء كما حدث من قبل، وقد زاد في ألمي ورغبتي في التضرع الصادق إلى الله سبحانه وتعالى، ما وقع في يدي من مقالات لي ولغيري، وكلها كان يطلق نذير الخطر، ويطالب بالإصلاح؟ كتبت عام 2004 (28 سبتمر) في جريدة نهضة مصر:" أسلوب الحكم يجب أن يتغير بأن تعطي للمجتمع المدني مسئولية وشراكة، ...، وأن يزداد شعور الشعب بأنه قادر بالكلمة والعمل أن يبني مستقبل بلده". "لا بد أن تبني الرؤية المستقبلة على تفعيل المشاركة السياسية من خلال محاوز متعددءة بدءا من دستور يتيح فرصة تداول السلطة، واحترام الرأي الآخر المعارض، مرورا بقوانين تسهل ممارسة العمل العام وتعطي مزيدا من الحريات للجمعيات والمؤسسات غير الحكومية". وقامت الثورة وأخذ الشعب حريته بيده، ولكن مازال القهر مستمرا ومازالت الثورة مستمرة. إلى أي مدى ستزهق أرواح وتسيل دماء، حتي تتحقق الحرية؟  هل يحق لنا أن نضحك ضحكة فرح، أم أن شر البلية ما يضحك. 

No comments:

Post a Comment