Wednesday, March 2, 2011

غصة الفرحة والأمل في الحرية د. علياء رافع


سيظل 12 فبراير و19 مارس من هذا العام  (2011) تاريخين يمثلان بالنسبة لي مرجعية في تنفس نسيم الحرية. في صباح 12 فبراير سألت من حولي هل ترون الشمس مثلها بالأمس، كانوا مثلي يشعرون أن كل شيء كأنه يتنفس لأول مرة، وبدا الكون مبتهجا متفاعلا معنا نحن المصريين. إنه ميلاد جديد، وعببق  جميل في الجو، يصحبه أمل وإستبشار، وتطلع إلى مستقبل أكثر نورا وأكثر إشراقا.
ويوم السبت 19 مارس، إستيقظت صباحا، وأنا أدعو الله أن يمنحني القدرة على الذهاب إلى صندوق الإقتراع، ذلك أنني كنت قد أصبت بوعكة صحية، قبلها بأيام، ولكنني تحاملت على نفسي وذهبت بمساعدة أبنائي، وشعرت بنفس الإحساس، الذي شعرت به يوم 12 فبراير. نعم كنت أقول لنفسي  اليوم ليس ككل يوم، إنه يوم  تنفست نسيم بالحرية ينعش القلب والروح، ويكفي ليكون دواء للجسد العليل ليشفي. ألهذا الحد كنا محرومين من الحرية.. من الحياة؟ لقد كنا إذن نختنق وتموت أرواحنا ونحن نتجرع سم الكبت والفساد، والخداع والكذب.  لن يستطيع أحد أن يعيدنا مرة أخرى إلى جو الإختناق بعد أن تذوقنا نسيم الحرية.
منذ أن تفتحت عيناي وعلى مرور سنين عمري لم أشهد هذا المشهد الذي كنا نراه في الدول الديمقراطية، ولكن لا نراه في بلدنا أبدا، ولم أبذل جهدا في أن تكون لدي بطاقة إنتخابية إلا بعد أن أعلن البرادعي رغبته في الترشخ للجمهورية، مع العلم أن قوانين البلد لم تكن لتسمح له أو لغيره أن يترشخ لهذا المنصب، وعلى الرغم من أن مطالبته بتغيير الدستور بدت حلما غير واقعيا على الإطلاق من وجهة نظر كثير من الناس، وأن ترشحه للجمهورية مستحيل، ولكن في أعماقي كنت أشعر أن هذه البطاقة ضرورية إذا ماحدثت معجزة ما. حقا كان لا بد أن تحدث المعجزة، ولم يتصور أحد أن تكون بهذا الإبهار، فلم يكن الأمر هو مجرد "ثورة"، ولكنها ثورة عبرت عن مصر بحضارتها وأخلاقها وقيمها ومبادئها.
وتصاحب الفرحة دائما غصة.  لم تكن الفترة ما بين 12 قبراير و19 مارس كما تصورت، كانت مليئة بالأشواك التي كان يجب أن تفتلع، ومازال الجو مليئا بالغبار والأتربة، والمعوقات غير الضرورية. بدا الأمر بسيطا يوم 12 فبراير، ها هو رأس النظام قد سقط، ولابد أن يسقط بعده النظام نفسه بحكومته ورجاله. وكان الجيش سريعا في تلبية مطلب هام من مطالب الثورة ألا وهو حل مجلسي الشعب والشورى،  ولكن للأسف أخذت وزارة شفيق وقتا بدا لي دهرا كي تقال أو تستقيل، فهي قد سقطت مع سقوط النظام لأنها كانت جزءا منه، ولم يكن منطقيا أو شرعيا أن تظل ما يقرب من الشهر بعد سقوط النظام. وزاد الغصة مرارا مراوغات شفيق المستمرة وعدم تحمله للمسئولية بل والجهر بأن الأمور ليست في يده.  كان واضحا وجليا عدم التوافق السياسي بين من وقف بجانب نظام قديم حاول أن يدافع عنه، وبين ثورة قد شقت طريقها رغما عن كل القوى المضادة. ليس من المتوقع لمن وقف جانب الرئيس السابق، وترك أبناء الثورة المسالمين يلقون حتفهم على أيدي البلطجية،  ليس من المتوقع لمثل هؤلاء أن يكونوا على قدر التغيير المترقب من ثورة قدمت دماء وشهداء. وعلى الرغم من رحيل شفيق إلا أن النظام مازال قائما متجسدا في المحافظين، وفي المحليات.
