Tuesday, July 5, 2011

الخطر الداهم الذي لا يراه القائمون على الحكم د.علياء رافع

شهدت الأيام الماضية أحداثا ذكرتنا بما كان يجري في بدايات الثورة، حيث نشهد الشرطة تضرب الشعب،  وتحدث بلبلة كبيرة في توصيف ردود فعل الناس، وهجومهم على رجال الأمن، والإشتباكات المتبادلة. ليس هذا رأيي وحدي، ولكنه رأي كثير من الذين وجدوا أنفسهم فجأة أمام مشهد كادوا أن ينسوه.  وأيا ما كان الأمر: هل هؤلاء بلطجية أم أهالي الشهداء؟ لا شك أن بعضا منهم كان يمارس أعمال البلطجة، ولكن ليس كل من وقف أمام وزارة الداخلية من البلطجية. هل هؤلاء أهالي الشهداء؟ لا بد أن يكون منهم أهالي الشهداء الذين إختاروا الإعتصام في ماسبيرو، ولم يلتفت إليهم أحد. 
إذن نحن أمام ظاهرة غريبة إختلط فيها الحابل بالنابل، مما يصعب معه الهجوم أو التأييد الكامل لما يحدث.  ولكن ليس من مصلحة وزير الداخلية أن ينكر أنه كان هناك عنف شديد في مواجهة هؤلاء البلطجية – المتضررين – أهالي الشهداء الذي إجتمعوا في مشهد واحد غريب، فهذا ما رأيناه، وهذا ما سمعناه.   
وعندما يظهر وزير الداخلية ليقول أن الشرطة لم تستخدم رصاصة واحدة، معيدا نفس القصة ونفس الأسلوب في نفي شيء لكي يهرب من عنف شبيه بضرب الرصاص، وعندما يصرح وزير العدل أن المحاكمات تأخذ مجراها الطبيعي، حتي يمكن إحكام التهم – إذا وجدت – وإعطاء فرصة للمتهمين للدفاع عن النفس، حتي لا يطعن في الحكم، فإنني أعتبر أن هذه مهزلة كبرى. لماذا نعطي رموز هذا النظام الفرصة لترتيب أوراقهم لتصبح المحاكمة صورية، وتنقذ رقبة هؤلاء نتيجة للقول بعدم توفر الأدلة الكافية. ما يحدث هو أن التحقيقات تتوخى الدقة المتناهية، ولكنها تعطي الفرصة للنظام السابق أن يتلاعب لينقذ نفسه، ويقوم أعوان النظام السابق بالفعل وبشهادة الشهود في كثير من البرامج التليفزيونية،  بالضغط على المتظلمين والمتضررين من قتل أبنائهم وأهلهم، والمصابين بالعاهات، ويحاربوهم بالتهديد ومرة بالرشوة  للتنازل عن قضاياهم ضد الضباط والجنود الذين قتلوا وأصابوا أبناءهم مرة أخرى. وإذا تنازل هؤلاء سيعجز القانون الذي هو أداة لإقامة العدل عن القصاص من المجرمين ولا يصبح هناك متهمون على الرغم من الوثائق المرئية التي سجلت على سمع وبصر العالم أجمع.
ما الذي يحتاجه القضاء حتي يثبت أن حسني مبارك وحبيب العادلي متورطان في قتل المتظاهرين؟  ألا يكفي دم ألف شهيد أن يكون دليلا على تورطهما؟ ألم تسجل هذه الجرائم بالصوت والصورة؟ إنها ليست قضية أهالي الشهداء فقط، إنها قضيتنا جميعا، نحن في حاجة إلى القصاص العادل، وهذا التباطؤ ظلم وليس عدلا بأي حال من الأحوال.
والنتيجة المحتومة لهذا التباطؤ الذي يكسر الثقة ويضعفها بين الشعب وبين القوى الحاكمة (المجلس الأعلى العسكري و مجلس الوزراء) أن تتحول الثورة من ثورة بيضاء سلمية إلى ثورة غضب وعنف، ومن ثورة قام بها خير شباب الوطن علما وفهما للأمور، إلى ثورة جياع تسوء أحوالهم يوما بعد يوم نتيجة لعدم الإستقرار الأمني والسياسي غير المبررين على الإطلاق. ولا ينبغي أن تكون المظاهرات السلمية التي قامت على مدار الشهور الماضية هي الشماعة التي يعلق عليها البعض غياب الأمن وإنهيار الإقتصاد كنتيجة طبيعية.  لقد خلق النظام السابق هذه الحالة المزرية، وإستمرت. وللأسف عندما ظهر الأمن ظهر بنفس الصورة القديمة التي خلقت فجوة بينه وبين أفراد الشعب جميعا.
