Tuesday, January 31, 2012

اشتدي يا أزمة تنفرجي


أصبح من الواضح أن شرعية المجلس العسكري تتآكل يوما بعد يوم إذا لم تكن قد تآكلت بالفعل، واندثرت. ومع إن" لو" من عمل الشيطان كما يقول الحديث، إلا أننا نستخدمها هنا لا ندما ولا أسفا، ولا رغبة في أن تعود الأيام إلى ما كانت عليه، ولكن نستعيد الماضي عظة وعبرة وتأملا، لننطلق من الحاضر إلى المستقبل.  كنت أتمنى أن ينحى المجلس العسكري منحى آخر تماما. أتذكر عندما ظهر لفيف من أعضاء المجلس في برنامج العاشرة مساء. كنت وأسرتي وأعتقد أن جميع المصريين شاركوني الفرحة والفخر، وأنا أنظر إلى الجنرالات العظام وأنا أذكر لهم بالامتنان أنهم الذين وقفوا بجانب الثوار، وضغطوا على الطاغية حتى يرحل. وكان رحيله أشبه بالمعجزة التي حدثت  في وقت مثالي (خلال ثماينة عشر يوما بدو كما لوكانوا ثمانية عشر دهرا). ملأنا الأمل أن الغد المشرق قد جاء أخيرا، وأن مصر ستنطلق إلى الأمام في سرعة ستذهل العالم.
عندما أتذكر هذه اللحظات اليوم، أشعر بالألم الشديد، لهذا الكنز من الحب الذي حمله المصريون جميعا لقيادات الجيش العظيم وهؤلاء الجنرالات يصرفون منه يمينا وشمالا، حتي أفرغوا رصيدهم منه، ولم يعد هناك في قلوب الملايين إلا الرغبة في أن يرحلوا في هدوء ويعودوا بالجيش إلى ثكناته، ويتركونا نبني بلدنا كما حلمنا جميعا في صباح الثاني عشر من فبراير الماضي، الذي خرج فيه المصريون جميعا عن بكرة أبيهم ينظفون الشوارع الميادين، ويعبرون عن انتمائهم  لمصر الكريمة العظيمة، وبدا الجميع مستعدين أن يبذلوا كل نفيس من أجل مصر، وقد أصبحت البلد بلدهم، وليست عزبة للحكام.
عندما كنت اسمع عن انتهاكات وتعذيب من ضباط في الجيش كان عندي يقين أنها حالات فردية، وأنه من الطبيعي أن يكون هناك البعض من أفراد الجيش الذين آلمهم أن يخرج عسكري مثلهم من السلطة بهذا الهوان، لقد كان القائد الأعلى للقوات المسلحة من قبل ومن بعد، وقد اعتادوا أن يبنوا علاقتهم معه على الاحترام والطاعة، فهم معذورون على كل حال، ولكن كنت أميل إلى التفكير أن هذه الانتهاكات لا يمكن أن تحدث بعلم من المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وأنه لا يد أن هناك حسابا ما مع هؤلاء الذين يحتجزون الثوار ويعذبونهم.
كان من الممكن أن يكون كل فرد من هذا المجلس ملء القلب والسمع "لو" أنهم استجابوا وسمعوا جيدا لمطالب الثورة من أول يوم وساروا في الطريق المنطقي الذي يحقق الأمن والاستقرار في أقصر وقت ممكن، ألا وهو البدء فورا في "كتابة" دستور جديد في زخم ثورة أشعلت في كل المصريين بشرا وحبورا، ورغبة في العمل والبناء، ولو أخذت كتابة الدستور عاما، لكنا قد انتهينا اليوم منه، ولكانت الانتخابات النيابية لها شأن آخر، ولكنا اليوم في فرحة انتخاب رئيس. منذ أول لحظة لجأ المجلس لسياسات غريبة، لم يكن من شأنها إلا أن تفرق بدلا من أن تجمع، ودخلنا في غياهب إعلان دستوري لم يستفت الشعب عليه، وأعطي للمجلس العسكري سلطات ليس بأسوأ مما كان للرئيس السابق. ومن صوت بنعم للتعديلات الدستورية سرعان ماتنبه إلا أننا دخلنا نفقا مظلما من الإجراءات التي أخذت منا الوقت والجهد، وسحبت من تحت أرجلنا الحماسة والبشر. وكانت هذه هي بداية المطاف الذي أخذنا ندخل فيه من دهليز إلى آخر، ومن تصرف محبط إلى تصرفات صادمة، إلى أن وصلنا إلى المحطة التي نتمنى أن تكون الأخيرة، تلك هي محطة شارع مجلس الوزراء، حيث أفزغ قلوب الملايين وآلمهم في نفس الوقت أن يجدوا الجنود يعتلون سطح مجلس الشعب جنبا إلى جنب مع بلاطجية ويقذفون المعتصمين والمارين بكل أنواع الحجارة والأثاث بل وقنابل المولوتوف. وفي نفس الوقت يُجر ويسحل الشباب والشابات ويُعذبون في مبنى مجلس الشعب، تحت سمع وبصر وبأيدي ضباط من الجيش. أعتقد أنني وغيري ما كنا نحب أن نشهد هذا اليوم.
