Tuesday, December 14, 2010

إسرائيل لا تريد السلام وتريد الهيمنة على العالم د. علياء رافع


لقد بات واضحا أن إسرائيل هي التي تتحكم في قرارات الولايات المتحدة وتوجهها في الطريق الذي تريده، وهذا الاستنتاج ليس جديدا على الإطلاق، والكل يعلم أن إسرائيل لا تتنازل عن خططها القريبة أو البعيدة ولا يثنيها عن عزمها أية قوة، حتى لوكانت قوة القطب الأوحد، الذي أخذ يتراجع عن موقعه بشكل سريع.الجديد في الأمر هو أن صورة الرئيس أوباما قد أصبحت صورة مهتزة وضعيفة وهزيلة، بعد أن كان قد بدأ ولايته بشكل قوى، وظن الكثيرون أنه قد انتقل بسياسة الولايات المتحدة إلى عهد جديد لم يسبقه فيه أحد من قبل. ويبدو أن الأمر عندما يتعلق بإسرائيل فإن كل شيء ينهار رأسا على عقب.
إن إستسلام اكبر دولة في العالم إلى القرار الإسرائيلي برفض تجميد المستوطنات، إن كان يدل على شيء، فهو يدل على أنه تخلي عن أسس نشر سلام قائم على العدل. ذلك أن عدم تجميد المستوطنات هو إستمرار في الزحف على أراضي فلسطينية وتهويدها، وتقليص المساحة التي أرتضاها الفلسطينيون لتكون حدودا لدولتهم، على ما في هذا أصلا من ظلم. فمنذ أكثر من ستين عاما، حدثت أكبر عملية قرصنة في التاريخ الإنساني، ولم يهتز الرأي العام العالمي ويوقف هذه العملية، ولم يتحرك قيد أنملة، مشاهدا طرد الفلطسينيون من أرضهم التي سكنوها آلاف السنين.  وأنشأ القراصنة دولة لهم تحت إسم إسرائيل، وإعترفت كثير من الدول بقيام هذه الدولة. وأصبحت لهذه العصابة الباغية شرعيتها كعضو معترف به في الأمم المتحدة، ولم تعد هناك دولة للفلسطينيين أصحاب الحق الأصلي في هذه الأرض. كلنا يعرف هذا التاريخ، ولكن لابد من إستعادة قراءة هذه القصة لندرك مدى الظلم الواقع على شعب يريد حق الحياة، ولكن تتحايل تلك القوى الباغية في حرمانه من هذا الحق.
بعد إثنين وستين عاما هي عمر دولة إسرائيل، لم يعد مقبولا القول بطرد هؤلاء الذين إستوطنوا هذه الأرض وطردوا أهلها، فهناك أجيال قد ولدت وأصبحت في مرحلة متقدمة من العمر، ولم تعرف لها وطنا إلا في هذه الأرض، فما بالنا بالأجيال الشابة، التي لم تعش هذا الصراع على الأرض بالصورة التي شهدها أباؤهم وأجدادهم، ظنوا أن هذه هي أرضهم منذ بداية التاريخ، وأن عودة أبائهم واجدادهم لهذه الأرض هو إسترداد لحق كان قد ضاع منهم. لقد صدقت الأجيال الجديدة هذه القصة، وأصبح لديها يقين أنهم أصحاب هذه الأرض. وأقول دائما أن الخطورة لا تكمن فقط من حيث ما يحدث اليوم من تمسك إسرائيل بكل مشاريعها مهما كان الثمن، ولكن الخطر هو في مستقبل مجهول في ظل دولة ستظل تتمدد مثل الكيان السرطاني لتأكل جسد هذه الأمة. ليس هناك حدود لهذه الدولة، وإذا كان لها حدود بالفعل فهي الحدود التي وضعتها لنفسها على أنها حدود تاريخية "أي من الفرات إلى النيل" ، ولكن التزايد الديموجرافي لليهود، سيحتم على هذه الدولة أن تمتد على حساب الدول العربية المجاورة.
إن هذا الوضوح في الرؤية لما حدث في التاريخ، لا يتناقض مع معالجة الأمر على المستوى الواقعي معالجة تتوخي العدل، وتستهدف الدفاع عن حقوق الإنسان. إدراك الخط الاستراتيجي طويل المدى للدولة الصهيونية لا يتناقض مع مراعاة حقوق الشعب اليهودي الذي ولد وترعرع على هذه الأرض ولم يعرف له وطنا بديلا عنها. وللوهلة الأولى قد يبدو أن هناك صراعا محتوما بين الرؤيتين. إذ أن الرؤية الأولي ترجع إلى التاريخ لتقرأ وتستلهم المستقبل، وتصل إلى نتيجة مفادها إن هذه الدولة قد قامت على الظلم، ولابد من إعادة الحقوق الكاملة لأصحابها، أي لا بد للفلسطينيين إن عاجلا أو آجلا أن يسترودا كل شبر من أرض فلسطين تم إغتصابه، وأما الرؤية الثانية فإن تتعامل مع واقع موجود ألا وهو حياة ثلاثة ملايين يهودي، قابلة للزيادة على أرض فلسطين، عاشوا وتربوا في هذه الأرض، ولن يغادروها، وليس من الإنسانية أن يطردوا منها إلى مكان مجهول، اللهم إلا إذا تم إيجاد مكان بديل غير آهل بالسكان، يذهبون إليه، وهذا لن يحدث لأنه حل خيالي غير مقبول. فما هو البديل إذن؟  