Tuesday, June 21, 2011

خطاب أوباما عن الشرق الأوسط ودروس الثورة المصرية د. علياء رافع


إنتظر العالم حديث أوباما مترقبين مواقفه تجاه ما يحدث في البلاد العربية من ثورات، وبالأخص العلاقة بين إسرائيل والعرب في هذه المرحلة الحاسمة من التاريخ الإنساني.  لم يجء الحديث مفاجئا لأي دارس لسياسات الولايات المتحدة في عهد أوباما. الكل يعلم أن كل رؤساء الولايات المتحدة لا بد أن يؤكدون إلتزامهم بأمن إسرائيل وسلامتها والمحافظة على وجودها، وهكذا بدا الخطاب واضحا ومؤكدا لهذا الإلتزام.  ولكن منذ تولي أوباما رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية حاول أن يرسي رؤية جديدة تعتمد على التكامل بين الحضارات وليس صراع الحضارات،  وحاول كذلك أن يبدو خطابه متوازنا بين مصالح إسرائيل وحقوق الشعب الفلسطيني.  وفي خطابه يوم 18 مايو 2011، تحدث مؤيدا لحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولة ذات سيادة في حدود ما قبل نكسة 1967، مع بعض التعددلات الطفيفة، مما أثار حفيظة الإسرائيليين الذي أعلنوا الرفض الكامل لهذه المطالبة، معللين رفضهم بأن في هذا مايهدد أمن إسرائيل، وأن حديث أوباما يصعد الأمر ولا يشجع على السلام، بينما لخص رؤيته بالنسبة للجانب الفلسطيني في أنهم  يجب أن يعترفوا بوجود دولة إسرائيل، ليمكن لإسرائيل أن تقيم تفاوضا معهم.
وحتى يوفر على نفسه النقد من كلا الجبهتين فلم يدخل أوباما في الجوانب المعقدة للمشكلة الفلسطينية، ويقف على رأسها مدينة القدس، ورفض العرب التام للتنازل عنها، وكذلك عودة اللاجئين ورفض إسرائيل التام لمجرد إدراجها على جدول المفاوضات. ستظل إذن المشكلة الفلسطينية والصراع مع إسرائيل قائما إلى سنوات قادمة، ولكن السؤال هو هي سيتغير النموذج المتكرر الذي رأيناها على مدى أكثر من ستين عاما، والذي إستطاعت إسرائيل فيه أن تلعب دورها السياسي بإستراتيجية واضحة، ومن خلالها تضغط على العرب، ثم تأخذ ما تريد، ودون أن يتعلم العرب الكر والفر، أو التخطيط على مستوى طويل المدى كما تفعل إسرائيل، أو كما فعل اليهود بدءا من الدعوة إلى إنشاء وطن قومي في فلسطين، وهو حلم بدا ضربا من الطوباوية الخيالية، ولكن بطول النفس، والتخطيط المستمر، إستطاع اليهود أن يحققوا هذا الحلم. هل يحلم الفلسطينيون والعرب حلما يقدرون على تحقيقه. أحسب أن الثورة المصرية يمكن أن تلهم الفلسطينيين والشعوب العربية أن تحلم بالعودة، ولكن بإسلوب آخر، وبرؤية جديدة، عرضتها في كتاب شاركت في تأليفه، وقدم له أ.د. إسماعيل سراج الدين، وعدد منقادة الفكر في العالم، وكان المجلس الأعلى للترجمة قد أخذ حق ترجمته إلى العربية، وقامت بالترجمة الأستاذة سهام عبد السلام، ولكن لم يظهر إلى النور حتى الآن. 
لقد حلمت حلما لا تلعب فيه أمريكا دورا في حل المشكلة، بقدر ما تلعب فيه الشعوب هذا الدور. ذلك أن الخروج من الصندوق المغلق الذي وضع العرب أنفسهم فيه منذ بداية نشأة إسرائيل ضرورة، لنرى بعيون جديدة ومن خلال واقع جديد، يفرضه تقدم الزمن. الحلم الذي أراه ممكنا هو أن يتحالف اليهود المقيمين في دولة إسرائيل، والفلسطينيون داخل وخارج إسرائيل ليخلقوا الأمن والسلام للأجيال القادمة، التي ليس لها ذنب فيما حدث في الماضي. وأنا على قناعة أن التعاطف الإنساني الذي يمكن أن يحدث بين الشعبين، من الممكن أن يجعل كل شعب يدافع عن حق الشعب الآخر في الحياة، أي أن يدافع الفلسطينيون عن حق أطفال إسرائيل الذين لم يعرفوا لهم وطنا غير هذه الأرض في أن يستمروا عليها، ويدافع اليهود المقيمون في فلسطين تحت دولة إسرائيل في حق الفلسطينيون أن يعيشوا في سلام وأمن. ويتجمع كل الفريقين ليقاوم إتجاهات القيادات التي تعمل على إبادة الطرف الآخر. ولا يعني ذلك في المرحلة الأولى أن تتحول إسرائيل إلى دولة مدنية، فهي دولة قامت لتستوعب يهود العالم، دفاعا عن أمن اليهود الذي لاقوا إضطهادا من جميع شعوب العالم على مدى تاريخهم الطويل. وإذا شعروا بالأمان مع جيرانهم، ستضعف دافعية الوجود المنفصل عن المحيط الحضاري العربي حولهم، وسيندمجون تدريجيا فيه، ولا يشعرون بالحاجة لأن تكون لهم دولتهم. 
