Tuesday, October 26, 2010

الحوار مازال مستمرا مع رئيس جامعة عين شمس د. علياء رافع


لا أخفي على قارئي أنني ترددت كثيرا أن يكون موضوع مقالي عن رئيس جامعة أعمل بها، لأنه قد يكون هناك قيما غير متوازنة، قد تشكك في صدق ما يقال، أو من يقول، ولكنني تغلبت على هذا التردد، لأننا في حاجة إلى إلقاء الأضواء على كل ما هو إيجابي في هذا المجتمع، والحاجة إلى أن نتكاتف جميعا أيا ما كانت إنتماؤتنا الحزبية أو الفكرية، يجعمعنا هدف واحد، وهو أن نشارك في صنع مستقبل مشرق لمصر.واليوم ومع إدراكي بإنتماء رئيس الجامعة للحزب الوطني، وتحفظاتي على كثير من سياسات هذا الحزب وإشتراكي في الرؤية التي يتبناها د. البرادعي، إلا أن تسجيل ما أراه إيجابيا في أسلوب القيادة الذي يتبناه د. ماجد الديب رئيس الجامعة ضرورة، لا حكما على هذه الشخصية، ذلك أن هذا الحكم المبكر ظلم لأي قيادة في بداياتها، لأن الإنجازات لا تظهر إلا بعد مرور وقت كاف.  ولكن لا شك أن وجوده في هذا الموقع في ذلك الوقت مكسب للعملية التعليمية في جامعة عين شمس، وهو ما تكشف لي مبدئيا من هذا الحوار الذي عقد في كلية البنات، وهي كلية جمعت أسماء كبيرة في عالم الفكر والعلم، منها د. يونان لبيب رزق، ود. عبد الوهاب المسيري، وغيرهم الكثيرون.     
أبدأ بتسجيل إندهاشي المبدئي عندما علمت أن رئيس الجامعة سيقيم حوارا مع طالبات الكلية، وأن أعضاء هيئة التدريس مطالبون أن يتواجدوا في هذا الحوار. كنت مندهشة لأنها سابقة لم أشهدها من قبل، بل ولم أر رئيس الجامعة السابق مرة واحدة في أي لقاء مع أساتذة الكلية. ومع ذلك كنت على وشك أن أحجم عن الحضور،لأنني أثمن وقتي، وحسبت أن هذا اللقاء هو نشاط صوري كما تعودنا في كثير من الأحيان، ولكن عندما طلبت مني العميدة شخصيا ضرورة تواجدي في هذا اللقاء، ولإحترامي لشخصها، قبل تحسبي لمركزها، فإنني حرصت على أن أكون متواجدة قبل الميعاد بوقت كاف، وعندما مر الوقت ولم يظهر رئيس الجامعة إلا بعد ساعة من الميعاد المعلن عنه، شعرت بالتوتر، وحسبت أن يوما من أيام العمل قد ضاع بالفعل. وأخيرا جاء رئيس الجامعة ومعه وكيل الجامعة لشئون الطلاب د. العوام، وعدد من مساعديه. بدأت الاحتفالية، ولم تهدأ نفسي إلا بعد أن بدأ الحوار، وأخذت الطالبات يسألن  على  إستحياء، والأساتذه يرفعون أيديهم في جرأة مطالبون بالكلمة، وتنحاز العميدة للطالبات، ولكنها لا تحرم الأساتذة كذلك، وورئيس الجامعة يدير الحوار ويتجاوب مع الطالبات ويظهر إحترامه لهن، ويشير إلى ضرورة التعامل معهن بود وتفهم، ضاربا بنفسه مثلا لهذا، ومقاوما كل الإتجاهات والانتقادات السلبية نحو الشباب وإتجاهاته التي أبداها عدد محدود من أعضاء هيئة التدريس، وإذا بالساعتين تمران بسرعة فائقة، وتبدل شعوري بالضيق الذي غمرني في أول اللقاء، إلى شعور بالتفاؤل، ومن هنا جاء تصميمي أن أسجل إيجابيات هذا اللقاء.
