Thursday, April 21, 2011

عندما يساء إستخدام فكرة الديمقراطية د.علياء رافع


لقد ساءني كثيرا أن يربط إعلامي كبير مثل حمدي قنديل بين ممارسة الديمقراطية وبين الشخصيات التي تحتل مناصب قيادية في مراكز دولية، فلقد قال أنه نتيجة لأن  د. البرادعي والسيد عمرو موسى يشتركان في أنهما أدارا منظمات كبرى لوقت طويل فهو يخشى ألا يستطيع أي منهما أن يكون ديمقراطيا عندما يجيء إلى الحكم ، ويقول معللا ذلك لأنهما بحكم موقعهما القيادي لم يتعودا أن يتقبلا أي كلمة نقد أو رفض لما يقولا.    ساءني هذا القول أو هذا الإستنتاج لأنه غير قائم على ربط مقدمات بنتائجها. إن إستمرار كليهما في المناصب القيادية لفترة طويلة يعني أنهما أثبتا كفاءة ، كل في مؤسسته التي ترأسها. وهو يقيس على ما يحدث في مجتمع مثل مجتمعنا، حيث غابت آليات ووسائل المراقبة. أما عن المنظمات الدوية فإن الجميع يعلم ية لها نظام هيكلي وإداري متقن، ولا يمكن أن ينفرد فيه المدير بإتخاذ القرار على الإطلاق، بل يجب أن يبني أي قرار على دراسة مستفيضة يسهم فيها فريق العمل المشارك له، ولا بد من التداول معهم للنظرة إلى الأمر من مختلف الأوجه، ويتحمل نتائج القرارات الإستراتيجية المدعمة بالمعلومات الضرورية والأساسية.  مثل هذه القرارات لا تقوم على أراء، وإنما تقوم على معلومات وإستراتيجيات متفق عليها. ولهذا فإن د.البرادعي عندما نال جائزة نوبل للسلام، نالها بإعتباره جزء من منظمة دولية، ونالت هذه المنظمة معه هذه الجائزة.
ومن ناحية أخرى فلقد شهدت أيضا إجتماعا آخر، كان المتحدث فيه قيادة سياسية معروفة، أفصحت عن مقاطعتها لأحد الأحداث السياسية الهامة في ذلك الوقت، وعبرت تلك القيادة عن الأسباب في وضوح، ولكن كثير من الحاضرين كان لهم رأي مختلف، فأخذوا يبدون إعتراضاتهم على هذا القرار الخاص بهذه القيادة، وإقترح أحدهم أن يؤخذ تصويت في هذا الشأن، وما كان من هذه الشخصية  إلا أن قالت بهدوء وبحسم أن هذا القرار نابع من موقف أخلاقي غير قابل للمناقشة.  كان الإقتراح بالتصويب غريبا للغاية، إذ أن  من حق المستمعين أن يعرفوا السبب في  إتخاذ هذا القرار، وقد يختلفوا أو يتفقوا معه، ولكن ليس من حقهم أن يضغطوا عليه  لتوجيهه تبعا لرغبتهم ، خاصة وأن هذا القرار يتعلق بمبدأ أخلاقي طرحه بوضوح.  وقال البعض أنهم بهذاالشكل يمارسون حقهم الديمقراطي.
أذهلني أن يحدث هذا بين مثقفين ونخبة من المجتمع المصري، وأساءني أيضا هذا الموقف مثلما أساءني ما قاله الإعلامي حمدي قنديل،  ذلك أن الديمقراطية أصبحت كلمة تطلق على أي ممارسة ضغط عن طريق أغلبية أو حتي أقلية تستميل عددا من الناس من أجل أهداف ما، قد لاتكون في صالح المجتمع الذي تنتمي إليه. هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن ليس كل قرار، أو موضوع قابل لأن يؤخذ فيه تصويت الأغلبية. على سبيل المثال القرارات الإستراتبيجة لا تؤخذ إلى بناء على دراسات وتحليلات علمية، وتلك الدراسات هي التي تقيد القيادة التي قد تكون فردا أو عددا من الأفراد في إتخاذها قرار ما من القرارات.  
