Tuesday, January 26, 2010

العقد الاجتماعي الجديد : احتواء أم تمكين؟ د. علياء رافع


دعيت مع غيري من أساتذة  علم الاجتماع لحضور ندوة على مدار يومين، وكانت أول مرة أسمع فيها عن "مركز العقد الاجتماعي الجديد", قد كان عنوان الندوة أو المنتدى "تكامل السياسات الاقتصادية والاجتماعية"، تحت رعاية البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة UNDP، ومركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار.   وإذا كنت قد تحدثت أكثر من مرة في هذا المكان عن الحاجة إلى تمكين القاعدة العريضة من ا الجماهير للأخذ بالمبادرة والحركة، بدلا من خطاب المن والعطاء من الدولة للشعب، فإن هذا المركز بما وضعه من أهداف قد جعل من هذا المنظور واقعا. وقد نشأ هذا المركز استجابة لما جاء في تقرير التنمية البشرية في مصر لعام 2005   " أنه لم يعد بإمكان مصر أن تواصل الأخذ بمنهج استمرار الوضع القائم لتتمكن من الصمود أمام التحديات الشديدة التي ستواجهها على مدى السنوات القليلة القادمة، و قد تنامي الإدراك بأن هناك حاجة "لعقد اجتماعي جديد" يحدد بشكل أفضل المفاهيم المتعلقة بحقوق والتزامات المواطنين بهدف صياغة العلاقة بين شركاء التنمية في المجتمع من مجتمع مدني وحكومة وقطاع خاص"
ولفد كانت أو ملاحظاتي أن هذا المنتدى قد نسى أو تناسى عنصرا هاما ألا وهو الجانب الثقافي، وأقصد به مفهوم الثقافة بمفهومها العام، بما تحمله من قيم وبنية فكرية، ذلك أن أي تطور مجتمعي على أي مستوى لا بد أن يدعمه ما يعتقده المشاركين فيه. ومهما كانت الدراسات والبحوث جيدة، فإن آلية الخروج منها إلى أرض الواقع يستلزم شراكة من تخدمهم هذا الأبحاث في مساعدة أنفسهم، وهذا في الواقع هو المفهوم الأساسي لفكرة "العقد الإجتماعي"، فكيف تكون هناك مبادرة من أحد الأطراف بإقامة عقد، ولا يستجيب الطرف الآخر؟
ويجيء مفهوم الشراكة بالنسبة للعقد الاجتماعي كأحد المفاهيم الهامة والأساسية، فالدولة لا تستطيع وحدها أن تتحمل عبء التنمية بالكامل، والمجتمع المدني بكل مؤسساته لن يشكل دولة داخل دولة، ولذا فإن التفاعل والتكامل بين الدولة والمجتمع من شأنه أن يعظم من قدرة التنمية. وقد جمع هذا المنتدي لفيفا من المشاركين سواء بالكلمة أو بالحضور من مختلفة أطياف المجتمع فكريا وحزبيا، وحضره العديد من الوزراء المعنيين أو مندوبين عنهم. وعلى قدر ما سعدت بهذا الزخم من المشاركة والأوراق الجادة التي قدمها المركز،  على قدر ما شغلني كثير من الهواجس، خاصة وأن بعضا من الحاضرين كان لديهم كثير من الشكوك والتحفظات، وبدا الأمر لهم وكأنه تجميل للحكومة وسياستها، وتأكيد للتحالف من المال مع السلطة، وليس مع الشعب.
كانت التعليقات السلبية لمن حولي لها ما يبررها في واقع الأمر، بل ولقد شعرت أنني أنجذب بشدة إلى ما يقولون، ذلك أن الكثير منا في هذا الوطن، قد عاش أحلاما كبيرة سرعان ما تحطمت على صخرة الواقع، ولعل من بينها التعليم الذي أعلنت الدولة أنه مشروعها القومي منذ التسعينات من القرن الماضي، ومازلنا نخطو بخطوات بطيئة للغاية، بل إن الأمر يزداد تعقيدا بين السياسات المتضاربة في هذا المجال، فعلى الرغم من تمسك الدولة بمجانية التعليم، إلا أن التعليم الخاص والأجنبي هو الذي يؤهل بالفعل خريجيه للعمل والانتاج. ومن ناحية أخرى فإن هذا الإصرار لم يتمخض في النهاية إلا على انتشار الدروس الخصوصية التي أصبحت  بمثابة نشاط غير رسمي وغير محكوم، وهو الذي يحكم ويتحكم في مصير أطفال وشباب مصر. وبالرغم من كل المجهودات المقامة من خلال برامج الجودة، إلا أن التعثر في الربط بين جودة التعليم ودخل المعلم ستظل عقبة في تحويل نظرية الجودة إلى تطبيق.
