Tuesday, May 10, 2011

حزب يعبر عن روح الثورة د. علياء رافع


أثناء قيام الثورة، كانت أعصابي كلها مشدودة إلى الميدان، أتتبع الأخبار، أصلي وأدعو أن يكتب الله لهذه الثورة أن تحقق أمانيها، ولم يكن في إستطاعتي أن أمسك قلما أو أخط خطا، لأكتب مذكرات الثورة وأحداثها. واليوم عندما علمت عن تكوين حزب يريد أن يكون تعبيرا عن روح الثورة، دون الإدعاء بأنه الحزب الوحيد الذي يملك هذا الحق، تفجرعندي الكثير من الأحاسيس والأفكار التي ملأت وجداني أثناء الثورة. 
وعلى الرغم من النجاح العظيم لهذه الثورة لتحقيق خطوة كبرى في مسار آمالها وطموحاتها، كان هناك الكثير مما يجعل الكثير منh قلقا، خائفا، راجيا أن تكتمل خطوات النجاح على خير. وبدا أن بعض نقاط القوة في هذه الثورة، هو نفسه نقاط ضعفها.  ذلك أن خلو الساحة من قيادة تمثل القائمين بها،  أوجد تخوفات كثيرة من قدرتها على الإستمرارية، ومازال.  ذلك أنه على الرغم من السير الحثيث نحو تحقيق الأهداف، إلا أن القوى المضادة للثورة مازالت تعمل. ومع أن هناك تحسنا ملحوظا في الحالة الأمنية، إلا أنه لم يصل بعد إلى الدرجة المطلوبة. مازال المستقبل ضبابيا بالنسبة لقدرة الأحزاب الجديدة على التكوين وعلى بناء شعبية. ومازال التخوف قائما من أن يكون المجلس البرلماني غير معبر تعبيرا حقيقيا عن القوى الوطنية في مصر، وبالتالي لن يكون الدستور معبرا كذلك عن روح هذه البلد وتطلعاته. وهذه التخوفات ليست وهمية ولكنها تخوفات حقيقية.  تلك التخوفات زادت نتيجة لما يحدث على الساحة الآن، ولكنها بدأت منذ رحيل مبارك.  
منذ نجاح الثورة في خطواتها الأولى، كنت أتساءل عن كيفية إستمرارية روح الثورة التي تجسدت في ميدان التحرير، حيث سقطت الأيديولوجيات والفروق بين الأدين، وبين الطبقات وبين المهن. وهي ثورة شارك فيها الرجال والنساء معا، وكان الإحترام والتعامل الراقي بين الجنسين على أعلى مستوى، حتي أنه لم تحدث حالة تحرش واحدة بين هذه الملايين التي تتجمع في مكان واحد، كان حب مصر قيمة عليا طهرت النفوس، لأنه حب مبني على قيمة الحرية التي جعلها الله معنى لإنسانية الإنسان. وكلنا يعلم كيف كان التنظيم داخل الميدان أعلى ما يكون من حيث الكفاءة والدقة، والمحافظة على نظافة المكان، وروح التعاون والتضامن، وتوفير الإحتياجات الأساسية للمتظاهرين من طعام وشراب، بل وإنشاء محطات علاجية، وتجهير حجرة عمليات للحالات العاجلة في مكان قريب من الميدان.
كنت عللى يقين أن هذه الروح إذا إستمرت، ستقفز مصر قفزات هائلة لا يمكن أن يتوقعها أحد، وكنت أناقش أحد الشباب معبرة له عن أملي في أن نجد وسيلة ونساهم فيها كي نحفظ هذه الروح الوليدة التي في حاجة إلى عناية ورعاية فائقة. فلا يكفي أن نفرح برحيل فرد، أو حتي نظام بأكمله، ولكن لا بد أن تعبر هذه الروح عن نفسها من خلال سياسات مستمرة، تشجع كل مصري أن يعمل بكل طاقاته من أجل صالح مصر، كل من موقعه، ولكن في تآزر ومحبة. 
