Tuesday, December 27, 2011

دماء الشهداء لن تذهب هباء د. علياء رافع

هل الزمن يسير إلى الوراء أم إلى الأمام.. لماذا لا ينتهي هذا الكابوس المفزع الذي لا يبدو أن له نهاية؟ هل نحن نعيش الثورة أم عصر مبارك، ولكن أسوأ كثيرا من مبارك. كان مبارك يقوم بأفعاله ففي الخفاء، يتواري خجلا ويريد أن يحفظ مظهرا متحضرا، وكان هذا في حد ذاته يضع أمامه بعض الحواجز والسدود. ولكن الألعن أن الإعتداء على المواطنين وتعذيبهم وقتلهم وسحلهم يتم علنيا أمام الجميع، بل  نجد القاتل يحاول أن يكسر الضحية معنويا بالإعتداء، ثم بعد ذلك  بإعلان التدعيم، وكأن أيديه بريئة من الدم. فأي نوع من البشر هؤلاء؟ لقد خرجنا من نظام مبارك لنقع في إرهاب العسكر.
منذ أسبوعين قلت في هذا المكان أن شرعية المجلس العسكري قد انتهت بعد مذبحة محمد محمود، ولكن أردت أن ألفت الانتباه أن المطلوب هو أن يعود المجلس العسكري إلى دوره الطبيعي في حماية البلاد ويترك القيادة إلى مجلس رئاسة في هذه المرحلة الانتقالية.  وإذا كانت مصلحة البلد هي ألا يتم فتح الأوراق القديمة لما حدث منذ 12 فبراير، فإن المصريين قادرون على تقدير الأخطاء والخروج منها بسلام. ومع خالص الشكر والتقدير للمجلس. كلنا كمصريين نريد سلامة هذا الوطن، وفي هذا السبيل ومن أجل هذا الهدف النبيل لن تتم محاسبة المجلس العسكري على سوء إدارته للبلاد في هذه الفترة.
  ولكن ما حدث بدءا من ديسمبر 16 أي قبل أن يمر شهر على مذبحة محمد محمود يضع الشعب والجيش في مواجهة مباشرة. فليس مقبولا على الإطلاق أن يستخدم الجيش هذا العنف المفرط ضد المتظاهرين، بل وأكثر من ذلك أن يصدر بيانا ينكر أن هناك أعمال عنف من الجيش أو أي اعتداء قد حدث على المتظاهرين، بل ويخرج علينا رئيس الوزراء بإستخفاف شديد ليتحدث عن البلطجية مرة أخرى، وكأننا لم نكن نر ما يحدث من سحل وضرب وقتل. هل أصبحت مصر كلها مجتمع بلطجية؟ وكيف لا يستطيع أن يضبط عمل البلطجية دون هذه الحرب الشعواء التي تجعلنا نشعر أن  الجيش في حرب مع عدو – هو الشعب. هل الجيش قوى احتلال، أم أننا نحن الشعب جئنا من مكان آخر ونعيش في وطن غير وطننا.  حتي لو كان الجيش يضرب بلطجية، فإن تلك المعاملة غير المقبولة إنسانيا لا يمكن أن تكون مبررا لهذه القسوة التي فاقت كل حد.    
