Tuesday, January 5, 2010

ما الذي نتطلع إليه في العام الجديد؟ د. علياء رافع


في مقال سابق أشارت كاتبة هذه السطور إلى أهمية استشراف المستقبل، معبرة عن ذلك بالقول أن هذا الاستشراف هو بمثابة استحضار فعلي للنتيجة الحتمية لما نقوم به اليوم، وموضحة أن العالم في حاجة إلى تغيير راديكالي في نظرته وممارسته لتغيير مجرى التاريخ، وهو ما أسمته بالهجرة إلى المستقبل. والقاريء للأحداث ، سيجد أنه في ظل السياسات الدولية الحالية، خاصة سياسات الدول المتقدمة التي تضرب بأخطار البيئة عرض الحائط، فإن أفول هذا الكوكب سيكون نتيجة طبيعية، أو فلنقل أن المخاطر التي سيجابهها أحفادنا من شأنها أن تقضي على الحياة على الأرض. ومن ناحية أخرى فإن السكوت على الظلم البين وانتهاك حقوق الإنسان في أكثر من بقعة من بقاع الأرض، خاصة ما يحدث على أرض فلسطين اليوم من خطة محكمة لتهويد القدس، سيخلق بؤرة مملوءة بالصراع بين المسلمين وبين الدولة الصهيونية، ستكون نتائجها وخيمة على المنطقة بأسرها، وسيؤثر هذا البركان المفتوح على المحيط الدولي برمته، ,قد يقود إلى دمار من نوع آخر.
ومن ناحية ثالثة، وعلى المستوى الوطني فإن تجاهل  المطالب الشعبية بإعادة النظر في المواد الدستورية التي تتيح اختيارات أكثر موضوعية للرئاسة، سيثير حفيظة المصريين الذين باتوا يعرفون مقدما ما ستتمخص عنه الانتخابات الرئاسية في عام 2011، وهو ما  سيصيبهم باليأس والاحباط.  لقد أصبح المصريون في حاجة إلى الشعور بأنه يمكن أن تتغير القيادة السياسية، وهذا ليس بالضرورة  قدحا في الرئاسة الحالية.  ولكن الشعور بالاستبعاد تولد عنه شعور بالعزوف عن المشاركة في الحياة السياسية بشكل إيجابي. ومن ناحية رابعة، فإنه بعد مرور ما يقرب من عام على تولي الرئيس أوباما مقاليد الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية، ومدى الترحيب الذي لاقاه على المستوى العالمي، واستحقاقه جائزة نوبل للسلام لشجاعته في تغيير دفة قيادة السياسة الأمريكية من خطاب الهيمنة، إلى خطاب الحوار، إلا أن النتائج الفعلية لهذه السياسة ليس لها مؤشرات واقعية محسوسة، بل إن المرء ليشعر أن الرئيس الأمريكي لا يملك زمام الأمر، وأن السياسة الفعلية تسير في غير الخط الذي رسمه وأعلنه.
من هنا فإنه على الرغم من أن بداية عام 2009 كانت تحمل استبشارا، إلا أن بداية هذا العام تحمل توجسا، وإذا كان الاستبشار ضروريا عندما يتعلق الأمر بالمستقبل، فإن واقعية التغير هي في أيدي كل فرد على وجه هذه البسيطة، وهي الرؤية التي أريد أن أطرحها اليوم، لأن انتظار التغير على المستوى الوطني أو الإقليمي أو العالمي، يبدأ بالإيجابية التي يتحلى بها الأفراد في النظر إلى ما يمكن أن يقوموا به. الأبواب ليست مغلقة تماما، والفرص ليس ضائعة بالكامل، سيكون هناك دائما بابا يمكن أن نفتحه. وأعتقد أن الباب الأول الذي يجب أن نراه، والذي يمكن أن يقودنا إلى أبواب أخرى، هو كسر السجن الاختياري الذي نضع أنفسنا فيه، عندما تصبح مصالحنا الفردية هي المحور الذي تدور حوله الحياة، فنعيش في جزر منعزلة، ونخلق صراعات وهمية، تغلفها الأنانية. هكذا قالت لي محدثتي وهي سيدة قد شغلت منصبا رفيعا، وتحمل رؤية عميقة لكيفة إدارة المؤسسات التعليمية. لقد نظرت ببصيرة نافذة إلى مستمعيها وهي تقول بحسرة عن تجربتها في الإدارة وكيف أن الصراع من أجل المصالح الخاصة يلغي الرؤية إلى المصلحة العامة للمؤسسة التي ينتمي إليها الجميع. 