كان من ضمن المخاوف التي بدت للعيان هو ظهور بعض الأحزاب التي تحمل إسم الثورة مثل الإعلان عن حزب "ثورة 25 يناير"،  وعلى الرغم من فرحتي الساذجة بالإعلان عن هذا الحزب في بداية الأمر، إلا أنني سرعان ما تبينت أن أي حزب يطلق على نفسه هذا الإسم، لا بد أنه حزب يريد أن يسرق الثورة، ولا يعبر عنها، لأن من قام بالثورة  الشعب المصري كله، وما أشعل بدايتها الأولي شباب لا ينتمون إلى حزب واحد، ولكنهم ينتمون إلى أيديولوجيات كثيرة، ولكن جمعهم هدف واحد. وأصبحت أكثر قلقا من ظهور أحزاب تتصارع على سرقة ما حققته الثورة وتعمل على الإستفادة من هذا النجاح  لحساب فئة قليلة، ولا تتجه إلى المجتمع كله. وإشتعلت في رأسي فكرة قيام سياسة للدولة لا تنتمي إلى أيديولوجيا بعينها، ولكنها تجمع المصريين من مختلفة الأيديولوجيات، ويكون توجهها إلى الأهداف والأولويات التي تحتاجها مصر، وأن تساهم في إستثمار روح الإنتماء الكبيرة التي ظهرت أثناء الثورة. سياسة تحرك كل قضايا المجتمع من خلال قضية محورية، وتصورت أن القضاء على الفقر قد يكون بداية حقيقية، ستساهم في تغيير السياسات التعليمية والخدمات الصحية، والتوجهات الإقتصادية، وغيرها.  أي أن روح الثورة يجب أن تستمر في نظام كامل. كانت تلك أفكار عامة تريد أن تتبلور في رؤية متكاملة، مدعمة بدراسات مختلفة.
وفي محاولة لرؤية ما يحدث على أرض الواقع، راعني تلك الإئتلفات، والإتحادات، والجبهات، والتجمعات المختلفة التي أصبحت تدرك أن الفرقة والتفكك هو السلاح الذي سيتمكن من خلال القوى المناهضة للثورة أن تضربها، وتعيد البلاد إلى القوى القديمة تحت أسماء جديةد، وبشعارات خادعة. ولهذا فلقد طرحت هذه الرؤية جانبا، وأصبحت أكثر إهتماما بتدعيم الشخصية الرئاسية التي أشعر أن مصر ستكون في أمان معها، ولم أجد خيرا من د. البرادعي مرشحا، محققا لتلك الرؤية، ولم يكن عندي شك في أنه سيكون ممكنا لكل فرد أن يجد مكانه الذي يتمكن فيه من العطاء لمصر.
و في يوم الجمعة 6 مايو، جاءني خبر سعيد أن هناك حزبا قد أعلن عن وجوده بالفعل، وأخذ العدد المطلوب من التوقيعات الضرورية، وهو حزب العدالة ويتبني روح الثورة من حيث عدم الإنتماء إلى أي أيديولوجيا بعينها، ولكنه يجمع تحت مظلته كل الألوان والأطياف، ويرفع شعر العدالة بإعتبار الرؤية المحورية التي توجه برامجه الإستراتيجية. ولا تتمثل رئاسته في فرد، ولكنها هي مجموعة من المؤسسين الذين يحلمون بأن تستمر روح الثورة. وسعدت ببعض أسماء الأعضاء المؤسسين الذي أعرف وطنيتهم وأطمئن لإخلاصهم. ويعتبر هذا الحزب فريدا من حيث أنه إختار من الشخصيات العامة مستشارين دون أن يكونوا بالضرورة أعضاء في الحزب. وكذلك فإنه إلتزم بالإعلان عن الجهات التي تمول الحزب من خارج الأعضاء.  وأتمنى أنه إذا تواجدت تجمعات تحمل هذه الروح، أي تحمل "روح الثورة" التي تهتم بالهدف، وتسعي لتحقيقة عن طريق الدراسة والتلاحم مع المجتمع، وليس عن طريق فرض نظرية، وإتجاه، والصراع من أجل الغلبة والقوة، أتمنى أن تتحالف كل هذه القوى الحزبية المتشابهة في كتلة واحدة، وتنظم نفسها الأن لكسب شعبية على أرض الواقع، حتي يجي مجلس الشعب القادم معبرا عن روح الثورة، وليس عن أيديولوجيات أحادية الرؤية، تناور من أجل السلطة، ولي من أجل مصر.
ويبقي العمل السياسي أوسع كثيرا من العمل الحزبي، إذ أن العمل السياسي هو العمل المؤثر في المجتمع بصورة فعالة، وهو ذلك الذي يطور من البناء القاعدي فكريا وعلميا وإقتصاديا، ولقد إتفق بعض من منظري علوم السياسة والإقتصاد أن المجتمع المدني والنشاط الأهلي سيكون له قوة مؤثرة في التوجهات السياسية في مرحلة ما بعد الحداثة. وفي الواقع فإن حزب العدالة الذي إستطاع أن يتخلص من الأيديولوجيات الحاكمة فإنه يعبر عن عصر ما بعد الحداثة، وسيكون نجاحه رهن بإستمرارية قدرته على جمع المختلفين أيديولوجيا نحو أهداف، والتوافق المبدع من أجل حل الكثير من قضايا المجتمع المتشابكة.  

No comments:

Post a Comment