Tuesday, March 29, 2011

أنا حر.. دعني أفكر د. علياء رافع


ألهمتني إيمان فهيم بهذا العنوان، وإيمان فتاة شابة تحاول أن تنشر الوعي السياسي بين أبناء المجتمع  الذي تعيش فيه وخارجه أيضا، وتحاول كذلك أن تكون مجموعات من أجل التوعية السياسية في المرحلة المقبلة. ولقد شدتني هذه العبارة لأنها تعبر عن جوهر ما نريده في المرحلة القادمة، نريد أن يتاح للمواطن حرية الإختيار، إنطلاقا من فكر مستقل لا يجري وراء شعارات خادعة أو براقة، تذهب  في بعض الأحيان إلى حد الإستخفاف بالعقول.
 وكلنا يعلم هذا الإعلان الذي ظهر على صفحة الأهرام قبل أيام قليلة من  الإستفتاء على الدستو، وفيه دعوة صريحة للإجابة بنعم على التعديلات الدستورية، والتي بدت كأنها تتمشى مع أوامر الدين والإعتصام بحبل الله. وكثير منا قد رأي الشيخ محمد يعقوب، وهو يتحدث عن "غزوة الصناديق" ، ونصر الله لأن الغالبية أجابت بنعم، وأعقب حديث بعد ذلك بتكبيرات العيد، وكأن الإجابة بنعم هي إنتصار ديني.  وسمعنا قوى تسييس الدين وهي تدعو الناس إلى الإجابة بنعم، لأنها واجب شرعي. في الحقيقة لم أكن قادرة على تصديق أن كل هذه الأشياء تحدث بالفعل في الشارع المصري، وبعد ثورة لم ترفع شعارا دينيا واحدا، إنما جمع بين المشاركين فيها إيمان بالله لا يعرف مسحييا أو مسلما.
لن أتوقف عند القول أن الإستفتاء أمر دنيوي، وأن هؤلاء قد إستخدموا الدين في السياسة بشكل فج للغاية، ولكن  يشغلني من صدق هذه الإدعاءات وسار خلف هؤلاء المزيفين للدين، والذين يفسدون الحرية والمناخ الذي خلقته ثورة 25 يناير. وما أريد أن أتناوله في هذا المقال هو محاولة لنفض الغبار عن أفكار بالية ترسخ التبعية الفكرية تحت مقولات دينية. ثانيا التعرف على الأسباب التي تجعل البعض – حتى المتعلمين منهم – يتقاعسون عن التفكير المستقل النقدي، وينصاعون نحو ما يستمعون إليه سواء من أدعياء التدين، أوعن طريق وسائل الإعلام، أو عن طريق أصدقاء ينصحونهم فينصاعون. وفي النهاية فإنني أود أن نناقش كيف  يمكن أن نخلق ثقافة عامة تشجع على التفكير المستقل، حيث يشعر الفرد أنه مسئول عن قراره، وأنه ينبغي أن يتبع أسسا منطقيأ، ويثقف نفسه معرفيا حتي يصل إلى الإختيار الذي يشبع قناعته الشخصية. . 
أما بالنسبة لما يخص القضية الأولى، فإننا نلاحظ أن هناك من العبارات التي يساء إستخدامها إساءة بالغة مثل "إسئلوا أهل العلم إن كنتم لا تعلمون"، أو "أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم".  هذه العبارات يتم إستخدامها لإضعاف قدرات الإنسان على التفكير، ويتم تأويلها ليهيمن البعض على أفكار الآخرين. ولكن هذه العبارات التي جاءت في القرآن أري أنها تعبير عن علاقة طبيعية لا تؤدي إلى إلغاء الفكر، بل تنميته، فسؤال أهل العلم يعني أن يتجه الإنسان نحو المعرفة. واقع الحياة يبين لنا أن الطالب عندما يستخدم خبرة أستاذ فإنه قادر على أن يحصل الكثير من المعارف في وقت أقصر كثيرا مما لو كان يعتمد على نفسه بدون عون، وهذه المعارف تتيح له أن يستكمل طريق المعرفة بالبحث والإجتهاد، وليس بالطاعة والإنصياع لما يقوله الأستاذ. الهدف من سؤال أهل العلم هو تمكين طالب المعرفة على التحصيل المعرفي، وليس إيقافه عن البحث والإجتهاد الإكتفاء بما يقوله الأستاذ.
