Tuesday, August 24, 2010

مسلسل الجماعة: ما بين الدراما والتاريخ د. علياء رافع


من الصعوبة بمكان أن نحكم على عمل درامي لم يكتمل عرضه، ولكن لا بأس من إثارة بعض الموضوعات المتعلقة  بالرؤية الدرامية لشخصية حسن البنا، بإعتبارها شخصية محورية يدور حولها المسلسل كله.  وحسن البنا مثله، مثل أي شخصية تاريخية، تكتسب كازرمياتها بتواجدها وتفاعلها مع الواقع، ولكن بمرور الوقت قد يتغير الموقف ويصبح هناك من ينسب إلى الرجل ما لم يقله، أو يقرأ في حياته ما لم يعنيه.  والواقع أن هذا شأن كل الأعمال الدرامية التي تريد أن تسجل حياة لإنسان أو تصف فترة تاريخية لشعب. وهذا الأمر يثير موضوعا هامة عن علاقة الدراما التاريخية بكتابة التاريخ، ولا يقتصر على مسلسل حسن البنا وحده، لقد أثار مسلسل الملك فاروق ضجة حوله، لأنه بدا متعاطفا مع الملك، ومدافعا عنه، وهناك مسلسلات تاريخية عديدة، قدمت لسيرة بعض من الفقهاء، وبعض الشخصيات الهامة في التاريخ الإسلامي، أو التاريخ المصري الحديث.
ولاشك أن خيال المبدع يتدخل بقدر كبير لينسج من الأحداث والتحقيق التاريخي من خلال الدراسة التي قام به عملا فنيا متكاملا  لا بد أن يخضع للتمحيض الموضوعي والتحقق من صدق الأحداث، وتاريخ الحدث، ووجود الشخصيات، والتتابع المنطفي لتطور الشخصية.. إلخ، ومن ناحية أخرى فإن هناك مساحة لابد أن نتيحها للمبدع كي يستطيع أن يكتمل عمله، ذلك أن ذاتيته ورؤيته وقناعته القكرية والسياسية لا يمكن إستبعادها، ذلك أنه مهما توفرت رغبته في أن يكون موضوعيا، إلا أن أي عمل فني درامي لا بد أن تكون له رسالة أيضا مضمنة أو ظاهرة.
إختيار وحيد حامد أن يبدأ أول مسلسل  الجماعة بإستعراض ما حدث في الأزهر الشريف من قبل بعض الشباب المنتمين إلى جماعة الإخوان في سابقة هي الأولى من نوعها في هذا الصرح،  تحمل إلى المشاهد العديد من الرسائل،  أولها خطورة تواجد هذا التنظيم في إطار غير قانوني، وثانيها قناعة شباب هذا التنظيم بإستخدام السلاح والتدرب عليه لفرض ما يرونه في صالح المجتمع. وثالثها أن هناك مناخا مساعدا على إقبال الشباب على هذا الفكر.  ومن هنا كانت الحلقة الأولى هي تهيئة للمشاهد كي يزداد فضوله عن صاحب هذا الفكر، وكيف أنه بعد مرور أكثر من ستين عاما على وفاة هذا الرجل، مازال هناك من ينتمون إليه، ويدافعون عن رؤيته وعن فكره. ولذا كان الانتقال ما بين الماضي والحاضر يحمل رؤية ذكية، لأن المشاهد – و أتحدث عن نفسي – يتعاطف مع هذا الطفل النابغة الذي يبحث في كتب العلم، ويحمل من الجرأة والشجاعة ما يجعله مختلفا عن زملائه، فإصراره على إرتداء جبة وقفطان في مدرسة مدنية، يدل بلا شك على جوانب التحدي التي إستمرت مع هذه الشخصية. ولكن عندما ننتقل إلى الحاضر ونجد المنتمين إلى هذه الجماعة يخرقون القانون، ويضمرون تهديد أمن وسلامة المجتمع، نبدأ في رؤية جديدة لهذا الفتي وذلك الشاب الواعظ، وقد يمكنننا كذلك أن نقرأ ما بين السطور فيما ينقله لنا هذا العمل.
نجد على سبيل المثال "فكرة إستبعاد الآخر" فكرة أصيلة في فكر البنا منذ الصغر، ذلك أن النصارى يمثلون بالضرورة تهديدا للإسلام، والحرص منهم والبعد عنهم غنيمه. إن فكرة الإستبعاد ستكون بعد ذلك فكرة سائدة في توجهات الإخوان ليس فقط إتجاها إلى أصحاب الكتاب أو الديانات الأخرى، ولكن أيضا من يختلف معهم فكرا وعقيدة من المسلمين. إن تركيز المسلسل على هذه الفكرة، يصبح بعد ذلك سيناريو رئيسي يبرر العنف، وتثوير الشعب ضد النظام القائم إذا إختلف هذا النظام مع أيديولوجيات وفكر الإخوان.