إن هذه المحطة الأخيرة بعد مشوار ومحطات سابقة جعلت الكثيرين ممن يتابعون ويبصرون يريدون أن يترك المجلس العسكري الحكم في أسر وقت ممكن. ويزيد الأمر استفزازا عندما نرى ونبصر الجرحي مكبلين بالكلبشات في المستشفيات، بل ومتهمين أيضا باستخدام العنف، ونرى القاتلين أحرارا بل ويُبرأ بعضهم من القتل.  لقد فقد المجلس العسكري الثقة التي كان ينعم بها في اللحظات الأولى، وأصبحنا لا نأمن على أن نكون تحت حكم  من لم يُراع الله فينا ولم يرحمنا، ولم يهب من أجل القصاص لدماء شهداء الوطن، بل ويزداد عدد هؤلاء على يده. لا شك في أن تسليم السلطة حالا وأمس قبل اليوم أصبح مطلبا شعبيا لن يتنازل عنه الشعب. إن الإرادة الشعبية اليوم تريد أن تنهي هذا الحال فورا، ولذا فإن تلبية نداء هذا الشعب يجب  أن تؤخذ مأخذ الجد، ولا ينبغي التحايل عليها أو الاستهتار بها.
وإذا كان لي أن أكون من الناصحين، فإنني لا أتواني في أن أطالب المجلس نفسه أن يجد الصيغة المناسبة للخروج من هذا المأزق الذي وضع نفسه فيه، صياغة تحافظ على كرامته، ولقد سبق وطلبت هذا في مقالات سابقة. واليوم فإنني أتمنى من كل قلبي أن يستجيب المشير والمجلس العسكري لإرادة الشعب. هناك اقتراحات كثيرة كي يترك الجيش السياسة ويعود إلى حماية الوطن، وعليه أن يختار الأفضل لمصر ولشعبها، والأكثر أمنا وسلاما له.
أعلم جيدا أن هذا الشعب لن يهدأ له بالا قبل أن يصل إلى أهدافه، وأتمنى أن يرى الجيش ما نرى جميعا، فيبدأ بالقصاص لمن قتلوا المواطنين في أحداث ماسبيرو، ومحمد محمود، ومجلس الوزراء، ويعاقب من عذبوا المواطنين في السجون الحربية، ويفرج عن جميع المحتجزين ومن صدر عليهم الحكم في السجون العسكرية فورا. لا أقول جديدا، بل أؤكد نبض الجماهير ونداءها.  وإذا قام المجلس العسكري بهذه الخطوات، قد يجد له عند المواطن المصري رصيدا ولو قليل، ولكنه صالح كي  تكون هناك صفحة جديدة بين قيادات الجيش وبين الشعب ليخرجوا من هذا المأزق آمنين. أما إذا صدقوا المنافقين والانتهازيين ممن يطبلون ويكذبون ويدعون أن أعضاء المجلس العسكري لم يذنبوا ولم يقترفوا إثما، فهذه طامة كبرى، لأن أبشع الكذب أن يكذب الإنسان على نفسه. وأيا ما كانت الأهداف والمبررات لاستخدام العنف ضد الشعب، فإن الشعب لن يقبلها. إن التيار آت آت، وسيجرف أمامه كل القوى التي تقف أمامه، وكلما طال الوقت كلما تأزمت الأمور أكثر وأكثر. 
لا أود أن أرجح حلا على آخر فيما يخص تسليم السلطة لمدنيين، ولكن أؤكد أن تسليم السلطة اليوم سيكون أفضل لكل الأطراف، وأن تجيء المبادرة من المجلس العسكري نفسه، فهذا أفضل من أن تكون هناك مبادرة من أي مصدر آخر، سواء كان مجلس الشعب، أو قوة الشارع. كان هدير المواطنين واجتماعهم على كلمة واحدة نذيرا بأن الحق لا بد منتصر، وأنه إذا الشعب يوما أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر.  دعائي دائما أن يجعل الله هذا البلد آمنا، وأن تحقن الدماء، وأن ننهي حالة الفوضى والصراع وندخل حالة التوافق والبناء. لن يتم هذا قبل رحيل المجلس العسكري عن كرسي الحكم. فهل سيستجيب !!!

No comments:

Post a Comment