 أما الآيات  التي تدعو إلى الطاعة، فإن الطاعة تشير إلى إلإيمان بأن التعاليم الإلهية عن طريق التنزيل جاءت لخير الإنسان، وأن إتباعها لا يعني االإنصياع الآلي لما جاء في آي الذكر الحكيم،  فتكون النتيجة أن يخلو القلب  والعقل من مضمون الفعل الذي يحث عليه  النص المقدس.  الطاعة تستلزم أن يكون الإنسان قادرا على تفهم أهداف الأمر ومقاصده وغاياته العليا. فإذا كانت طاعة عبادات مثلا، فهذا يعني أن الإنسان قد قام أولا في قلبه الإيمان الذي يدفع إلى بعث الرغبة في التقرب إلى الله، والذي يجد صداه من حيث إتباع الوسائل التي بعث الله بها من خلال رسله، وهكذا تصبح طاعة الرسول تعبر عن إتخاذه أسوة. وهذا لا يعني أن أي إنسان يملك القدرة لإنسان آخر أن يرغمه أو يحثه على أن يشعر بما يشعر به، وبالتالي فإن طاعة الله بهذا المعنى هي علاقة خاصة بين الفرد وربه، وليس قانونا يمكن أن نصنف به الناس، أو نجبرهم من خلاله على القيام بهذا الفعل والإنتهاء عن غيره. وأتعجب كثيرا وأنا أري كيف حرفت عبارة "أولو الأمر" لتشير إلى الحكام، ,خاصة وأن الآية تتحدث عن "طاعة الله" كبداية. يمكن القول أن "أولو الأمر" في سياق هذه الآية تشير إلى من إتبع الهدي الإلهي، وأيضا الطاعة في هذا السياق ليس تحكم من شخص في شخص آخر، ولكن إحترام قائم على أساس أن  "أولو الأمر"، هم من نراهم يعبرون عن تجسيد التعاليم الربانية في حياة سلوكية فيصيرون قدوة. والإقتداء ليس تقليد فعل، وإنما تفهم منهج حياة.   
إن هذا الشرح والتحليل قائم من خلال الرؤية العامة للإسلام الذي جاء ليؤكد المسئولية الفردية، والتي حثت كل الناس على التدبر والتفكر وعدم إتباع الأسبقين دون مراجعة عقلية لما يقولون. ولهذا فإن الطاعة تبدأ بإختيار إنساني، وليس بتحكم فوقي من إنسان على آخر. والإختيار الإنساني على إتباع ما جاء به التنزيل، يستلزمه جهاد فكري قلبي ليصل الإنسان إلى الإيمان. دون هذا يصبح ما يقال عنه أنه طاعة هو أنماط سلوكية ثقافية غير ذات دلالة معنوية. وتستخدم هذه الآيات تبعا لذلك في تسخير الهيمنة من مجموعة من الناس على مجموعة أخرى دون أي نوع من التبرير. وليس هناك طاعة مفروضة على الإنسان ليبني إختياراته بناء على أوامر من إنسان آخر، لأنه ليس هناك أي إنسان يملك معرفة الحق المطلق والعلم بكنه الأشياء. ولذا فحتى إذا إختار الإنسان أن يستشير حكيما، فإن الحكيم يساعده على منهج عميق يرى من خلاله الأمور التي تحيره، ولكنه لا يأخذ القرار نيابة عنه.  