ليس من مصلحة الوطن خلق توتر في الشارع فيظهر ذلك الإنقسام بين أبناء الشعب، بعضهم يتبني سياسة الصمود والتصميم على أن يحققوا أهداف الثورة،  والبعض الآخر ينتابه الذعر والقلق،  خائفين مذعورين من أن تسوء الأحوال أكثر مما هي عليه، ويريد أن يؤثر السلامة ويرضى بالحال على، منتظرا النتيجة. وفريق ثالث يتحرك من الفئات التي ظلمت نتيجة تدهور الأحوال الإقتصادية من عمالة مؤقتة، وأسر فقدوا عائلهم نتيجة الثورة،  وفئات أخرى قد ذاقت طعم الأمل في حياة أفضل، وغير مستعدة إلى الرجوع مرة أخرى إلى الإنزاء والإختفاء. لقد كسر هؤلاء حاجز الخوف، ولكن قد يتجهوا إتجاها مدمرا، وليس إتجاها عاقلا. وهذا مارأينا جزءا منه  في احداث 28 يونيو. حينئذ سندخل في دائرة مغلقة من الثورة والقمع، ويعلم الله وحده إلى أين ستنتهي.
إذا نظرنا الآن إلى ما تمر به مصر، يبدو لي أن الأمر جد بسيط وليس في حاجة إلى التباطؤ، هكذا بدا الأمر بسيطا عندما قامت تلك التظاهرة يوم 25 يناير، حيث المطالب واضحة، ويمكن تلبيتها بسهولة. الذي لا بد أن يحدث هو أن يكون هناك قدر من السرعة في محاكمة رموز النظام السابق لما أرتكبوه في أثناء الثورة من قمع وإستخدام عنف بطرق مختلفة، وهذا مثبت وموجود. وأما النقود المنهوبة، فعلى الرغم من أن كل مصري يتمنى أن تعود إلى خزانة الدولة لتستخدم لصالح هذا البلد، ولكنها ليست القضية الرئيسية. يحتاج الناس أن يشعروا أنهم يعيشون ثورة حقيقية، وليس تمثيلية تأييد للثورة، كما شاهدنا وتعودنا عليه أثناء حكم مبارك، حتي أصبحنا نعيش في عالم مغشوش تماما، يظهر بشكل جيد، ويخفي وراءه أبشع الصور. يترك الناس يتكلمون ويكتبون نقدا وهجوما، وكأن البلد ديمقراطي حر، ولكن لا يكون هناك أي تجاوب بأي صورة وبأى شكل. وعندما تواجهنا تصريحات مثل ضرورة تطبيق القانون والعدل، وتجري الأيام ولا يحدث شيء، فإن كم الإحباط الذي تولد في القلوب هائل، ونتائجه لن تكون واحدة عند الجميع. ولكن الإنقسام في المواقف إضافة إلى ظهور الغالبية المطحونة على مسرح الأحداث وأخذها بزمام الأمور بدون تعقل، سيكون له آثار غير مأمونة العواقب.
لقد أذهلت الثورة المصرية العالم بسلميتها رقيها، بقدرتها على التغيير دون أن تكون هناك قيادة واضحة، بقدرتها على إستبعاد رئيس ظل جاثما على حريتها لمدة ثلاثين عاما، ومن حق هؤلاء الذين إستشهدوا أملا في الحرية، وأولئك الذين خرجوا دفاعا عنها، أن يجدوا ثمرة ما سعوا إليه. ويقلقني أن يقول البعض أن هؤلاء متعجلين ويريدون كل شيء مرة واحدة، وذلك أن الشفافية هي ما يطلبه هؤلاء، والتوجه نحو تحقيق آمالهم بصدق هو ما ينتظرونه ويأملونه.  وأخشى أن أقول أن القوى الحاكمة لمصر تفقد مصدقياتها يوما بعد يوم، لغياب لغة التفاهم والحوار، والتعاطف والتقدير. موت مواطن مصري في الثورة ليس أمرا هينا، ودمه ليس ماء ، إنه دم غال وحياة ثمينة. أليس من حقنا أن نشعر أن كل مواطن له قيمة متساوية، أم أن هؤلاء الشباب الذي يقبض عليهم ويسجنون لمدة أعوام وبسرعة فائقة أقل قيمة من رئيس سابق  ثبت تورطه في القتل، ومع ذلك تؤجل محاكمته، وكذلك تؤجل محاكمة اليد التي إستخدمها للقتل. لماذا هذا الحكم بمعيارين؟ إنه تساؤل في عقل كل مصري، وقد يولد اليأس حركة ضارية لا يؤيدها كل غيور على مستقبل مصر، ولذا ينبغي أن نتجنب وقوعها. عاشت مصر قوية آمنة عفية، حماها الله ورعاها، حقا إنها مصر المحروسة. 

No comments:

Post a Comment