Tuesday, July 19, 2011

قراءة في دلالات إستمرارية الثورة د. علياء رافع


كنت في واشنطن العاصمة عندما جاء 8 يوليو بما يحمله من معنى وإشارة إلى أن الشعب لن يقبل مرة أخرى أن يغرر به، وأنه إستيقظ ولن ينام، وبعث ولن يموت. إن هذا التجمع الهائل الذي كنت أتتبعه من خلال التويتر والفيس بوك إن كان يدل على شيء فهو يدل على أن الثورة مازالت مستمرة. وجاء خبر هذا الحشد على إستحياء في السي إن إن المحلية ( أي الخاصة بالولايات المتحدة)، وإنشغلت هذه المحطة التليفزيونية بالخلافات القائمة بين أوباما وحزب المعارضة بالنسبة لسياسة الديمقراطيين الإقتصادية، ومحاولة أوباما إحتواء الأزمة. هذا بالإضافة إلى أخبار متناثرة عن أحداث هامشية. وهكذا بدا لي أن ثورة مصر لم تعد تلاق نفس الإهتمام الإعلامي الذي لاقته في البدايات الأولى، وكأن الأمر قد إنتهي عند تخلي مبارك عن الحكم. وأصبح ما يحدث على الساحة المصرية أمرا داخليا. هكذا أراد الإعلام أن يعبر عن توجهاته التي لا تخلو من تأثير متحيز، يتدخل فيه اللوبي الصهيوني، أو الإتجاه الحكومي أو المعارض، تبعا لقوة العلاقة التي تحكم هذه المحطة أو تلك بشبكات من المصالح في بلد يدعي أنه يدافع عن حرية التعبير.  وفي الوقت نفسه فإنني على يقين أن كل ما يحدث على أرض مصر، يأخذ أهمية بالغة بالنسبة للدوائر الخاصة في الإدارة الأمريكية، تحليلا، وترقبا، لأن نجاح الثورة في تحقيق أهدافها سيكون بداية جديدة في تاريخ مصر، مؤثرا على المنطقة كلها، بل والعالم أيضا.
أرجو ألا يعتقد القاريء أنني خرجت عن الموضوع الرئيسي، فما أريد أن أوصله إلى قارئي هو أن النبض المصري نابع من شعب ظهرت خصائصه الأصيلة في تلك اللحظة التاريخية العظيمة التي ستصبح علامة في تاريخ العالم أجمع، دون أي تأثير أو تأثر بقوى خارجية. ولا تعني إستمرارية الثورة عداءا مباشرا أو غير مباشر لأي قوى سياسية، ولكن الإصرار على إستكمال الثورة لأهدافها الواضحة والبسيطة هو إصرار على ضرورة تغيير أسلوب التعامل مع الشعب ، ذلك الأسلوب الذي دأب على تجاهل إرادة هذا الشعب. كانت الثورة ضد نظام بأكمله، وكان حسني مبارك رمزا له، وضد أسلوب حكم إستمر في تجاهل تام للإرادة الشعبية، وإستخفاف بالجماهير العريضة، وإضعاف لإمكانياتها.  وإرتكب حسني مبارك بشخصه جرما لا يستهان به، ليس فقط من حيث أفساد الحياة السياسية، وسياساته الإستبدادية، وليس فقط الإستيلاء على أموال الوطن، وتشجيع آخرين على نهب ثرواته، ولكنه أيضا قد إشترك في مذبحة 28 يناير، بإصدار أمر مباشر لوزير الداخلية بإستخدام السلاح في قتل المتظاهرين، والإنسحاب الأمني الكامل في ليلة الجمعة الحزينة، وإستخدام كل أساليب الترويع لمقاومة الثورة. هذه التهم ثابتة، وواضحة. والتساؤل هو لماذا هذا التراخي في بدء المحاكمة التي يجب أن تكون علانية؟
لا أريد أن أعيد ما قلته في مقالات سابقة من أن هناك ألغازا لا نستطيع أن نفك شفرتها منذ بداية الثورة،  منها الإصرار على بقاء وزارة شفيق، والتذبذب بين سياسة التخويف وسياسة المآزرة، فلم يكن من الطبيعي على الإطلاق ان يصدر قانون يجرم التجمعات والتظاهرات في أعقاب ثورة تحققت بكسر حاجز الخوف، وكان من الأولى مواجهة التظاهرات الفئوية بأسلوب الحوار من ناحية، وبإعادة النظر في قانون إنشاء النقابات المعبرة عن مطالب العاملين من ناحية أخرى. ولم يكن من الطبيعي أيضا أن يتم ترويع المتظاهرين بمحاكمات عسكرية، وغيرها من وسائل الترويع. وبدا واضحا أن المجلس العسكري – على الرغم من تجاوبه في تحقيق إستبعاد مبارك عن الحكم – فإنه لم يكن في نفس التجاوب مع الإعتراف بشرعية الثورة التي أسقطت الدستور القديم، ذلك أن الإصرار على "تعديلات دستورية" يحمل في طياته إتجاها إصلاحيا وليس إتجاها ثوريا.  