Tuesday, March 15, 2011

مطالب المسيحيين هي مطالب للمصريين جميعا د. علياء رافع


أخذت إسترجع ما كتبت في الأعوام السابقة،  و إكتشفت أنني وقعت فريسة مع غيري من المصريين إلى الإعتقاد بأن هناك فتنة طائفية، وإفترضت أيضا أنها متغلغلة، وأخذت أحاول أن أبحث في البناء الفكري للمتطرفين. كنت على قناعة أن التطرف هو وليد الجهل بتاريخنا، وأن له أبعاد إقتصادية واجتماعية. وكان هذا التحليل صادقا على وجه العموم من حيث أننا في حاجة إلى مزيد من الوعي بالتاريخ المصري، خاصة إدراج دور الأقباط قبل مجيء الإسلام في المحافظة على الشخصية المصرية والإستقلال الوطني في مواجهة الرومان، وفي حاجة إلى إبراز  أسباب التراجع الحضاري في فترات مختلفة من تاريخنا وتحليلها، وفي حاجة كذلك إلى تأكيد الأخلاق المصرية التي لا تتقيد بأيديولوجيات دينية. ولا بد أيضا من أن تكون هناك دراسات عن البناء الفكري المغلق الذي يؤدي للتطرف، حتي يمكن أن تكون هناك برامج تعليمية تربوية ترفع من قدرتنا على مجابهة ومقاومة هذا النوع من التفكير. وما كنت أطالب به مازلت أطالب به، ولكن مع فارق أنني بت أدرك أن الإحتقان الطائفي هو صناعة سياسية.
كان الخطاب السياسي العام يذهب في إتجاهين متعارضين، من ناحية فإنه ينفي أن هناك فتنة طائفية، ومن ناحية أخرى فإنه يشيع إستخدامات لألفاظ تشيع الأختلاف وتؤكده، مثل الحديث عن "عنصري الأمة"، و"الأخوة الأقباط"، بدلا من الحديث عن المصريين المسيحيين، أو الحديث عن الحقوق الإنسانية للمصريين. من ناحية ثالثة، كان النظام يشعل من الإحتقان الطائفي ويصبغ المشاكل التي تحدث بين مواطنيين صبغة طائفية إذا ما كانت المشكلة تتعلق بمشادة أو إختلاف بين مسيحي ومسلم. بل والأدهي والأمر أن أمن الدولة يقوم بعمليات إرهابية ضد المسيحيين المصريين، ثم ينسبها إلى الإخوان المسلمين، أو من يطلق عليهم إرهابيين.
كانت هذه الإستراتييجة لها خطوطها العريضة التي إستخدمها النظام السابق على محاور متعدد، فهي نفس الإستراتيجية التي  إتبعها عندما أحرق مقر الحزب الوطني، وأطلق السجناء. أشارت أحاديث الرئيس السابق إلى أن سيضرب بشدة على مسببي الشغب. ترك الناس تتنظر ست ساعات أو يزيد حتي يحدث الشغب، وتصور أنه بذلك سيضرب ضربته القاضية بالقبض على كل المتظاهرين الشرفاء المسالمين تحت إدعاء أنهم مثيرو الشغب.  أقول قولي هذا لأبين نسق تنظيمي سياسي تلاعب بالفتنة الطائفية من ناحية ليضرب معارضيه، وتلاعب بالألفاظ الغامضة من ناحية أخرى لتبرير سياسة القمع.
 وبعد ثورة 25 يناير، وعندما رأيت بنفسي هذه المحبة الجارفة بين المصريين دون أن يكون هناك أي تفرقة بين مسيحي ومسلم، أدركت أن هذا الشعب صحيح البنيان، وأن الفتنة صناعة سياسية، ناتجة من تلك التفرقة في بعض القوانين، والتباطؤ في أخذ الأجراءات إذا ما قامت مشادة بين مسيحي ومسلم، وعادة ما يكون هناك تفرقة واضحة بين تطبيق القانون إذا ما كان الجاني مسلم، وهو ما أثار الكنيسة أكثر من مرة، وطالب البابا شنودة أن تخرج المواطنة من مجرد عبارات يرددها السياسيون إلى أن تكون ممارسة على أرض الواقع.
أكتشف من خلال هذه الثورة أن الثقافة المصرية التي إمتدت عبر عصور طويلة والتي سادها الإيمان بالله، إيمانا ليس إفتعاليا أو أيديولوجيا، ولكن فطري أخلاقي بها من العناصر التي تقاوم الفكر المتطرف.  إيمان المصري هو ذلك الإيمان الذي تجلي في تجمع ملايين المصريين الذين جمع بينهم التآلف والتراحم، والذي كانوا يدعون "يارب"، في كل مكان على أرض مصر، وهو يطالبون بالحرية والكرامة الإنسانية، ويدركون أن عون الله لن يخذلهم، ومن إيمانهم إستمدوا قوتهم. عبرت هتافتاتهم عن الوعي بالإيمان الذي يتجاوز الأيديولوجيات.  كانوا يهتفون معا  "الحرية هي الدين"، "شدي حيلك يا بلد الحرية بتتولد" ، "هم معهم ضرب النار وإحنا معانا الجبار". يكفي أن نرى ذلك التأبين الذي أقامته الكنيسة الإنجيلية للشهداء، حيث وقف المسيحيون المسلمون معا ينشدون نشيدا واحدا، داعين الله أن يحفظ مصر ويباركها.
