Tuesday, December 13, 2011

يسري فودة والحوار مع السلفيين د. علياء رافع

في برنامج يسري فودة الحواري كان هناك متحاوران في مقتبل الشباب أحدهما يمثل التيار السلفي بل هو المتحدث الرسمي بإسم حزب النور نادر بكار، والثاني هو الباحث الشاب ابراهيم الهضيبي، ولقد كنت قد  شاهدت حوارا  للهضيبي على قناة الجزيرة يؤكد فيه أن عبد المنعم الشحات السلفي قد خالف العهد الذي أخذه على نفسه بألا ينزل الحزب بشعارات دينية في مليونية 29 يوليو.  ولعل من أبسط قواعد الأخلاق أن يلتزم الإنسان بوعده. بالطبع لا ينبغي أن يؤخد السلفيون بجريرة أحد منهم أخطأ، ولكن إذا انطلقنا بعد ذلك من هذا الموقف إلى فكرهم السياسي عامة، سنجد أن هناك خلطا بينا بين السياسة والدين بمعنى أن وظيفة الدولة بالنسبة لهم هي أرساء أركان الدين، وهناك فرق كبير بين أن يكون الإسلام مرجعية تشريعية، وأن يكون الهيمنة على العباد بإسم الإسلام المهمة الرئيسية للدولة. كنت أتمنى أن يتنبه المذيع اللامع يسري فودةإلى هذه المنطقة الحساسة التي حاول الهضيبي أن يلفت النظر إليها من خلال مداخل مختلفة ومتعددة.
كان المتحدث  الرسمي لحزب النور نادر بكار يحاول أن يظهر ثقافته واطلاعه على التاريخ الإسلامي، خاصة تاريخ الدولة الإسلامية في الماضي والحاضر، مؤكدا أنها تتشابه مع الدولة العصرية، ولذا فيجب أن تكون الدولة المصرية إسلامية الحكم. وعندما قاطعة المذيع أن لا أحد ينكر أن الحضارة الإسلامية قد أسهمت اسهامات مشهودة، أصر أنه  لايقصد  الحضارة بوجه عام، وإنما يعني ما بلغته الدولة الإسلامية من تقدم في الإدارة وأساليب الحكم.  كنت أتمنى أن يمسك أي من المتحاورين الخيط ويقف قليلا كي نعيد تذكرة الناس بالفظائع التي ارتكبها الأميون والعباسيون ضد من كان يعارض حكمهم، وكيف استخدم هؤلاء الدين من أجل تبرير أعمالهم. كان يجب أن يذكره أحدهم كيف حّول معاوية نظام الحكم إلى نظام وراثي، ضاربا بذلك آداب الرسالة التي لم يحدث أن قام صاحبها الرسول (صلعم) بأي وصية لمن يتولى الحكم بعده، وترك أمر المسلمين شورى بينهم. بل وأكثر من ذلك فإن يزيد حارب آل بيت رسول الله، وقتل  الحسين وصحبه لينفرد بالحكم دون منازع. وعندما جاء العباسيون لم يكونوا أفضل حالا، بل تعقبوا الأمويين محاولين تصفيتهم عرقيا (بإستخدام عبارات اليوم).
وانظر إلى عبارات أبو جعفر المنصور العباسي وهو يقول: "أيها الناس لقد أصبحنا لكم قادة وعنكم ذادة، نحكمكم بحق الله الذي ولانا وسلطانه الذي أعطانا، وأنا خليفة الله في أرضه وحارسه على ماله". أنظر إلى هذه العبارات التي زج فيها "حق الله" ليكون هو ومن معه "آلهة" يأمرون وينهون في العباد. كنت أتمنى أن يكون يسري فودةالمذيع واسع الثقافة ذائع الصيت أن يذكره أن الدولة الإسلامية قد أقحمت الفقه في السياسة، شرع الفقهاء أن الخروج على الحاكم خروج على الدين، ورسخوا هذه الفكرة حتي يحكموا قبضتهم على البلاد وعلى العباد، ومازالت هذه العبارة تستخدم في السعودية.  ولعل سلفيو اليوم  سيحاولون بكل الطرق أن يدخلوا نصا ما بهذا المعنى في دستور قادم لا نعرف كيف سيكتب.
أن رسالة السلفي الذي يمثله نادر بكار وغيره،  أن يكون وصيا على الناس، متحكما فيهم بمفهومه هو عن "شرع الله"، ناهيا لهم عما يغضبه متوهما أنه يغضب الله.  ولننصت جيدا لحازم صلاح أبو اسماعيل وهو يتحدث عن التدرج في فرض الزي الإسلامي منتقلا به من المسلمات إلى غيرهن، ليكون معبرا عن الثقافة والآداب الإسلامية، لنستمع إليها جيدا لندرك أبعاد الفكر الذي يحمله، ولا نأخذ تلك العبارات التي تمدح الديمقراطية مأخذ الجد، لأن ديمقراطيتهم تتوقف عندما يوجد فكر معارض لفكرهم، ولأنهم يعتقدون أن فكرهم هو الدين الحق. عندما يقولون أنهم سيتعاملون مع الأقباط بكل العدل لأنهم في ذمة أمة مسلمة، لا يدرون أن هذه العبارة نفسها تضع حاجزا بين المصري المسلم والمصري القبطي، وتضع المسلمون دائما في موقف الأعلى، وليس المتساوي مع الآخر.