يقول طبيب المستشفي الميداني أنه استقبل حالات برصاص حي، وخرطوش، وجروح قطعية نتيجة للضرب بالسونكي. ويؤيد التشريح هذه الحقائق، مما يؤكد أن الجيش هو القاتل، بل ويتجرأ الجنود على اقتحام المستشفي الميداني، وضرب الأطباء. ويحدث اعتداء  ويضيف إلى أن هناك محاولة اقتحام للمستشفى. المجمع العلمي يحترق لساعات، ويترك بشكل مخزي دون أي محاولة لإطفائه، بل يقال أن البلطجية تعرضوا لسيارات الإطفاء بالملوتوف، فتراجعت سيارات الإطفاء، وتركت المجمع في حالة اشتعال لتؤتي النار على كل ما فيه من الكتب. هل يمكن أن يقبل هذا التبرير أي إنسان. جيشنا العظيم الذي يحمي البلاد لا يستطيع أن يقف أمام مجموعة من البلطجية، يحرقون ثروة مصرية، ولكنه يجري وراء العزل ويقبض عليهم، ويمسك بفتاة ويسحلها، ويخلع عنها ملابسها أمام مرأى ومسمع العالم أجمع. والشباب الثائر الذي تستهدفه الرصاصات الطائشة، وقطع الرخام الحادة، وزجاجات الملوتوف الحارقة، يدخل في بسالة لينقذ ما يمكن إنقاذه. هل يمكن أن يصدق عاقل ما يقولونه؟ نستمع إلى سناء سيف، غادة كمال، فريد الحمامصي وهن يقصصن كيف اعتدى الجنود عليهن، وأظن أن رجال مصر لابد أن يخجلوا من شجاعة هؤلاء النساء وصمودهن.
والأدهى والأمر أن السلفييين الذين ملآوا آذاننا بالدولة الإسلامية العادلة التي يريدون أن يقيمونها على ربوع مصر، يسقطون في أول ابتلاء وطني  بجدارة وهم يتنكرون لكل ما يرون من تعرية للفتيات وضربهن والقبض عليهن، في غير مراعاة لخلق أو دين، بل ويجرأون بعد ذلك على إلصاق تهمة قتل الشيخ عماد عفت إلى الشباب الثائر، ويعاودون مرة أخرى إظهار الولاء لجيش مصر العظيم. هل نحن في مسرحية هزلية، أم أن ما نراه واقعا. أين هتافاتهم الحماسية لحماية "أختي كاميليا و أختي عبير؟  لماذا لا تنطلق صرخاتهم من أجل إيقاف هذا الانتهاك اللاآدمي لفتيات يمتلكن شجاعة يعجز عنها رجال ممن يصرخون بأنهم منقذو الأمة من الفساد؟  كيف يتجرأون على مهاجمة هؤلاء الفتيات بدلا من الدفاع عنهن؟ أنه هزل لا يستطيع كتابته أكثر الروائيين خيالا وإبداعا.  وتخرج النساء في مظاهرة رائعة من كل الأعمار صارخين بأن سيدات مصر لن يقهرن ولن يعذبن.
ومع ذلك أقول للجميع أن دماء الشهاداء لن تضيع هدرا، ستتنصر الثورة، لأن ذلك الشعب العظيم الذي أقسم بقلب مؤمن حقا، والإيمان ليس في حاجة إلى اسم لدين، إنه إيمان قلب إنسان ولد مسلما أم ولد مسيحيا، فهو مؤمن بالله لا يخشي في الحق لومة لائم.  هذا الشعب سيستمر في الدفاع عن حقه في الوجود وفي استعادة شخصيته الحضارية العظيمة. والذي يحدث هو فرز من نوع خاص، فنحن في وقت لا بد أن نكتشف فيه من يجيد الكلام المعسول، ومن يعيش ما يقول، بين مؤمن لا يرى مقصوده إلا وجه الله، وبين رجل يتحدث عن الدين وعن الرسول، ويتملق الحاكم، ولا يخشى الله، ويكتم الشهادة. الإيمان ليس في حاجة إلى إعلان. إنه ما وقر في القلب وصدقه العمل. ألا يستطيع هؤلاء الذين يتحدثون عن مرجعية دينية أن يتعرفوا أن الإيمان الحق هو الحرية الكاملة من كل خوف، والعمل الدءوب لنشر الحق. لا يحتاج هذا إلى كلام فلسفي، ولكننا في حاجة إلى ثورة ثقافية جديدة تواجدت بالفعل في ميدان التحرير، وتجسدت في هؤلاء الأبطال الذي لم ترهبهم قوة الجيش، ووقفوا بصدور عارية وبسلام في القلب والفعل، مينا ومحمد، وجورج وحسن.
