Tuesday, March 8, 2011

حتى تكتمل مطالب الثورة د. علياء رافع


كلما حققت الثورة أحد مطالبها، تفاجئنا الأحداث بأعمال إجرامية، ويصبح وجود "ثورة مضادة" ليس وهما أو شائعات، ولكنها واقع نراه ونبصره. ما كاد أحمد شفيق يستقيل أو يقال، ويجيء عصام شرف ليتولى رئاسة الوزارة، وعند إدراك أن هناك وزيرا سيلبي تطلعات الثورة، بدأت حرب حرق الملفات التي تدين أمن الدولة، وإذا بنا نفاجأ بالرعب نفسه. لست في حاجة، ولا أستطيع أن أعيد ما رأيناه على الشاشة من وسائل التعذيب، وإخفاء المعتقلين في أدوار تحت الأرض، والقبور الملحقة بالسجون، وغير هذا من الفظائع التي يشيب لها الولدان.  لم نكن ندري أننا نعيش دولة الرعب والقهر والظلم. ولذا فإن علينا أن نقف واقفة واضحة وصريحة مع النفس، ولنكون جميعا معا في المرحلة القادمة لا نجعل أي فتنة أخرى تفرقنا.
وأوجه خطابي إلى هؤلاء الذين يخشون من التظاهر الواعي ، متعللين بأنه يؤدي إلى  إنهيار الدولة، أقول لهم:  من المسئول حتى الآن عن  غياب الشرطة عن الشارع؟ هل هم الثوار المسالمون الذين جمعهم حب مصر، وأشعلت الحرية نفوسهم، فهبوا هبة واحدة يبحثون عن الحرية؟  ألا تدركون حتي الآن أن النظام السابق وذيوله هم الذين يتسببون في الثورة عمدا في بعض الأحيان، وتقاعسا عن تلبية المطالب المشروعة والضرورة للثورة من ناحية أخرى.
إلى رجال الأعمال الذين يصرخون مطالبين الثوار أن يعودوا إلى أماكنهم في العمل تحت زعم إستقرار الأعمال .. ألا تدركون أن إستمرار الفساد سيوقع هذا البلاد في أكبر مأزق إقتصادي؟  ألا تعلمون أن نظاما ديمقراطيا إذا ترسخ في البلاد سيجذب أضعاف ما خسرناه في الشهور السابقة؟ لماذا الهلع ولماذا لا تقفون مع المطالب المنطقية والمشروعة والضرورية لإقامة مجتمع حر ؟  لم تكن الثورة هي السبب في تلك الوقفات الفئوية، ولكن تراكم المظالم من ناحية، وعدم وجود جهاز يعبر عن هؤلاء هو الذي أثار الشعب. ومع إعتراضي على تلك الوقفات في هذا الوقت، إلا أن ما زاد الأمر سوءا هو إكتشاف كمية الأموال المنهوبة التي سرقتها عصابة الحكم السابق. وفي بعض الأحيان سنجد أن التشجيع على هذه الوقفات تتم بتحريض من ذيول النظام القديم.
الى الأمهات اللائي يقتلهن القلق على أبنائهن أو الزوجات اللائي يفضلن الحياة الآمنة ..  أقول إن أبناءنا وأزواجنا في خطر عظيم إذا لم تحقق هذه الثورة أهدافها، لقد تكشفت آلات القمع الوحشية بما لم يمكن أن نتصور، وهي تهددنا وتهدد أبناءنا وأزواجنا. هل الأفضل لإبني أو زوجي أن يموت شهيدا مدافعا عن حرية بلده ووطنه وكل المصريين، أم أ، ن  يسجن ويعذب ويقتل غدرا وعدوانا؟  هل من الأفضل لنا جميعا أن نعيش عبيدا في وطننا لا نستطيع أن نرفع رؤسنا، أم أن نشعر بقدرتنا على صناعة مستقبل أفضل لنا ولأولادنا ولأحفادنا؟  يا نساء مصر لا تخشين الموت، فهو قادم، ولكل أجل كتاب، ولكن لنكون مثل كل الأمهات في الجلد والثبات والإيمان: "وقل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا".  إن كل أم عليها أن تدافع عن دم الشهداء الأبرار في ألا تجعلها رخيصة، فنحن جميعا أمهات، وهؤلاء هم أبناؤنا وعلينا أن نحقق ما كانوا يصبوا إليه. في الجمعة السابقة وقفت أم شهيد تزغرد بعد إسقاط وزارة شفيق، وتقول أنه طالما أن البلد تسير في الطريق صحيح، فإن دم إبنها فداء للوطن.  إن هذا السيدة تشد من أزرنا جميعا لنكون يدا واحدة لنستكمل الطريق  
