Tuesday, April 5, 2011

البرادعي ومستقبل وطن د. علياء رافع


تمر مصر بفترة تاريخية حرجة للغاية، فها هي الثورة قد قامت وأزاحت رأس نظام لم يكن من السهل التخلص منه، بل إن أكثر الناس تفاؤلا لم يكونوا قادرين على تصور إمكانية حدوث هذا الحلم. كان وراء هذا الحلم رجل إستطاع أن يرفع صوته ويبلور رؤية لمستقبل مصر. حقا سبقه كثيرون ممن وقفوا وقالو "كفاية"، وشباب إستطاع أن يتحدى، ولكنه كان وحيدا في معركته، وواجه ما واجه من قمع وإعتقال، وأقلام حرة كانت تكتب، ولكن لا أحد يستمع لها، ولكن جاء البرادعي ليطرح رؤية التغيير، وتجمع حوله الكثيرون، قد تكون غالبيتهم من الشباب، ولكن أيضا كان هناك من الناضجين والمفكرين والإعلاميين والأكاديميين وغيرهم. وكلنا يعرف ما حدث بعد ذلك.. نتذكر 25 يناير، حيث تآلف الشباب من كل الإتجاها، وأصبحت مطالب البرادعي أهدافا، إلتقي حولها المختلفون حزبيا وأيديولوجيا ودينيا. إنطلقت هذه الشرارة التي كان الشعب مهيئا لها، وهب الشعب كله هبة واحدة.سقط شهداء، ووقع جرحى، وفي سبيل الحرية هان كل غال, ولكن هل سنستكمل المسيرة لنحقق كل الأحلام.
كلما مر الوقت إزدادت الحيرة من الخطوات البطيئة التي نسير بها نحو تحقيق أهداف هذه الثورة التي بدت سهلة وبسيطة، وأصبح هناك يقين أن هناك قوة مضادة، وأن هذه القوة ليس لها مركز واحد، فهي تنطلق من إتجاهات كثيرة، ولكن يجمعها تخوف من هذا الرجل الذي يتحدث بهدوء ولكن بإصرار، والذي يشغل مستقبل مصر كل تفكيره، دون أن يكون هناك أدنى رغبة في أن تكون السلطة في يده. وهذا ما لا يفهمه الكثيرون فهو يتخذ من الرئاسة وسيلة وليس غاية. غيره يزعم أن القدرة في يده، والبرادعي يرى أن القدرة والقوة في يد الشعب، وأنه يقدم الرؤية والبرنامج، ولكن يشارك الشعب في الوصول إلى الأهداف.
ولأنه نادرا ما تجتمع الأخلاق مع السياسة، فإنني أعتبر أن هذا الرجل سيكون علامة في تاريخ مصر، ويجعل بلدنا مؤثرة بعد ذلك في العالم كله. ولكن حتى يحدث ذلك فلا بد من التخلص من التشويه الذي نتج من تلك الحملة الشرسة التي بدأت في عصر مبارك، والتي مازالت مستمرة بشكل أو آخر. فهل يعقل أن أحدا بوزن هذا الرجل لا يتم التحقيق الرسمي في الإعتداء الذي حدث عليه يوم الإستقتاء، بل والأكثر من ذلك أن تنشر الأهرام أن من هاجمه أناس عاديين لا يرغبون في أن يكون رئيسا. لماذا لا يستهجنون هذا العنف؟  ولماذا تنشر الجرائد أكاذيب عن محاولة د. البرادعي تخطي الصف، وهو ما حدث عكسه تماما؟ إن ما حدث يدل على قوة هذا الرجل، وإدراك الثورة المضادة أنه خطر عليها، لأنه لا يرضى بأنصاف الحلول، ولأنه سيتغلب على أي فساد في طريقه، ولن يجد معه المنافقون سبيلا.
إنتصارا لمواقفه المتوافقة مع مبادئه، رفض د. البرادعي الدخول في حوار وطني غير حقيقي، وقد أصدر بيانا في هذا الصدد، ولقد كان محقا تماما، خاصة وقد رأينا مهزلة الحوار الوطني التي تحدث فيها د. يحيى الجمل بأجندة مسبقة، بدى فيها وبقوة أنه قد جمع مواضيع بصورة عشوائية، وأخذ يفندها واحدة بعد الأخرى، ويرد عليها.  وأظهر المستشار هشام البسطاويسى تعجبه وألقى تساؤلاته الكثيرة التي تعبر عن عدم فهمه لما يحدث تماما، وما الهدف من هذا الإجتماع، وعلقت المستشارة تهاني الجبالي في نقد واضح لما يحدث ولكن بأدب جم أيضا. وغاب الشباب، لإدراكهم أننا عدنا مرة أخرى إلى تمثيليات الحوار، وليس جدية التفاعل بين أطراف القوى الوطني. ومن المثير للضحك والبكاء في الآن الواحد أن الحزب الوطني الذي أفسد الحياة السياسية تماما خلال ثلاثين عاما، أخذ مقعدا على مائدة الحوار. ألا يكفي أن هذا الحزب لم يحل بعد؟ هل يمكن أن يمارس أعضاء هذا الحزب دورا سياسيا في هذا الوقت، والثورة مازالت بعد لم تحقق أهدافها؟
