Tuesday, April 26, 2011

حتى لا يمارس التمييز تحت مقولة الحرية د.علياء رافع


أذكر في هذا المقال أكثر من موقف، أعتبره بمثابة أجراس إنذار لما يمكن أن يحدث إذا ما أسيء فهم معنى المناخ الحر، وأري أنه بجب وضع مرجعيات مبدئية واضحة يلتزم بها الجميع. ويتفق الجميع أن إحترام القانون هو أحد تلك المرجعيات الأساسية، ويجب أن تكون تلك القوانين إنعكاسا لما إتفق عليه في الدستور. وإذا كنا بصدد وضع دستور جديد، سيتمخض عنه باضرورة مراجعة القوانين الموجودة، وتعديلها إذا تطلب الأمر ذلك لتتناسب مع الدستور الجديد، وقد يتطلب الأمر كذلك إستحداث تشريعات جديدة.  ومن هنا فإنني أؤكد على أهمية المادة التي تؤكد على عدم التمييز بين المواطنين نتيجة للدين أو الجنس أو العرق.  ولا مناص من أن تتحول هذه المادة من إتفاق ورقي يكتب في الدستور إلى مبدأ أخلاقي ييتنشر ثقافيا بين المصريين. أقول قولي هذا ولقد لفت نظرى بعض الأحداث التي أريد أن أعرضها لتبين خطورة التمييز على مستقبل مصر.
أولا: ماحدث في قنا، فلقد كتبت الأقلام عن أحداث قنا، وتنباينت الأخبار ما بين من يقول أن إحتجاج أهل محافظة قنا على تعيين المحافظ يرجع إلى  تاريخه الأمني، وبين من يتحدث عن قبطيته. وإذا كان من حق كل المواطنين في ظل جو الحرية الذي نتطلع إلى تأكيده أن يتظاهروا سلميا معترضين على تاريخ هذه المحافظ أو ذاك، ولكن ليس من حقهم أن يعترضوا على دينه. ولقد أساءني أن أستمع إلى مداخلة من المتحدث بإسم السلفيين وهو يقول بكل صراحة أنه لا يعتبر المسيحيين اليوم مؤمنين، بل يعلن صراحة أنهم كفرة من وجهة نظر المسلمين، وذلك في برنامج من أكثر البرامج الحوارية مشاهدة لما يتمتع به مقدمه من درجة عالية من المهنية، وهو برنامج "آخر كلام". بل ويتحدث عن رأيه "الإسلامي" في عدم  جواز أن يأخذ القبطي أو المرأة مركز رئاسة الجمهورية.  وإذا بي أفاجأ عند مناقشتي لهذه القضية مع بعض المصريين  أنهم يدافعون عن هؤلاء الذي يفرقون بين المصريين، مدعين أن هذا هو جو الحرية الذي يبنغي أن نتقبل فيه الآراء المختلفة، وأن يعبر الناس عما يجيش في صدورهم.
وإذا كان حق الإختلاف حق من حقوق الإنسان، فإن حق الإختلاف الذي يسمح للبعض أن يستبعد أو يتهجم على عقائد الآخرين، أو ذلك الذي يبني على إختلاف العقيدة أوضاعا مدنية أو إجتماعية، فإن هذا الرأي يقع في تناقض مع حق الإختلاف، أي أنه ليس إنطلاقا من حق التعبيرعن الرأي أن يوضع تصنيفا مجحفا لأي من البشر. وإذا كان من حق كل إنسان على المستوى الفردي أن يتخذ موقفا من معتقدات الآخرين فيرفضها أو يقبلها، ولكن ليس من حقه أن يجعل رأيه حكما عاما، تبني عليه سياسات دولة. والأكثر خطورة أن يبنى هذا الموقف المتعصب على معتقدات دينية. ولأكون أكثر صراحة فإنه من الواضح أن النصوص الإسلامية قد أنكرت أي تجسيد لله في بشر، نزهت الله عن كل صورة أو شكل، وقد يكون هذا خطا فاصلا بين عقيدة المسلمين وبين عقيدة البعض من المسيحيين.  فليكن هناك إختلاف عقائدي جوهري بين كل من المسلمين والمسيحيين، ولكن لا يجب أن يترتب على هذا الإختلاف أي تفرقة في المعاملة بين الفريقيين، طالما أنهما يشتركان في وطن واحد. ولتحترم كل جماعة الحق الإنساني في أن يختار كل إنسان عقيدته. ولهذا فإننا لا يجب أن نتوقف عند ما حدث في قنا على أنه مشكلة تختص بهذه المحافظة فقط وطبيعتها القبلية وتركيبها الديموجرافي، ولكن علينا أن نقرأ منها  جانبها الديني أيضا، وما يمكن أن يحدث في المستقبل إذا تم تغذية هذا الإتجاه، وإذا ما سمح للبعض تحت مناخ الحرية أن يفرض عقيدته على الآخرين، بل يفرض قراءته للشريعة على النظام العام للدولة المدنية وقوانينها بما يفرق بين المواطنين ويمايز بينهم.