إلى الإعلام المصري الذي مازال يتخبط بين القول بأهمية الثورة المجيدة، وبين التشكيك في الثوار الذي يصرون على تحقيق مطالبهم. لقد هالني أن تفتح التليفونات والتعليقات في أحد البرامج الحوارية المشهورة لنتستمع إلى أصوات تلعن الواقفين في ميدان التحرير لأنهم السبب في الفوضى، ولأنهم ديكتاتوريون .. إلخ.  ويبتسم المذيع بشكل إستفزازي، معلنا أنه يتيح مساحة للرأي والرأي الآخر. ينتابني غضب وذهول أن هذا المذيع لا يدرك خطورة اللحظة وقيمتها، ولا يدرك معنى الثورة ونبلها.  أقول لكل من يعمل في الإعلام أن يراجع نفسه، لأن القطار سيسير إلى منتهاه، وسيوضع هؤلاء الذين يرقصون على السلالم في مذبلة التاريخ.
مازال رجال النظام السابق غير قادرين على إستيعاب ما حدث.. مازالوا يخلطون بين ثورة عظيمة تريد تغييرا حقيقيا، وبين فئات مظلومة، تراكمت آلآمها ووجدت في الثورة متنفسا للتعبير عن ما تكبدته من ظلم على مدار السنين. إن من قاموا بالثورة، من ذهبوا إلى الميادين في كل إنحاء مصر، خرجوا من أجل الحرية، وليس من أجل لقمة الخبز وحدها، لقد قال لي الكثيرون في الميدان، أنهم قادرون على الصيام ليتبرعوا بما يكسبون لخير بلدهم. إنهم يعلمون جيدا أنه ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان. إن الأخلاق النبيلة التي ظهرت في مصر أثناء الثورة هي الأخلاق المصرية الأصيلة التي كدنا نفقد الأمل في أنها مازالت موجودة. كنت نرى ملامج من تلك الأخلاقيات على المستوى الفردي، ولكن لم نكن نعلم أن في مصر ملايين وملايين يريدون أن يتنفسوا الحرية والكرامة الإنسانية، وأن ينتظرون الفرصة ليبنوا بلادهم.
لم نستوعب بعد ما حدث في يوم 12 فبراير، حيث نزل الناس جميعا لينظفوا ميدان التحرير وما حوله من شوارع، ويغسلوا أسود كبري قصر النيل بكل همة ونشاط.  لقد تشوق المصريون لبلدهم، وكنا نرى أن الإنتماء قد ضعف ومات. شعروا ببساطة أن البلد بلدهم، ولننظر إلى كم التكتلات الشعبية من أجل تنظيم المرور، وحماية البلد من مجرمي السجون الذي أطلقوا في يوم 28 يناير كي يرهبونا، وتكوين جماعات لعلاج المصابين، وتبرع الأطباء بالعمليات الجراحية، وتدعيم المتضررين من العمالة التي كانت تعتمد على أجر يوم واحد، وغيره، وغيره. 
ياليتنا نعطي هذا الشعب فرصة حقيقية في ظل مجتمع حر، ولا نضع تلك الخطوط الفاصلة بين مصري وآخر. قد نختلف أيديولوجيا أو دينيا، ولكن الإنتماء إلى مصر يصبح هو الهدف والغاية في ظل دستور يحقق المساواة الكاملة والمواطنة الكاملة للجيمع، ويؤكد حق ممارسة الحياة السياسية، ويترك المجتمع المدني حرا يشارك في تنيمة المجتمع في كل الميادين.
حتي تكتمل مطالب الثورة لا نريد تشويها مغرضا للشعب الذي لن يتنازل عن الوصول إلى مصر لتكون بلدا تنعم بالحرية والكرامة الإنسانية. 

No comments:

Post a Comment