لم يتطرق النقاش إلى تلك المناطق الشائكة التي كان  لا بد أن يقترب منها، كي يدرك الناس كيف يفكر السلفيون، على الأقل من يشاهدون هذا البرنامج، وأزعم أن الكثيرين منهم برغم أنهم الطبقة المثقفة، يمكن أن تفوت عليهم هذه الثغرات. كان الهضيبي يقظا لتلك الكلمات المنمقة وأثار قضية هامة في سؤاله عن دور الدولة من وجهة النظر السلفية في سلوكيات أفرادها على المستوى الشخصي. وكان أيضا لماحا عندما تعرض لمحاولة إذابة الهوية المصرية في الهوية العربية الإسلامية، وهي الطامة الكبرى، التي كنت أتمنى أن يلتقط يسرى فودةالخيط من هنا، ليسأل نادر بكار ممثل السلفيين عن رؤيتهم للخلافة الإسلامية، وهي الرؤية التي يشترك فيها السلفيون والإخوان على حد سواء، ولكنهم لا يجاهر بها الإخوان، انتظارا لتقلدهم الحكم والإمساك بمقاليد الأمور.  
إن تلك النبرة التي يتحدث بها السلفيون، تجعلنا نشعر أنهم يفترضون في أنفسهم أنهم على علم بأمور الدين علما كاملا متكاملا. وأنهم لن يقبلوا فكرا آخر أو رؤية أخرى حتي إذا كانت تنطلق من نفس المرجعية الدينية.  وقد يقول قائل وما هو الضرر في أنهم يريدون للمجتمع أن يسير في هذا الاتجاه. والاجابة أن الأمر لا يتعلق برفض اتباع تعاليم الدين، ولكن الخطر هو أن يكون هناك مفهوم واحد للدين وتعاليمه، وأن تمحي أي أراء معارضة أو مختلفة، أن نخرج من حكم قمعي يمكن الثورة عليه، إلى حكم قمعي يتحدث بإسم الله والدين والإسلام، ويصبح من يختلف في الرؤية وكأنه مارق شرير، أن تنقلب وظيفة الدولة إلى وظيفة دعوية. إن الزعم بأن أحد مسئولية الحكم هو تطبيق الشريعة، هو قول متفق عليه بشكل عام، ولكنه مع السلفيين سيأخذ منحي آخر، حيث تصبح الشريعة هي الأداة التي يعطون بها لقوتهم وسلطانهم القوة، فهم الفئة التي تحكم بما أنزل الله، وغيرهم لا ولن يحكمون بشرع الله إلا إذا اتبعوا فقههم ورؤيتهم.
كانت تعليقات يسري فودةعلى اجابات نادر البكار تعليقات ضعيفة لم تتوجه إلى جوهر القضية، وإنما أعطت له فرصة ليبدو أكثر منطقية وعقلانية وتفهما للأمور، بل ومقنعا أحيانا، وكنت أتساءل هل تحت مقولة الحيادية نترك مثل هذا الالتفاف الفكري ينتشر. وهل من الحيادية أن يجيء ذكر اسم الفريق صادق في سياق غير موضوعي يشوه فكر الرجل. ألا يعلم يسري فودةدور صادق في حرب الاستنزاف، ألا يعلم أن خطة هدم الساتر الترابي تبلورت وتم الإعداد لها قبل الاختلاف بين الفريق صادق والسادات، ألا يعلم أن الروس هم الذين امتنعوا عن تزويد مصر بالسلاح، وليس صادق هو الذي رفض أخذ السلاح من الروس؟
مع خالص احترامي للمذيع اللامع يسري فودةالذي يجذبني رغما عني لأسهر للساعة الثانية بعد منتصف الليل، والذي استمتعت بكثير من حلقاته التي كانت أكثر من مجرد برامج حوارية، بل أسقطت وزارات، وأظهرت حقائق، وأمتعتنا ثقافيا بالمبدعين الوطنيين. وقليل هي تلك الحلقات التي خرجت منها وأنا أشعر أن هناك غماما قد أضيف إلى رؤيتنا للحقيقة، ومنها تلك الحلقة مع نادر بكار وابراهيم الهضيبي. إن القضية جد خطيرة، يجب أن يدرك الناس إلى أين سيقودنا السلفيون. لتكن أراؤهم في الدين ما تكون، فلهم كل الاحترام، ولكن عندما يريدون أن يحكموا بإسم الله، سنواجه مشكلة حريات بلا جدال، مهما قالوا عكس ذلك. ولنا في عبد المنعم الشحات مثال ، وفي تعاملهم مع الانتخابات مع الجماهير الطيبة مثال آخر، وفي تصريحاتهم التي تشير إلى عدم الحسم في أمور لا ينبغي أن تكون فيها مجاملة مثال ثالث. أذكر فقط موقفهم من أحداث 19 نوفمبر وما تلاه من أحداث شارح محمد محمود، ولمن يشاء أن يتأمل في هذا الموقف أن يقرأ ما كتبوه، دون تعليق مني. 

No comments:

Post a Comment