Tuesday, May 17, 2011

من المسئول عن الإحتقان الطائفي في مصر؟ د. علياء رافع


غير مفهوم ما حدث في إمبابة، وعندما يستعصى أمر على الفهم، فإننا يجب أن نبحث عن أشياء لا تراها العين ولا يقبلها المنطق. لن نقبل بعد أن رأينا كيف تآزر المصريون مسيحيين ومسلمين في الثورة، أن هناك طائفية في مصر. ولا نجد بدا  من التفكير في مغزى هذا الحدث وغيره من الأحداث التي سبقته، لنصل إلى أنه من الواضح أن تشويه صورة مصر من ناحية، وخلق إحتقانات بين المسلمين والأقباط من ناحية أخرى يخدم أعداء مصر، ولابد أن يكون لأعداء مصر يد في مثل هذه الحوادت .
 وتتجه أصابع الإتهام إلى جهات كثيرة، منها اسرائيل، أو أتباع النظام السابق، أو من لا نزال لا نعلمهم.  وقد يكون هؤلاء وأولئك كلهم مجتمعون من أجل ضرب الثورة، وشغل الرأي العام بهذه الأحداث بديلا عن الإنتباه إلى خطورة المرحلة القادمة التي سيتحدد بها مستقبل مصر لأعوام طويلة. ولأنني أكره نظرية المؤامرة، ولكن لا أجد بدا في مثل هذه الأحداث وتتبع تسلسلها من إدراج عناصر مختلفة في إشعال إحتقان كان يمكن ألا يكون له هذا التأثير المدمر. ومع ذلك فلا أرفع المسئولية عن وجود خطاب ديني متطرف بشكل أو آخر. أقول خطاب، ولا أقول تطرف شعب، ولكن هناك فئة أو فئات ما زالت تعيش في عصر غير العصر، وفي فكرلا بد أنه سيجرنا إلى الوراء، ولا يساعدنا على أن نخطو خطوة إلى الأمام.  
يؤكد تقرير لجنة تقصي الحقائق ما أفترضه . ونتبين أن الأمر قد بدا مثيرا للقلق، عندما إجتمع عدد من المسلمين مطالبين بالدخول لأنقاذ زوجه رجل مسلم، وهي من أصل مسيحي، وإدعوا أنها محتجزة في الكنيسة. وكان من الطبيعي أن يرفض المسيحيون أن تدخل جمهرة من المسلمين إلى الكنيسة، وبدأ الإصرار الذي يقابله رفض يخلق نوعا من التوتر. وفجأة وبدون مقدمات يضرب مجهول النار، إعتقد كثير من المسلمين أنه من المسيحيين في الكنيسة، وإعتقد المسيحيون أنه أحد المسلمين المتجمهرين أمام الكنيسة، وبدأت حدة الصراع تزيد، وإستخدام الأسلحة النارية وكوكتيل المولوتوف يثير إلتهابا، ويتسبب في إشعال النيران في الكنيسة.  وترتفع هتافات عدائية، لا تحمل روح مصر، ثم يتجه عدد من الملتحين إلى كنيسة العذراء القريبة من كنيسة مارمينا التي كانت المسرح الأول للحدث، مدمرين ما أمامهم.  ويتساقط قتلى وجرحي مسلمين ومسيحيين.
ومما يدعم فرض أن هناك من يريد أن يشعل الموقف، هو وضوح التحضير والإعداد لمسرح الأحداث كي يأخذ طريقه نحو التصاعد،  فمثلا نحد أنه لا يتوقع أن تظهر الأسلحة النارية دون أن يكون هناك توقع لمعركة، وثانيا  يقال أن بلطجية قد دخلوا ليزيدوا الأمر إشتعالا، ولا نعلم من أين جاءوا، وكيف أعدوا أنفسهم لهذا الحدث، ثالثا نحد أن  الطلقة النارية الأولى لم يكن لها أي مبرر على الإطلاق، وكانت مجهولة المصدر، وهو ما يذكرنا بالرجل المجهول أيضا الذي دخل من قبل قرية أطفيح ليذكر أهلها بحدث غرامي بين مسلمة ومسيحي، كان قد مر عليه عدة أشهر. وذلك عندما إنطلقت شائعة بأن أحد الفتيات المسلمات تخرج مع شاب مسيحي،  وبدا أن هذا الدخيل الغريب قد أثارفي عقول أبناء عمومة الفتاة الأولى ضرورة الإنتقام من الشاب والفتاة المسلمة، قأخذوا  يطالبون الأب أن يسلم إبنته ليقتلوها دفاعا عن شرفهم، وعندما رفض فإنهم بدأوا يقاتلونه، وهكذا كان الإحتقان بين أفراد عائلة مسلمة، ولكن إذ بالأمر يخرج إلى القرية بأكملها، ويتحول إلى حرق للكنيسة.
