Tuesday, January 3, 2012

عام 2012 المرأة تكسر الطغاة د. علياء رافع

مضى عام ليس مثل أي عام مضى، فقد ازدحمت الأحداث بميلاد جديد للبلاد العربية التي قررت شعوبها بكل إرادة وتصميم أن تكسر الطغاة، وبإضرار لا يلين استشهد من استشهد، وجرج من جرح ولا يزال الصراغ بين الطغاة والتحرر قائما. كانت تونس هي البلد التي سبقت الجميع والتي ألهمت الجميع، وكانت مصر هي الثورة التي هزت العالم من أقصاه إلى أقصاه بطبيعتها الخاصة التي ألهمت بلادا في مختلف أنحاء العالم، بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية نفسها، حيث في أكثر من مظاهرة، بدأت بولاية وسكنسون، وانتهت بمظاهرات وول ستريت.  ومصر أيضا لها طبيعة خاصة من ناحية أخرى، إذ أن الصدام المباشرة بين الشعب ونظام الحكم لم يكون عنيفا في بداية الأمر، مثلما حدث في ليبيا، واليمن، ومازال يحدث في سوريا، حيث بدا للجميع أن الجيش وقف بجانب الشعب، ولكن جاءت الرياح لما لا تشتهي السفن.
عند بداية الثورة لم أكن أقبل التفرقة بين الرجل والمرأة، أو حتى الحديث عن دور المرأة لأن في أعماقي لم يكن هناك إلا شعب واحد انتفض انتفاضة واحدة، وقرر أن يحقق المستحيل. لم أستطع أن أفرق كذلك بين هؤلاء الذين ضحوا بأنفسهم قبل يوم 25 يناير، وبين أولئك الذين مهدوا لهذا الحدث العظيم قبل ذلك اليوم الفاصل. لقد ذخرت الساحة السياسية بمناضلين من كل الأعمار، ومنهم الناضجون والشيوخ وأيضا الشباب. كان د. عبد الوهاب المسيري، وعبد الحليم قنديل، وجورج إسحاق، وإبراهيم عيسى، وغيرهم كثيرون من جيل الناضجين والشيوخ الذين لم يهابوا السلطة وتعرضوا لما تعرضوا من ضغوط وتهديدات وحبس وتنكيل.  هؤلاء الذين تجاسروا على تحدي الظلم والاستبداد دون خوف قبل الثورة مهدوا الطريق لهذه الثورة أن تقوم.  وتوالت الحركات الاحتجاجية، بدءا من حركة كفاية  التي تحدث الصمت عندما خرجت للتظاهر أول مرة عام 2004، وانضمت حركة 6 إبريل إلى المسيرة، ثم توالت الحركات المختلفة "من أجل التغيير"، "قضاة من أجل التغيير"، محامون من أجل التغيير، حركة 9 مارس من أجل التغيير، وهكذا. وجاء البرادعي بعد انتهاء مدته كمدير للهيئة الدولة للطاقة الذرية ليحيي أملا كبيرا في التغيير. إليه يرجع الفضل في بلورة المطالب الأساسية التي أصبحت بعد ذلك هي نفسها مطالب ثورة 25 يناير.  
كان يوم 25 يناير تتويجا لجهاد كبير قبل بدأه، ولكنه أيضا مفاجأة لأنه لم يكن من المنتظر إن ينقلب الاحتجاج إلى ثورة بهذا الزخم وهذه المشاركة العظيمة التي كان يصعب تصديقها في أكثر الأفكار تفاؤلا.  هؤلاء الذين خرجوا من قبل، لم يكونوا إلا فئات قليلة. وفي الثمانية عشر يوما التي سبقت تخلي مبارك عن الحكم، شهدت مصر ميلادا جديدا، شهدت بعثا لروح حضارة عظيمة، تجددت بها نفوس الكثير من المصريين  الذين رأوا أنفسهم يولدون من جديد بروج وثابة وأمل متطلع إلى المستقبل. ومع كل خطوة إلى الأمام ، كانت هناك تلك القوة العاتية التي تعيدنا خطوات إلى الوراء. لم تمض أيام قليلة حتي داهمت الشرطة العسكرية المعتصمين في ميدان التحرير يوم 26 فبراير، بل وقبل هذا التاريخ كانت هناك انتهاكات وقبض على المتظاهرين وتعذيبهم في المتحف المصري، سمعنا وقرأنا عن هذا في المؤسسات الحقوقية الدولية، وكنا دائما نشعر أنه ربما كانت هناك حالات فردية من ضباط ، لم يستيسغوا أن يقع منهم رجل عسكري مثل مبارك. ولكن وبعد مرور السنة الأولى للثورة، ومن خلال تتبع الأحداث المتعاقبة، انتهينا في نهاية العام السابق إلى مكاشفة لا مواربة فيها أن المجلس العسكري الحاكم يقوم بخطة ممنهجة للقضاء على الثورة والثوار. وإذا بنا نرى المرأة في وسط هذا الهجوم  مستهدفة بشكل خاص.
