Tuesday, April 19, 2011

الفكر السلفي وتحديات المستقبل د. علياء رافع

ظهرت السلفية بقوة بعد ثورة 25 يناير، كما يظهر المارد بعد سجن طويل، وكان الرأي العام قد إختزل الإسلاميين السياسيين في حركة الإخوان المسلمين، وتجاهل كل الجماعات والتجمعات والأفكار الأخرى. كنت على علم أن السلفية منهج في الفكر الإسلامي، ولكن لا يوجد له جماعات منظمة تنشر هذا الفكر إلى أن جاءت باحثة تدرس الماجستير معي  بإعتباري المشرفة الأكاديمية، وتقص على ما يقوم به السلفيون في قريتها ويقنوعهن أن الدعوة إلى الإسلام هي من صميم مهماتهن الأولى، وأن دراسة الشريعة هو العلم الوحيد النافع، وقالت الباحثة أنهم لا يوافقوا الإخوان المسلمين في إتجاههم السياسي، لأنهم يركزون فقط على الجانب الدعوي. أدركت إذن أن السلفيين حركة منظمة دينية تستهدف نشر منهج إسلامي، ولكنها لا تزج بنفسها في معترك الحياة السياسة.  ومع ذلك فإن إنتشار هذا الإتجاه سيؤثر مما لا شك فيه على مسيرة المجتمع، وبالتالي على الحياة السياسية أيضا. ودار في مخيلتي مجتمع طالبان، حيث تم حرمان المرأة من كل أدوارها خارج المنزل، وأصبحت الطبيبات والمعلمات والمنهدسات، وكل المتعلمات حبيسات في بيوتهن. ويترتب على هذا الفكر إنسحاب الإنسان من العصر الذي نعيش فيه، إلى عصور سابقة، فتتوقف الحياة ويتوقف التقدم.  ويكفي أن نلقي نظرة إلى أفغانستان التي هدمت التراث الإنساني للمعابد البوذية، وكيف أرجعت حركة طالبان السلفية أفغانستان إلى مئات السنين من الوراء. ومهما قال بعض شيوخهم غير ذلك، فيكفي أن ننظر إلى زيهم الغريب، وتناقض أفكارهم.
وفي زخم الأحداث التي نمر بها، والتي أفرزت كل غريب وعجيب بحق،  يهل علينا عبود الزمر في الكثير من برامج الحوار ومع أشهر المذيعين، متحدثا بكل ثقة عن إستباحة الدماء إسترشادا برأي العلماء، ومتنجاهلا دور الدولة تماما في القصاص.  ثم نجد الشيخ محمد حسنين يعقوب يطل علينا في أكثر البرامج مشاهدة، ويتحدث عن غزوة الصناديق بعد الإستفتاء على التعديلات الدستوري، وأعقب حديثه بتكبيرات العيد، وكأن السلفيون قد حققوا إنتصارا دينيا حربيا. ثم بعد ذلك يقول أنه كان يمزح، ولكنه لم يكن يمزح بالتأكيد عندما قال أن من لا يرضى بالمادة الثانية من الدستور فليرحل، ثم بعد ذلك نستمع إلى تهديد السلفيين بهدم الأضرحة الموجودة بالقاهرة، والتعرض للسيدات غير المتحجبات.  ونقرأ بعد ذلك في المانشيت الرئيسي لأحد الجرائد القومية فطع أذن لأحد المسحييين على يد هؤلاء السلفيين، وهكذا نفاجأ كل يوم بخبر عن السلفيين، وهي أخبار مقلقة بلا أدنى شك. والأخطر منها أنهم قد قرروا أن يكونوا حزبا ويدخلون في السباق السياسي.