وذهب المسلمون يآزرون المسيحيين في مطالبهم العادلة في تظاهراتهم أمام ماسبيرو، وهتفوا معا "مسلمين ومسيحيون إيد واحدة"  أدرك المصريون (مسيحيون ومسلمون)  أن المجرمين الذي هدموا الكنيسة في أطفيح لا بد أن يقبض عليهم ، ويعاقبوا على جريمتهم الشنعاء. إنه ليس مطلب متعلق بفئة من المصريين ، ولكنه متعلق بقداسة دور العبادة وتجريم التعرض لها. إذا تم هدم مسجد لكانت الصرخة واحدة، ولكانت المطالبة بالجاني ومعاقبته ضرورة.  ولكن التباطؤ في القبض ومن ثم محاكمة الجناة، يجعل المصريون (مسيحيون ومسلمون) يتساءلون هل إذا كان الذي تهدم هو جامع وليس كنيسة، سيكون رد الفعل بنفس الطريقة أم سيختلف؟ تعمد التفرقة بين هذا وذاك هو مايخلق الإحتقان والغضب، وهو ماينعكس بالضرورة على طريقة التفكير، ويخلق بيئة للتطرف. وحيث أننا في فترة فارقة، فأعتقد أن مطالبنا جميعا هي أن يكون هناك تجاوب سريع في الإمساك بالجناة ومعاقبتهم.  
وإذا وضعت نفسي – وأنا مسلمة – في وضع المصريين المسيحيين، فإنني لن أكون أقل تحمسا منهم في الدفاع عن حقوقهم، التي أهدرت نتيجة لحكم قهري قمعي، تجاهل تلك المطالب. عندما يطالب المسيحيون بأن يكون هناك قانون موحد لدور العبادة، وعندما يطالبون بمعاقبة المتهمين في إي جريمة خاصة بالمسيحييين، فإن هذا طلب لا يتعلق بكونه قضية قبطية، ولكنه قضية مواطنة، يجب أن يتعامل فيها كل من المسيحي والمسلم بنفس المعايير، وأي مخالفة في هذا فهو خرق لحقوق الإنسان، ولحقوق المواطنة. وعندما يعترض المسيحيون على المادة الثانية، فإنهم لا يعترضون على تناغم مباديء الشريعة مع حقوق الإنسان، ولكنهم يعترضون على ما يمكن أن يحدث إذا جاء حكم يحرف مباديء الإسلام عن مسارها، ويصبح هذا التحريف دستوريا. ومن حقهم أن توجد ضمانات مع هذا النص توضح إما المباديء الأساسية للشريعة والتي تنص على إحترام حرية العقيدة والفكر وغيرها من الحريات، أو تجعل من مباديء الشريعة أحد المصادر،  مع إضافة العهد العالمي لحقوق الإنسان، وبهذا يصبح من حق المصريين جميعا – وليس الأقباط وحدهم – أن يتصدوا لأي نوع من التحريف أو السير بمباديء الشريعة في غير مسارها الصحيح.
لا بد أن نعترف أننا في ظروف مختلفة، وفي ثورة ضد نظام قمعي فاسد، ولكن يبدو فعلا أن مصر تواجه موجة عاتية من ثورة مضادة، تريد أن تشغلنا بهذه الأحداث المؤسفة التي حدثت في أطفيح وغيرها، في وقت يجب أن يكون تركيزنا فيه على قضية الدستور، وكيف يمكن أن نجعله نقظة إنطلاق في المرحلة المقبلة. ولا يجب أن نرضخ لهذه الخطة التي تريد أن تعود بنا إلى الوراء، وذلك الخطاب الذي يصور أن هناك قضية قبطية منفصلة عن قضية حقوق الإنسان المصري. ليس هناك ما يسمي ملف قبطي، بقدر ما هناك ملف أمني أو تآمري يبغي تفكيك المجتمع المصري.  ولذا لابد أن يكون المسلمون والمسيحيون فعلا يدا واحدة لأنهم مصريون أولا في الدفاع عن إنتهاك حقوق أي فئة من فئات الشعب.
لم يكن التمييز في تطبيق القانون قضية قبطية فقط، ولكنها قضية ظهرت بوضوح أيضا في أولئك الذي لا يملكون القوة أو السلطة. فهناك سؤال قد لا يجد إجابة محددة، ولكن لا بد أن نطرحه، ألا وهو كم من المصريين تم تعذيبهم وقتلهم بواسطة أمن الدوله من الطبقات الفقيرة، والتي ليس لها سند من مال أو سلطة؟  قد لا نستطيع أن نصل إلى الرقم المحدد، ولكننا ندرك اليوم أنهم آلاف من المصريين البسطاء الذين لم يجدوا من يدافع عنهم، ولا يملكون الظهر الذي يكشف محاولات القمع.   
من حق المسيحيين بإعتبارهم مواطنون مصريون أن يدافعوا عن المساواة والعدل، ويجب أن ينظر إلى هذا المطلب بإعتبار مطلب عام يتعلق بالمواطنة، وليس مطلبا خاصا يتعلق بالمسيحيين. 

No comments:

Post a Comment