أولا: الإهتمام بالطلاب  وتشجيعهم على مخاطبة القيادة العليا للجامعة مباشرة بدا لي أنه تغيير أساسي في رؤية العلاقة بين القيادة، والفئة التي نريد أن نقدم لهم الخدمة، حيث أنها هدمت تلك الحواجز الهرمية، التي تصيب الإنسان باليأس والإحباط،  هذا إلى بالإضافة إلى أن أسلوب الخطاب كان به التشجيع الذي يغذي سياسة التمكين، التي هي ضرورة للشعور بالإنتماء للمؤسسة التعليمية التي ينخرط فيها الطلاب، ومن ثم إلى المجتمع. وهذا هو الأسلوب الذي يجب أن تتسم به أي قيادة في أي موقع، هذا بالإضافة إلى ضرورة تغيير نوعية العلاقة بين الأستاذ الجامعي والطلبة من علاقة تتأكد فيه المسافات، وتصدر فيها الأوامر الصارمة، إلى علاقة من الإقتراب الإنساني، والإستماع الصادق، وتحفيز الطالب على التعبير عن ذاته، والثقة فيها.  
ثانيا: لقد ضرب خطاب رئيس الجامعة على وتر حساس للغاية، ألا وهو فتح الباب أمام الطالبات وأعضاء هيئة التدريس للدلو بدلوهم في مناقشة حرة عبرت عن إمكانية المشاركة في تحسين أوضاع جامعة عين شمس. أقول أن هذا وتر حساس لأننا في بلدنا الأم الكبيرة مصر، قد سحبت من تحت أقدامنا هذه القدرة، وأصبح المواطن المصري لا يرى له أي دور في رسم القرار، والمشاركة في إتخاذه. فهناك عوائق حقيقية تهدد أمن المواطن المصري، مثل إمتداد قانون الطواريء على مدى ما يقرب من ثلاثين عاما، ومهما أكدت الجهات المعنية أنه لا يستخدم إلا في حالات تهدد الأمن القومي، إلا أن المواطن العادي يحجم عن المشاركة السياسية بكل أطيافها، تجنبا للمخاطر التي يمكن أن يتعرض لها. هذا بالإضافة إلى الوهن في الحياة الحزبية، وعدم الثقة في نزاهة الإنتخابات.  في ظل هذا الجو الخانق، جاءت قرارات رئيس الجامعة الفورية بإدراج عدد من طالبات الكلية في برامج فعلية لإنشاء قناة فضائية للجامعة، وغيرها من الأنشطة المستقبلية، ظهرت  بارقة أمل في أن الحوار ليس صوريا، وليس دعائيا، ولكنه حوار فاعل. ولكن ما أتمناه أن يمتد هذا الأثر خارج أسوار الجامعة، وأن يكون الطلبة قادرين على إختيار تياراتهم السياسية والحزبية، دون خوف من تهديد أمني.
ثالثا: تحدى رئيس الجامعة  روح البكاء والشكوى التي نلقاها في كل مكان، ووضع المسئولية على أجيال الشباب في خلق حاضر أفضل، ومستقبل أكثر إشراقا، وذلك برؤية تنويرية ترى أن الهدف من التعليم هو إعداد طالب متميز في عالم يذخر بالتنافسية، مؤكدا على الشخصية المتكاملة القادرة على التفاعل مع معطيات القرن الواحد والعشرين. ولعل من أبرز الخطوات من أجل تأهيل الطالب لهذا التميز هو برنامج التطويرالمستمر والتأهيل للإعتماد، الذي يتم في ظل منظومة متكاملة لتحسين التعليم في مصر، ولكن ليسمح لي رئيس الجامعة الموقر أن أذكر له أمرا بديهيا، قد أشفقت على نفسي من إثارته في كل  لقاء خاص بجودة التعليم في مصر، ألا وهو أن الخطوة الأولي في أي تحسين المؤسسة التعليمية تبدأ بالإرتفاع بكفاءة أعضاء هيئة التدريس علميا، وذلك عن طريق تخصيص ميزانية مناسبة للإشتراك في المؤتمرات الدولية وتسهيل إجراءات هذا الإشتراك، وتوفير البيئة الداعمة داخليا للأستاذ ليكون وقته مستثمرا داخل الكلية.