كان أيضا منطقيا وسهلا أن نبدأ في تشكيل لجنة تأسيسية لتشكيل دستور جديد بعد يوم 12 فبراير حيث سقط دستورنظام مبارك تحت شرعية الثورة، وهو ما يؤكده مجيء المجلس العسكري ليأخذ إختصاصات رئيس الجمهورية، خلافا لما نص عليه الدستور القديم، وكان البيان الثالث للمجلس العسكري بمثابة إعلان دستوري هام يشكل تعامل الجيش مع الشعب في ظل المرحلة الإنتقالية، لم يكن هناك أي ضرورة للقيام بتعديلات في دستور قديم، ولكن كانت هناك ضرورة لبعض القواعد التي تنظم إنتقال السلطة من الجيش إلى المدنيين، وكان من الممكن ألا تعتمد على أي نص من الدستور القديم، ومحاولة تعديله، بقدر ما كانت من الضرورى أن تضع مطالب الشعب في أولوياتها. ولكن أيا ما كان الأمر، هكذا سارت الأمور. تشكلت لجنة وقامت بالتعديلات التي رأتها ضرورية، والتي لم تكن كافية من وجهة نظر كثيرين.  وها نحن مع فرحة الإنتخابات الرائعة والإقبال غير المعهود، جاءنا خبر الإعتداء على البرادعي، ولا يصدق عقل أن المعتدين مجرد معارضين للبرادعي، فليكن البعض مؤيدا والآخر معارضا، ولكن لماذا الإعتداء؟ وتعود الغصة مرة أخرى مع العديد من علامات الإستفهام.
علامات الإستفهام وعدم الوضوح تقف حجر عثرة في طريق الفرحة بالحرية، منها على سبيل المثال وليس الحصر: لماذا يستمر زكريا عزمي في ديوان رئاسة الجمهورية بعد قيام الثورة؟ ألم يكن من المنطفي أن يتم تسليم الوثائق والأوراق والمهام إلى المجلس الأعلى مباشرة؟ ما هو هذا القانون الذي يمنع المجلس العسكري من إيقاف حليف الرئيس السابق وإستلام المهام منه؟   أليس هناك شخصا آخر يمكن أن يقوم بهذا العمل للمجلس الأعلى؟ وكيف يمكن الثقة في رجل وقف مع نظام مبارك كل هذه السنوات؟   لماذا تأخر طلب تجميد أموال رئيس الجمهورية السابق في البنوك الأجنبية؟  لماذا يتكرر الإعتداء على أبرياء برغم إعتذار المجلس الأعلى عما حدث يوم 26 فبراير؟  لماذا لم يتم التحفظ على وثائق امن الدولة قبل تنفيذ تلك الخطة الجهنمية في حرق هذه الوثائق؟  لماذا تظهر الفتن الطائفية فجأة في أكثر من مكان؟  لماذا تأخرتوجيه إتهام مسئولية إنسحاب أمن الدولة يوم 28 يناير لوزير الداخلية، خاصة أن الأمر لم يكن متعلقا فقط بالأمن المركزي، بل تم سحب الأمن من أرجاء جمهورية مصر العربية كلها؟  تركتنا كل هذه الأسئلة في حيرة من الأمر، وفي خشية على تلك الثورة الوليدة التي تحتاج إلى رعاية كل محب لمصر.
واليوم وقد تم الإستفتاء الذي لم تظهر نتائجه بعد حتي كتابة هذه الكلمات، وأيا ما كانت النتيجة، فإننا في حاجة إلى وضوح في الخطوات المقبلة، لن يعود الزمن إلى الوراء، ولن يخاف أي مصري في أي سن من الجهر بالحقيقة، ولن يقف أي مصري في بذل الجهد من أجل مصر. سنقبل الإختلاف ولكن لن نقبل القهر والوصايا والغوغائية. سيأخذ الأمر وقتا، ولكن لن نضيع لحظة واحدة من العمر. ستكون هناك عقبات، ولكن لن يفقد الشعب المصري الأمل.   

No comments:

Post a Comment