 لا يقتصر الإنصياع الأعمي دون تفكير على أسلوب القهر الفكري الذي يمارسه بعض من يدعون علما دينيا، ولكن ينطبق أيضا على الكثيرين الذي لا يعملون عقولهم عندما تشيع أفكار أو أقوال في وسائل الإعلام أو من خلال البعض الذي يستمعون إليهم دون أي نوع من التفكير النقدي. أقول قولي هذا، وقد جرت مناقشة بيني وبين طبيبة وأستاذة في الجامعة تفكر مثل الكثيرين أن د. البرادعي هو الذي ساعد أمريكا على الدخول في العراق، وأنه عميل أمريكي، ويريد أن يقفز على السلطة. أذهلني ترديد ما تقوله هذه الدكتورة المحترمة، وهو يتنافي مع أبسط قواعد "التفكيرالمستقل". ويذهلني أكثر أنها تتخذ هذا الموقف إزاء إنسان يرشح نفسه لرئاسة الجمهورية دون إهتمام بتمحيص ما جاء في الإعلام. ولم تبذل جهدا لترى وجهة النظر الأخرى. لم تحاول أن تعرف ما الذي فعله هذه الرجل بعد أن جاء  إلى مصر، وكيف آمن ووثق في قدرة الشعب المصري على التغيير. لم تبذل أي جهد في إستعادة ما حدث في العراق، وكيف وقف البرادعي ضد أكبر دولة في العالم، معلنا في الأمم المتحدة أن ماتقوله هو إدعاءات وليس حقائق، وأن العراق خالية تماما من أسلحة الدمار الشامل. لم تستوعب أن تلك الثورة العظيمة قد بلورت أهدافها من خلال رؤية البرادعي، دون أن يدعي الهيمنة أو القيادة، ولكنه كان على ثقة كاملة في قدرات الشعب المصري.
ولنستعيد ما كان يقوله الإعلام عن ثورة 25 ينايرمن أكاذيب، ثم يرددها الكثير من الناس بعد ذلك ممن لا يشاهدون القنوات غير المصرية، ويظنون فعلا أن وائل غنيم قد تلقى دراسات أمريكية في كيفية إحداث الثورة، وأو هؤلاء الذي يقولون أن شباب التحرير يأخذون رشاوي ووجبات جاهزة من مصادر أجنبية، إلى آخر هذه التخاريف ومازال الإعلام حتي اليوم يزيف الحقائق، فيصدقه الناس،  والكثيرون يظنون أن حالة عدم الأمن هي نتاج للثورة، وينسون سريعا أنه كانت هناك حرب لترويع الشعب المصري كله من القوى التي كانت تدافع عن وجودها في السلطة، حتي ينهزم الشعب المصري نفسيا، ويطالب ببقاء أو إسترجاع حكم مبارك. مازالت هذه القوى تعمل أيضا، وتحاول بطريق مباشر أو غير مباشر أن تجهض المحاولات الشعبية في الإعتراض السلمي تحت زعم أنه يهدد الإستقرار الأمني والإقتصادي.  
وحتى نخرج من هذه القوى المدمرة للإستقلال الفكري، هناك حاجة إلى خطاب إعلامي آخر، وسبل مختلفة من التفاعل من الجماهير. علينا أن نكف عن "توجيه" الوعي. والتعرف على أن تزييف الوعي يجيء من خطاب يعتمد على فكرة أنا أقول وأنت تسمع،  أنا أفكر وأنت تعمل، أترك لي كل شيء وثق بي، أنا أعمل من أجلك.   
إذا أردنا لهذه الثورة أن تستكمل طريقها، وأردنا لمصر أن تخرج من النفق المظلم إلى ضوء النهار، فينبغي أن نكون قادرين على التفكرير المستقل الحر، ونستخدم المنهج والمنطق مع التخلص من الهوى والمصلحة الخاصة، يمكن إذن أن تتضح الرؤية، ونستطيع أن نصل بمصر إلى المكانة التي تستحقها.  

No comments:

Post a Comment