لا بد أن استهداف المرأة بهذا الشكل الصريح وراءه إدراك رائع  أن كسر المرأة في الثورة يعني هزيمة الثورة، لأن المرأة هي روح السلام والإطمئنان الذي يبعث السكينة للإنسان، فهي ليست مجرد عدد يضاف إلى مجموع من البشر، ولكنها قوة معنوية تدفع الرجال إلى الإقدام، وتوجد التوازن الضروري في الميدان. وعندما يتم تحطيم معنويات المرأة فإن مجموع الرجال حولها يقعوا في منطقة مظلمة من الخوف، لأن الرجل قد يندفع نحو الاستشهاد وهو مطمئن النفس، ولكن أن تصاب إمرأة من أسرته إبنة أو زوجة أو أم أو أخت، فإن هذا يحطمه معنويا، وينهكه نفسيا، ويجعله متحسبا لخطواته التي لم يكن يعمل لها حسابا من قبل.
وأثبتت النساء في هذه الثورة أنهن حقا شقائق الرجال، وأنهن أقوى من أن تكسرهن أحداث من هناك ومن هناك. كثيرات هن النساء الذين ظهرت أسماءهن، ولكن المجهولات أكثر كثيرا. أتذكر أسماء محفوظ في برنامج تليفزيوني، ولم تكن قد ذاع اسمها بعد، ويحاورها مذيعين يردن أن ينكلن بها أو يجذباها إلى أقوال تدينها، وهي تجيب بتلقائية وصدق وقوة أيضا. يخفق قلبي لهذه الفتاة التي أرى فيها كل بنات مصر. أقرأ لنوارة نجم، ولم أكن أعرفها، فإذا بها تعبر عن أفكاروضمير أمة. أنظر إلى ليلى سويف وهي تحمي ابنها في الميدان ليلة 27 فبراير من سحل الجنود له، أرى فيها أمومة كل مصرية وشجاعتها. وإسراء عبد الفتاح التي اختفت في سجون أمن الدولة، وخرجت أكثر قوة.  وجاءت سميرة ابراهيم لتكون قنبلة انطلقت لتصيب صدور كل هؤلاء الذين أرادوا أن يذلوا الفتاة وأهلها، بتلك الكشوف المهينة.  صممت تلك الفتاة الشجاعة أن تقاضي من أراد أن ينتهك عرضها، لتصل في النهاية إلى إثبات تلك المهزلة، التي كان ينكرها المجلس الحاكم وضباطه، وفي هذا بداية لطريق طويل، ستخوضه المرأة من أجل مقاضاة جلديها. لن تتهاون عن حقوقها. هذه الوحشية التي مورست ضد الطبيبات والثائرات في أحداث مجلس الوزراء، لم يكن أبشعها الكشف عن جسد فتاة في الميدان وضربها في صدرها، بل كان التعذيب والقتل والسحل الذي سجلته الوثائق الرسمية للمستشفيات التي قابلت هذه الحالات، وللفيديوهات التي صورت كل هذه الانتهاكات شهادات على استهداف المرأة.
وخرجت النساء في السابع والعشرين من ديسمبر 2011 في ثورة تذكرنا بثورة 1919، وكان تماسكهن وقوتهن وأصواتهن الناعمة في الهتاف، قوة أعتي من أصوات الفنابل التي كانت تتفجر في الميدان، إنها قوة تزلزل أركان الطغيان، وتعلن للعالم أجمع أن المرأة المصرية ليست مستضعفة، ولن تجعل شقائقها من الرجال الشجعان منكسرين وخائفين، لأنها قادرة على المطالبة بحقها، ولن ينحني لها رأس، ولن تخضع للطغاة أيا ما كانوا.
إن هذه القوة النسائية التي ظهرت وتجلت في ثورة 25 يناير إضافة لقوة هذه الثورة التي لن تتوقف إلى أن تصل إلى أهدافها، والمرأة هنا هي التي ستحمي سلمية هذه الثورة، وتنقذها من العنف الذي قد لا يولد سوى عنف مضاد. لقد بدأ العد التنازلي للإستبداد، ولن يمر عام 2012 إلا وقد حققت مصر الحرية التي ترنو إليها، والتي لم تتوان عن بذل النفس والنفيس في سبيل الوصل إليها. لن تذهب دماء الشهداء هدرا، بل ستكون سيفا مسلطا على رقاب الطغاة، تتفلده المرأة المصرية التي تملك من أسلحة السلام ما هو أقوى كثيرا من كل ما يملكه الجلادون من أسلحة العنف والقتل. 

No comments:

Post a Comment