إن ما إرتضاه الفلسطينيون الآن من الإكتفاء بالأرض التي كانت لهم قبل عام 1967، لقيام دولتهم هو الحل الواقعي الذي يمكن تحقيقه. وهو حل يمكن من خلاله تحقيق هذا التوازن بين الجانب الإنساني والواقعي، والجانب العملي والحقوقي، مع الإستمرارية في التعاون ونشر السلام بين الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية.
ولأن إسرائيل غير جادة في قيام سلام، فهي تخلق هذه التناقضات والإستفزازات المتوالية، وتفرض الأمر الواقع المرة تلو المرة، وكأننا نشاهد اليوم أمام أعيننا ضياع فلسطين مرة أخرى. وترجع رغبة إسرائيل في إستمرار أو خلق أزمة بينها وبين الفلسطينيين من ناحية، وبينها وبين العرب من ناحية أخرى إلى أن هذا الموقف يفيدها على المستوى الداخلي والخارجي. أما على المستوى الداخلي، فذلك ليجعل الشعب اليهودي المتنافر في ثقافاته ينسى خلافاته،  ذلك أن  الشعور بالتهديد الخارجي، ذلك التهديد القائم على تصوير أن المجتمع الخارجي مجتمع متوحش يتربص باليهود كل شر، يساعد على تضامنهم وإتحادهم. ومن ناحية أخرى فإن حالة عدم السلام مع الجيران العرب، يتيح لإسرائيل التمدد كلما أقتضت الحاجة الديموجرافية أو المائية لذلك تحت زعم تأمين وجودها.
ويخلق هذا الموقف للفلسطينين من ناحية وللعرب الداعمين للقضية الفلسطينية من ناحية أخرى وعلى رأسهم مصر أزمة في الوصول إلى تسوية عادلة عن طريق التفاوض. ولهذا فإن الحل الوحيد هو كسب الولايات المتحدة الأمريكية لجانب المفاوض العربي، وخلق رأي عام عالمي لا يسمح بأن تفرض إسرائيل شروطها الإستفزازية والتي تعلم مسبقا أن الفلسطينيين سيرفضونها.  وأقول الولايات المتحدة، لأن إسرائيل تعتمد إعتمادا مباشرا على الدعم الإقتصادي والعسكري للولايات المتحدة، وهي بدونه ستواجه مشاكل هي في غنى عنها. ولذا فإن الولايات المتحدة تملك هذه الورقة الضاغطة من هذا المنطلق.  وهناك أكثر من سبب لتراجع الولايات المتحدة عن موقف متناغم من المطالب العادلة للفلسطينيين، أولها هو إعتماد الحزب الحاكم وخاصة رئيس الجمهورية على دعم اللوبي الإسرائيلي كي يستمر في الحكم، أو حينما يتنافس مع حزب آخر ورئيس آخر قوي، وثانيا لأن الولايات المتحدة قد أصبحت تؤمن إلى حد يقترب من اليقين أن إسرائيل هي الحليف الإستراتيجي الأول لها في المنطقة، لما تتمتع به إسرائيل من حكم ديمقراطي، وقيم تقترب من الحضارة الأمريكية.  وهكذا نجد أوباما الذي وضع العرب عليه آمالهم، يسقط في أن يحتفظ بإصراره على تجميد المستوطنات، خاصة وأن عجلة الوقت قد أصبحت تسرع، وسيصبح يناير القادم معبرا عن السنة الثانية التي قضاها في الحكم، وهو يريد التأييد اليهودي في ترشيح نفسه للمرة الثانية
وفي مواجهة هذا الواقع، نحن  في حاجة إلى خلق لوبي عربي قوي أيضا في الولايات المتحدة، خاصة وأن العرب يتواجدون بكثافة هناك، وفي حاجة إيضا إلى أن يكتسب حكامنا شرعية حقيقية من تأييد شعوبهم لهم، وذلك حتي يحترم العالم كلمتهم، وحتى لا يخشوا الوقوف بجانب الحق، لأن وراءهم شعوب تحميهم. وللأسف فإن الواقع يشهد أن العرب في الولايات المتحدة ينقصهم التضامن والتآلف، وأننا مازلنا نحبو في الطريق الديمقراطي، وقد لا نصل إلى نهاية الطريق، طالما أن الدستور والقانون يتيحان لرئيس الجمهورية أن يظل حاكما إلى الأبد، وطالما أن النظم الملكية لا تسمح بأن نقد يوجه من الشعب إلى الملك أو الأسرة الحاكمة، وطالما أن الشعوب العربية مازالت تعاني من الجهل بتاريخها وحقوقها وتعزف عن الممارسة والمشاركة السياسية. والله المستعان.  

No comments:

Post a Comment