وفي إمبابة وأطفيح نلاحظ أن حرق الكنيسة مستهدف، وهذه ظاهرة جديدة في حد ذاتها، فمنذ بدأت حوادت الكشح في تسعينيات القرن الماضي، كان الأمر لا يخرج عن مشاحنات، وتنحاز فيها الشرطة إلى جانب المسلمين على حساب المسيحيين، ويليها جلسات عرفية يقال أنها أصلحت بين الطرفين المختلفين. ومع حرق الكنيسة تظهر أصوات بعض السلفيين في فيديوهات على اليوتيوب، تدعو إلى حرق الكنائس، وتؤجج المشاعر ضد مسيحي مصر، زاعمة أن هناك أسلحة في الكنائس.
 لماذا تتكرر مثل هذه الأحداث ولنفس الأسباب تقريبا، وهو الدفاع عن فتاة مسيحية تأسلمت، أو فتاة مسلمة تقع في غرام شاب مسيحي. وفي كل الأحوال يتم تجاهل الضوابط الإجتماعية والشرعية المنظمة لمثل هذه السلوكيات، ويأخذ الأهالي على عاتقهم أن يحلوا الأزمة بأنفسهم، وبالعنف. سيقول البعض أن هذا يرجع إلى العادات والتقاليد المترسخة بين هؤلاء وهؤلاء، وقد يكون هذا صحيحا أحيانا، ولكنه ليس صحيح على المطلق، بالإضافة إلى أنه يستغل ليصبح الموقف ليس مجرد سلوك يعبر عن عادة، ولكن يخلق عداوات متأصلة.  وإذا إستمرت القناعة بأن كل فرد له الحق في أن يطبق ما يراه عقابا، فإن هذا الحال سيؤدي إلى فوضى مطلقة. وعندما نربط هذا الإتجاه الفوضوي، بذلك الإحتفاء الإعلامي بخروج عبود الزمر، ومحمد الظواهري، وتصريحهما بكل فخر بأنهما يعتمدا على "العلماء" في تبرير الإعتداء على الأشخاص أو النظام، تنتابنا الدهشة. لماذا يظهر مثل هؤلاء في هذا الوقت، وبهذه الجرأة، ولا يراجعهما أحد فيما يقولان، وينهاهما عن مثل هذا الأسلوب في التفكير.  ومحاسبتهما على مثل هذا الإتجاه لا يتناقض مع حرية الفكر والعقيدة، لأن هذا الأسلوب في معالجة الأمور يهدد أمن وسلامة المجتمع.  
وإذا ربطنا ما يحدث بكيف كان الإعلام الخارجي في بداية الثورة، يريد أن يظهر الإسلام السياسي، كما لوكان هو مفجر الثورة، والقادم إلى الأخذ بأمور البلاد، نجد أن هناك إتجاها ما ولأسباب معروفة، يحاول أن يبرز الإسلام السياسي بإعتباره صاحب اليد الطولى في مصر. ييبدو أن هذا هو أحد المقدمات كي  يعطي مبررا لإسرائيل كي تضرب مصر بصورة أو أخرى تحت مقولة الدفاع عن أمنها. هناك إذا تمنى خفي من جانب إسرائيل وأعداء مصر جميعا أن يجيء الإسلاميون إلى الحكم، وأن تظهر إحتقانات طائفية هنا، وهناك تبرر أيضا لدول أجنبية أن تتدخل.  هؤلاء وأولئك لا يريدون مصر قوية، ولكن للأسف فإنهم يعتمدون على المصريين في تحقيق طموحاتهم.
أين تقع هذه البؤر التي يخترقها أعداء مصر؟ إنها تقع بين الجهلاء الذي ينخدعون بأي شعار ديني، ويظنون أنهم يدافعون عن الدين، وذلك حتى في قضايا أخرى، مثل هذه التظاهرة التي قامت بها المتنقبات مطالبات بإستقالة شيخ ومفتي الأزهر، لأنهما لا يران أن النقاب عبادة، ويؤكدان أنه عادة. وهذا يدل على أن الجهل لا يتمثل فقط في عدم القراءة والكتابة، ولكنه يكمن في طريقة التفكير. وعندما يكون الآخرون أحاديي التفكير، واهمين أنهم يملكون الحقيقة المطلقة بإسم الدين – أي دين – فهذا يجعلهم عرضة لتغلغل الأفكار العدائية ضد بعضهم البعض.
لا ينبغي أن نبالغ في المخاطر، ولكن علينا أن نتحسب لها، ونضع سياسة طويلة المدى، تقضي على تلك الجهالة، لتخرج مصر أحسن وأحمل ما فيها. وحسنا فعل الشباب الذي خرج يوم الجمعة فوقف المسلمون مع المسحييين متضامنين، ومطالبين بمحاكمة كل ما تسبب في هذه الأحداث بعدل وشفافية، وعدم التباطؤ في تطبيق القانون. وإن كان هذا يدل على شيء فإنه يدل على أن مصر بخير، وينبغي أن نسير قدما نحو إستكمال أهداف الثورة العظيمة. 

No comments:

Post a Comment