وفي مقابل هذا الخط يظهر خط أخر فيه تأييد ومآزرة، حيث يظهر علينا لواءات من المجلس العسكري يذكروننا بموقف الجيش وإنحيازه إلى الشعب في ثورته، وإستمرارية تدعيمه ومأزرته، والإستجاب إلى معظم مطالبه، وهذا أيضا حق لا يمكن إنكاره. ولكن لماذا لا تسير سياسات المجلس العسكري في إتجاه الثورة وليس ضدها؟  لا أجد إجابة على هذا السؤال. وليس من الضروري أن تكون هناك إجابة في الوقت الحالي، ولكن من الضروري أن يستجيب المجلس العسكري لمطالب الشعب، وهذا ما يحدث بالفعل. ولكن ببطء شديد، وبتلبية جزئية. وأتصور أن الثورة تبلغ منتهاها حينما يسبق المجلس العسكري الحاكم مطالب الجماهير قبل أن تتظاهر، ولكن في ظل هذا الخطو البطيء لابد أن تستمر الثورة.  ولذا فإن الثورة مازالت قائمة. وهي ليست ثورة ضد أي قوى، أي ليست ثورة صد المجلس العسكري، ولكنها ضد أسلوب إدارة البلاد الذي يجب أن يتغير وأن يصبح قادرا على تلبية آمال الجماهير العريضة.
كان الشعب لماحا وواعيا، عند ترك الأمور الخلافية مثل الدستور أولا أم الإنتخابات، وإتجه مباشرة إلى المطالبة بمحاكمة رموز النظام السابق تحقيقا للعدالة، وقصاصا لدم الشهداء الطاهر الذي يجب أن يلاق إحتراما وتقديرا، وليس تهاونا وتراخيا، وعندما رفضت الجماهير أن تتعامل وزارة الداخلية الحالية مع أهالي الشهداء بالعنف وإطلاق الرصاص، أو أن تتعامل الوزارة الحالية مع أهالي الشهداء ومطالبهم العادلة بالتجاهل التام. لم يكن مقبولا أن تظل رموز عهد سابق متواجدة في مراكز قوى تمارس بها السياسات القديمة،  وهكذا توحد الثوار نحو مطالب واضحة وشاملة، ويلتقي عندها الجميع. ولذا فإن إستمرارية الثورة يجب أن تستمر ضد كل الوسائل والأساليب التي تفرق بين المتظاهرين، وضد كل العوامل النفسية التي تضعف من إصرارهم وإرادتهم. وإستمرارية الثورة ضرورة من أجل التغلب على وهم أن ضعف الإنتاج، وغلاء المعيشة المتزايد، وغياب الأمن، والتحديات الإقتصادية، وهرب السياح هو نتيجة للثورة، ولكن يجب أن يكون الوعي أن كل هذا بدأ بمنهجة من النظام السابق، ثم أعوانه في إشاعة الفوضى – تحت إسم الثورة – والزج بالبلطجية في كل مناسبة ممكنة لإثارة الفتن والقلاقل. يجب أن يحتفظ الثوار بسلمية الثورة ونقائها بالتعرف على كل فئات دخيلة تحاول أن تحيد بها عن هذا الإتجاه. إن هذا الإصرار يعطي إطمئنانا لكل من يترقب ويراقب المشهد المصري، وهو ما سيؤثر على الإقتصاد إيجابا وليس سلبا. الثورة من أجل مصر وليس ضد مصالحها.
إذا لم تنجح الثورة في تحقيق أهدافها فإن هذا يعني أن دماء الشهداء قد أزهقت هدرا. وإذا إنكسرت هذه الإرادة بتصميمها وقوتها وعنفواتها، فإن مستقبل مصر سيصبح في خطر. إستمرار الثورة ضرورة إستراتيجية من أجل مستقبل مصر،  ولذا يجب أن يكون المجلس الأعلى في صفوف الثوار، كما كان عندما وقف إلى جانب الشعب في لحظة سيكتبها له التاريخ عندما تخلي مبارك عن الرئاسة. أملنا في الله كبير، ولن تقف هذه الثورة إن شاء الله حتي تصل إلى أهدافها، وحتي يبزع فجر جديد، حينئذ سيحقق المصريون المعجزات، وليشهد التاريخ على ميلاد حضارة جديدة عالمية تذخر بقيم الحرية والعدالة والسلام، تبدأ من مصر.

No comments:

Post a Comment