ومن ناحية أخرى فهناك شلل قد أصاب الكيفية الإدارية، لأن الثقة في المشاركة الحقيقية يكاد يكون معدوما، خاصة وأن كل مسئول في أي موقع ينتظر دائما أوامر من هو أعلى منه وظيفيا، ولا يستطيع أن يتحرك بدون توصيات عليا، حتي نصل إلى رئيس الجمهورية، الذي كثيرا ما يستخدم الوزراء عبارة أنه بناء على "توجيهات الرئيس" فإنهم ينفذون ويعملون. ولا بأس أن يكون هناك توجيهات من رئيس الجمهورية تعمل عليها السلطة التنفيذية، ولكن ليس من المعقول أن يكون الجهاز الإداري والفني للوزارات عاجزا عن وضع خططة الاستراتيجية وآليات تنفيذها، بل والتمسك بها وعرضها بأمانة وشفافية على الرئيس، حتي لو كان هناك بعض التحفظات عليها من سيادته. ولا أعتقد أنه سيكون هناك تعارض بين تلك السياسات وبين "توجيهات الرئيس"، لأن الرئيس في المقام الأول يقوم على رعاية مصلحة الشعب. ولكن ما يحدث بالفعل على أرض الواقع، قد يجعل هناك تشككا في أن هناك آلية للدراسة والتنفيذ والمشاركة.  ولا أدل من ذلك من أن كثيرا من القوانين المستحدثة التي تم الموافقة عليها من مجلس الشعب قد تثير غضبا شعبيا، قادما من عدم الثقة في الحكومة، وكثيرا ما يتدخل الرئيس لإلغاء أو تعديل هذه القوانين، وهو ما يثير تساؤلات كثيرة مثل: إلى أي مدى يمثل النواب في البرلمان المواطنين الذي انتخبوهم، وهل هم حقيقة يعبرون عنهم؟ وما هو دور السلطة التنفيذية في اقتراح قوانين؟ وهل يتم دراسة هذه القوانين بدقة؟
وعلى الرغم من أنه قد يبدو للقاريء أنني قد بعدت عن الموضوع الرئيسي وهو العقد الاجتماعي، إلا أنني في الواقع أتحدث في صميم الموضوع، ذلك أن كل ما يبدو براقا ومبشرا بالخير، قد ينتهي فجأة وبدون إنذار، أو قد توضع العقبات هنا وهناك لتوقف التقدم الفعال لهذا المشروع أو تلك الفكرة. وإضافة إلى هذا وذالك فإن الناس باتت تدرك أن هناك دائما وجهة جميلة، ولكن تخفي تحتها تحالفت  أو خطط على مستوى آخر. أصبح الكثيرون مثل من رأيتهم في هذا اللقاء ليسوا فقط متشككين ولكن يبدو أنهم على يقين من أن مثل هذه الندوة هي تجميل للحكومة من أجل احتواء قوى المعارضة الحزبية والشعبية من أجل الانتخابات القادمة. وهكذا فإن العقد الاجتماعي الذي يجب أن يقوم على قناعة من المواطنين بأنهم قادرون على المشاركة، ينقلب إلى رغبة في الابتعاد عن الحلبة. إذن مع من سيقوم العقد الاجتماعي؟ هل عقد للدولة مع رأس المال لخدمة النظام القائم؟  وكيف يمكن أن يقتنع الناس بجدية مثل هذه الخطوة  التي قد تؤدي إلى تغيير حقيقي في رسم وتنفيذ كل السياسات بمشاركتهم فهيا؟
يبدو أن الأمر أكثر تعقيدا من إعلان الدولة عن رغبتها في التحالف مع الجماهير من خلال عقد اجتماعي، لأن هذه الجماهير ترفض أن تضع يدها في يد الحكومة تحت أي مسمي وتحت أي قيادة. وبناء الثقة بين الشعب وبين الدولة في حاجة إلى كثير من الجهد. ولا بد من إلقاء الأضواء بقوة على إيجابيات الجمعيات الأهلية وما حققته من خلال الشراكة ، حتي يشجع ذلك آخرين أن يدخلوا ويتفاعلوا إيجابيا مع مشاكل المجتمع. فحتي لو كان ما يحدث هو من أجل مكاسب سياسية للحزب الوطني، فإن الأمر أخطر بكثير من شعبية حزب، لأنه يمثل فرصة متاحة للمنظمات المدنية أن تعبر عن وجودها، وليس بالضرورة أن تؤيد هذا الحزب أو ذاك. 
وإذا استمر هذا الاغتراب بين الدولة وبين الناس فقد يؤدي هذا إلى مزيد من الفساد المستتر، أو إلى عدم استقرار بشكل أو آخر. أعتقد أن ما يريده كل مواطن حريص على مستقبل هذا البلد هو أن يحدث التغيير في ظل مناخ اجتماعي وسياسي مستقر، ولا يمكن أن يتم هذا بدون مشاركة حقيقية. 

No comments:

Post a Comment