ولا بد أن يتساءل المرء عن حجم هؤلاء السلفيين في المجتمع المصري؟ ولماذا ظهروا بهذه الكثافة في وسائل الإعلام في هذا الوقت؟ وإلى أين ستسير مصر إذا ما أصبح هؤلاء جزءا من نظام الدولة القادم؟ ولماذا هذا التناقض بين ما نسمعه عنهم وبين المتحدثين من شيوخهم مثل محمد حسان، وأسامة القوصي؟ ولماذا تغيرت إتجاهاتهم وأخذوا يصرحون أنهم سيشتركون في الإنتخابات الجديدة؟ من الممكن محاولة الإجابة عن بعض هذه الأسئلة، ولكن ستظل أسئلة أخرى تتنظر الإجابة مع الأحداث القادمة.
أولا: ليس مقبولا أن يفرد الإعلام المصري ساعات للحديث مع عبود الزمر وكأنه بطل قومي، إلا إذا كان الهدف هو إفزاع الرأي العام بوجود مثل هؤلاء المتطرفين الذين لم يكن من الممكن أن يكون لهم مثل هذا الظهور في عهد مبارك، وهو ما يدفع بالمواطن العادي البسيط إلى الخوف من الثورة وما تطرحه من بدائل في ظل فوضي تحت إدعاء الحرية، وبهذا يحدث إنقسام في الأراء على قيمة الثورة وما أتت به من إيجابيات، ولاشك أن المستفيد من هذا الإنقسام هو الثورة المضادة التي لا تألو جهدا في محاربة تحقيق مطالب ثورة 25 يناير.
ثانيا: إظهار وجود هؤلاء السلفييين، وحديثهم عن المسيحييين في مصر أنهم "أهل ذمة"،  يمثل تهديدا لوحدة الأمة، ويرعب المصريين المسيحيين، وهو ما يولد إحتقانا لا مبرر له بين المسلمين والمسيحيين. وهذا أيضا يسير مع الخط الذي كان ينتهجه نظام مبارك، من خلق إنقسام حتي يستمر المبرر لوجوده. يمكن القول أن التركيز على وجود السلفيين في المجتمع يدعم إنتشارهم لخدمة الشعور بعدم الأمان الذي ظهر مع إنسحاب الأمن، وإستمر في تهديدنا بأننا سنواجه نقصا في المؤن، وأن إقتصادنا سينهار، وأن البورصة ستسقط، وأن الفوضى ستعم. وينضم إلى هذه القائمة التهديد بمجيء السلفيين في المشهد السياسي، حتي يزداد الفزع، وتصمت الأصوات، وتمتنع المظاهرات، ونعود إلى من يحكموننا مسلمين لهم كل أمورنا، كما كان عهدنا طوال ثلاثين عاما. ويعود النظام القديم تدريحيا في هيئة جديدة من أشخاض جدد، ليهزم الأمل والحلم الذي جاءت به الثورة.