والقضية لها جوانبها المتعددة، فهؤلاء الذي يتصارعون قد ضاقت بهم الحياة، ولم يعودوا يرون  إلا الجوانب السلبية، وباتوا على يقين أن المجتمع الكبير لا يقدم لهم الأمان والأمن، ولذا فإن أمانهم الفردي اصبح مركز اهتمامهم. وبالطبع هذا ليس تبريرا لسلوكيات الأنانية. وعلى صعيد آخر هناك  خبرات تعتبر نماذج لا بد من إلقاء الضوء عليها، لتشجيع من انتابه اليأس إلى زرع الأمل من جديد، فمثلا تجربة الدكتور محمد غنيم في مركز الكلي في المنصورة،  والصرح الثقافي العالمي لمكتبة الإسكندرية الذي أصبح مزارا لكل العلماء والمثقفين في العالم تحت إدارة د. إسماعيل سراج الدين، ومركز التوثيق الحضاري، وهي الفكرة العبقرية لدكتور فتحي صالح، وغيرها من النماذج الرائعة،  تجعلنا نستعيد الأمل مرة أخرى، ولهذا فيجب أن يتساءل كل واحد منا في العام الجديد، كيف يمكن أن يجعل هذا العام مختلفا عن الأعوام السابقة، ماالذي يمكن أن يقوم به. والأمر ليس في حاجة إلى القيام بمشروعات عملاقة، ولكن بالبحث عن فكرة جديدة تجعل للحياة معنى جديد، يخرج الإنسان من نطاق ذاته الدنيا، ويعيده إلى الالتحام بالحياة، وليس الانعزال عنها. إن مجرد تغيير النظر إلى ما نقوم به بالفعل من اعتباره عمل روتيني إلى إعادة رؤيته في ظل منظومة قيمية أخلاقية، يجعل له طعم جديد، ويغيره، بل ويفتح للإنسان مجالا للإبداع فيه. أقول قولي هذا على كل المستويات، بدءا من تربية الأطفال، صعودا إلى من هم القيادات العليا. 
إننا لا ننتبه إلى ذلك  التشابك غير المنظور الذي يربط كل إنسان بإنسان آخر، وكل فعل له نتيجة مؤثرة على حياة البشر عامة، وعلى سبيل المثال فإن التواصل الذي يحدث عن طريق الشبكة الدولية (الانترنت) هو نتاج بحث علمي قام به عدد من العلماء استحقوا أن يحصلوا على جائزة نوبل أمثال  تشارلز كاو وويلارد بويل وجورج سميث  لم يكن هؤلاء العلماء بفكرون في الجائزة ، بقدر ما كانوا يقومون بعملهم بإتقان، وبحب. وكانت النتائج التطبيقية لهذا العمل ذات أثر غير مسار المعرفة في العالم أجمع، وهكذا كل الاختراعات العملاقة بدأت بأفكار بسيطة، فكيف يمكن أن نتخيل حياتنا بدون كهرباء وتليفونات، وطيارات، وغيرها من التكنولوجيا المتقدمة.   وعلى صعيد آخر فإن وراء الأبطال السياسيين شخصيات لا نعرفها، قد تكون معلم في مدرسة، أو أستاذ في جامعة، أو أم مثابرة، أو صديق مخلص، أو زوجة محبة. ولا يدرك كثير من الفنانين أو المشهورين من أصحاب الفكر إلى أي مدي يمكن أن تكون كلماتهم أو سلوكياتهم ذات تأثير على الناس. إن هذا التشابك في كل ما نقوم به وتأثيره على من حولنا يجعلنا في مسئولية مستمرة أن نعطي عملنا قيمة، وندرك جيدا أن له تأثير واسع المدى، مهما بدا الأمر غير ذلك، لا بد أن نملأ الجو حولنا بالمحبة والبشر. إذ أنه مهما اشتد الظلام فلا بد أن يجيء الفجر وينتشر النور، ونريد في نهاية عام 2010 أن نرى الحياة أفضل بجهد كل فرد منا هنا وفي العالم أجمع.   

No comments:

Post a Comment