نجد في هذه الشخصية أيضا قدرة على إحتواء المختلف، إحتواء إستراتيجيا، حتي تتمكن من إستقطابه لصالحها والعمل معها، أو لتجنب قوته، حتي تتمكن منه، فتستبعده من طريقها. إن هذا الأسلوب ليس أسلوب شخص، ولكنه تكتيك جماعة ومنهجها، ولذا فإنه من الصعوبة بمكان أن يلتزم الإخوان بقدرتهم على قبول الرأي الآخر، إذا ما صعدوا إلى السلطة. وهذا الحكم ليس حكما جزافيا، أو متجنيا، ولكن لأن الفكر الأحادي الذي يضع خطوطا فاصلة بين الصواب والخطأ، مفترضا أنه دائما على حق، لا يمكن أن يعيد النظر في طريقته في التفكير، أو يتقبل رؤية تختلف عن رؤيته. سنجد مثلا حماس، وهي تشترك مع الإخوان في كثير من ثوابتهم، ترى أن كل من يختلف معها في طريقة حل القضية الفلسطينية خائنا، ومواليا لإسرائيل، وهكذا وجهت حربها إلى فتح، بدلا من التضامن معها من أجل القضية.  وموقف الإخوان ثابت وواضح من إسرائيل، فهم إذا جاءوا للحكم سيطيحوا بمعاهدة السلام، ويدخلوا البلاد في خطورة الحرب، لأنهم سيعتبرون أن فلسطين أرض محتلة، والجهاد من أجلها فرض على كل مسلم ومسلمة. يقومون بهذا دون إعتبار لرؤي أخرى، تعتمد على دراسة الواقع ووضع الخطط الاستراتيجية المناسبة للإستفادة لصالح القضية بأكبر قدر في حدود ماهو ممكن.
سنجد أيضا أن المد الإخواني الذي بدأ منذ عام 1928 قد ظهر في وقت كانت الحياة الفكرية الليرالية في مصر في أوجها، وظهر رعيل من مفكري التنوير، متنوعي الاتجاه، ولكنهم يؤمنون بأهمية البحث والإعتماد على العقل، وإخضاع النص للعقل. فينتشر طه حسين كتابه في الأدب الجاهلي، مثيرا زوبعة من المعترضين، ويخرج علينا على عبد الرازق بكتابه عن الخلافة وأصول الحكم، متحديا بذلك فكرة ظلت ثابتة أكثر من ألف وثلاثمائة عام، معلنا أن الخلافة نظام سياسي، وليس له أصل ديني، وأن نظام الحكم يمكن أن يتغير من ذلك الإطار، مواكبا ما حدث على الساحة السياسية في مصر وفي العالم. ونجد أحمد لطفي السيد يفتح أبواب الجامعة للفتيات، فتدخل سهير القلماوي وتكون أول فتاة تدخل الجامعة المصرية، وتعين زينب على حسن في هيئة التدريس الجامعي بعد رجوعها من إنجلتزا حاملة شهادة عليا في العلوم، وتتوالى النساء في ولوج المجال العام.
لقد كانت مصر في ذلك الوقت الذي ظهرت فيه جماعة الإخوان تشهد طفرة تقدمية ثقافية، دون أن تفقد شخصيتها المتميزة، والذي يشكل فيها الإيمان عنصرا أصيلا من ملامح شخصية شعبها مسيحييه ومسلميه. وكان ظهور ونجاح جماعة الإخوان هو إستجابة للخوف من التغريب، على الرغم من أن كل قيم الحداثة تتناغم وتتجاوب مع قيم الإسلام الأصيلة. ولا شك أن الإسلام يشكل قاعدة أساسية في المجتمع المصري، ولذا لاقت دعوة البنا قبولا على المستوى القاعدي. ولكن خطورة الفكر الإخواني أن يرفض التجديد ويرفض الآخر، ويتخذ من الغرب عدوا، ويحكم على أي نظام حكم لا يتبع مايقولون أنه جاهلي. إن الفكر الذي قدمه حسن البنا، لا يترك مساحة ولوضئيلة للإختلاف، ويعتبر أن ما يدعو إليه هو "الإسلام"، وما دون ذلك فليس إسلام. ويصدر حكما مطلقا على حكام الدول الإسلامية فيقول: "إن قوما فقدوا الإسلام في أنفسهم، وفي بيوتهم وشئونهم الخاصة والعامة لأعجز أن يفيضوه على غيرهم، ويتقدموا بدعوة سواهم إليه".
أتتطلع إلى إستكمال رؤية هذا العمل الدرامي الهام، والجاد، والذي قام فيه مؤلفه بمجهود بحثي مشهود وواضح، ولا شك أن تأثيره الثقافي سيكون هاما للغاية، وقد يكون مرجعية كذلك لمن يريد أن يعرف طبيعة الظروف التي أفرزت هذا الفكر، وإتجاهاته في المستقبل. 

No comments:

Post a Comment