كانت مظاهرة التحرير في 1 إبريل دليلا على أن هذا الشعب لم يمت، وأن الثورة حية، وأن القوة مازالت في يد الشعب، ويعود هذا في أحد أسبابه إلى الوعي الشعبي الذي جاء مع الثورة والذي جعل المصرييين مصممين على الحرية، ومازالوا مستعدين للتضحية بحياتهم من أجل كرامتهم الإنسانية، ولم يعد من السهولة خداعهم، ولهذا كانت المطالبة بتصفية رموز الفساد التي مازالت تقوم بألعابها القذرة دفاعا عن مصالحها مطلبا رئيسيا.
إن المرلحة القادمة مرحلة حاسمة وعلى قدر كبير من الأهمية، أولا إذا سرنا نحو الإنتخابات البرلمانية في الموعد المحدد، فهناك مسئولية تقع على عاتق كل مصري في أن يتريث قبل إختيار ممثله في البرلمان، وأن تصبح المعايير مختلفة عن ذي قبل. ولهذا فإن الإنتخاب بالقائمة يجب أن يكون بديلا عن الإنتخابات الفردية. ولكن قبل هذا وبعد هذا فإن التوعية السياسية أصبحت واجب كل مواطن يدرك معنى الثورة في محيط علاقاته الإجتماعية والمهنية، وهي توعية لها طابع مختلف تماما،  إنها تقوم على إحترام إرادة كل إنسان مهما كانت درجة تعليمه، ولكنها في نفس الوقت توضح له المرجعية التي يقيس عليها اختياراته. وهي توعية من أجل التغلب على مهزلة الإستفتاء الذي أستخدم فيه الدين بطريقة فجة في التأثير على البسطاء.
وعندما نحاول أن نضع مرجعية أخلاقية لإختيارات لرئيس جمهورية سنجد أن البرادعي هو المرشح الوحيد الذي تنطبق عليه كل المعايير السياسية والأخلاقية، فهو الذي بلور مطالب الثورة بصورة واضحة ولم يغير مواقفه في أي لحظة، وهو الذي وقف ضد مطالب التوريث في عهد الرئيس السابق، بل وطالبه بألا يترشح مرة أخرى، وكان إصراره على تغيير الدستور واضحا. بدا هذا للكثيرين بعدا عن الواقعية، ولكن إنطلاقا من رؤيته الواضحة ومبادئه التي لا تتغير، لم يتنازل قيد أنملة عن هذاا لمطلب. إنه الشجاع الذي وقف ضد غزو أمريكا للعراق، مصرا على أن العراق خالية من أسلحة الدمار الشامل. وهناك كثير من المواقف الدولية التي لا يعلمها الكثيرون، نتيجة للتشويه الإعلامي الشرس.
وإذا عدنا إلى فلسفته السياسية، نجد أنه قد بنى رؤية إنطلاقا من ثقة في الشعب المصري، أنه هو القادر على تحدي كل الصعوبات التي أمامه، فهو يبني رؤيته ليس على التسلط والإدعاء بأنه سيقوم بكل شيء، وإنما يقيم رؤيته على التمكين الذي سيجعل التسابق على الخيرات، وليس التسابق على السلطة هو الذي يدفع بهذها المجتمع إلى الأمام. كما أن إنحيازه إلى الفقراء ووضع الشرائح المهمشة في أولويات إهتمامه ليست كلمات يتاجر بها، ولكنها واقع سيبني سياسته عليها. هذا بالإضافة إلى أن إنسانية الإنسان بالنسبة للدكتور البرادعي هي في أولويات إهتمامه، ولهذا فإن التعليم يسير جنبا مع جنب في برنامجه السياسي، بدون علم لن يكون هناك تنمية وتقدم، وقدرة على التمييز بين الغث والخبيث. نحن في حاجة إلى هذا الرجل من أجل مستقبل مصر.  

No comments:

Post a Comment