ثانيا: إتاحة الفرصة لمن ينكر مساواة المرأة بالرجل أن يأخذ أبواقا داخل الإعلام والجامعات، وأقول قولي هذا بمناسبة قراءتي لإعلان في كلية البنات عن ندوة تقوم بها شيخة إختارتها الطالبات لتقوم بنشر الفكر الأصوليى المتشدد داخل الكلية، وموضوع المحاضرة "الشريعة الإسلامية"، وعندما تحدثت مع المسئولة عن رعاية الشباب في الكلية، فقالت لي أن هذه السيدة ستتحدث عن "سماحة" الشريعة الإسلامية، وهو ما لم يكن واضحا في عنوان المحاضرة, وعلمت بعد ذلك أن داخل بيت الطالبات مجموعة تحاول أن تشيع الفكر المتشدد الذي يدعو الفتنيات إلى إرتداء النقاب، وأن هذه المحاضرة ممن يقتنعون بهذا الإتجاه.  وأيضا دارت بيني وبين المسئولة عن رعاية الشباب حديثا عن الحرية، وأكدت لي بصوت هاديء وقناعة واضحة أنه من حق الفتاة أن ترتدي ما تشاء نقاب أو غيره.  وعلى الرغم مما يبدو من هذه العبارة من أنها إحترام لحق التعبير،  ولكن هذه الرؤية تحمل  الكثير من المغالطات.   إضافة إلى الخطورة الأمنية لإنتشار هذا الزي، نجد أن النقاب في حد ذاته بما فيه من إخفاء لملامح المرأة الذي ترتديه، فإنه يلغي شخصيتها وتفردها الإنساني الذي هو حق لها كما هو حق عليها. ناهيك عما فيه من تناقض مع الفكر الإسلامي، وهو ما لن أتعرض له في هذا المقام.
يحمل هذا الزي  تمييزا اضحا ضد المرأة، بل ويؤكدها بما يحمله من أفكار عن "العورة" ، و"الفتنة" وغيرها من الأفكار المريضة، ويقلل أيضامن شأنها، بل ويهين إنسانية الإنسان، بإعتباره عبد لغزيزته. ليس هناك إختلاف بالطبع في ضرورة الإحتشام وإحترام المجتمع الذي نعيش، فيه للرجاء والنساء على حد سواء. نحن هنا تحت زعم الحرية، نتيح لأفكار التمييز ضد المرأة أن تنتشر.
ثالثا: أفزعني هذا الإحنتلاط في الخطاب بين حق المجتمع في محاكمة رموز الفساد في العهد البائد، وبين ما يقال أنه شعور بالشماتة.  أعتقد أنني وغيري من المصريين كنا نتمنى أن يحدث الإصلاح من داخل النظام، ولكن تبين لكل مصري أن المجتمع كان غارقا في فساد لا يمكن القضاء عليه إلا بالقضاء على النظام نفسه. هكذا كان فضل الله علينا بتفجير هذه الثورة، وإكتشفنا ضمن ما إكتشفنا أن مقعد الرئاسة أغلى على الرئيس المتخلي من حياة شباب عظيم، كان خطؤه الأعظم أنه رفض القمع والقهر، فأمرمبارك  بقتله دون أن تأخذه فيه شفقة أو رحمة. كل شهيد سالت دماؤه له حق علىنا جميعا.  وكان الرئيس السابق ينوي أن يلصق بهذا الشباب الطاهر المزيد من جرائم الشغب التي قام هو بإرتكابها، ويعاقبه عليها، وهذا هو التفسير الوحيد لتباطئه في إلقاء خطابه يوم 28 يناير، وعدم تقديم العزاء للشهداء يوم 1 فبراير.
كانت الثورة ومطالبها  بالنسبة له شغبا يجب أن يقضي عليه بكل الوسائل.  وفي سبيل التمسك بالحكم أغرق البلاد في فوضى كادت تقضي على إقتصادها وأمنها القومي. لم تكن مصر وشعبها أولوية في حسابات الرئيس السابق، ولكن كانت أسرته ومقعده أهم عنده من كل شيء. ولهذا ترك أعوانه يعيثون فسادا ليؤمن وجوده بينهم.  عندما سقطت الأقنغة، فإن ما قيل أنه إنجازات للنظام السابق، أصبحت ذرائع إستخدمها كي يبقي في السلطة. وكما قال لي أحد المتظاهرين من أساتذة الجامعة الذين إلتقيت بهم في الميدان وهو يبكي : "مصر تستحق أكثر من هذا بكثير، كيف تسبقنا كوريا وماليزيا وغيرها من الدول التي بدأت معنا حركات التحريروالإستقلال.. نحن المصريين قادرون على أن نجعل مصر دولة عظمى.. لماذا يمنعونا من العطاء لبلدنا".
 إن من قتل روح شعب، يستحق العقاب العادل دون شماته. أما عدم العدل معه ومع أعوانه جميعا فإنه يعني إستهتارا بأرواح أزهقت، ودماء سالت، وآمال تحطمت، وحياة بشر ضاعت، وفرص أهدرت. ألا يستحق هذا الوطن منا أن نحاسب من لم يحفظ الأمانة؟
المساواة والعدل ليست كلمات توضع في جمل مفيدة في دستور مكتوب، ولكنها قيم يجب أن نطبقها على كل المستويات، يكون التشريع وتطبيقه مؤكدا لها، وتكون ثقافتنا وسلوكنا واصفا لتطبيقها، وبدون المساواة والعدل تختلط الحقوق ونفقد القدرة على إستعادة مكانتنا التي نتسحقها. إذا قامت لمصر قائمة فإنها ستكون ملهما للعالم أجمع في طريقه نحو الحرية، تلك الحرية التي لا تقلل من قيمة الإنسان، ولا تعطي للبعض حق في إحتقار الآخرين، ولا تسمح بإختلاط العدل مع الإنتقام، وبين التهاون في الحقوق تحت التسامح. إنها الحرية التي تغذيها قيم أخلاقية إنسانية عاشتها مصر في تاريخها العظيم، وعلينا أن نعيد إستيعابها وتطبيقها.     

No comments:

Post a Comment