وفقط من قبيل الخيال، عندما رأيت ما يحدث أمام مجلس الوزراء في قذف للمتظاهرين بكل أنواع الحجارة والرخام، وحتي أثاث وأطباق، على مرأى ومسمع من العالم أجمع، وكلنا يرى، عندما رأيت كل هذا، تصورت أنه من الممكن أن يخرج كمال الجنزوري ليعتذر للشعب ويقدم استقالته فورا، قائلا أنه لم يستطع أن يقوم بدوره الوطني في حماية شعب مصر، نتيجة لضغوط المجلس العسكري. تخيلت أن منصور حسن يخرج بكلمة قوية يقول فيها إننا بكل وضوح فشلنا أن نكون ناصحين للمجلس العسكري، الذي لم يأخذ بمشورتنا على الإطلاق قبل البدء في فض الاعتصام بهذه القوة المفرطة. أليس من المفروض أن هؤلاء المستشارين أن يستشاروا في كيفية الخروج من مأزق اعتصام القليل من المواطنين أمام مجلس الوزراء، ويتم نصح المجلس بأفضل صورة يمكن التعامل بها مع شباب الثورة. بدلا من هذا وذاك شعرت بالخزي والعار وأنا أستمع لكل من كمال الجنزوري ومنصور حسن، لقد فاق ما قالوه  كل تصور ممكن لأقل مستوى من التفاعل مع الإنسان – حتي لو لم يكن مصريا – فما بالنا ونحن جميعا مصريين. ينكر الأول الاعتداء، ويطالب الثاني على استحياء بالتوقف عن الاعتداء، ثم في تخاذل ضمير يفوق الحد يعلن أن المجلس العسكري قد استجاب لطلبات المجلس، بينما الصور توضح أن الاعتداء ما زال مستمرا. ثم يجيء المؤتمر الصحفي للمجلس العسكري، فيصدمنا السيد اللواء عادل عمارة بتصريحاته عن تأكيده لوجود ذلك المجهول الخفي الذي يتآمر ويخرب على مرأى ومشهد من كل أجهزة الاستخبار المصرية، ويظل يعبث ليدمر البلاد. 
 هذه شهادتي للتاريخ، وإنني بالفعل أحسد كل شهيد الآن غادر هذه الأرض إلى جنان السماء، لأنه قد أدى دوره، وقام بمهمته على خير وجه، وأثق في أن رحمة الله ستتولي كل جريح، وسيعيش حياته في اطمئنان نفسي وسلامه روحية، لأنه لم يكن جبانا. وأتساءل كيف سينام كل من أمر بالقتل، واشترك في الجريمة، وتواطأ مع المجرم، وبرر له جريمته. وأرثي لنفسي أنني ما زلت أشاهد هذا المشهد الحزين أنا وغيري وقلوبنا تدمي، ولكننا لسنا عاجزين فنحن مشاركون في هذه الثورة بالكتابة والنزول والحركة والدعاء، وهو أقوى الأدوات، الله موجود وهو القاهر الجبار، ولن يترك هؤلاء يعبثون إلى مالانهاية، لأننا كلنا –نحن المصريين – مستعدون أن نكون شهداء. لن نكتم الشهادة أبدا، وعدم كتمان الشهادة هو العمل المستميت من أجل الحياة، حياة أفضل لمن يخلفنا، ولن نعيش في هذه المهانة، وليعلم المجلس العسكري أن قوة المقاومة ستزيد وتزيد ولن تتوقف بأعمال الإرهاب. ليس هناك مناص من أن يرحل المجلس الآن وأن يتولى أمور البلاد مجلس رئاسي من الشخصيات العامة التي لها قبول لدى الرأي العام المصري من مختلف التيارات، لا يجب أن ننتظر أكثر من هذا، فكل لحظة تخسر مصر أبناءها في معارك وهمية لا ضرورة لها.   

No comments:

Post a Comment