رابعا: أشار رئيس الجامعة إلى أهمية القدوة، ومرة أخرى فقد ضرب على وتر حساس، ذلك أن القيم الأخلاقية الأصيلة في تدهور مستمر، وإذلال الأستاذ للطالب معنويا ظاهرة موجودة في الجامعات المصرية، وهي تحطم ثقة الطالب في نفسه، بل وتحوله إلى شخصية مهزوزة، أو قد تكون آلية دفاعه عن نفسه هو أن يصبح شخصية مكررة من الأستاذ الذي كان يشكو منه. لا أريد مثلك يا سيدي أن أركز على السلبيات، ولكن الإهتمام بإنشاء جيل واثق من نفسه كما أشرت، يتطلب أن تتوافر له البيئة الداعمة لذلك، بدءا من المرحلة المبكرة في روض الأطفال، وخلال كل مراحل التعليم ما قبل الجامعي، وصولا إلى التعليم الجامعي. وبقدر ما يدمي قلبي أن أراني عاجزة عن فعل شيء في هذا الشأن، بقدر ما أتمنى أن تكون هناك وسيلة لتغيير هذا الواقع، ولنفكر جميعا كيف؟
خامسا: التركيز على أن العلم قيمة عليا، وأن النقد الذاتي هو السبيل إلى التحسن المستمر، نقطتان متصلتان وهامتان لا بد من تزكيتهمما، وهما دعامتنا من الأخلاقيات التي نشأت على أساسيها الحضارة المصرية، التي يستلزم الإنتماء إليها اليوم، ألا نقف متشدقين بها، ولكن أن نبني عليها.  
أعتقد إن من يشرق الأمل في وجدانه في ظل ما تمر به بلدنا من أزمات وما يواجهنا من تحديات هو من يستطيع أن يرى أفقا قد لا يراه غيره، وأحسب أنني من هؤلاء الذين يحتمون بالأمل حتي يمكن أن نؤدي مهمتنا في هذه الحياة على أكمل وجه،  وهو أمل لا يخضع فقط للتحليلات الإقتصادية والسياسية والاجتماعية على أهميتها، خاصة وأن أستاذ الجامعة لا بد أن يكون مؤمنا  بالمنهج العلمي وأهمية التشخيص قبل العلاج، وإنما نوع الأمل الذي يملأ نفسي والذي رأيته يملأ وجدان رئيس جامعة عين شمس أ.د. ماجد الديب هو أمل من نوع آخر،  فهو يعتمد على الثقة في الشباب، ولذا فإنه أعطي من وقته الثمين أكثر من ساعتين في حوار مع طالبات كلية البنات، حرص فيها أن يستمع وأن يتفهم ويشجع هذا النشء الذي إمتلأ قلبه بالخوف والتشكك ويقف بقوة مع من يشككون في قدرات شبابنا وما يقال عن إستهتاره أو تطرفه.
ويبدو أن هذا النوع من الأمل موجود في قلوب الكثيرين، ولكن أن يكون موجودا في رئيس جامعة، فهذا يعني الكثير،  لأنه من هذا الأمل يمكن أن ينشر الشعور الإيجابي في المحيط الجامعي الذي يترأسه، ومن خلال هذا الأمل أيضا يمكن أن تصبح أعقد المشكلات منظومة قابلة للتفكيك ومن ثم الحل. وهذه الروح هي ما تحتاجه القيادات في كل مجال، لأنها الروح التي تمكن من حولها أن يعمل بكل طاقاته، ويعطي من كل ما يملك للكل. 
.  وثقتي في الشباب، وهذه الثقة ليست حلما، ولكنها حقيقة أعيشها مع طالباتي، ومع من يشاروكنني الأنشطة الثقافية المختلفة التي تجمعنا. وعلى الرغم من أن هناك كثيرا من المعوقات التي لا يستطيع أن ينكرها إلا أعمى أو جاهل، تقف حجرة عثرة في إنطلاقة هذا الشعب، إلا أن ما يذخر به القلب من أمل هو الوجاء من الإحباط واليأس.

No comments:

Post a Comment