إذا تركنا طرح دور الثورة المضادة  جانبا،  تظل الإجابة على الأسئلة التي سبق طرحها هي مجرد أفتراضات في حاجة إلى مزيد من التمحيض، ذلك أن تغير الإتجاه السلفي الذي كان يكتفي بدوره الدعوي إلى إتجاه سياسي يريد أن يقتحم الحلبة التنافسية بين الأحزاب أمر يجب دراسته وتدبره جيدا، ذلك أنه سبفرض تأويلا للنصوص الإسلامية قد يتناقض جذريا مع الدولة المدنية التي هي أساس المجتمع المصري، ولا يمكن التخلي عنها، ولقد أفصح الشيخ محمد حسان عن تلك الرؤية في حديثه مع عمرو الليثي في برنامج واحد من الناس، قائلا أن الحاكمية لله، مفترضا أن الشريعة واضحة بذاتها، ومعتمدا على إجماع الفقهاء السابقين الذي كانوا يعيشون عصرا غير عصرنا، وجازما بأنه يرفض أن يترشح لرئاسة الجمهورية قبطي، أو مرأة، وهو ما يضر بشدة بمبدأ المواطنة والمساواة.  وعلى فرض أن ولاية القبطي والمرأة ليست مطروحة على أرض الواقع في هذا الوقت، ولكن الجزم بعدم إمكانيتها، يعطينا مؤشرا على طريقة تفكير قد تدفعنا دفعا إلى ما لا يحمد عقباه. وإذا أضفنا إلى هذا أن رأي من يقال عنهم أنهم معتدلون لا يمثل بالنسبة لعامة السلفيين الرؤية التي يرتضونها لتنظيم المجتمع، فإننا سنجد أنفسنا أمام نظام قامع للحرية ، تحت إسم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، منعزل ومغلق عن حركة العالم، تحت زعم الحفاظ على الهوية الإسلامية، وهذا من شأنه أن يحدث فتنة أو فتن،  إذ لا يوجد إختلاف على أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يوجد إختلاف أيضا على أهمية الحفاظ على الهوية، ولكن عند محاولة السلفيين تأكيد مثل هذه المباديء سينقلب الحال إلى فرض رأيهم ورؤيتهم على المجتمع كله. وهذا نموذج متكرر حدث في الدول التي أعلنت أن الشريعة هي المرحعية الرئيسية لنظام الحكم فيها، مثل السعودية، وإيران.  نجد أن المرأة ما زالت ترزخ في قيود لا تجد منها فكاكا، وتتنافي مع أبسط الحقوق، مثل عدم السماح لها بقيادة سيارتها الخاصة، وإستبعادها من بعض المهن. بالإضافة إلى ما يمارسة المطوف من سلوكيات تتنافي مع روح الإسلام والإيمان، إذ يسمح له القانون بالضرب لمن يتخلف عن الصلاة في ميقاتها، والصلاة في المقام الأول عبادة يتشوق إليها المؤمن، وإختيار خاص يجب أن يحترم. ونجد هذا التعنت في إرتداء الشادور بالنسبة للنساء في إيران أو النقاب بالنسبة للسعودية تدخل في إختيارات المرأة  وكسر لإجتهادها في التقوى الذي يحب أن يكون أمرا ذاتيا وشخصيا، وليس أمرا إجتماعيا قانونيا. هذا قليل من كثير من التجارب التي تدعي أنها تتخذ الشريعة مصدرا لنظامها التشريعي والإجتماعي. ولذا فإن تلك الأحزاب التي تقول أنها أحزاب مدنية ذات مرجعية دينية، ستعمل على فرض مفهومها في تطبيق الشريعة، ولذا فلا بد أن نتمسك بنص "تطبيق مباديء الشريعة" ، وليس القول "بتطبيق الشريعة"  فالعبارة الأولى تؤكيد على المقاصد الكلية التي هي أرض مشتركة بين الإسلام وبين الثقافة الإنسانية عامة وهي العدل والمساواة والحرية والشفافية وغيرها من المباديء. والعبارة الثانية تفترض أن الشريعة أمر معلوم بذاته ولا يتطلب تأويلا أو إجتهادا في التطبيق. وبينما تفتح العبارة الأولى المجال للإجتهاد والإستفادة من التجارب الإنسانية، تغلق العبارة الثانية القدرة على تقديم بدائل عند التطبيق.
إذا كان تواجد هذا الفكر السلفي واقعا نعيشه، فلا ينبغي أن يكون القهر أو القمع هو الوسيلة للتخلص منه، بل لا بد من تعليم يقوم على التدريب على الفكر النقدي الإبداعي، وأن يترك المفكرون الدارسون للحضارة والفكر الإسلامي من كافة جوانبه ليعبروا عن رؤاهم المنبثقة من رؤية الإسلام ليس بإعتباره مجموعة من الأشكال الجامدة، ولكن من حيث هو مصدر فياض لقيم ومباديء تشجع على التطور والتقدم في كل ميادين الحياة. 

No comments:

Post a Comment