ولكن قبل هذا ومن أجل هذا لا بد لهذه المنطقة أن تبعث في نهضة حضارية جديدة، ظهرت إرهاصاتها في ثورة 25 يناير. وأعتقد أن المباديء والأخلاقيات التي ظهرت في الثلاث أسابيع التي سبقت تخلي الرئيس عن منصبه،  هي الشعلة التي يجب أن نسير على هداها، حيث تجسدت فيها روح مصر وحضارتها التي يجب أن تستمر، والتي يريد البعض أن تموت أن تختفي من على مسرح الأحداث بإشعال هذه الفتن الطائفية المتوالية، وإزكاء نار الفكر المتشدد، القائم على الفصل بين المسلمين وبين أصحاب الديانات المختلفة.  كيف يمكن أن نطالب اليهود في إسرائيل أن يتخلوا عن عنصريتهم، ونحن نخلق عنصرية مماثلة مع أقباط مصر، عنصرية يزكيها التفرقة بين مسيحي مصر ومسلميها في الحقوق والواجبات، التي يدعي من يسمون أنفسهم سلفيون أنهم محقون فيها.
وبالعودة إلى خطاب أوباما، فإن قوله أن يؤيد الشعوب التي تثور من أجل حريتها وحقوقها، فإن هذا قول محتاج إلى إختبار على أرض الواقع، ذلك أن قمع ثورة البحرين، وتجنب الحديث عن النظام السعودي الديكتاتوري، والتردد في تأييد الثورة المصرية في بداياتها يجعل المراقب للأحداث يشك كثيرا في خلوص هذه النية. ولا يجب أن تنخدع الشعوب بهذا الكلام المعسول، أي ينبغي أن نغير من رؤيتنا أن أمريكا هي المنقذ والحليف، وأن ندرك جيدا أن قوة بلدنا هي التي تجذب هذه الدول وغيرها كي تقترب منا في علاقة تعاون وصداقة. وهذا درس آخر من الدروس التي تعلمناها من ثورة 25 يناير. تلك الثورة التي فاجأت العالم، وعلى رأسها الولايات المتحدة. ولم يستطع جهاز المخابرات الأمريكية أن يتكهن بحدوثها.  قد يكون المحللون السياسيون في كل مكان مدركين أن الأوضاع في مصر قبل الثورة كانت ساخنة، وقد يكون الكثيرون منهم قد تكهنوا أن نظام مبارك قد قارب على الإنتهاء، ولكن لم يكن أحد يدري كيف سيحدث هذا. 
وفي كل الأحوال فإن القول أننا يجب أن نكون حذرين من الخطابات السياسية التي صيغت بحنكة  وبلاغة، وألا نعتقد أن الخلاص سيجيء من هذه الدولة أو تلك، لا يعني على الإطلاق أن نعلن عبارات التخوين السياسي والشجب والعداء مع دول تعرض علينا المساعدة.  لقد غيرت ثورة 25 يناير رؤيتنا لأنفسنا، ورؤيتنا للعالم، إذ أصبح واضحا لدينا أن الخيوط في أيدينا وليس في أيدي قوة أخرى، وأن التعامل مع العلم يجب أن ينطلق من ثقة في النفس، أي ألا نعلق كل الآمال على إرادة الغير بنا، وتصبح نظرية المؤامرة غمامة تقف بيننا وبين رؤيتنا ونقدنا لأنفسنا، ولا نعزل عن أنفسنا أيضا عن العالم بنفس الفكر القديم الذي كان يربط بين العزلة وبين الإستقلال الإقتصادي والسياسي. لقد تغير العالم وأصبح متشابكا ومعقدا بدرجة لم يشهدها التاريخ من قبل، ولذا فإن التوازن بين الثقة في النفس والإعتماد عليها، وبين التعاون مع الغير والإستفادة مما يقدمة تحدي علينا أن نواجهه، ولتكن رسالتنا التي تحكم كل توجهاتنا ليس إتخاذ موقف عدائي مع هذه القوى أو تلك، بل إزالة الحواجز والأسباب التي تؤدي إلى الصدام والصراع، ونشر حضارة مصر بما تحمل من رغبة في نشر قيم السلام والمحبة بين البشر أجمعين. هذه هي روح ثورة يناير.

No comments:

Post a Comment