وعندما ننتقل من هذه المواقف الفردية إلى المجتمع، فإن هذه الكلمة نستخدم كثيرا لتعبر عن رغبتنا في أن يكون الشعب هو مصدر السلطات، وأن إرادته يجب أن تحترم. وفي سبيل هذا الهدف فهناك الكثير من النظم السياسية التى تهدف إلى الوصول إلى  هذا الغرض، والتعبير في أغلب هذه النظم يعتمد على ممثلين للشعب، يضمهم المجلس أو المجالس البرلمانية. ولكن كيفية عمل هذه المجالس النيابية، ونوعها وعددها وطريقة ترشيح أفرادها تتنوع من بلد إلى آخر. ولكن أهم ما في الأمر هو أن يجيء هذا المجلس البرلماني ليكون معبرا بالفعل عن كل أطياف الشعب وطبقاته. أما إذا كان هذا المجلس هو نتاج لقدرات المرشحين المالية في تقديم رشاوي في صورة خدمات خاصة، أو جوائز عينية، أو عملة نقدية، فإن نجاح هؤلاء المرشحين لن يكون معبرا عن إرادة الشعب. وبالتالي فإنه في مثل هذا المجتمع لن تكون هناك ممارسة للديمقراطية، على الرغم من أن هناك مجلسا نيابيا. ولذا فإن إقامة ديمقراطية يتطلب منظومة أخرى من التنظيم، حيث لا بد أن يتوافر الوعي السياسي، وأن يكون هناك مناخ حر، وشفافية، ونتيجة حقيقية للتصويت وليس نتائج مزورة
لقد إنتهكت الديمقراطية كثيرا في بلدنا، ولم تكن المجالس النيابية منذ قيام ثورة 1952 وإلى رحيل مبارك معبرة عن الشعب، وممثلة له، ولكنها كانت تمثيلية هزلية تحتفظ بالشكل الديمقراطي، بينما الحقيقة أنها تخلو من أي مضمون أو فاعلية. وإذا نظرنا إلى مجتمعنا الآن، فإنه على الرغم من تغير المناخ في المجتمع، والإقبال الهائل على المشاركة السياسية، إلا أن هذا لايعني أن أي تصويت سيكون معبرا عن الإرادة الشعبية.  ولكن البديل هو خروج الناس في مظاهرات مليونية مطالبين بإستكمال مسيرة الثوة. تلك المظاهرات المليونية المتوالية، تشيرإلى أن الشعب فرض إرادته، وأن مصر تشهد الآن مشهدا رائعا من الحرية والديمقراطية، خاصة وأن المطالب في هذه التجمع المليوني لا ينحرق قيد أنمله عن المطالب التي أعلنتها الثورة منذ بدايتها. ولكن ليس من المعقول أو المقبول أن تكون هذه هي الطريقة الوحيدة التي يعبر بها الشعب عن نفسه، من المنتظر أن يتم تكوين مجالس نيابية يفترض أن تكون ممثلة للشعب.
وتبدو الخطورة  في الكيفية التي ستدار بها العملية الإنتخابية لتكوين المجالس النيابية القادمة ، فهل ستكون تلك المجالس معبرة فعلا عن الشعب، أم ستكون في يد المجموعة الأكثر تنظيما، والقادرة على شراء أصوات الناخيبن. إن ما حدث في الإستفتاء على التعديلات الدستورية قد أشار إلى أنه من خلال ممارسة الديمقراطية، إستغل البعض البسطاء، وزيف البعض وعيهم عندما ربطوا بين التصويب بالموافقة وبين الدين، وإستهتروا بهم عندما كانوا يوزعون عليهم بعض المواد التموينية، أو الأموال النقدية. وغلى الرغم من الإقبال الشديد، والشفافية المقبولة نسبيا أثناء الإستفتاء وبعده، إلا أن النتيجة جاءت غير معبرة عن الشعب، لأن ذلك الشعب الذي ذهب إلى الإنتخاب لم يكن لديه فكرة أو قدرة على الإحاطة بكل مادة من المواد المعدلة وأهميتها على مستقبل مصر.
إننا مقبلون على مرحلة هامة، وأعتقد أن كل موطن يتمنى أن تأخذ الأحزاب الناشئة والمعبرة عن الثورة وضعها في المجتمع، وتكون قادرة على تكوين القاعدة الشعبية المؤيدة لها والمعبرة عنها. الوقت يبدو قصيرا للغاية، فإذاجاء مجلس شعب غير معبر عن إرادة الشعب، نتيجة للمارسات غير الشريفة، أو قصور الأحزاب الناشئة عن توصيل فكرها إلى الشعب المصري، فإن تكوين برلمان مصري لن يعني أن هناك ديمقراطية، ولابد أن تقوم كيانات أخرى تعبر عن الشعب، وتضغط بنفس الطريقة المعهودة على سياسات الحكومة.  أقول إن مايبدو "ديمقراطيا" قد يكون أكثر الممارسات بعدا عن الديمقراطية، وهكذا يساء إستخدام الديمقراطية.

No comments:

Post a Comment